روى البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام) قول الله تعالى:
* (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني (2).
وروى البخاري أيضاً بسنده عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة (3).
وروى البخاري أيضاً بسنده عن الجعد عن أبي رجاء عن ابن عباس يرويه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً، فيموت، إلا مات ميتة جاهلية (4).
وروى البخاري أيضاً بسنده عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، وأمر عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن تطيعوني؟ قالوا:
____________
(1) تفسير المنار 5 / 146 - 158 (الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1973).
(2) صحيح البخاري 9 / 77.
(3) صحيح البخاري 9 / 78.
(4) صحيح البخاري 9 / 78.
|
الصفحة 101 |
|
بلى، قال: عزمت عليكم، لما جمعتم حطباً، وأوقدتم ناراً، ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطباً فأوقدوا فلما هموا بالدخول، فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما اتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم، فراراً من النار، أفندخلها، فبينما هم كذلك، إذ خمدت وسكن غضبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو دخلوها، ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف (1).
وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني (2).
وفي رواية: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني (3).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي حازم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك (4).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن شعبة عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: إن خليلي أوصاني: أن أسمع وأطيع، وإن كان عبداً مجدع الأطراف (5).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن يحيى بن حصين قال: سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب في حجة الوداع، وهو يقول: ولو
____________
(1) صحيح البخاري 9 / 78 - 79.
(2) صحيح مسلم 12 / 223.
(3) صحيح مسلم 12 / 223.
(4) صحيح مسلم 12 / 224.
(5) صحيح مسلم 12 / 225.
|
الصفحة 102 |
|
أستعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا (1).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: على المرء المسلم السمع والطاعة، فيما أحب وأكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع، ولا طاعة (2).
وروى البيهقي في سننه بسنده عن مروان بن الحكم قال: سمعت عثمان وعلياً بين مكة والمدينة وعثمان ينهي عن المتعة، وأن يجمع بينهما - أي بين الحج والعمرة - فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً، فقال: لبيك اللهم عمرة وحجة معاً، فقال عثمان: تراني أنهى الناس عنهما، وتفعل أنت؟ فقال علي: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول أحد من الناس (3).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث جيشاً، وأمر عليهم رجلاً، فأوقد ناراً، وقال: أدخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون:
إنا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها، لو دخلتموها، لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولاً حسناً، وقال:
لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف (4).
وروى مسلم أيضاً بسنده عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر، عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وإلى أثرة علينا، وعلى أن
____________
(1) صحيح مسلم 12 / 225.
(2) صحيح مسلم 12 / 226.
(3) سنن البيهقي 5 / 22، محمد رواس قلعة جي: موسوعة فقه عثمان بن عفان - نشر جامعة أم القرى بمكة المكرمة ص 80 (مكة 404 أ / 1983 م).
(4) صحيح مسلم 12 / 226 - 227. وانظر: تفسير القرطبي ص 1830.
|
الصفحة 103 |
|
لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق، أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم (1).
وفي تفسير القرطبي: قال سهل بن عبد الله: لا يزال الناس بخير، ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين فسد دنياهم وأخراهم (2).
وهكذا فإن من عصى الإمام فقد عصى الرسول، ومن عصى الرسول فقد عصى الله تعالى، ومن حارب الإمام، فقد حارب الله والرسول، وأجدر بمن حارب الله والرسول، أن يبوء بإثم عظيم، قال الله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً * أن يقتلوا أو يصلبوا * أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * (3).
وروى أبو داود والنسائي في سننهما بسنده عن أنس بن مالك أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في آثارهم، فجئ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم، وألقاهم في الحرة، قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشاً حتى ماتوا، ونزلت * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله - الآية) * (4).
____________
(1) صحيح مسلم 12 / 227 - 228.
(2) تفسير القرطبي ص 1830 - 1831.
(3) سورة المائدة: آية 33. وانظر: تفسير القرطبي ص 2144 - 2155، تفسير المنار 6 / 291 - 304، تفسير ابن كثير 2 / 74 - 83، تفسير الطبري 10 / 243 - 289، تفسير النسفي 1 / 282 - 283.
(4) سنن أبي داود 4 / 130 - 131 (حديث رقم 4364، رقم 4369)، تحفة الأحوذي 1 / 242، سنن النسائي 7 / 93، تفسير ابن كثير 7 / 93،
|
الصفحة 104 |
|
والآية الشريفة جعلت المحاربين أربعة أنواع: محارب قتل فجزاؤه القتل، ومحارب قتل وسرق فجزاؤه الصلب، ومحارب سرق فجزاؤه القطع ومحارب أخاف السبيل، فجزاؤه النفي.
وقال بعض الفقهاء: لا توزيع في هذه العقوبات، وللإمام أن يحكم بأية واحدة، حسبما يراه من المصلحة، وإن كانت لهم فئة يرجعون إليها، كانوا بغاة، ولهم أحكام خاصة.
ثم ذكر سبحانه وتعالى في الآية التالية مباشرة: أنه من تاب من قبل القدرة عليه، فقد عفا الله عنه، ومن ثم فيلزم الإمام أن يدعوهم إلى طاعته، قبل أن يبدأهم بالقتال، وقد فعل ذلك سيدنا ومولانا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة، مع من خرجوا عليه من الحروريين (خوارج)، بل ومن خرجوا قبلهم، من أهل الجمل وصفين (1).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك من العلماء من لم يفرق بين طاعة الأمير، في غير معصية الله، وبين استذلال الأمير للناس وقهرهم، وربما كان الأفظع والأدهى من ذلك ما نقرأه من تبرير لتسلط هؤلاء على الأمة، حتى انبرى بعضهم لتبرير مواقف بعض الحكام الظلمة، بل لا يجيز الخروج على الفاسق، كما فعل حجة الإسلام الإمام الغزالي (450 - 505 هـ/ 1058 - 1111 م)، وأبو بكر محمد بن الحسن بن فورك (ت 406 هـ) - المتكلم الأصولي -.
هذا وقد جوز ابن فورك بعثة من كان كافراً، وقال الغزالي في المنحول
____________
(1) تفسير ابن كثير 2 / 81 - 82، محمد بيومي طهران: الإمام علي بن أبي طالب 1 / 148 - 149، (دار النهضة العربية - بيروت 1990 م).
|
الصفحة 105 |
|
في الأصول: والمختار ما ذكره القاضي، وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم (أي الأنبياء)، إذ لا يستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظره، وليس هو مناقضاً لمدلول المعجزة، فإن مدلول صدق اللهجة، بما يخبر عن الله تعالى، لا عمداً ولا سهواً، ومعنى التنفير باطل، فإنا نجوز أن ينبئ الله تعالى كافراً، ويؤيده بالمعجزة.
وقال بعض الحشوية: إن نبينا صلى الله عليه وسلم، كان كذلك، لقوله تعالى: * (ووجدك ضالاً فهدى) * (1).
وكان من نتائج ذلك أن تقرأ في كتبنا نحن المسلمين: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وبطنك، وأخذ مالك، وأن الخلافة تنعقد بالقهر
____________
(1) ذهب قوم من المرجئة، وابن الطيب الباقلاني من الأشعرية، ومن اتبعه، إلى أن الرسل غير معصومين، إلا من الكذب في التبليغ، فإنه لا يجوز عليهم، وذهبت طائفة إلى أن الرسل لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلاً، وجوزوا عليهم الصغائر.
وذهب جمهور أهل الإسلام - من أهل السنة والمعتزلة والشيعة والخوارج - إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلاً معصية عن عمد، لا صغيرة ولا كبيرة، ويقول ابن حزم: إنه يقع من الأنبياء السهو بغير قصد، ويقع منهم أيضاً قصد الشئ، يريدون به وجه الله، والتقريب منه، فيوافق خلاف مراد الله، إلا أنه سبحانه وتعالى، لا يقرهم على شئ من هذين الوجهين أصلاً، بل ينبههم إلى ذلك ويظهر ذلك لعباده ويبين لهم.
ويقول في المواقف وشرحه: أجمع أهل الملل والشرائع على عصمة الأنبياء من تعمد الكذب، فيما دل المعجز على صدقهم فيه، كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله، وأما سائر الذنوب فهي إما كفر أو غيره، فأما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم منه، وأما غير الكفر، فإما كبائر أو صغائر، وكل منهما إما عمداً، وإما سهواً، أو على سبيل الخطأ في التأويل، فجوزه الجمهور - إلا الجبائي -، وأما سهواً، فهو جائز اتفاقاً، واستثنى أكثر المعتزلة الصغائر الخسيسة، وهي ما يحكم على صاحبها بالخسة ودناءة الهمة، فإنها لا تجوز أصلاً - لا عمداً ولا سهواً - هذا كله بعد الوحي.
وأما قبل الوحي، فقال الجمهور: لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة، وقال أكثر المعتزلة: تمتنع عليهم الكبيرة، لأن صدورها يوجب النفرة، وهي تمنع من إتباعه، فتفوت مصلحة البعثة (أحمد أمين: ضحى الإسلام 3 / 229 - القاهرة 1368 هـ/ 1949، ابن حزم: المرجع السابق 4 / 2 وما بعدها، شرح المواقف باختصار 3 / 204 وما بعدها).
|
الصفحة 106 |
|
والاستيلاء، ولو كان الأمير فاسقاً، أو جاهلاً، أو أعجمياً، ولا يحد الإمام حد الشرب، ولا ينعزل بالفسق والفجور (1).
وروى الفقيه الأندلسي أحمد بن محمد بن عبد ربه (246 - 228 هـ/ 860 - 940 م): أمر بعض الخلفاء رجلاً بأمر، فقال: أنا أطوع لك من الرداء، وأذل لك من الحذاء.
وقال آخر: أنا أطوع لك من يدك، وأذل لك من نعلك، وهذا قاله الحسن بن وهب لمحمد بن عبد الملك الزيات.
وقال الخليفة العباسي المنصور (136 - 158 هـ/ 754 - 775 م) لمسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم (الخراساني)؟ قال: * (لو كان فيهما آلها إلا الله لفسدتا) * (2)، قال: حسبك أبا أمية (3).
وروى الإمام الطبري والحافظ ابن كثير وابن الأثير: وفد عمرو بن العاص إلى معاوية - ومعه أهل مصر - فقال لهم عمرو: انظروا، إذا دخلتم على ابن هند، فلا تسلموا عليه بالخلافة، فإنه أعظم لكم في عينه، وصغروه ما استطعتم، فلما قدموا عليه، قال معاوية لحجابه: إني كأني أعرف ابن النابغة، وقد صغر أمري عند القوم، فانظروا إذا دخل الوفد فتعتعوهم أشد تعتعة (إزعاج)، تقدرون عليها، فلا يبلغني رجل منهم، إلا وقد همته نفسه بالتلف، فكان أول من دخل عليه رجل من مصر، يقال له ابن الخياط فدخل، وقد تعتع، فقال: السلام عليك يا رسول الله، فتتابع القوم على ذلك، فلما خرجوا
____________
(1) الشيخ مهدي السماوي: الإمامة في ضوء الكتاب والسنة - الجزء الأول - القاهرة 1397 / 1977 ص 34 - 35، محمد مهدي الأصفى: الإمامة في التشريع الإسلامي ص 121 - 122.
(2) سورة الأنبياء: آية 22.
(3) أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي: العقد الفريد - تحقيق الدكتور مفيد محمد قميحة - الجزء الثاني - دار الكتب العلمية - بيروت 1983 ص 9.
|
الصفحة 107 |
|
قال لهم عمرو: لعنكم الله، نهيتكم أن تسلموا عليه بالإمارة، فسلمتم عليه بالنبوة (1).
وروى ابن الأثير عن جويرة بن أسماء قال: قدم أبو موسى الأشعري على معاوية في برنس أسود، فقال: السلام عليك يا أمين الله، قال: وعليك السلام، فلما خرج، قال معاوية: قدم الشيخ لأوليه، والله لا أوليه (2).
وروى الفقيه ابن عبد ربه الأندلسي في عقده الفريد: قال العتبي: دخل رجل على عبد الملك بن مروان (65 - 86 هـ/ 685 - 705 م)، فقبل يده، وقال:
يدك يا أمير المؤمنين أحق يد بالتقبيل، لعلوها في المكارم، وطهرها من المآثم، وإنك تقل التثريب، وتصفح عن الذنوب، فمن أراد بك سوءاً جعله الله حصيد سيفك، وطريد خوفك (3).
وغالى بعض الولاة في مدح الخلفاء إلى درجة الكفر والفسوق، فالحجاج الثقفي (40 - 95 هـ/ 660 - 714 م) - أحد جبابرة أمراء الدولة الأموية - كان يفضل الخليفة عبد الملك بن مروان، على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنه خاطب الله تعالى أمام الناس قائلاً: أرسولك أفضل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم، أم خليفتك - يعني عبد الملك - (4).
وروى الحافظ ابن كثير بسنده عن المغيرة عن بزيغ بن خالد الضبي قال:
سمعت الحجاج يخطب فقال: رسول أحدكم في حاجته، أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله على أن لا أصلي خلفك صلاة أبداً، وإن وجدت
____________
(1) تاريخ الطبري 5 / 330 - 331، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 11، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 152.
(2) الكامل في التاريخ 4 / 12.
(3) ابن عبد ربه: العقد الفريد 2 / 7.
(4) المقريزي: النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ص 27، رسائل الجاحظ ص 297.
|
الصفحة 108 |
|
قوماً يجاهدونك، لأجاهدنك معهم، زاد إسحاق: فقاتل في الجماجم حتى قتل.
وقال ابن كثير: فإن صح هذا عنه، فظاهره كفر، إن أراد تفضيل منصب الخلافة على الرسالة، أو أراد أن الخليفة من بني أمية، أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
بل إن الحجاج الثقفي، إنما بلغ به الفسوق والعصيان أن يسخر من المسلمين الذين يتشرفون بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: تباً لهم، إنما يطوفون بأعواد ورمة، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك، ألا يعلمون أن خليفة المرء، خير من رسوله (2).
وهناك خالد بن عبد الله القسري - والي مكة المكرمة على أيام الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ/ 705 - 715 م) - وكان رجل سوء، كثيراً ما يقع في سيدنا ومولانا وجدنا الإمام علي بن طالب رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة فلقد روى ابن الأثير في كامله، وابن الأثير في كامله، وابن فهد في إتحافه، في أحداث عام 89 هـ، ولي خالد بن عبد الله القسري مكة (عام 89 هـ) فخطب أهلها، فقال: أيها الناس، أيهما أعظم، خليفة الرجل على أهله، أو رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة، إلا إن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه ملحاً أجاجاً واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً - يعني بالملح زمزم، وبالماء الفرات بئراً حفرها الوليد بثنية طوى، في ثنية الحجون، وكان ماؤها عذباً، وكان ينقل ماءها، ويضعه في حوض إلى جنب زمزم، ليعرف فضله على زمزم، فغارت البئر، وذهب ماؤها، فلا يدري أين هو اليوم (3).
____________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 146 - 147، سنن أبي داود 2 / 514 (القاهرة 1952).
(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 15 / 242 (بيروت 1967 م).
(3) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 536 (دار صادر - بيروت 1965 م)، وانظر: ابن فهد
=>
|
الصفحة 109 |
|
وروى المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد) (207 - 210 هـ/ 285 - 286 هـ) في كتابه الكامل: أن خالد بن عبد الله القسري، لما كان أمير العراق في خلافة هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/ 724 - 743 م) كان يلعن علياً، عليه السلام، على المنبر - تقرباً لنبي أمية - فيقول: اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هشام، صهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على ابنته، وأبا الحسن والحسين، ثم يقبل على الناس، فيقول: هل كنيت؟ (1).
ومن أجل هذا كله، ولأسباب أخرى كثيرة، جعل الإسلام الولاية أمانة، روى مسلم في صحيحه بسنده عن بكر بن عمرو عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن أبي حجيزة الأكبر عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟
قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها (2).
وروى مسلم عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي:
اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم، فارفق به (3).
وعن معقل بن يسار المزني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة (4).
____________
<=
الهاشمي: غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ص 204 - 205 (جامعة أم القرى 1986)، تاريخ الطبري 8 / 67 - 68، الذهبي: ميزان الاعتدال 1 / 633، سير أعلام النبلاء 5 / 429، ابن العماد الحنبلي: العبر في أخبار من غبر 1 / 162، ابن كثير: البداية والنهاية 10 / 20، ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق 5 / 82.
(1) المبرد: الكامل ص 114 (طبع أوروبا)، شرح نهج البلاغة 4 / 57.
(2) صحيح مسلم 12 / 209 - 210.
(3) صحيح مسلم 12 / 212 - 213.
(4) صحيح مسلم 12 / 214.
|
الصفحة 110 |
|
وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته (1).
وعن قتادة عن أبي المليح، أن عبيد الله بن زياد، دخل على معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك بحديث، لولا أني في الموت، لم أحدثك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجتهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة (2).
وعن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد، معقل بن يسار المزني، في مرضه الذي مات فيه، قال معقل: إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علمت أن لي حياة، ما حدثتك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة (3).
وعن يونس عن الحسن قال: دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار، وهو وجع، فسأله فقال: إني محدثك حديثاً لم أكن حدثتكه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يسترعي الله عبداً رعية، يموت حين يموت، وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه الجنة، قال: ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم، قال: ما حدثتك، أو لم أكن لأحدثك (4).
____________
(1) صحيح مسلم 12 / 213.
(2) صحيح مسلم 12 / 215.
(3) صحيح مسلم 2 / 165.
(4) صحيح مسلم 2 / 165 - 166.
|
الصفحة 111 |
|
وعن قتادة عن أبي المليح، أن عبيد الله بن زياد، عاد معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك بحديث، لولا أني في الموت، لم أحدثك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجتهد لهم، وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة (1).
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي الأشهب عن الحسن قال: أن عبيد الله بن زياد، عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل:
أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة (2).
وعن هشام عن الحسن قال: أتينا معقل بن يسار نعوده، فدخل عبيد الله، فقال له معقل: أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم، إلا حرم الله عليه الجنة (3).
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته (4).
وروى أبو داود في سننه بسنده عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم،
____________
(1) صحيح مسلم 2 / 166.
(2) صحيح البخاري 9 / 80.
(3) صحيح البخاري 9 / 80.
(4) صحيح البخاري 9 / 77 (وانظر روايات أخرى 4 / 6، 7 / 34).
|
الصفحة 112 |
|
والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته (1).
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا ضيعت الأمانة، انتظر الساعة، قيل: يا رسول الله: وما إضاعتها، قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة (2).
وروى البخاري في صحيحه (1 / 22): الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3).
هذا وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الأمراء الظلمة، فقال: سيكون من بعدي أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، ولم يرد على الحوض (4).
وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم، قال: أبغض القراء إلى الله تعالى الذين يزورون الأمراء، وفي الخبر: خير الأمراء الذين يأتون العلماء، وشر العلماء الذين يأتون الأمراء.
وفي الخبر أيضاً: العلماء أمناء الرسل على عباد الله، ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك، فقد خانوا الرسل، فاحذروهم واعتزلوهم (5).
ومن ثم فإن القلهاتي أبو عبد الله محمد بن سعيد الأزدي (المتوفى سنة 328 هـ)، إنما يعيب على أهل السنة دعوتهم إلى طاعة الإمام، ولو كان
____________
(1) سنن أبي داود 2 / 117 (ط الحلبي - القاهرة 1952).
(2) ابن تيمية: السياسة الشرعية ص 14.
(3) صحيح البخاري 1 / 22.
(4) أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين 5 / 896 (ط دار الشعب: القاهرة 1969) - والحديث رواه النسائي والترمذي وصححه والحاكم، من حديث كعب بن عجرة.
(5) الغزالي: المرجع السابق ص 896.
|
الصفحة 113 |
|
جباراً عنيداً، وقولهم: إنا لا نقدر على إزالة ذلك الإمام الجائر الفاسق الظالم، إلا بفتنة عظيمة، وحروب تأتي على الأموال والأنفس، واستبقاؤه على ظلمه وغشمه أولى، لأنا إذا خالفناه أو حاربناه، كنا كمن يبني قصراً، ويهدم قصراً (1).
ويصف القلهاتي الإمام بأنه رجل من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، ليس له أن يستحل بما والاه الله تعالى من أمر عباده وبلاده حراماً، ولا يحرم حالاً، بل تزيده الولاية لحق الله تعظيماً (2).
ويستنكر القلهاتي مذهب أهل السنة في طاعة الإمام، مطالباً بضرورة الخروج على الإمام الجائر، محتجاً بمثل قول الله تعالى: * (ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) *، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقول أبي بكر الصديق أطيعوني ما أطعت الله، فإن عصيت الله، فلا طاعة لي عليكم (3).
غير أن الآثار إنما تشير إلى غير ما ذهب إليه القلهاتي، فقد قال حذيفة إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير، فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه، وقال أبو ذر لسلمة: يا سلمة، لا تغش أبواب السلاطين، فإنك لا تصيب من دنياهم شيئاً، إلا أصابوا من دينك، أفضل منه.
وقال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك.
____________
(1) القلهاتي: الكشف والبيان - تحقيق الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف - الجزء الثاني - عمان 1980 ص 239.
(2) القلهاتي: المرجع السابق ص 402.
(3) القلهاتي: المرجع السابق ص 367، عبد الفتاح أحمد فؤاد: الأصول الإيمانية لدى الفرق الإسلامية - الإسكندرية 1990 ص 384 - 385.
|
الصفحة 114 |
|
وقال الأوزاعي (1): ما من شئ أبغض عند الله، من عالم يزور عاملاً، وقال سمنون: ما أسمج بالعالم يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد، فيسأل عنه، فيقال: عند الأمير، وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم، حتى جربت ذلك، إذ ما دخلت قط على هذا السلطان، إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج، فأرى عليها الدرك، مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم.
وقال عبادة بن الصامت: حب القارئ الناسك الأمراء نفاق، وحبه الأغنياء رياء.
وقال ابن مسعود: إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه، فيخرج ولا دين له، قيل له: لم؟ قال: لأنه يرضيه بسخط الله.
وقال الفضيل: ما ازداد رجل من ذي سلطان قرباً، إلا ازداد من الله بعداً.
وكان سعيد بن المسيب: يتجر في الزيت، ويقول: إن في هذا لغنى عن هؤلاء السلاطين.
وقال وهيب: هؤلاء الذين يدخلون على الملوك لهم أضر على الأمة من المقامرين.
____________
(1) الأوزاعي: هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، ولد عام 88 هـ(707 م)، وتوفي في بيروت عام 157 هـ(774 م)، سكن دمشق، وبيروت، وسمع عن عطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري وغيرهم، وكان بعض العلماء يفضلونه على سفيان الثوري، وكما في تذكرة الحفاظ: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه، كان يصلح للخلافة (أنظر عنه: طبقات ابن سعد 7 / 2 / 185، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 / 226 - 227، المقدمة لابن أبي حاتم ص 174 - 218، حلية الأولياء 6 / 135 - 149، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 178 - 183، التهذيب لابن حجر 6 / 338 - 242، البداية والنهاية لابن كثير 10 / 115 - 120، الأعلام للزركلي 4 / 94، معجم المؤلفين لكحالة 5 / 163، وفيات الأعيان 3 / 127 - 128، صفة الصفوة 4 / 228، عبر الذهبي 1 / 227، شذرات الذهب 1 / 241، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - الفقه 3 / 243 - 235).
|
الصفحة 115 |
|