عربي
Thursday 27th of June 2024
0
نفر 0

حديث الغدير فوق الشبهات


من أهم الأدلة وأبرزها وأجلاها في النص على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حديث الغدير ، وملخصه أنّ

لنبي صلى الله عليه وآله لما أن أنهى مناسك حجته التي عرفت بحجة الإسلام وقفل راجعاً إلى المدينة وذلك

في السنة العاشرة من الهجرة المباركة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله ووصل إلى منطقة الجحفة بقرب غدير

خم أمر بدوحات فقممن له وعمل له تحتها منبراً من أحداج الإبل وكان جو ذلك اليوم حاراً شديد الحرارة ، فأمر بأن

يجمع الناس فصلى بهم صلاة الظهر ثم خطبرهم خطبة بليغة نصّب أثناءها علياً عليه السلام ولياً على الأمة من

بعده وذلك عندما قال لهم :

( ... «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن

البعث حق ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ؟»

قالوا : بلى نشهد بذلك .

قال : «اللهم اشهد ، ثم قال : أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت

مولاه فهذا مولاه – يريد علياً عليه السلام – اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» .

ثم قال : «يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء فيه عدد النجوم

قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله

عزّ وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه نبأني

اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض» ) (1) .

وناشد الإمام علي عليه السلام في الرحبة الناس بهذا الحديث فشهد عنده جماعة من الصحابة ممن سمع هذا

الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث تواتر خبر هذه المناشدة ورواه العديد من محدثي أهل السنة ،

ففي مجمع الزوائد للهيثمي قال :

( وعن عمرو بن ذي مر وسعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالوا : سمعنا علياً يقول نشدت الله رجلاً سمع رسول

الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم لما قام ، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أن رسول الله قال : «ألست

أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »

قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بيد علي فقال : «من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من

عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من يبغضه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله» ) .

قال الهيثمي : ( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ) (2) .

وفي خبر الغدير من القرائن ما يكفي لكل منصف أن يفهم منه أنّ النبي صلى الله عليه وآله أراد من خلاله النص

على علي عليه السلام وتنصيبه إماماً وخليفة له على الأمة من بعده أهمّها أنّه صلى الله عليه وآله مهّد لذلك

بأن أخذ إقرار المسلمين على أولويته بهم من أنفسهم بقوله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وقد ورد

في القرآن الكريم قوله تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ والمراد منه أن النبي صلى الله عليه وآله

له الولاية العامة المطلقة على المسلمين في جميع ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم ، وبهذا المعنى فسّر علماء

أهل السنة قوله تعالى هذا (3) ، فهذه الأولوية هي التي مهّد بها النبي صلى الله عليه وآله وأثبتها لعلي عليه

السلام ، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله صلى الله عليه وآله .

وقد وضعت العديد من الشبهات حول حديث الغدير ليصرف عن دلالته على النص على الإمام أمير المؤمنين علي

بن أبي طالب عليه السلام وأنّه ولي أمر المسلمين وقائد الأمة الإسلامية والمدير والمدبر لشؤونها وأمورها

الدينية والدنيوية من بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، فهناك من أنكر صحة الحديث من أساسه وجزم –

عناداً ومكابرة – أنّه غير صحيح ، وبذلك أثبت نصبه وعداءه للإمام علي عليه السلام بنفسه ، ومن هؤلاء ابن

تيمية الحراني ، فإنّه ضعّف الحديث بشطره الأول أي عبارة : «من كنت مولاه فعلي مولاه» وحكم على شطره

الثاني وهو قوله : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ... الخ» ) بأنه كذب(4) ، ومنهم محمد خليل هراس في

تعليقه على كتاب التوحيد لابن خزيمة صفحة 32 فقال : ( الحديث غير صحيح ، ويشبه أن يكون من وضع الرّافضة

) (5) ، ومنهم ابن حزم الظاهري فقال : ( وأمّا من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً ) (6) .

والحق أنّ حديث الغدير ليس صحيحاً فقط بل هو من الأحاديث المتواترة المقطوع صدورها منه صلى الله عليه وآله

، رواه عنه الجمع الغفير من الصحابة ، وصرّح العديد من علماء أهل السنة بتواتره منهم :

1- أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين في كتابه شرح مذهاب أهل السنة صفحة 103 قال :

( وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله (ص) نحو مائة نفس ومنهم العشرة وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة ،

تفرّد علي بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد ) .

2- الحافظ الشيخ محمد بن محمد الدمشقي الشافعي المعروف بابن الجزري قال :( أخبرنا أبو حفص عمر بن

الحسن المراغي فيما شافهني به عن أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني ، أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن

الكندي ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا الإمام أبو بكر بن ثابت الحافظ ، أخبرنا محمد بن عمر بن بكير أبو عمر

الإخباري ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي ، حدثنا الأشج ، حدثنا العلاء بن سالم ، عن يزيد بن أبي زياد

، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت علياً – رضي الله عنه – بالرّحبة ينشد الناس من سمع النبي

(ص) يقول : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه» ، فقام إثنا عشر بدرياً فشهدوا

أنهم سمعوا رسول الله (ص) يقول ذلك .

هذا حديث حسن من هذا الوجه صحيح من وجوه كثيرة ، متواتر عن أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه – وهو

متواتر أيضاً عن النبي (ص) رواه الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا إطلاع له في هذا العلم .

فقد ورد مرفوعاً عن أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وكلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي

وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والعباس بن عبد المطلب ، وزيد بن أرقم ، وابو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله

، وعبد الله بن عباس ، وحبشي بن جنادة ، وعبد الله بن مسعود ، وعمران بن حصين ، وعبد الله بن عمر ، وعمّار

بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وسعد بن زرارة ، وخزيمة بن ثابت ، وأبي أيوب الأنصاري ،

وسهل بن حنيف ، وحذيفة بن اليمان ، وسمرة بن جندب ، وزيد بن ثابت ، وأنس بن مالك ، وغيرهم من الصحابة

رضوان الله عليهم .

وصح عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم ، وثبت أيضاً أنّ هذا القول كان منه (ص) يوم غدير خم ) (7) .

3- أبو القاسم الفضل بن محمد وارتضى كلامه تلميذه ابن المغازلي الشافعي فقال الحافظ أبو الحسن علي بن

محمد بن محمد الواسطي الشافعي المعروف بابن المغازلي – بعد أن روى حديث الغدير من عدة طرق – : ( قال

أبو القاسم الفضل بن محمد : هذا حديث صحيح عن رسول الله (ص) وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله

(ص) نحو مائة نفس منهم العشرة ، وهو حديث ثلبت لا أعرف له علة ، تفرّد علي عليه السلام بهذه الفضيلة لم

يشركه فيها أحد ) (8) .

4- العلامة الشيخ محمد الصبان قال في كتابه إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور ألبصار صفحة 167 :

( وقال رسول الله (ص) يوم غدير خم «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من

أحبّه وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار »، رواه عن النبي (ص) ثلاثون

صحابياً (9)وكثير من طرقه صحيح أو حسن ) (10) .

5- العجلوني ، قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم

وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فالحديث متواتر أو مشهور ) (11) .

6- شمس الدين الذهبي قال : ( ولما بلغ ابن جرير أن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل

وتكلم في تصحيح الحديث ، وقد رأيت مجلداً في طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة الطرق ) (12) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء أثناء ترجمته للمطلب بن زياد بن أبي زهير الثقفي بسنده عنه عن عبد الله

بن محمد بن عقيل : ( كنت عند جابر في بيته وعلي بن الحسين ومحمد بن الحنفية أبو جعفر فدخل رجل من

أهل العراق فقال : أنشدك بالله إلاّ حدثتني ما رأيت وما سمعت من رسول الله (ص) فقال : كنّا بالجحفة بغدير خم

وثم ناس كثير من جهينة ومزيتة وغفار فخرج علينارسول الله (ص) من خباء أو فسطاط فأشار بيده ثلاثاً فأخذ بيد

علي رضي الله عنه فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ) ثم قال الذهبي : ( هذا حديث حسن عال جداً ومتنه

فمتواتر ) (13) .

7- البدخشاني قال في كتابه مفتاح النجا في مناقب النجا في مناقب آل العبا – بعد أ، ذكر بعض طرق حديث

الغدير – : ( أقول : هذا حديث صحيح مشهور ، نص الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي

التركماني الفارقي ثم الدمشقي على كثير من طرقه بالصحة ، وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها الحافظ أبو

العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة في كتاب مفرد ) (14) .

8- ضياء الدين المقبلي ، قال – وهو يتحدث عن الأحاديث النبوية الواردة في فضل أهل البيت عليهم السلام – : (

ومن شواهد ذلك ما ورد في حق علي كرم الله وجهه في الجنة وهو على حدته متواتر معنى ومن أوضحه معنى

وأشهره رواية حديث : «من كنت مولاه فعلي مولاه »، وفي بعض رواياته زيادة : «اللهم وال من والاه وعاد من

عاداه» وفي بعض زيادة : «وانصر من نصره واخذل من خذله »، وطرقه كثيرة جداً ، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنّه

متواتر لفظاً فضلاً عن المعنى ، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل والحاكم وابن أبي شيبة

وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبي عاصم والشيرازي وأبي نعيم وابن عقدة وابن حبّان ، بعضهم من رواية

صحابي وبعضهم من رواية اثنين ، وبعضهم من رواية أكثر من ذلك .

وذلك من حديث ابن عباس ، وبريدة بن الحضيب ، ولابراء بن عازب ، وجرير البجلي ، وجندب الأنصاري ، وحبشي

بن جنادة ، وأبي الطفيل ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وحذيفة بن أسيد الغفاري ، وأبي أيوب الأنصاري ، وزيد

بن شراحيل الأنصاري ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وطلحة ، وأنس بن مالك ، وعمرو بن مرة ،

وفي بعض روايات أحمد عن علي وثلاثة عشر رجلاً ، وفي رواية له وللضياء المقدسي عن أبي أيوب وجمع من

الصحابة ، وفي رواية أحمد والطبراني والمقدسي عن علي وزيد بن أرقم وثلاثين رجلاً من الصحابة ، نعم فإن كان

مثل هذا معلوماً وإلاّ فما في الدنيا معلوم ) (15) .

9- محمد مبين – وهو من أكابر علماء أهل السنة في بلاد الهند – قال : ( وأكثر الأحاديث المذكورة في هذا الباب

من المتواترات ، كحديث : ( «أنت مني بمنزلة هارون من موسى ») ، وحديث : ( «أنا من علي وعلي مني ،

اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ... ) (16) .

10 – جمال الدين المحدث قال : ( الحديث الثالث عشر من جعفر بن محمد عن آبائه الكرام عليهم السلام أن

رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال : «من كنت مولاه

فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه معه حيث

دار» ، وفي رواية : «اللهم أعنه وأعن به ، وارحمه وارحم به وانصره وانصر به» ، فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ

ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقة له فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها

فقال : يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه

منك وأمرتنا بالزّكاة فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصوم فقبلناه منك ، ثم أمرتنا بالحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا

حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا منك أم من الله عزّ وجل ؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله : والذي لا إله إلاّ الله إن هذا من الله .

فولّى الحارث بن النعمان وهو يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقوله محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من

السماء أو أئتنا بعذاب أليم ، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله عزّ وجل .

أقول : أصل هذا الحديث سوى قصة الحارث تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو متواتر عن النبي صلى الله

عليه وآله أيضاً ، رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة ) (17) .


11- جلال الدين السيوطي أورد حديث الغدير في كتابين له خصصهما لذكر الأحاديث المتواترة وهما : ( الأزهار

المتناثرة في الأخبار المتواترة ) و ( الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة ) ونقل حكم السيوطي على حديث

الغدير بالتواتر العلامة المناوي في التيسير في شرح الجامع الصغير (18) والعلامة العزيزي في السراج المنير في

شرح الجامع الصغير (19) .

12- الملا علي القارىء قال : ( ... وعن زيد بن أرقم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من كنت مولاه

فعلي مولاه ، رواه أحمد والترمذي ) .

وقال : ( وفي الجامع : رواه أحمد وابن ماجة عن البراء وأحمد عن بريدة والترمذي والنسائي والضياء عن زيد بن

أرقم ، ففي إسناد المصنف الحديث عن زيد بن أرقم ، ففي إسناد المصنف الحديث عن زيد بن أرقم إلى أحمد

والترمذي مسامحة لا تخفى ، وفي رواية لأحمد والنسائي عن بريدة بلفظ : من كنت وليه فعلي وليه ، وروى

المحاملي في أماليه عن ابن عباس ولفظه : علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه ، والحاصل : إنّ هذا

حديث صحيح لا مرية فيه ، بل بعض الحفاظ عدّه متواتر ، إذ في رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي صلى الله عليه

وآله ثلاثون صحابياّ وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته ) (20) .

13- ابن حجر العسقلاني ، قال : ( وأمّا حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه »، فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو

كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) (21) .

وقال أيضاً أثناء ترجمته للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( ... قلت : لم يجاوز المؤلف ما

ذكره ابن عبد البر وفيه مقنع ، ولكنه ذكر حديث الموالاة عن نفر سماهم فقط ، وقد جمعه ابن جرير الطبري في

مؤلف فيه أضعاف من ذكر وصححه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو

أكثر ) (22) .

14- ابن حجر الهيثمي قال : ( ... إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد

وطرقه كثيرة جداً ، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً ، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (ص) ثلاثون صحابياً

وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي ، وكثير من أسانيده صحاح وحسان ، ولا إلتفات لمن قدح

في صحته ولا من ردّه بأن علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي (ص) ، وقول بعضهم إن

زيادة ، اللهم وال من والاه ... الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها ) (23) .

15- محمد ناصر الدين الألباني قال : ( وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في المجمع ( 9/103

– 108 ) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة

الحديث يقيناً وإلاّ فهي كثيرة جداً ن وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد قال الحافظ ابن حجر منها صحاح وحسان .

وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه ، الأول مه متواتر عنه (ص) كما يظهر لمن تتبع أسانيده

وطرقه وما ذكرت منها كفاية ) (24) .

وعبارة : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ... الخ ) التي زعم البعض أنها ليست من كلام رسول الله صلى الله

عليه وآله وأنها موضوعة فقد وردت بأسانيد صحيحة ، صححها العديد من علماء أهل السنة ، ومن أنكرها لم يأت

فيها بعلة قادحة وإنما أنكرها دفعاً بالصدر ، ومن رواياتهم الصحيحة في ذلك ما رواه الحاكم النيسابوري في

المستدرك على الصحيحين بسنده عن زيد بن أرقم قال :

( لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال : كأني قد دعيت فأجبت ،

إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن

يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ثم قال : إن الله عزّ وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضي الله

عنه فقال : «من كنت مولاه فهذا وليّه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ... وذكر الحديث بطوله هذا )

ثم قال الحاكم النيسابوري : ( حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ... ) (25) .

وأخرج ابن حبان في صحيحه – وهو صحيح عنده – بسنده عن أبي الطفيل قال : قال علي أنشد الله كل امرىء

سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم لما قام ، فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوه يقول «ألستم تعلمون أني

أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »

قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «من كنت مولاه فإن هذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ، فخرجت وفي

نفسي من ذلك شيء فلقيت زيد بن ارقم فذكرت ذلك له فقال : قد سمعناه من رسول الله (ص) يقول ذلك له )

(26) .
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن حبشي بن جنادة أنه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول يوم

غدير خم : «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عادان وانصر من نصره وأعن من أعانه ») (27) .
قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله وثقوا ) (28) .

وأخرج أبو يعلى في مسنده بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ( شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس

أنشد الله من سمع رسول الله (ص) يقول في يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد ، قال عبد

الرحمن فقام إثنا شعر بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل فقالوا نشهد أنّا سمعنا رسول الله (ص) يقول

يوم غدير خم «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم »، قلنا بلى يا رسول الله ، قال : «فمن

كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ) (29).

ونقله عن أبي يعلى الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : ( رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا ) (30) .

وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن أبي الطفيل قال :

( جمع علي رضي الله تعالى عنه الناس في الرّحبة ثم قال لهم : أنشد بالله كل امرىء مسلم سمع رسول الله

(ص) يقول يوم غدير خم ما قال لما قام ، فقام ثلاثون من الناس ، قال أبو نعيم : فقام ناس كثير فشهدوا حين

أخذ بيده فقال : «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «من كنت مولاه

فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ، قال فخرجت كأن في نفسي شيئاً فلقيت زيد بن أرقم

فقلت له : إني سمعت علياً يقول كذا وكذا ، قال : فما تنكر ، قد سمعت رسول الله (ص) يقول ذلك ) .

قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ( إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب

السنن ، وروى له البخاري مقروناً ) (31) .

وذكره عن أحمد الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة )

(32) .

 وأخرج البزار في مسنده بسنده عن عمرو بن ذي مر وسعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالوا : ( سمعنا علياً ي

قول نشدت الله رجلاً سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم لما قام ، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أن رسول ا

لله (ص) قال : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بيد علي فقال : م

ن كنت مولاه فهذا مولاه ، «اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وأنصر من

نصره وأخذل من خذله ») (33 ) .

ورواه عن البزار الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : ( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ) (34) .

وأخرج الطحاوي في مشكل الآثار بسنده عن زيد بن أرقم قال : ( لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل

بغدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال :« كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر

كتاب الله عزّ وجل وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »، ثم

قال : «إن الله عزّ وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة» ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : «من كنت وليه

فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ، فقلت لزيد : سمعت من رسول الله (ص) ؟ فقال : ما كان في

الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأذنه )

ثم قال الطحاوي : ( فهذا الحديث صحيح الإسناد لا طعن لأحد في أحد من رواته ) (35) .

وأخرجه النسائي ، فقال ابن كثير : ( تفرد به النسائي من هذا الوجه ، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا

حديث صحيح )(36) .

وروى النسائي في كتابه خصائص الإمام علي بسنده عن سعيد بن وهب قال : ( قال علي كرم الله وجهه في

الرحبة أنشد بالله من سمع رسول الله (ص) يوم غدير خم يقول «إن الله ورسوله ولي المؤمنين ، ومن كنت وليه

فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره» ؟ قال : فقال سعيد : قام إلى جنبي ستة ، وقال

زيد بن يثيع : قام عندي ستة ، وقال عمرو ذو مر : أحب من أحبه وأبغض من أبغضه ... ) .

قال محقق كتاب الخصائص الشيخ أبو إسحاق الحويني ألأثري عن هذا الحديث : ( إسناده صحيح ) (37) .

وروى النسائي في الكتاب المذكور بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال :

( أجمع علي الناس في الرحبة ، فقال : أنشد بالله كل امرىء سمع من رسول الله (ص) قال يوم غدير خم

«ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم – وهو قائم ثم أخذ بيد علي – فقال : من كنت مولاه فعلي

مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »؟

قال أبو الطفيل : فخرجت وفي نفسي منه شيء فلقيت زيد بن أرقم وأخبرنا فقال : تشك ؟ أنا سمعته من رسول

الله (ص) .

وقد حكم محقق الخصائص المذكور على هذا الحديث بالصحة فقال : ( إسناده صحيح ) (38) .

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة : ( ولفظه – أي حديث الغدير – عتد الطبراني وغيره بسند صحيح أنه (ص)

خطب بغدير خم تحت شجرات فقال : «أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلاّ نصف عمر الذي

يليه من قبله وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنمن مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟»

قالوا نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيراً .

فقال : «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنّ جنته حق وأنّ ناره حق ، وأن الموت حق ،

وأن البعث حق بعد الموت ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟»

قالوا : بلى نشهد بذلك .

قال : «اللهم اشهد »، ثم قال : «أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ،

فمن كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، ثم قال : «يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم

واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم

حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجل ، سبب طرفه بيد الله

وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن

ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض ») (39) .

وقال ابن حجر : ( وقول بعضهم أن زيادة اللهم وال من والاه ... الخ موضوعة مردود ، فقد ورد من طرق صحح

الذهبي كثيراً منها ) (40) .

وبمثل هذا القول قاله العلامة الحلبي في السيرة الحلبية (41) .

وقال العجلوني : ( من كنت مولاه فعلي مولاه رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي

وثلاثين من الصحابة بلفظ : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فالحديث متواتر أو مشهور ) (42) .

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بعد أن ذكر الكثير من الطرق لحديث الغدير وصحح الكثير منها : ( وللحديث

طرق أخرى كثيرة جمع طائفة منها الهيثمي في المجمع (9/103 – 108 ) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها

مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً ، وإلاّ فهي كثيرة جداً ، وقد

استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، قال الحافظ ابن حجر : منها صحاح وحسان .


وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه (43) الأول منه متواتر عنه (ص) كما يظهر لمن تتبع

أسانيده وطرقه وما ذكرت منها كفاية ) (44) .

وزعم المخالفون للشيعة أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقف في ذلك اليوم ولم يقل ما قاله لكي ينصب علياً

عليه السلام ولياً وإماماً وخليفةً من بعده على الأمة ، وإنما أراد التنبيه على فضله وأن يودّوه ويحبوه ويمتنعوا عن

تناوله وانتقاصه ويكفوا ألسنتهم عنه ، وهذا زعم باطل لا دليل عليه فلم يرد في رواية لا عندنا ولا عندهم أنّ

النبي صلى الله عليه وآله وقف ذلك الموقف وقال ما قال لهذا السبب الذي ذكروه ، بل إنّ رواياتنا ورواياتهم متفقة

على أنّه صلى الله عليه وآله إنما خطب في ذلك اليوم في ذلك الجمع من المسلمين عندما نزل عليه قوله تعالى

: (45) وأمره سبحانه وتعالى عن طريق الوحي بأن ينصب علياً عليه السلام ولياً وإماماً للمسلمين وخليفة من

بعده ، وممن ذكر ذلك من أهل السنة :


أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في تفسيره بسند يرفعه إلى ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا

الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، أمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يبلغ

فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد

من عاداه» (46) .


العلامة السيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله قال : ( لمّا أمر النبي صلى الله عليه وآله أن يقوم لعلي بن أبي

طالب المقام الذي قام به ، فانطلق النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة فقال رأيت الناس حديثي عهد بكفر

الجاهلية ، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه ، ثم مضى حتى قضى حجته ثم رجع حتى إذا كان

بغدير خم أنزل الله عزّ وجل يَا ﴿ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... ﴾ لأنه مقام منادى فنادى الصلاة جامعة

ثم قام وأخذ بيد علي فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ») (47) .

العلامة علي شهاب الدين الهمداني قال : ( روي عن البراء بن عازب قال : أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه

وآله في حجة الوداع فلما كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة ، فجلس رسول الله تحت شجرة وأخذ بيد علي وقال

: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : «ألا من أنا مولاه فعلي مولاه ، اللهم

وال من والاه ، وعاد من عاداه »، فلقاه عمر فقال : هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل

مؤمن ومؤمنة ، وفيه نزلت ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...  ﴾) (48) .

الحافظ الحسكاني روى بسنده عن أبي هريرة الدوسي عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( لما أسري بي إلى

السماء سمعت نداءً من تحت العرش أن علياً راية الهدى وحبيب من يؤمن بي ، بلّغ يا محمد ، فلما نزل النبي

صلى الله عليه وآله أسرّ ذلك ، فأنزل الله عزّ وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ – في علي بن أبي

طالب – ﴿ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ ) (49) .

وأخرج الحسكاني بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... ﴾الآية قال

: ( نزلت في علي ، أمر النبي رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبلغ فيه ، فأخذ رسول الله بيد علي فقال : «من

كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ») (50) .

وأخرج بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم وتلا هذه

الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ ثم رفع يديه حتى يرى بياض

إبطيه ثم قال : «ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، ثم قال : «اللهم اشهد ») (51) .

وأخرج بسنده عن علي بن سليمان النوفلي قال : حدثني أبي قال : ( سمعت زياد بن المنذر يقول كنت عند

أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى – كان يروي

عن الحسن البصري – فقال له : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك إن الحسن يخبرنا أنّ هذه الآية نزلت بسبب

رجل ولا يخبرنا من الرجل ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ فقال : لو أراد أن يخبر لأخبر به ولكنّه يخاف ،

إن جبرائيل هبط على النبي صلى الله عليه وآله فقال له : إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صلاتهم ، فدلهم عليها

، ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدل أمتك على زكاتهم فدلهم عليها ، ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدل أمتك

على صيامهم فدلهم ، ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدلهم على حجهم ففعل ، ثم هبط فقال : إن الله يأمرك

أن تدل أمتك على وليهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في

جميع ذلك ، فقال رسول الله : يا رب إن قومي قريبوا عهد بالجاهلية وفيهم تنافس وفخر ، وما منهم رجل إلاّ قد

وتره وليهم وإني أخاف ، فأنزل الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ

﴾– يريد فما بلغها تامة – ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ فلما ضمن الله له بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي

طالب ثم قال : «يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره

واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه» ، قال زياد فقال عثمان : ما انصرفت إلى بلدي بشيء أحب

إلي من هذا الحديث )(52) .

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي روى بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : ( نزلت هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ

بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) (53) .

أبو نعيم الأصفهاني روى بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : ( نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) في

علي بن أبي طالب عليه السلام ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ

يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ﴾) (54) .

العلامة الشوكاني قال : ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه

الآية ﴿  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ  ﴾على رسول الله (ص) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله

عنه ، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله (ص) ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ

إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ – أن علياً مولى المؤمنين – ﴿ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ﴾ ) (55) .

الفخر الرازي قال : ( العاشر : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولما نزلت هذه الآية أخذ

بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال :

هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد

بن علي ) (56) .

كما زعموا أنّ المولى في حديث الغدير بمعنى المحبة والنصرة والتأييد وليست بمعنى الأولى ، ويردّه أن قول

النبي صلى الله عليه وآله : ( من كنت مولاه ... الخ ) مفرّع على المولى في قوله صلى الله عليه وآله : ( ألست

أولى بكم من أنفسكم ؟ ) وولاية النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ

أَنْفُسِهِمْ ﴾ هي الولاية العامة المطلقة في جميع شؤون المسلمين وفيما يتعلق بأمور الدين والدنيا وبذلك فسرّه

علماء أهل السنة .

قال أبو السعود : ( ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ أي في كل أمر من أمور الدين والدنيا كما يشهد به

الإطلاق ) (57) .

وقال الدكتور محمد محمود حجازي : ( ﴿ النبي ﴾ عليه الصلاة والسلام ﴿ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ في كل

شيء من أمور الدين والدنيا ) (58) .

وقال العلامة الشوكاني : ( ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم  ﴾أي هو أحق بهم في كل أمور الدين والدنيا

وأولى بهم من أنفسهم فضلاً أن يكون أولى بهم من غيرهم ...) (59) .

وقال النسفي : ( ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم  ﴾أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا ،

وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ... ) (60) .


فلفظة " المولى " مهما كان لها من معان في اللغة ، ولكن معناها هنا منحصر بـ ( الأولى ) في التصرف كأولوية النبي صلى الله عليه وآله ، فعلي عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم كالنبي صلى الله عليه وآله .

فالمولى في لغة العرب تأتي بمعنى الأولى ، وقد فسّر علماء أهل السنة قوله ﴿ مولاكم ﴾ الوارد ضمن قوله تعالى :﴿ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ﴾ بالأولى بكم ، يقول الطبري في تفسيره : ( وقوله : ﴿ هي مولاكم  ﴾، يقول أولى بكم ) (61) .

وقال ابن كثير : ( وقوله تعالى : ﴿ هي مولاكم  ﴾، أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم ) (62) .

وقال الواحدي : ( ﴿ هي مولاكم  ﴾، أي أولى بكم ) (63) .

وقال البغوي : ( ﴿ مأواكم النار هي مولاكم  ﴾، صاحبكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب ) (64) .

والخلاصة : حديث الغدير الشريف حديث ثابت صحيح متواتر ، وهو نص صريح وجلي على ولاية الإمام أمير

المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الأمة وأنّه المتولي لأمورها وشؤونها الدينية والدنيوية من بعد

النبي صلى الله عليه وآله .


والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف بريته وخير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن سار على

نهج محمد وآله إلى قيام يوم الدّين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعجم الكبير 3/180 .
(2) مجمع الزوائد 9/105 .
(3) ذكرت أقوال مجموعة من مفسري أهل السنة لقوله تعالى : في كتابي الرّد النفيس على أباطيل عثمان الخميس في الصفحة 365 إلى 372 ، الطبعة الأولى ، دار الكاتب العربي بيروت .
(4) مجموع الفتاوى 4/417 – 418 .
(5) انظر كتاب خصائص الإمام علي للنسائي بتحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني الأثري صفحة 92 .
(6) الفصل في الملل 4/116 .
(7) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب صفحة 3 – 4 .
(8) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي صفحة 27 .
(9) بل رواه من الصحابة أكثر من العدد الذي ذكره .
(10) عنه المرعشي في إحقاق الحق 6/292 ، الميلاني في نفحات الأزهار 7/217 .
(11) كشف الخفاء 2/361 .
(12) تذكرة الحفاظ 2/713 .
(13) سير أعلام النبلاء 7/571 .
(14) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ( مخطوط ) .
(15) الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة صفحة 122 في ذكر الأحاديث النبوية .
(16) وسيلة النجاة في فضل السادات صفحة 104 .
(17) الأربعين ، مخطوط ، عنه السيد الميلاني في نفحات الأزهار 6/113 .
(18) التيسير في شرح الجامع الصغير 2/442 .
(19) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 3/360 .
(20) المرقاة في شرح المشكاة 5/568 .
(21) فتح الباري ، شرح صحيح البخاري 7/74 .
(22) تهذيب التهذيب 4/213 .
(23) الصواعق المحرقة 1/106 – 107 .
(24) سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/343 .
(25) المستدرك على الصحيحين 3/118 رواية رقم : 4576 ، وأخرجه أيضاً في نفس الكتاب 3/118 رواية رقم : 4577 .
(26) صحيح ابن حبان 15/375 – 376 رواية رقم : 6931 .
(27) المعجم الكبير 4/16 رواية رقم : 3514 .
(28) مجمع الزوائد 9/106 .
(29) مسند أبي يعلى 1/428 رواية رقم : 567 .
(30) مجمع الزوائد 9/105 .
(31) مسند أحمد 4/370 رواية رقم : 19321 .
(32) مجمع الزوائد 9/107 .
(33) مسند البزار 3/34- 35 رواية رقم : 785 .
(34) مجمع الزوائد 9/107 – 108 .
(35) تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 9/180 رواية رقم : 6490 .
(36) البداية والنهاية 5/228 .
(37) خصائص الإمام علي للنسائي صفحة 99 رواية رقم : 95 .
(38) خصائص الإمام علي للنسائي صفحة 96 رواية رقم : 90 .
(39) الصواعق المحرقة 1/108 .
(40) الصواعق المحرقة 1/107 .
(41) السيرة الحلبية 3/336 .
(42) كشف الخفاء 2/361 .
(43) يعني بالشطر ألأول قوله صلى الله عليه وآله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وبالشطر الثاني قوله صلى الله عليه وآله : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) .
(44) سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/343 .
(45) المائدة : 67 .
(46) تفسير الثعلبي ( مخطوط ) عنه السيد المرعشي في إحقاق الحق 6/348 .
(47) الأربعون حديثا ( مخطوط ) عنه المرعشي في إحقاق الحق 6/348 .
(48) مودة القربى صفحة 55 .
(49) شواهد التنزيل 2/249 .
(50) شواهد التنزيل 2/252 .
(51) شواهد التنزيل 2/252 .
(52) شواهد التنزيل 2/253 – 255 .
(53) أسباب النزول للواحدي صفحة 115 .
(54) النور المشتعل صفحة 86 .
(55) فتح القدير 2/76 .
(56) تفسير الفخر الرازي 12/49 .
(57) تفسير أبي السعود 7/91 .
(58) التفسير الواضح ، المجلد الثالث ، الجزء 21 الصفحة 75 .
(59) فتح القدير 4/327 .
(60) تفسير النسفي 3/297 .
(61) تفسير الطبري 11/680 .
(62) تفسير ابن كثير 4/311 .
(63) تفسير الواحدي 2/1068 .
(64) تفسير البغوي 4/298 .


source : http://www.abp-ashura.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

سلوني قبل أن تفقدوني
ما هي حقيقة آيه الرجم ؟
العلاقة بين الإمام علي (عليه السلام) والقرآن ...
أعراض النساء والانتهاك الجنسي
الايه التي ذكرت فيها مصيبة الحسين عليه السلام
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً
المجازر في عصر الأمويين .
القيم الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام
في العبودية

 
user comment