تعقيب على الجواب السابق :
قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً ؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام .
الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّة (عليه السلام) لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : " وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ الله عزَّ وجلّ يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (2) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي .
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى " (3) .
____________
1- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292 .
2- المائدة : 101 .
3- الغيبة للشيخ الطوسي : 292 ، كمال الدين وتمام النعمة : 485 .
|
الصفحة 466 |
|
فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :
1ـ الغيبة سرّ مِن أسرار الله فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمام (عليه السلام) واستشهد بالآية .
2ـ غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية .
3ـ إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف .
4ـ الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته .
5ـ طلبه الدعاء لـه بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى الله بتعجيل فرجه لـه تأثير عند الله بتقريب ظهوره .
6ـ إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهدي (عليه السلام) في غيبته كذلك .
7ـ إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ الله به البلاد والعباد .
8ـ قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار لـه .
9ـ إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى الله تعالى .
10ـ إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ الله التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية .
جعلنا الله وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب .
وعلى كُلّ واحد ـ أينما كان ـ أن يجعل ارتباطه بالله تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً .
نسألكم الدعاء .
|
الصفحة 467 |
|
( يوسف . الكويت . ... )
غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :
السؤال : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمر (عليه السلام) ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّة (عليهم السلام) وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم .
وبما أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم .
وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) ، ولو قلنا بإمامته ـ مع غيبته ـ فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة .
أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة .
الجواب : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها ـ كما ذكر في محلّه ـ ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمام (عليه السلام) يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمام (عليه السلام) ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمام (عليه السلام) .
|
الصفحة 468 |
|
نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّة (عليه السلام) ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهته (عليه السلام) ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس .
وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي ـ ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمام (عليه السلام) ـ لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : " وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا " .
( حيدر . ... . ... )