عربي
Monday 20th of May 2024
0
نفر 0

الأسس التي تضمنها قوله تعالى (آمنا به، كلُّ من عند ربنا)


 
الأساس الأول:
تضمنه [آمنا به]. والإيمان لغةً يحتوي على عناصر ثلاث: هي الاعتراف أولاً والتصديق بالقلب ثانياً والعمل بالجوارح ثالثاً. هذا ما بينه اللغويون. وعلى هذا الأساس تكون ألفاظ (آمنا به) قد وضعت بين أيدينا الأساس الأول لفهم القرآن الكريم، على اعتبار أن ضمير (به) يعود إلى اسم الجلالة (الله) كما يعود إلى الكتاب أيضاً.
وهذا الأساس يتوافق مع قوله تعالى في مقام آخر [لا يمسه إلا المطهرون] أي العاملون على تعاليم الكتاب والذين تزكت نفوسهم من جراء تطبيقهم لتعاليمه، فبلغوا مرتبة تؤهلهم لفهم وتدبر هذا الكتاب.
وكأنه سبحانه وتعالى يؤكد لنا زيغ الكافرين بهذا الكتاب وبالذي أنزله عن جادة الصواب في جميع أحوالهم، ويؤكد شرط الإيمان بمعنى ضرورة اجتماع ما تقتضيه معادلة النظرية والتطبيق معاً في شخصيات من يريدون القيام (بقراءات) لهذا الكتاب، فمن كان غير مؤمن فلا يستطيع أصلاً اكتناه ما في هذا الكتاب كذلك فإن المؤمن بهذا الكتاب نظرياً لا يؤهله الإيمان النظري لاكتناه ما في هذا الكتاب ما لم يكن من العاملين بأحكامه، ومن الُمنتهين عن منهياته، هذا أساس أول في نظرية الله عز وجل يؤهل المؤمن ليكون من الراسخين في علم القرآن المجيد.
الأساس الثاني:
تضمن قولهم [كلٌّ] الأساس الثاني الذي يتطلبه فهم القرآن و(كلٌّ) ضدّ جزء أو بعض. بمعنى أنه ينبغي أن يؤخذ القرآن عند محاولة فهمه على صورة متكاملة، فلا تُفهم آية منه على صورة تتضارب مع معاني آيات أخرى من آياته، فهو كتابُ كُلٌّ من سورة الفاتحة وهي مقدمته، وحتى السين في سورة الناس وهي ضمن خاتمته، وهو كُلٌّ محكم المعاني ومتسلسلها ويفسر بعضه بعضاً.
وكأنه سبحانه ينبهنا، عند بيانه لهذا الأساس إلى الأسلوب الذي ينتهجه من في عقولهم زيغ، وهو القطع والوصل، وإفراغ الألفاظ والآيات من محتوياتها، والأخذ ببعض احتمالات لمعاني ألفاظها بغاية الفتنة والتشكيك.
هذا الأساس الثاني يفرض على كل إنسان الالتزام والتقيد بأمرين هامين الأول التقيد بالمعنى الذي يفرضه سياق الآية وسباقها، والثاني عدم تبني أي معنى يتناقض ومعنى آخر تفيده أية آية أخرى في هذا الكتاب.
الأساس الثالث:
ووردت كلمة (كلٌّ) مُنَوَّنَةً في آخرها، وما جاء هذا التنوين من باب اللغو والعبث ودون أية حكمة عظيمة.
والمعلوم أن اللغويين درجوا على اعتبار التنوين أداة تعبير عن عظمة شيء ما وكماله وقد جيء بالتنوين هنا لبيان أساس ثالث من أسس فهم القرآن، وهو الأخذ بمبدأ عظمة القرآن وكماله في تعاليمه وأحكامه وصياغته.
ومن تنوين [كلٌّ] نستنبط كون هذا الكتاب الفرقان آخر الكتب السماوية لأنها دولة عظمة وكمالاً، وهو جاء على ذروة الكمال، وهذا يؤيده قول الله عز وجل في مقام آخر (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) ومعلوم أن الكامل هو غني عن أن يكمله شيء آخر.
وهكذا، ومن جرّاء تنوين [كلٌّ] يكون الله عز وجل قد وضع أمامنا أساساً ثالثاً لفهم كتابه الفرقان، ويلتزم به من كان من الراسخين في العلم، ويتلخص في كلمتين: لا شرع بعد نزول شريعة القرآن. ولا نبي مشّرع من بعد بعثة محمد بن عبد الله.
الأساس الرابع:
ووضح لنا الله عز وجل الأساس الرابع لننتهجه عند محاولتنا تدّبر كتابه، وهو نهج الراسخين في علمه، وذلك من خلال [كلٌّ من عند ربنا] ويتلخص هذا الأساس على أن يؤخذ بجميع آياته نصاً وحكماً، وهذا الأساس، هو بتعبير آخر نفيٌ كلي لوجود مبدأ الناسخ والمنسوخ فيه. وهذا الأساس الرابع يحثنا على تفهم آيات كل موضوع من مواضيع الأحكام الشرعية بشكل لا وجه لأي تناقض بينها، فلا ننسخ حُكم أحدها بحكم آية أخرى منها.
هذا الأساس الرابع عبّرت عن مضمونه كثير من الآيات، كقوله تعالى في هود (كتاب أحكمت آياته، ثم فُصلّت من لدن حكيم خبير). ونعلم أن معنى (أحكمت) هو (أتقنت)، فمن أتقنها؟ الجواب [من لدن حكيم خبير]، ومن أبسط البديهيات أن يُراعي (الحكيم) الموقع والمحل وفائدة عباده، خصوصاً وأنه (خبير) أي واقف على حقائق الأشياء وأحوالها وعالم ببواطنها.
الأساس الخامس:
ومعطيات هذا الأساس الخامس تفيدها نفس ألفاظ قوله تعالى: [كلٌّ من عند ربنا] وكأنه يبيّن لنا سّر عظمة القرآن وكماله من خلال كلمة (ربنا)، لأن الرب لُغةً هو الذي يطور الشيء حالاً بعد حال حتى يصل به مرحلة الكمال، ومن هنا جاءت تسمية رب المنزل ورب العالمين، فمن أسس عائلة، وكان سبباً في وجود أبناء وبنات واشرف على تربيتهم وتطوير قواهم وملكاتهم يكون قد استحق اسم رب منزل أو رب عائلة أو أسرة، أما إذا لم يقم بهذه المهمة وترك أولاده في حالة تشرد وجهل، فلا يستحق هذا اللقب بحال من الأحوال.
الأساس السادس:
ونفس ألفاظ [كلٌّ من عند ربنا] وضعت لنا الأساس السادس لتدبر كتاب الله الفرقان. وهو صلاح هذا الكتاب لكل زمان ومكان. ذلك أن هذا الكتاب يتسم بمرونة فائقة ومعجزة تكسبه صلاحيته لكل زمان ومكان.
فمهما تقدمت الأيام، ومهما تقادمت عصور نزول هذا الكتاب فسيظل هناك من يفهمون هذا الكتاب ويقرؤونه على مستوى عصورهم وضروراتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الفكرية.
هذا الأساس السادس يسمح بوجود "قراءة معاصرة" في كل عصر إنما شريطة التقيد بالأسس الخمسة السابقة نصاً وروحاً إلى جانب التقيد بهذا الأساس السادس الذي يجيز لهم "قراءتهم" من منطلق مرونة هذا الكتاب وصلاحيته لكل زمان ومكان.
عنه (إنهم مَنْ بَرَّتْ يمينهُ، وصدَقَ لسانه، واستقام قلبه، ومن عفّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم)؟
برّ اليمين تعني حسن المعاملة، وصدق اللسان تعني الأمانة والصدق في الرأي والُمعتقد والمنهج. واستقامة القلب تعني صفاءهُ وشفافيته وتوجهه نحو ربه. وعفة البطن والفرج تعني لجم النّفس عن هواها وميولها الفاسدة وشهواتها. ولا ريب أنّ من اجتمعت فيه هذه الأوصاف، لابد أن يكون من الُمطَهَّرين، الذين أشار إليهم قوله تعالى [لا يمسه إلا المطهرون].
ولقد أنهى عز وجل آية المحكمات والمتشابهات بقوله [وما يذكّر إلا أولوا الألباب] وبهذه الألفاظ حسم ربنا الأمر. حيث نبه هنا إلى ما صرح به في مقام آخر من الكتاب حيث قال: (يضلّ به كثيراً، ويهدي به كثيراً، وما يضلّ به إلا الفاسقين) (سورة البقرة/ 26). أي أن هذا الكتاب (مكنون) بمعنى مغلق المعاني، لذلك يحتاج من يتدبره إلى طهارة العقيدة والسلوك والاستعانة بالله منزل هذا الكتاب ليسدّد خطاه، فلا يزيغ عقله، كحال الفئة الفاسقة التي قال عنها (وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه).
نبه إلى أن هذا الكتاب (المكنون) [لا يذكّر] به أي لا ينتفع منه أو لا يهتدي إلى معانيه الحقيقية إلا [أولوا الألباب]. فما قال هنا [ أولو العقول] لماذا؟ تنبيهاً إلى أن العقل المجرد عن عامل الوحي المساعد، وهو هداية الله للمعنى المقصود، لا يكفي الإنسان للكشف عن أسرار وخفايا معارف هذا الكتاب، فالله هو الهادي، والله يضل عن سبيل فهم كتابه من كان بعيداً عن نهج أولي الألباب، وتعلمون أن كل ثمرٍ يكون مكوّناً من قشر ولُبّ، ولا يبلغ لُب حقيقة هذا الكتاب (إلا أولوا الألباب) فهو سبحانه نبهنا هنا فحسم الأمر وذكرنا إلى أنه لا يهدي غير هؤلاء.
والآن، وبعد أن شرحت لكم المعاني التي تضمنتها آية المحكمات والمتشابهات، أعود لأشرح لكم سورة آل عمران من أولها، حتى تلاحظوا ارتباط ما شرحته لكم بسياق الآية ارتباطاً عضوياً، وحتى يبدو لكم عدول صاحب "القراءة المعاصرة" عن سبيل معطيات هذه الآية الكريمة. هذا الأخ المسلم المحترم الذي لم يتبحر في معنى كلمتي (المحكمات والمتشابهات) كما أنه لم يتقيد بسياق الآية وسباقها.
ابتدأ الله عز وجل سورة آل عمران بقوله [آلم. الله لا إله إلا هو الحي القيوم] وسترون كيف أن هاتين الآيتين تضمنتا دعوى إلهيه على غاية الأهمية، وقد أتخذ سبحانه وتعالى هذه الدعوى منطلقة إلى الدخول في الموضوع الذي شاء أن يبحثه ويعرضه لنا في سورة آل عمران العظيمة.
فما معنى (آلم)؟ روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسّرها وقال أن معناها (أنا الله أعلم). وهذا هو المعنى الذي تبيّناه.
فاعلموا أن [آلم] أحرف تدخل في فن الاختزال اللغوي الذي عرفه العرب فناً من فنون لغتهم في الجاهلية، كانوا يقتطعون حرفاً من أول كلمة. أو حرفاً من منتصف كلمة أو حرفاً من آخر كلمة، ويضمنون أشعارهم هذه الحروف على أن يفيد مصرع بيت الشعر الذي يتضمن حرفاً، معنى الكلمة التي اختزلوا منها هذا الحرف، واليكم بعض الأشعار الجاهلية، كما رواها ابن كثير في تفسيره.
بالخير خيراتٌ، وإن شرّاً (ف) ولا أريدُ الشّر إلاّ أن (ت)
الفاء مختزلة من كلمة (فشّر)، والتاء مختزلة من كلمة (تبدؤه). بمعنى أنك إذا عاملتني بالخير. ضاعفت لك الخير. أما إذا عاملتني بالشّر، فلا أردّ على الشّر إلا بمثله. وإنّ من خلقي إنني أتجنب الشّر، فلا ابادئك به إلا أن تبدؤه أنت،
وقال شاعر: قُلنا لها قفي فقالت (ق)
القاف مختزلة من كلمة (وقفت) أي أنها استجابت لطلبهم.
ولما كان دارس القرآن ومتدبره يعلم بتحدي ربنا بلغاء اللغة العربية أن يأتوا ولو بسورة مثله. وكان هذا التحدي يشمل الصياغة والمضمون. فقد كان ضرورياً أن نجد معالم هذا التحدي حتى في فن الاختزال الذي تفن فيه الجاهليون.
ومن هذا المنطلق نحاول ربط [آلم] بالآية [الله لا إله إلا هو الحي القيوم] على ضوء ما قدمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من معنى.
ولنلاحظ أن تفسير رسول الله تضمن ثلاث كلمات في مقابل ثلاثة أحرف، وكأنه يفهمنا أن الألف أختُزلت من كلمة (أنا) من أول الكلمة وأن اللام اختُزلت من كلمة (الله). من منتصف الكلمة ، إن الميم اختُزلت من كلمة (أعلم) من آخر الكلمة، فأصبح معنى (آلم) (أنا الله
-----------------------------

 


source : سليم الجابي
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أن آل يس آل محمد ص
اليوم السابع من محرم..يوم مخصص للعباس بن علي (ع)
رحلة إلى كعبة الحبيب
حديث الغدير
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
نبذه عن السیده رقیه:-
حقوق العلماء
الضرر والهلاك في النصوص والآثار
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
زيارة أم البنين عليها السلام

 
user comment