أولاً: الإمامة
الإمامة لغة: التقدم، تقول: أم القوم: تقدمهم، ومنه: أممت القوم، فأنا أؤمهم أما وإمامة، إذا كنت إمامهم، ومنه قول الله تعالى لإبراهيم، عليه السلام، * (إني جاعلك للناس إماماً) * (1)، إني مصيرك تؤم من بعدك، من أهل الإيمان بي وبرسلي، تتقدمهم أنت، ويتبعون هديك، ويستنون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك، ووحيي إليك (2).
والإمام: القدوة، وهو ما ائتم به الناس من رئيس أو غيره، هادياً كان أو ضالاً (3).
وإمام: من أم ومعناها في الأصل: الرئيس، وخاصة الدليل الذي يقود القافلة، وهي ترادف الهادي، ومنها كل شخص أو شئ يتخذ دليلاً أو قدوة، مثال ذلك إمام الغلام في الكتاب (المكتب)، وهو ما يتعلم منه كل يوم (4).
وترد في القرآن الكريم بمعنى المثل والدليل والقدوة والمشابه (5)، ومنذ ظهور الإسلام تطلق هذه الكلمة على الرجل الذي يصلي بالناس، وكان الإمام - أول الأمر - هو النبي صلى الله عليه وسلم، أو من ينيبه عنه في غيبته، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، حل محله في الإمامة أحد الخلفاء، أو عمالهم، وأصبحت الإمامة في الصلاة إحدى
____________
(1) سورة البقرة: آية 124.
(2) تفسير الطبري 3 / 18 (ط دار المعارف).
(3) علي أحمد السالوس: عقيدة الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية - القاهرة 1987 ص 8.
(4) دائرة المعارف الإسلامية 4 / 391 (كتاب الشعب - القاهرة 1970)، لسان العرب 14 / 291، القاموس المحيط 4 / 77 - 78 (القاهرة 1952).
(5) أنظر: سورة البقرة: آية 124، سورة الحجر: آية 79، سورة الفرقان: آية 74، سورة يس: آية 12.
|
|
|
المهام الأساسية للحاكم، وإسناد السلطة إلى عمال الأقاليم يظهر في صورة واضحة للجميع، عندما يؤم نائب الخليفة الناس في الصلاة.
هذا ويخلع فقهاء المسلمين لقب الإمام على رأس الجماعة الإسلامية، وهو زعيم الأمة في الدين والدنيا، ويسمى عادة الخليفة لأنه يخلف النبي صلى الله عليه وسلم، ويتزعم الإمام المسلمين في أمور الدين، وبيده أزمة الجماعة التي يرأسها، ويطلق على هذا المنصب الإمامة الكبرى تمييزاً له عن الإمامة الصغرى، وهي وظيفة من يؤم الناس في الصلاة (1).
فالإمامة أو الخلافة إذن: هي النظام الذي جعله الإسلام أساساً للحكم بين الناس، بهدف اختيار الأصلح من المسلمين - قدر الطاقة - لتجتمع حوله كلمة الأمة، وتتحد به صفوفها، وتقام به أحكام الشريعة، وفي ذلك يقول البيضاوي (عبد الله بن عمر، ت 685 / 1286 م): الإمامة: عبارة عن خلافة شخص من الأشخاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في إقامة القوانين الشرعية، وحفظ حوزة الملة.
ويقول عبد الرحمن بن خلدون (732 - 808 هـ/ 1332 - 1406 م) في مقدمته: الخلافة حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها (2).
ويقول الشيخ عبد السلام اللقاني (971 - 1078 هـ/ 1564 - 1668 م) - شارح الجوهرة في التوحيد، والتي ألفها أبوه - الخلافة: رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).
ويقول الماوردي: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة، في حراسة الدين،
____________
(1) دائرة المعارف الإسلامية 4 / 391.
(2) مقدمة ابن خلدون ص 191 (ط دار القلم - بيروت 1981).
(3) محمد عمارة: معركة الإسلام وأصول الحكم - دار الشروق - القاهرة 1989).
|
|
|
وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع، وإن شذ عنهم الأصم (1).
ويقول إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (419 - 478 هـ/ 1028 - 1085 م) - من أبرز أئمة الأشعرية - الإمامة: رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة من مهمات الدين والدنيا، مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين (2).
____________
(1) أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي: الأحكام السلطانية والولايات الدينية - دار الكتب العلمية - بيروت 1982 ص 5.
(2) أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني: الغيائي - غياث الأمم في التياث الظلم - تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب - الدوحة 1400 هـص 22.
|
|
|