عربي
Sunday 29th of September 2024
0
نفر 0

لماذا عدالة الصحابة

بعد أن استعرضنا الآراء حول موضوع الوصية، وأوردنا الأدلة النقلية على ثبوتها، وتبيّن منها وجود نص جلي من النبي (صلى الله عليه وآله) على علي بن أبي طالب، ومحاولة الجمهور ردّ هذه الأدلة لكونها تناقض عقيدة الجمهور في مسألة الخلافة، وهو معذور في ردّها إذ أن تصديقها يستلزم إعادة النظر في كل المتبنيات التي قامت عليها نظرية الجمهور.

لقد أثبت النبي (صلى الله عليه وآله) الولاية لأهل بيته وعميدهم علي بن أبي طالب على المسلمين، وأكد أن طريق الاُمة الذي يتكفل بعصمتها من الضلال هو التمسك بالثقلين، وهما: كتاب الله وعترته أهل بيته، وأكّد على استحالة تفرّقهما حتى يوم الورود على الحوض، وبما أن الكتاب هو المصدر الأول للتشريع -وهو الثقل الأكبر كما في بعض ألفاظ الحديث- والسنّة النبوية الشريفة هي المصدر الثاني لها، وهي الموضّحة والمبيّنة له، كما في قوله تعالى: (وَأَنزلنَا إليكَ الذّكرَ لتبيّنَ للناسِ ما نزلَ إليهِمْ)(3)، فإن ربط النبي (صلى الله عليه وآله) بين الكتاب وأهل بيته، يعني بالضرورة ربط سنّته بأهل بيته، فهم القيّمون عليها، والحافظون لها في كل

____________

1- المصدر السابق 6: 545.

2- تهذيب التهذيب 2: 291.

3- النحل: 44.

 

 


الأحوال. لكن ما حدث هو أن قريشاً اختارت ثقلا واحداً هو كتاب الله، ورفضت الثقل الثاني الذي هو في الحقيقة مستودع العلم النبوي وحافظ سنّته، فكانت النتيجة أن الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة قد وجدت نفسها مقطوعة عن السنّة النبوية الحقيقية المتمثلة بأهل البيت، وبما أن الثقل الأول ليس فيه تفصيل التشريع بكل دقائقه، بل هو مُجمل، فقد وجدت هذه الأجيال نفسها محتاجة إلى المصدر الثاني للتشريع، لكن هذا المصدر كان قد تمّ إقصاؤه عن الساحة، فراحت هذه الأجيال تبحث عن البديل، فلجأت إلى الصحابة على اعتبار أنهم كانوا على إتصال بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فهم ينبغي أن يكونوا مطّلعين على هذا المصدر الثاني المكمّل للمصدر الأول، فراحوا يلتمسون ضالتهم عندهم، وكان ذلك بداية السير في الطريق الخاطئ!

يقول الشيخ أبو زهرة: كان عمل الصحابة على قسمين: احدهما، ما يتفقون عليه... وهذا يكون إجماعاً، وهو حجة في ذاته، وبهذا قال جمهور الفقهاء... وإذا لم يجتمعوا، فإن التابعين كانوا لا يخرجون عن أقوال الصحابة، وإن كان كل تابعي يختار رأي شيخه غالباً، أو يختار رأي غيره من الصحابة نادراً... وأن التابعين كانوا يأخذون رأي الصحابي - سواء كان مجمعاً عليه أم كان غير مجمع عليه- على أنه سنّة، لا على أنه مجرد رأي، فأقوال الصحابة سنّة عندهم يجب اتباعها ولو كان أساسها الظاهري الاستنباط المجرد، وكذلك جاء من بعدهم الفقهاء المجتهدون، فاعتبر أكثرهم رأي الصحابي حجة يجب الأخذ بها..(1)

إن الخطأ الذي وقع فيه التابعون ومن بعدهم الفقهاء المذهبيون هو اعتبار

____________

1- تاريخ المذاهب الإسلامية: 262.

 

 


قول الصحابي حجّة أو سنّة، لأن الصحابة كانوا يتفاوتون في علومهم، و \"كانوا يغيبون عن مجلس النبي (صلى الله عليه وآله)، فكانوا يجتهدون فيما لم يحضروه من الأحكام، ولعدم تساوي هؤلاء المجتهدين في العلوم والادراكات وسائر القوى والملكات، فتختلف الآراء والاجتهادات، ثم تزايدت تلك الاختلافات بعد عصر الصحابة\"(1).

ولكن الجمهور وجد نفسه مضطراً إلى القول بعدالة الصحابة جميعاً، لأنهم أصبحوا المصدر الذي يستقي منه الجمهور عقيدته، فإذا وقع الشك في عدالتهم، فعند ذلك يصبح المصدر الذي يأخذ منه الجمهور عقيدته وشريعته في محل اتهام، وبذلك يمكن التشكيك في صحة اعتقادات الجمهور، وقد اعترف علماء الجمهور بذلك، فقال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة(2).

ولكن أبا زرعة قد فاته أن مصدر أخذ الكتاب والسنّة هم الثقل الثاني المتمثل بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، كما أخبر بذلك النبي في حديث الثقلين المتواتر.

والخلاف بين الصحابة في الفتوى كثير جداً، فأبو هريرة هو أكثر الصحابة المحدّثين عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد صحب رسول الله نحواً من ثلاث سنين، وأكثر الرواية عنه وعُمّر بعده نحواً من خمسين سنة، فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه السابقين الأولين، اتهموه وأنكروا عليه

____________

1- تاريخ حصر الاجتهاد: 90، 92، الخطط 2: 332.

2- مقدمة كتاب الاصابة لابن حجر: 10.

 

 


وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك! ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة(رض) أشدهم إنكاراً عليه(1).

وأفتى ابن مسعود رجلا في الكوفة بجواز أن يتزوج اُم زوجته التي طلقها قبل الدخول، ففعل ذلك، وبعد أن ولدت له اُم زوجته ثلاثة أولاد، وأتى ابن مسعود الى المدينة وسأل عن هذه المسألة، فأخبروه بعدم جواز ذلك، فعاد الى الكوفة وأمر الرجل بفراق تلك المرأة!(2).

كما أن ابن مسعود لم يكن يدري أن صرف الفضة بالفضة لا يصلح إلاّ مثلا بمثل(3).

ولم يعرف ابن عمر كيفية تطليق زوجته، إذ طلقها وهي حائض، فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فسأله، فأمره النبي أن يراجعها ثم يطلقها فتستقبل عدتها(4).

وأفتى ابن عمر وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وتابعهم سعيد بن المسيب بأن ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة(5).

ولما وقع الطاعون بالشام، خطب عمرو بن العاص فقال: إن هذا الطاعون رجس فتفرّقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية، فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة، فغضب، فجاء وهو يجرّ ثوبه معلّق نعله بيده فقال: صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعمرو أضل من حمار أهله...(6)

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، وبذلك يتبين أن الصحابة لم

____________

1- تأويل مختلف الحديث: 41.

2- مصنف عبد الرزاق 6: 273، البيهقي 7: 159.

3- مصنف عبد الرزاق 8: 123، البيهقي 5: 282، مجمع الزوائد 4: 116.

4- صحيح البخاري كتاب العدّة: مراجعة الحائض، صحيح مسلم، مسند أحمد 2: 51، 61، 64، 74، 80، 128، 145، فتح الباري 7: 54.

5- تحفة الاحوذي 1: 231، نيل الاوطار 1: 20، المحلى لابن حزم 1: 221.

6- مسند أحمد 4: 195 - 196.

 

 


يكونوا هم المصدر الذي أراده الله ونبيه لحمل أعباء تبليغ الشريعة، بل هم أهل البيت.

الصحابة والنص

لقد كان الصحابة متفاوتين - ليس في ملكاتهم وعلومهم فحسب- بل وفي درجة قربهم من النبي (صلى الله عليه وآله)، نعم لقد كان بعض الصحابة قريبين من النبي ولكنهم لم يكونوا مقرّبين إليه، ولا كانوا ممن يُفضي إليهم بأسرار النبوة والقضايا الخطيرة، وقد ذهب الجمهور إلى عكس الواقع، يقول ابن تيمية: فأبو بكر وعمر كان اختصاصهما بالنبي (صلى الله عليه وآله) فوق اختصاص غيرهما وأبو بكر كان أكثر اختصاصاً، فإنه كان يسمر عنده عامة الليل ويحدّثه في العلم والدين ومصالح المسلمين..(1)

لكننا عندما نستعرض سيرة الصحابة وموقف النبي من كل منهم، نجد أن كلام ابن تيمية لا صحة له، لقد كان أبو بكر وعمر قريبين من النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكنهما لم يكونا مقرّبين إلى درجة أهليتهما لحمل أسرار علم النبي، وقد ذكرنا بعض الشواهد على قصور علم عمر، ولو طال الزمن بأبي بكر في خلافته، لتبين لنا كثرة أخطائه، ولكن الفترة القصيرة التي تولى فيها الخلافة، قد كشفت هي الاُخرى عن قصوره في العلم، فهو لم يعرف مثلا قضية ميراث الجدة حتى أرشده بعض الصحابة إليها، وغير ذلك من المسائل.

لقد أعطى النبي (صلى الله عليه وآله) اشارات واضحة يهتدي بها المسلمون من بعده، فيعرفون الموارد التي ينهلون منها، فحمّل حذيفة بن اليمان أسراراً خاصة،

____________

1- مجموعة فتاوى إبن تيمية 4: 391.

 

 


\"وهو معروف في الصحابة بصاحب سرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) \"(1).

فكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخبره بأنباء الفتن والملاحم التي تقع بعده، كما أطلعه على أسماء المنافقين، وعلمنا من خلاله أسماء بعض المشتركين في التآمر على اغتيال النبي يوم العقبة، وأعطى النبي اشارات واضحة يفهمها اللبيب، فقال: \"أمرني الله بحب أربعة: علي وأبي ذر وسلمان والمقداد\"(2).

فأثبت النبي المحبة لهؤلاء من أجل أن يعلم أصحابه ذلك، فيميزوا بين أحباء النبي وغيرهم. كما وأرشد اُمته الى عمار بن ياسر وقت الاختلاف بين الفئة المحقة والفئة الباغية، وأخبر بأن عماراً ما خُيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما. وقال أبو ذر الغفاري: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كل شيء، حتى سألته عن مسّ الحصى، فقال: \"واحدةً أو دَعْ\"(3).

وسئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر فقال: وعى علماً عُجز فيه، وكان شحيحاً حريصاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال فيُعطى ويُمنع، اما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ(4).

وقال ابن عبد البر في ترجمته: روى عنه جماعة من الصحابة، وكان من أوعية العلم المبرّزين في الزهد والورع والقول بالحق، سُئل علي عن أبي ذر فقال: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس، ثم أوكأ فيه فلم

____________

1- الاستيعاب 1: 394، الاصابة 2: 262، طبقات ابن سعد 6: 15، 7: 317، حلية الأولياء 1: 207، تاريخ دمشق 4: 145، تهذيب التهذيب 2: 219، شذرات الذهب 1: 32، 44، تهذيب تاريخ دمشق 4: 96.

2- مسند أحمد 5: 351، الجامع الكبير للسيوطي ح 1373، الترمذي 5: 594 ح 3718، سنن ابن ماجة ح 149، المستدرك 3: 130 وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

3- مسند أحمد 5: 163، حلية الأولياء 1: 156 وقال: كان أبو ذر(رض) للرسول(ص) ملازماً وأنيساً، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصاً.

4- الطبقات الكبرى 5: 170.

 

 


يخرج شيئاً منه(1).

وكان سلمان الفارسي من اُولئك المقرّبين أيضاً، فعن علي أنه سُئل عن سلمان فقال: علم العلم الأول والآخر، بحر لا ينزف...

قال ابن عبد البر: وروينا عن عائشة اُم المؤمنين (رض) قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).

وكان علي بن أبي طالب هو المقدّم على الجميع دون شك، سُئل قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) دونكم؟! قال: لأنه كان أولنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً(3).

وعن اُم سلمة (رض) أن النبي (صلى الله عليه وآله) إذا غضب لم يجترئ أحد منّا يكلمه غير علي بن أبي طالب(4)(رضي الله عنه).

وقد لخّص علي بن أبي طالب، حين سأله بعضهم عن بعض الصحابة، قال: أيُّهم؟ قالوا: عبد الله بن مسعود، قال: علمَ السنّة، وقرأ القرآن، وكفى به علماً ثم ختم به عنده... قالوا: فحذيفة؟ قال: علم أسماء المنافقين، وسأل عن المعضلات حتى عقل عنها، فإن سألتموه عنها تجدوه بها عالماً، قالوا: فأبو ذر؟ قال: وعى علماً، وكان شحيحاً حريصاً على دينه حريصاً على العلم، وكان يُكثر السؤال فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ، قالوا:

____________

1- الاستيعاب 1: 321 أسد الغابة 5: 186، شرح الجامع الصغير للمناوي 5: 423، الاصابة4: 63 وقال:أخرجه أبو داود بسند جيد.

2- الاستيعاب 2: 196، الاصابة (3369)، أسد الغابة (2150)، الطبقات الكبرى 4: 54، حلية الأولياء 1: 715، تاريخ بغداد 1: 163، تهذيب الكمال (523)، تهذيب التهذيب 4: 137، تاريخ دمشق 6: 190، 211.

3- المستدرك 3: 125 وصححه ووافقه الذهبي، كنز العمال 13: 143 ح 36447.

4- المستدرك 3: 130.

 

 


فسلمان؟ قال: امرؤ منّا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم؟ علمَ العلم الأول وأدرك العلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول، وقرأ الكتاب الآخر، وكان بحراً لا ينزف. قالوا: فعمار بن ياسر؟ قال: ذاك امرؤ خلط الله الإيمان بلحمه ودمه وعظمه وشعره وبشره، لا يفارق الحق ساعة، حيث زال زال معه، لا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً. قالوا: فحدثنا عنك يا أمير المؤمنين! قال: مهلا، نهى الله عن التزكية. فقال قائل: فإن الله عزّوجل يقول: (وَأَمّا بِنعمةِ رَبَّكَ فَحدِّثْ)قال: فإني اُحدثكم بنعمة ربي، كنت إذا سألتُ اُعطيتُ، وإذا سكتُ ابتدئتُ، فبين الجوانح مني مُلئ علماً جمّاً...(1)

وعن علي بن أبي طالب قال: كانت لي منزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن لأحد من الخلائق، فكنت آتيه كلّ سحر فأقول: السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلاّ دخلت عليه(2).

وكان اُبي بن كعب من المقربين أيضاً، وهو الذي قال لعمر: والله يا عمر، إنك لتعلم إني كنت أحضر وتغيبون، واُدنى وتُحجبون، ويصنع بي ويصنع...(3)

فهؤلاء الصحابة كانوا هم المقرّبين حقاً الى النبي (صلى الله عليه وآله) والمطلعين على أسراره، وعندما نستعرض سيرة اولئك الصحابة، نجدهم هم الذين كانوا متمسكين بولاية علي بن أبي طالب والداعين له، وقد اعتصم بعضهم - ممن كان حاضراً- في داره عندما أراد عمر أن يحرقها عليهم!.

____________

1- كنز العمال 13: 159 ح 36492.

2- سنن النسائي 3: 12 باب: التنحنح في الصلاة.

3- كنز العمال 13: 264 ح 36774 عن أبي داود في المصاحف وابن عساكر.

 

 


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قواعد التجويد
القرآن الكريم يحقق الهدف من نزوله
الاعلان بالمعاصي‏
معنى سنة الرسول
وأما الحديث الثاني فقد قال الشوكاني : وفي الباب ...
القيم الاخلاقية للانتظار
الاصالة والمعاصرة في حركة السيد جمال الدين ...
ذو القعدة
صلاة الليلة الأولى من رمضان المبارک
الأزمة الكبيرة في عالمنا المعاصر

 
user comment