تتمثل مظاهر الولاء لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم من قبل الشيعة بمظهرين أساسين هما:
1- تأخذ الشيعة معالم الدين أصولاً وفروعاً عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتجمع على لزوم العمل بأقوالهم وأفعالهم. وبذلك فقد بنوا إطارهم العقائدي على ما أثر عنهم في المجالات التشريعية ولا يتعدون إلى غيرهم من بقية المذاهب الإسلامية. ولم يكن هذا من قبيل التحزب أو التعصب وإنما النصوص القطعية التي أثرت عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) هي التي دفعتهم إلى الاقتصار على مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
يقول الإمام شرف الدين: (إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب، ولا لريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب ولا لعدم عدالتهم، وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علماً وعملاً.
لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذاهب الأئمة من أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده وأصول الفقه وقواعده، ومعارف السنة والكتاب وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب، نزولاً على حكم الأدلة والبراهين وتعبداً بسنة سيد المرسلين (صلّى الله عليه وآله) أجمعين.
ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) أو تمكنا من تحصيل نية القربى لله تعالى في مقام العمل على مذهب غيرهم لتعقبنا أثر الجمهور واقتفينا أثرهم لعقد الولاء، وتوثيقاً لعرى الإخاء، لكنها الأدلة تقطع على المؤمن من وجهته وتحول بينه وبين ما يروم)(1) ثم تابع يقول: (وما أضن أحداً يجرؤ على القول بتفضيلهم ـ أي أئمة المذاهب ـ في علم أو عمل على أئمتنا، وهم العترة الطاهرة، وسفن نجاة الأمة وباب حطتها، وأمانها من الاختلاف في الدين، وأعلام هدايتها، وثقل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد قال (صلّى الله عليه وآله):
(فلا تقدموهم، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، فإنهم أعلم منكم، لكنها السياسة، وما أدراك ما اقتضت في صدر الإسلام.وقد أيد شيخ الأزهر هذا الجانب المشرق من حديث الإمام شرف الدين فقال:
بل قد يقال إن أئمتكم الاثني عشر أولى بالاتباع من الأئمة الأربعة لأن الاثني عشر كلهم على مذهب واحد قد محصوه وقرروه بإجماعهم بخلاف الأربعة فإن الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها، فلا تحاط موارده ولا تضبط، ومن المعلوم أن ما يمحصه الشخص الواحد، لا يكافئ في الضبط ما يمحصه اثنا عشر إماماً، هذا كله مما لم تبق فيه وقفة لمنصف، ولا وجهة لمتعسف)(2).
هذه الظاهرة التي تمسكت بها الشيعة لا نجد فيها أي جانب من الغلو وقد أعلنتها في جميع المجالات بعيدة عن الإفراط في الحب وإنما هي متسمة بالاعتدال والاستقامة والمنطق.
2- ومن مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام):
أنها تقوم بإحياء ذكراهم في عاشوراء، أو خارج أيام المحرم فتشيد بفضائلهم ومآثرهم، وتنشر مكارم أخلاقهم، وتقيم الحفلات التأبينية على ما أصابهم من عظيم الخطب وفادح الرزء، وتحي ذكرى مواليدهم، وتقيم العزاء في مواعيد وفاتهم، وتزور مراقدهم الطاهرة للتبرك بها والتقرب إلى الله تعالى فإنها من أعظم مظاهر الود الذي فرضه الله تعالى في كتابه المجيد للعترة الطاهرة على جميع المسلمين. جاء في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام):
في قول الله عز وجل: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)(3) يعني علياً وأولاده الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، ثم وصفهم الله عز وجل فقال(والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(4) وكان أمير المؤمنينفي صلاة الظهر وقد صلى ركعتين، وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار، وكان النبي كساه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها! فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية، وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة، يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة (5).
هذه بعض مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة للأئمة الطاهرين المعصومين، وليس في ذلك أي شائبة للغلو، وعلى هذا الأساس أقام الشيعة إطارهم العقائدي في الولاء لأهل البيت.رأي الشيعة في الصحابة
تكن الشيعة أعمق الود وأصفى الحب للصحابة، صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) الذين ترى لهم الحق على كل مسلم ومسلمة، أنهم نصروا الإسلام أيام محنته وغربته، وإن جهودهم وجهادهم السبب الرئيسي في انتشار الإسلام. ولا بد لنا من وقفة قصيرة لنتحدث عن موقف الشيعة تجاه الصحابة.
اتهم الشيعة بتجريح الصحابة، والقول بعدم عدالتهم، وهذا افتراء محض. فمن هم الصحابة؟
تعريف الصحابة:
المراد بالصحابة: هم الذين صحبوا النبي (صلّى الله عليه وآله) وآمنوا برسالته، وماتوا في سبيل دينه، وليس المراد بالصحابة كل من رأى النبي (صلّى الله عليه وآله) وسمع منه. فإن هذا التعريف يوجب دخول الأطفال والملحدين والكفار الذين رأوا النبي (صلّى الله عليه وآله) في إطار الصحابة. وهذا غير معقول وغير منطقي على اعتبار الرؤية وحدها تخرج بعض الصحابة عن هذا التعريف والمهم في تعريف الصحابة نصرة النبي (صلّى الله عليه وآله) في رسالته المباركة وليس الرؤية والسماع.
حكم الصحابة:لصحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) منزلة رفيعة وكريمة عند الله عز وجل، ولكن الصحبة لا توجب العصمة عن الخطأ ولا توجب النجاة من النار إلا بالعمل الصالح الذي هو المقياس الصحيح عند الله. فمن آمن واهتدى وعمل صالحاً فإن الجنة هي المأوى، ومن انحرف عن الحق بعد ما تبين له الهدى فإن مصيره إلى النار. هذا هو حكم الإسلام في قرآنه الكريم. قال تعالى: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد)(6). وقال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم)(7).
لقد أناط الله تعالى ثوابه بالعمل الصالح وأدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، كما أناط عقابه بالعمل السيئ. فقال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(8).
والصحابة كغيرهم من الناس وليس لأحد منزلة خاصة إلا بمقدار عمله الصالح، وجميع البشر سواء، وأقربهم إلى الله، المطيع له، والمناصر رسوله (صلّى الله عليه وآله) والمجاهد في سبيله، والمطبق أحكام كتابه. وأبعدهم عنه العاصي له والذي وقف متفرجاً أثناء غزواته وحروبه مع الكفار.
وهذه بعض آراء أعلام الشيعة الفقهاء في الصحابة.
رأي الإمام شرف الدين:قال الإمام شرف الدين: (إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء إذا لم تفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعاً ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم جميعاً. فإن الكاملية، ومن كان في الغلو على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافة. وقال أهل السنة: بعدالة كل فرد ممن سمع النبي أو رآه من المسلمين مطلقاُ واحتجوا بحديث: (كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين) أما نحن فإن الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنها بما هي من حيث هي عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤهم، وعلماؤهم وفقهاؤهم، وفيهم البغاة وأهل الجرائم من المنافقين، كما فيهم مجهول الحال. فنحن نحتج بعدولهم، ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة على الوصي وأخ النبي (صلّى الله عليه وآله) وسائر أهل الجرائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء، وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره، هذا رأينا في جملة الحديث من الصحابة. والكتاب والسنة على هذا الرأي،كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكل مسلم سمع من النبي (صلّى الله عليه وآله) أو رآه اقتداء أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلو، وخرجوا من الإنكار على كل حد من الحدود، وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية، وبهذا ظنوا بنا الظنون، فاتهمونا بما اتهمونا رجماً بالغيب، وتهافتاً على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليها، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقينمنهم وحسبك منهم سورة التوبة والأحزاب)(9).
يمثل رأي الإمام شرف الدين أصالة الدليل وعمق التفكير، والشيعة لم تقف مع الصحابة موقفاً عاطفياً، وإنما نظرت بعمق إلى أعمالهم فأكبرت كل من ساهم في بناء الإسلام وناصر رسول الله في أهم غزواته وحروبه مع الكافرين وبقي صامداً أمام الأحداث التي امتحن بهم المسلمون كأشد ما يكون الامتحان.
والشيعة لم تقم وزناً لمن كان متهماً في دينه كمروان بن الحكم وأبيه والوليد بن عقبة الذي سماه الله فاسقاً، وثعلبة بن حاطب وأمثالهم من الذين عادوا الله وعادوا رسول الله وعادوا أبناء رسول الله (صلى الله عليهم أفضل الصلاة السلام).
موقف الإمام الباقر (عليه السلام) من الصحابة:
تجلى موقف اٌلإمام الباقر بحبه للصحابة وتقديره لخيارهم وصلحائهم وتوهينه لمن لا حريجة له في الدين منهم، وقد روى في تجريحهم عدة أحاديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) كما أشار إلى بعض الأخبار الموضوعة في الثناء عليهم. وهذا بعض ما ورد عنه:
روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال لأصحابه: (أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)(10) وروى الترمذي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين، وذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فإنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: كما قال العبد الصالح: إن تعذبهم فإنهم عبادك)(11) وروى عن عبد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك،إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى)(12).إلى غير ذلك من الأخبار التي دلت على وجود منحرفين من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله)، والصحبة لا توجب العصمة من الخطأ ولا التحرج في الدين. لقد أشار الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث له مع جماعة من أعلام أصحابه إلى أن أكثر الأحاديث التي وردت في فضل بعض الصحابة كانت من الموضوعات أيام حكم معاوية، فقد عهد إلى لجان خاصة به للوضع في الحديث الشريف.
ويتناولون على ذلك رواتب مغرية والناس على دين ملوكهم، ودينهم دنانيرهم، فقد افتعلوا الأحاديث للحظ من شأن العلويين، وقد طلب أبان من الإمام أن يسمي له بعض تلك الأخبار الموضوعة، فقال (عليه السلام): رووا:
(إن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر)( وضع الحديث لمعارضة الخبر المتواتر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في حق السبطين، الحسن والحسين إنهما سيدا شباب أهل الجنة، وقد سئل الإمام الجواد (عليه السلام) عنه فقال: والله ليس في الجنة كهول بل شباب مرد.)
(وإن عمر تحدثه الملائكة) و(إن عمر يلقنه الملك).
(وإن السكينة تنطق على لسان عمر).
(وإن الملائكة لتستحي من عثمان)( لا نعلم لماذا تستحي الملائكة من عثمان بن عفان عميد الأسرة الأموية فهل أنها تعمل المنكر والقبيح حتى تستحي منه، إنا لا نتصور وجهاً لهذا الاستحياء المزعوم.)
واسترسل الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية الأحاديث الموضوعة في فضل الصحابة وذلك التقديس الأعمى الذي لا يتفق بأي حال مع روح الإسلام العادل وواقعه المنطقي
المصادر :
1- المراجعات ص40 ـ 41.
2- المراجعات ص44.
3- سورة المائدة، الآية 55.
4- نفسها الآية 55.
5- أصول الكافي ج1 ص288 وقال الثعالبي في تفسير هذه الآية: (قال عتبة بن أبي الحكم وغالب بن عبد الله: إنما عني بها: علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنه مر به سائل وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه ومثله قال الزمخشري في الكشاف.
6- سورة الحج، الآية 14.
7- سورة النور، الآية 55.
8- سورة الزلزلة، الآية: 7 و8.
9- المراجعات ص11 وما بعدها.
10- مسند أحمد ج5 ص231.
11- صحيح الترمذي ج2 ص68.
12- صحيح البخاري ج8 ص150.