* ما هو التقديم ؟
* التقديم" يعني "التعريف" ؛ أي معرفة المفهوم أو المصطلح من حيث أبعاده و سماته الظاهرة و مضمونه و أعماقه الباطنة ، و تجسداته في الواقع . و قد تخضع المتجسدات لسنن التغير و أحوال و ظروف التطبيق .
والإسلام ـ كما أُنزل ـ له أبعاده العبادية في أركانه الخمسة ، و مضمونه التشريعي في استخلاف الإنسان لإعمار الأرض و إدارة شؤون الحياة بكل مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، و أعماقه الروحية التي تهذب النفس و تشحذ العقل والفكر . و يؤول ذلك كله إلى منظومة حضارية تجعل لنوعية الحياة و أسلوبها سمتًا خاصًّا يؤكد التواصل بين حياة الدنيا و أبدية الآخرة .
* و ما هو الغرب ؟
* الغرب نعني به ممارسات حضارية حديثة لها جذورها في حضارتي اليونان والرومان القديمتين ، و تراثًا مسيحيًّا كهنوتيًّا و حروبًا صليبية ، و نهضة علمية و تقنية متقدمة ، و توسعًا استعماريًّا قديمًا و نظامًا عالميًّا للهيمنة حديثًا ، يعتمد على الاستغلال الرأسمالي و أوهام عنصرية ، و إفراز مغلوط لمسيحية صهيونية ، و أحلام باستمرار الرفاهية على حساب الشعوب الأخرى و ثرواتها . و إعلاء قيم الحرية والديمقراطية و حقوق الإنسان بين ذويه ، و إهدارها عند الآخرين طبقا لمصالحه الاقتصادية والسياسية .
كما أن الغرب يعني التميز بأسلوب حياة يجمع بين النقيضين ؛ الالتزام في ممارسات العمل والانضباط القانوني ، والتحرر المفرط في أخلاقيات السلوك الاجتماعي ؛ و هو ما أدى إلى مزيد من الفوضى الاجتماعية ، والانحلال الأخلاقي ، وارتفاع مقلق لمعدلات الجريمة والانتحار ، والتخريب في أنماط الحياة الأسرية ؛ بدعوى التحرر والانطلاق من قيود الفطرة الإنسانية للعلاقة بين الجنسين .
* و ماذا يعني الشرق ؟
* الشرق الإسلامي المعاصر : و نعني به كافة المجتمعات الإسلامية الواقعة في المشرق الآسيوي الأفريقي الذي يحتوي على ثلث سكان العالم تقريبًا ، وانتشر فيهم الإسلام منطلقًا من المشرق العربي الذي تمتع بظلال الحضارة الإسلامية منذ نشأتها حتى أوج اعتلائها قمة الحضارات الإنسانية بعد تعميق ثوابت العقيدة الإسلامية ، والأخذ بأسباب المعارف والعلوم و تأصيل قواعد المنهج العلمي التجريبي الذي تأسست عليه فيما بعد أسس النهضة الأوروبية في العلوم و كثير من المعارف الإنسانية ؛ إلا أن التناقضات لم يفلت منه أهل الحضارة الإسلامية منذ أن أساء أغلب التابعين من الخلفاء والحكام مفاهيم الحرية والعدالة والثورة ؛ و ذلك بعدا عن الالتزام بمضمون الشريعة و روح الإسلام في كفالة حرية الكلمة السياسية و عدم احتكار و توارث السلطة والتفريط في الممارسة الحقيقية للشورى الملزمة ؛ و هو ما أدى إلى التفريط في مبادئ و ثوابت العقيدة التي تعزز مستلزمات التوحيد لله سبحانه و تعالى .
* بين حضارتين ... ما موقفنا ؟
* على هدي ما سبق نجد أننا إزاء عالميْن و حضارتيْن فيهما سمات مشتركة بحكم انتماء كل من فيهما إلى الإنسانية ؛ فطرتها و مصادر الحياة الكونية والمعرفية و بعض المصالح الاقتصادية ، و أخرى سمات متباينة بحكم الاختلافات التاريخية والبيئية الجغرافية والسياسية والثقافية والدينية و مستويات التنمية المتقدمة والأخرى المتخلفة ، و يبلور ذلك كله المفارقات الكائنة في نوعية و أساليب الحياة.
و غني عن البيان أن نوعية الحياة في الغرب قد ارتبطت أساليبها بوحشية النظام الإنتاجي الرأسمالي ، و ضرورة ضمان أسواق له في شتى بقاع العالم ، وابتداع نظام الشركات المتعددة الجنسية و حمايتها بكل السبل ، إلى درجة تبرير التدخل العسكري السافر . و أخيرًا قهر الدول للانضمام إلى اتفاقية الجات التي ستؤول فوائدها بشكل جوهري إلى الدول الأكثر تقدمًا على حساب الأخرى المتخلفة والأقل نموا .
والسؤال الذي يفرض نفسه بالضرورة : كيف يمكن تقديم الإسلام للغرب في ظل ما سبق عليه القول ؟ والشقة بين الحضارتين بعيدة ، و أسباب ابتعادها تكمن في تضارب المصالح أولا ، و في الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام بفعل كثير من المفكرين والمستشرقين ثانيًا ، و خبرات الشعور بالعداوة التاريخية الصليبية ثالثا ، و سلوكيات مخالفة للإسلام و روحه بين المجتمعات الإسلامية و دولها و حكامها رابعًا ، و أخيرًا ـ و ليس آخرًا ـ الفتنة الصهيونية الكبرى حاليا بما تحمله من تدابير و موجات هجوم إعلامية مستمرة لا تهدأ ، و لا يقابلها بالمثل على الأقل تيارات إعلامية عربية إسلامية مضادة تكشف زيف المسيحية الصهيونية ، و تصحح مفاهيم الغرب عن الإسلام .
هنا تبرز بالضرورة أهمية تصحيح الصورة الذهنية لدى الغرب عن الإسلام . و لكن يسبق ذلك ـ في رأينا ـ تصحيح المفاهيم الأساسية في العالم العربي الإسلامي ، و تنقية التراث من شوائب الغلو ، والاتجاه نحو الوسطية والاعتدال ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ ، والسير قُدما نحو تحقيق دعائم الاستخلاف و تنمية المجتمعات العربية الإسلامية ، والأخذ بأسباب القوة بالتقدم المعرفي والعلمي والتقني ، و تطوير المنظومة التربوية والتعليمية في إطارها الإيماني .
خلاصة القول أن الإسلام بقيمه الإنسانية في العدل والحرية والمساواة يجب أن ينعكس في ضروب السلوك الاجتماعية والسياسية لدى الشعوب والحكام .
و هذا هو السبيل الموضوعي لقناعة الآخر بإنسانية و عالمية الإسلام و جدوى حضارته . و حتى يتحقق ذلك فلا يخلو الأمر من أهمية الدراسة والبحث والتخطيط المحكم لتنشيط حركة الدبلوماسية الاجتماعية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني على المستويات الإقليمية والدولية ، و توثيق الروابط والخبرات بين الشخصيات والمنظمات الثقافية والجامعية في الغرب والشرق .
و هذا كله وغيره لا يغني عن جهود مستمرة لتطوير السياسة الإعلامية الفضائية ، ووضع منهجية ملائمة للخطاب الإسلامي الموجَّه للشعوب الغربية والآسيوية والأفريقية و غيرها ، و إن كان الأمر المُلِحّ في الوقت الراهن هو التركيز بهذه الجهود في العالم الغربي الذي احتدَّت فيه نغمة التخوف من الإسلام و أهله ، و تحامل فيه منظروه و مفكروه على كل ما ينبثق من العالم العربي الإسلامي من تيارات فكرية و حركات إسلامية تبغي تثبيت الهوية الإسلامية ، و تسعى للتحرر الوطني والتنمية المتواصلة نحو الحياة الطيبة التي تجمع بين حسنات الدنيا والآخرة .
source : http://www.rohama.org/ar/pages/content.php?id=433