عربي
Thursday 2nd of January 2025
0
نفر 0

الرسول (ص) مرشد المجاهدين‏

تميّزت شخصية الرسول الأكرم (ص) بالروح الجهادية؛ فكان إمام المجاهدين وسيّدهم ومرشدهم وقائدهم في كل عمل جهادي كانوا يمارسونه تحت قيادته وإمرته.
وقد ذكر أهل السِّير أن جميع ما غزا النبي (ص) بنفسه ست وعشرون غزوة، وأن سراياه كانت ستاً وثلاثين سرية، وقاتل (ص) في تسع غزوات هي: بدر وأحد والخندق وبنو قريظة وبنو المصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف (راجع بحار الأنوار، ج 19، ص 172 174 186).
ونحن هنا ذاكرون شذراتٍ من هذه الروح الجهادية للنبي الأكرم (ص) ضمن نقاط:

المجاهدة بكل قوة
النقطة الأولى: أن النبي (ص) لم يألُ جهداً في جهاد العدو بكل ما آتاه الله من قوة في سبيل نشر الدين الحنيف وإعلاء رايته وفي ذلك يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء يوم الجمعة: «... وأنّ محمداً (ص) عبدُك ورسولك أدّى ما حمّلته إلى العباد وجاهد في الله حق الجهاد» (الصحيفة السجادية، ص 325).
ويقول أمير المؤمنين (ع) في بعض كلماته في نهج البلاغة: «... وأشهد أنّ محمداً عبدُهُ ورسوله، دعا إلى طاعته، وقَاهَرَ أعداءه جهاداً على دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماعٌ على تكذيبه والتماسٌ لإطفاء نوره» (نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج 2، ص 130).
وفي كلامه (ع) دلالة واضحة على الروح الجهادية العالية التي كان يتمتّع بها النبي (ص) بحيث لم يكن ليتراجع أو ينثني عن مواصلة طريق الدعوة والجهاد في سبيل الدين الحنيف بالرغم من كثرة وخشونة ما ووجه به من قبل المشركين.
وممَّا يؤكّد ذلك بشكل أوضح قوله (ع) أيضاً في نهج البلاغة: «ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، خاض إلى رضوان الله كل غمرة، وتجرّع فيه كل غصّة، وقد تلّون له الأدنون، وتألّب عليه الأقصون، وخلعت إليه العرب أعنَّتها، وضربت لمحاربته بطون رواحلها، حتى أنزلتْ بساحته عداوتها من أبعد الدار وأسحق المزار» (المصدر السابق، ص 165، 166).
فإنّ العرب قد جمعت جموعها لمحاربة الدين الجديد والنبي الذي جاء به، فلم تتخلّف قبيلة من قبائلهم عن محاربته (ص) حتى تجمعت له من كل حدب وصوب، فكانت معركة الأحزاب التي نصر الله تعالى فيها نبيّه الأكرم (ص) وفي كل ذلك لم يكن النبي (ص) إلا ذلك الإنسان الشامخ بإيمانه المجاهد بنفسه وماله وأهل بيته، ولم يكن ليكون غير ذلك وهو القائل في مناجاته لربّه «إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي» (سيد المرسلين، ج 1، ص 558).
وقد قالها في سفره إلى الطائف ودعوته الناس فيها إلى الله الواحد الأحد فواجهوه بصبيانهم الذين راحوا يرشقونه بالحجارة حتى أُدميَ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

بث الروح الجهادية
النقطة الثانية: بثّه هذه الروح الجهادية في أصحابه بل في أمّته على مَرِّ التاريخ.
أما في أصحابه فقد كان (ص) يحثهم على قتال العدو والثبات في وجهه وأنهم إما أن يصيبوا نصراً أو شهادة وكلاهما فوز، ومن ذلك:
1) لمَّا همّ النبي (ص) بالخروج إلى بدر استشار أصحابه في ذلك، فلمَّا أشار عليه الأنصار بالحرب وأنه لو خاض بهم البحر لخاضوه معه ولن يتركوه في ذلك أبداً فرح رسول الله بذلك وقال: «سيروا على بركة الله، فإنَّ الله وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفلان وفلان...» (بحار الأنوار، ج 19، ص 218).
ولذلك كان المؤمنون في معركة بدر يتسابقون إلى القتال علّهم يفوزون بالشهادة في سبيل الله، ولذا نرى أنه لمّا أصيب عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في المبارزة أُتيَ به إلى النبي (ص) فاستعبر فقال؛ يا رسول الله ألست شهيداً؟ قال: بلى، أنت أول شهيد من أهل بيتي» (المصدر السابق، ص 225).

2) في غزوة حنين التي حصلت بعد فتح مكة انهزم المسلمون في بادئ الأمر، بسبب الخدعة العسكرية التي قام بها المشركون من قبيلتي هوازن وثقيف ممّا أدّى إلى فرار المسلمين من أرض المعركة وكانوا يومئذ اثني عشر ألفاً وتركِهِم رسول الله (ص) لم يثبت معه إلا قلة من بني هاشم، هنا صاح النبي (ص) بأعلى صوته وهو على بغلته: «يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله» ثم اندفع ببغلته إلى ساحة القتال وثبت ومن معه في وجه العدو حتى عاد المنهزمون من المسلمين لمّا ناداهم العبَّاس بن عبد المطلب بأمر من النبي (ص) وذكرهم ببيعة النبي (ص) تحت الشجرة.
والنبي (ص) يناديهم لتقوية معنوياتهم: «أنا النبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب».
(راجع سيد المرسلين للشيخ جعفر السبحاني، ج 2، ص 518)
وأما بثّه الروح الجهادية في أمّته (ص)، فمن خلال ما أكّد عليه من خطر الجهاد وأهميته في قيام هذه الأمة، ومن ذلك:
1) قوله (ص) فيما رواه عنه حفيده الإمام الصادق (ع): «جاهدوا تغنموا» (الكافي، ج 5، كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد، ص 8، ح 14).
2) ما رواه أيضاً مولانا الصادق (ع) عنه (ص) أنه قال: «إن جبرائيل أخبرني بأمر قرَّت به عيني وفرح به قلبي قال: يا محمد من غزا غزاة في سبيل الله من أمتك فما أصابه قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة» (المصدر السابق، ح 8).

أهل البيت طليعة المجاهدين
النقطة الثالثة: أن النبي (ص) كان في جهاد عدوّه يقدِّم أهل بيته ليكونوا طليعة المجاهدين وقدوة لغيرهم في مغالبة العدو، كما فعل ذلك في معركة بدر حيث برز من معسكر قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فبرز إليهم ثلاثة من الأنصار فبعث إليهم رسول الله (ص) أن ارجعوا فرجعوا، وكره أن يكون أوَّل الكرّة بالأنصار ثم أمر عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعمّه حمزة، وابن عمّه علياً (ع) بالبراز فبرزوا وقتلوا خصومهم وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع) في بعض كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان: «وكان رسول الله (ص) إذا احمرّ البأس وأحجم النَّاس قدَّم أهل بيته، فَوَقَى بهم أصحابه حرَّ السيوف والأسنّة فقُتل عبيدة بن الحارث يوم بدر، وقُتل حمزة يوم أحد، وقُتل جعفر يوم مؤتة» (نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج 3، ص 8 و9).
الثبات
النقطة الرابعة: أنه (ص) لم يكن ليفرّ من أرض المعركة مهما اشتدت الحرب، بل كلّما حمي الوطيس وقامت قيامة الحرب كلما ثبت وصبر وتحمّل، حتى أنه (ص) في معركة أحد شجّ وجهُهُ وكسرت رباعيته كما في أمالي الشيخ المفيد (بحار الأنوار، ج 20، ص 71، ج 8).
ورُوي أنه (ص) قال في غزوة حنين لمّا انهزم المشركون: «الآن حمي الوطيس، أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلّب» (المصدر السابق، ج 21، ص 167).
بل كان المسلمون يتّقون به (ص) إذا اشتدت الحرب ولا يكون أحد منهم أقرب إلى العدو منه (ص).
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع): «كنَّا إذا احمّر البأس اتقينا برسول الله (ص) فلم يكن منّا أقرب إلى العدو منه» (نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج 4، ص 61).
الأخلاق الجهادية
النقطة الخامسة: أخلاق النبي (ص) في جهاد العدو، ولعلّ هذا من أهم الدروس التي تُعطى في الحياة وتظهر منه عظمة الإسلام ونبيّه الأكرم (ص).
فقد روى الشيخ الكليني (ره) بإسناده الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: «كان رسول الله (ص) إذا بعث سريّة دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله (ص)، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثّلوا، ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً ولا امرأة، وأيما رجلٍ من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى أحدٍ من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله ...» (الكافي، ج 5، باب وصية رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) في السرايا، ص 30، ح 9).
ولا يمكن في هذه العُجالة التوقف عند كل ما ورد في هذا الحديث الشريف لكن الناظر فيه يعرف أنَّ الإسلام لم يكن (ص) حتى في جهاد العدو يبغي الفساد في الأرض بل الاصلاح والصلاح للعباد والبلاد.
ويناسب المقام الوقوف عند عبارته (ص) الأولى «سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله (ص)...».
فإن النبي (ص) كان يتلو هذا الدعاء بمحضر السرية وأميرها ليركّز في نفوسهم أن غزوهم وجهادهم لله تعالى وفي سبيله، وعلى شريعة سيد المرسلين (ص)، وليس طلباً لدنيا ولا سعياً وراء حطامها، فإن ذلك ليس من شأن المؤمن أن يطلبه في جهاده، فإذا قاتل، قاتل وعينه بعين الله، وإذا قُتل، قتل لأجل الله، وإذا استشهد كانت شهادته في سبيل الله تعالى.
وهو (ص) في كل ذلك يريد أن تكون نيّة المجاهدين خالصة لوجه الله تعالى وطلباً لمرضاته.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأبعاد الأخلاقية لمفهوم القوة
العودة إلى القرآن
جهاد النفس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)
دخول الشباب إلى الميدان
حقیقة الوهابية(2)
أدلة وجود الإمام المهدي عليه السلام
آداب النبيّ (صلى الله عليه وآله) والتأسّي به
فضل شهر رجب
ديمومة وبقاء عاشوراء
قوله ( ص ) شعية علي ( ع ) هم الفائزون يوم القيامة

 
user comment