عربي
Tuesday 30th of April 2024
0
نفر 0

في خصوصيات زيارته التي هي اعظم الوسائل الحسينية

 العنوان السابع



 


   وهي تذكر في ابواب  :

 

الباب الاول : في فضائلها الخاصة ، وهي من جهات عديدة .
الباب الثاني : في فضيلة خاصة تذكر وحدها مستقلة لامتيازها .
الباب الثالث : في الصفات الخاصة الحاصلة للزائرين .
الباب الرابع : في صفة خاصة للزائرين ، تذكر وحدها لامتيازه .
الباب الخامس : في احكامها الشرعية .
الباب السادس : في شروطها وادابها الشرعية .
الباب السابع : في الاثار المترتبة على تركها .
الباب الثامن : في زياراته المخصوصة بالاوقات .
الباب التاسع : في الابدال المجعولة بالاوقات .

الباب التاسع : في الابدال المجعولة لزيارته لطفا من الله .
الباب العاشر : في الخطابات المخصوصة به في الزيارات .
الباب الحادي عشر : في بيان زواره قبل شهادته .
الباب الثاني عشر : في بيان زواره بعد شهادته .

 

 

الباب الاول
في فضل الزيارة الخاصة

 

وهي من احدى عشرة جهة  :


الجهة الاولى : الجامعية

 

اعلم ان الله سبحانه قد اقتضت حكمته البالغة ان يكلف عباده باعمال خاصة ، واجبات ، ومندوبات لها في حصول التقرب اليه اثار خاصة ، نحو الاغذية للابدان بالنسبة الى طعومها وخواصها فلا يغني احدها عن الاخر .

 

 ولذا ذكر بعض المحققين : انه لا ينبغي ان يطلب الانسان الافضل من العبادات المندوبة ويقتصر عليها ، لفوات الخصوصيات .

 

وقد خص هذه الطاعة بأن جمع لها خواص كل عبادة واجبة ومندوبة قولية وفعلية بدنية ، وقلبية  وان لم يسقط التكليف بواجباتها فإن ذلك امراً اخر.

 

اما الصلاة : التي هي افضل الاعمال وعمود الدين فحصولها بطريقين :

 

الاول : ما يتحصل من الصلوات عند قبره اذا زرته ، وتضاعفها بلا نهاية .

 

الثاني : ما يحصل بصلوات سبعين ألفا من الملائكة ، الذين تعدل صلاة كل واحد منهم صلاة ألف من الادميين ، كما في الروايات فانهم يصلون عند قبره ، وثواب صلاتهم للزائرين له .

 

واما الزكاة : فانه يحصل له بكل زيارة ثواب الف زكاة متقبلة ، كما في الرواية .

 

واما الحج : الذي هو افضل الاعمال حتى من الصلاة ، فان فيه صلاة ايضا ، وقد ورد انها حجة واحدة ، واثنتان ، وعشر وعشرون  واثنتان وعشرون وثمانون ومائة ومائة وألف وكل خطوة بحجة وكل رفع قدم بعمرة . وفي رواية بشير الدهان في زيارة عرفة : " ان الرجل منكم ليغتسل على شاطيء الفرات ثم يأتي قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه فيعطيه الله تعالى بكل قدم يرفعها ويضعها مائة حجة مقبولة ، ومائة عمرة مبرورة."

 

وقد زادت هذه المعادلة في بعض الروايات بكون الحجة مع رسول الله المصطفى (ص) ففي بعضها حجة مع الرسول مقبولة زاكية . وفي بعضها اثنتان كذلك ، وبعضها عشر ، وفي بعضها ثلاثون مع الرسول محمد (ص) متقبلة زاكية ، وفي بعضها خمسون معه ، وفي بعضها مائة معه (ص) ، ثم قد زادت المعادلة زيادة اعجبت العقول وهي انها تبلغ حج الرسول (ص) بنفسه ، لا الحج معه ، لا واحدة من حججه (ص) فقط بل ازيد ، وذلك في رواية عائشة وقد ذكرت سابقا ، وفياخرها : قال المصطفى (ص) من زاره كتب الله له تسعين حجة من حججي بأعمارها.

 

وهذا الاختلاف محمول على اختلاف مراتب الزائرين بحسب قوة ايمانهم ، ودرجات معرفتهم بالله عز وجل وبحق النبي محمد (ص) وأهل بيته (ع) وبحق الحسين (ع  ( بالخصوص ، ومقدار اليقين بفضيلته وخصائصه التي من جملها خصوصية قوله (ص) " وانا من حسين.

 

فيتفرع على ذلك ببعض الوجوه ان زيارته تعادل حج النبي (ص) ، ولعل من جملة الوجوه ان زيارته تعادل حج النبي المصطفى (ص) ولعل من جملة الوجوه للمعادلة بحج النبي (ص) ان الزائر اذا توجه اليه شوقا وحبا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقد حج البيت الحقيقي لله تعالى بقلب يناسب قلب النبي (ص) في حبه ، ويرتبط به لذلك فاذا حضر عند قبره ، او وجّه قلبه اليه من بُعد البلاد ، وزاره بكربة قلبه لما جرى عليه فكأنه قد قصده بقلب النبي (ص) فاذا كان قلب النبي (ص) يرق عليه حين يركب على ظهره وهو ساجد ، وينزل من على ظهره برفق الى الارض ، فليتصوره زائره حين يقع الحسين عليه السلام على الارض بضربة رمح من صالح بن وهب المزني ، وليجبر قلبه بسلامــــه عليه ويتحفه بذلك ، فيكون كقصد النبي (ص) اياه ، كذلك وحيث ان الحسين )ع) اعظم واكرم على الله تعالى من البيت بفضيلة تصل الى التسعين وبتفاوت درجات الايمان ، والوقوف على التسعين من الاسرار التي خصّت بالنبي صلوات الله تعالى وسلامه عليه.

 

واما الصدقة : فان في زيارته ثواب الف صدقة مقبولة ، كما في الرواية الصحيحة.

 

واما الصوم : فان في زيارته ثواب الف صائم ، كما في الحديث الصحيح .

 

واما الاعانة في سبيل الله تعالى فان من زاره يكون كمن حمل على الف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة .

 

واما الجهاد والغزو : فان في زيارته اجر الف شهيد من شهداء بدر ، بل ويحصل منها التشحط بدمه في سبيل الله .

 

واما العتق : فان في ثواب زيارته عتق الف نسمة اُريد بها وجه الله ، وقد ورد ان من زار قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله بكل قدم يرفعها وكل قدم يضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل .

 

واما الذكر والتسبيح :  فقد ورد انالله يخلق من عرق زوار الحسين (ع) كل عرقة سبعين الف ملك يسبحون الله ويقدسونه ومنها التسبيح والتهليل والذكر بغير ذلك وفي زيارة الحسين (ع( ادراك ثواب الذاكرين لله تعالى من الملائكة المقربين.

 

ومنها الصلة للرحم والاحسان الى اهل الايمان :  وزيارته صلة لرحم رسول الله (ص) الذي هو الوالد الحقيقي ، واحسان الى رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من وُلد الحسين (ع( ، واحسان الى الحسين (ع) الذي هو الاحسان .

 

ومنها الاطعام في يوم ذي مسغبة : يتيما ذا مقربة او مسكينا ذي متربة اذا زرته بقولك : السلام على المطروح بالعراء .

 

ومنها الزيارة للمؤمن : والسلام عليه  واكرامه ولو بمتكأ ، او مجلس ، او تعظيم ، وهذا سيد المؤمنين وزيارته اتحاف له بتحفة المحبة والتعظيم.

 

ومنها القرض له قرضا حسنا :  وقد سمى الله تعالى القرض للمؤمن المضطر قرضا لله ، فاذا اقرضت امام المؤمنين المضطر  الغريب عن الوطن ، والذي هجره الناس كلهم عن كل شيء ، حتى بقي جسده لا يقربه احد ، بقصدك اليه ، والى قربه وزيارته ، فهذا اعظم قرض لله ، وما ادري كيف يضاعفه الله وماذا يبلغ الاجر الكريم الذي وعده لقرضه قرضا حسنا.


ومنها عيادة المريض :  وقد جعل الله عتاب تركها ان يقول لتاركها : عبدي قد مرضت ما عدتني ، وزيارة الحسين عليه السلام اذا تأملت في حقيقتها فهي عبادة ، وليست عيادة مريض اصيب بحمى او بصداع لتتفقد حاله ! وانما هي عيادة لجريح عطشان ، لا بل عيادة لمكروب لهفان ، لا بل عيادة للمرضضة اعضاؤه ، وقد ذكرت الزهراء عليها السلام هذا المضمون في زيارتها له وهي

على قبره في الرؤيا الصحيحة  :

 

أيها العينان فيضا ** واستهلا لا تغيضا
وابكيا بالطف ميتا ** ترك الصدر رضيضا
لم امرّضه قتيلا ** لا ولا كان مريضا

 

 

فاذا قصدته عند قبره فاقصد عيادته فكأنك مرّضته قتيلا ، وعدته مطروحا ، واذا دخلت روضته ترى ذلك في تأثيرات النظر الى قبره الشريف .

 

ومنها التجهيز للمؤمن خصوصا الغريب : وفضله لا يحصى ، وزيارة قبر الحسين (ع) تشييع للجنازة المطروحة ، وغسل وتكفين للبدن العاري ، ودفن في القلب ، فتـُحصّل له قبرا باطنا اذا توجهت اليه عند قبره عليه السلام .

 

ومنها ادخال السرور في قلب المؤمن : الذي هو افضل الاعمال وهو المثال عند جميع الاهوال ، وقد ورد في زيارته عن الصادق عليه السلام : لو يعلم زائر الحسين ما يدخل على رسول الله (ص) وما يصل اليه من الفرح ، والى امير المؤمنين والى فاطمة والى الائمة (ع) والشهداء منا اهل البيت ، وما يصيب من دعائهم له في ذلك من الثواب في العاجل والاجل والمذخور له عند الله تعالى ، لاحبّ ان يكون ما ثَمّ داره .

 

بيان : قوله : ما ثم داره ، بالثاء المثلثة او بالتاء المثناة ، ومعناه على الاخير ماتم في داره ، يعني ما استقر في داره .

 

ومنها زيارة الحسين عليه السلام : ومن العجائب انه تحصل بزيارة الحسين (ع) زيارة الحسين (ع) بل بزيارته مرة زياراته الى يوم القيامة ، وذلك في رواية صحيحة عن صفوان سنذكرها بعد ذلك .


الجهة الثانية : انقسام الخواص والفضائل على حالات الزائر ، فان زائره ينال في كل حالة من حالاته فضيلة تفوق الفضائل ، وقد جمعت من الاحاديث الصحيحة المعتبرة وهو ست عشرة فضيلة

 

في  ست عشرة حالة  :

 

الاولى : اذا همّ بزيارته : قال الصادق (ع) " ان لله ملائكة موكلين بقبر الحسين (ع) فاذا همّ الرجل بزيارته اعطاهم الله ذنوبه، فاذا خطى محوها ، ثم اذا خطى ضاعفوا له حسناته ، فلم تزل حسناته تضاعف حتى توجب له الجنة ، واذا اغتسل حين همّ بزيارته ناداه محمد المصطفى (ص) يا وافدا لله تعالى ابشر بمرافقتي في الجنة ، وناداه علي المرتضى (ع(  انا ضامن لقضاء حوائجكم ، واكتنفا عن يمينه وشماله حتى ينصرف " . هذا لفظ الرواية عن الصادق عليه السلام .


الثانية : اذا اخذ في جهازه تباشر به اهل السماء .

 

الثالثة : اذا انفق في جهازه يعطيه الله تعالى بكل درهم انفقه مثل احد من الحسنات ، ويخلف عليه اضعاف ما انفق ، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه .

 

وفي رواية ابن سنان يجب لهم بالدرهم الف والف والف حتى عدّ عشرة ، ثم قال : ورضا الله خير له ، ودعاء محمد صلى الله عليه واله وامير المؤمنين ودعاء الائمة (ع) خير له .


الرابعة : اذا خرج من منزله شيّعه ستمائة ملك في جهاته الست .

 

الخامسة : اذا مشى لا يقع قدماه على شي الا دعى له ، فاذا خطى كان له بكل خطوة خطاها الف حسنة ، واذا كان في سفينة وانكفأت بهم نودوا ألا طبتم وطابت لكم الجنة ، واذا رفعت دابته يدها كان له بكل يد رفعتها الف حسنة .

 

السادسة:  اذا اصابته الشمس اكلت ذنوبه كما تأكل النار الحطب ، كما عن الصادق عليه السلام .

 

السابعة : اذا عرق من الحر او التعب ، فقد روي في المزار الكبير: انه يخلق من عرق زوار الحسين عليه السلام في كل عرقة سبعون الف ملك ، يسبحون الله ويستغفرون لزوار الحسين (ع) الى ان تقوم الساعة .

 

الثامنة : اذا اغتسلوا بماء الفرات للزيارة تساقطت ذنوبهم ، ثم ناداهم محمدأً المصطفى (ص) " يا وافدا لله تعالى ابشر بمرافقتي في الجنة ثم ناداهم علي امير المؤمنين (ع) انا ضامن لقضاء حوائجكم ورفع البلاء عنكم في الدنيا والاخرة . "

 

التاسعة : اذا مشى بعد الغسل ، كتب الله تعالى له بكل قدم يرفعها او يضعها مائة حجة مقبولة ، ومائة عمرة مقبولة ، ومائة عزوة مع نبي مرسل الى اعدى عدو له .

 

العاشرة : اذا دنى من كربلاء استقبلته اصناف الملائكة ، منهم الاربعة الاف جاؤوا لنصرته يوم عاشوراء ، ثم اُمروا بمجاورة قبره  ومنهم سبعون الفا ، ومنهم اعداد اُخر ، قد ذكرنا تفصيلها في عنوان ما يتعلق بالملائكة.

 

الحادية عشرة : اذا زار القبر نظر اليه الامام الحسين عليه السلام ثم دعى له ، ثم يسأل اباه وجده ان يستغفروا له ، ثم تدعوا له الملائكة ، ثم يدعو له جميع الانبياء والرسل ، ثم يكتب له جميع ما ذكرنا من ثواب مجموع العبادات ، ثم تصافحه الملائكة ، ثم يوسم بوجهه من نور العرش ، هذا زائر ابن خاتم الانبياء (ص) وسيد الشهداء(ع. (

 

الثانية عشرة : اذا رجع الى اهله شيعته اصناف من الملائكة ، فيشيعه بالخصوص جبرئيل وميكائيل واسرافيل ، ويشيعه الاربع الاف ، ويشيعه السبعون الفا ، ويشيعه بالخصوص ملكان ، فاذا انصرف ودعّاه وقالا له : يا ولي الله مغفور لك ، انت من حزب الله ، وحزب رسوله (ص) وحزب اهل بيته (ع) والله لا ترى النار بعينك ابدا ، ولا تراك ولا تطعمك ابدا ، ثم ناداه مناد : طوبى لك طبت وطابت لك الجنة .

 

الثالثة عشرة : اذا مات بعد ذلك بسنة او سنتين شهدوا جنازته ، واستغفروا له بعد موته ، ثم يزوره الحسين عليه السلام ، وزيارته يمكن ان تكون اول الموت ، او عند وضعه في القبر ليلة الوحشة ،

 

فيا غرباء القبور ، يا اهل الوحدة فيه ، يا اهل الوحشة فيه ، يا من يعلم انه اذا خرجت روحه فلا يزوره احد زيارة مواجهة ، بل لو زارك شخص يقف عليك بفاصلة ذراعين من الطين بينك وبينه ، يا من تنقطع الصلة بينه وبين الناس جميعا فلا يراهم ولا يرونه .

 

اذا زرت الحسين (ع) فانه يجيء اليك في ذلك الوقت ، مجيء مواجهة تراه ويراك ، فهل تحتمل ان تبقى في قلبك -  بعد زيارته لك وقوله لك : السلام عليك - وحشة او خوف او كربة !؟؟

 

وبمقدار زيارتك له وتكرارها ، وشوقك اليه وتعلقك به وادخال السرور على قلبه وموالاته بصدق قولا و عملا سوف يزورك ويؤنسك في وحشتك.

 

اللهم يسر لنا سبل رضوانك وحبك ومعرفتك يا كريم

 

الرابعة عشر : اذا مات في طريق الزيارة ، فقد ورد عن الصادق (ع) انه قال : "  تشيعه الملائكة وتأتيه بالحنوط ، والكسوة من الجنة ، وتصلي عليه اذا كفن ، وتكفنه فوق اكفانه ، وتفرش له الريحان تحته ، وتدفع الارض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة اميال ، ومن خلفه مثل ذلك ، وعند رجليه مثل ذلك ، وعند رأسه مثل ذلك ، ويفتح له باب من الجنة الى قبره ، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة "  .

 

الخامسة عشرة : اذا حبس وهو في طريقه ، او ضرب ، فقد ورد في ذلك عن الصادق (ع) ان له بكل يوم يحبس ويغتم ، فرحة الى يوم القيامة ، قلت له : فان ضرب بعد الحبس في اتيانه ؟ قال (ع " (له بكل ضربة حوراء ، وبكل وجع يدخل عليه الف الف حسنة ، ويمحى بها عنه الف الف سيئة ، ويرفع له بها الف الف درجة ، ويكون من محدثي رسول الله (ص) حتى يفرغ من الحساب ، ويصافحه حملة العرش ، ويقال له سل ما احببت ، ويؤتى بضاربه للحساب  فلا يسأل عن شيء ، ولا يحتسب بشيء ، ويؤخذ بضبعيه اي : بعضديه حتى ينتهي به الى ملك يحبوه اي : يعطيه ويتحفه بشربة من الحميم وشربة من الغسلين ، ويوضع على جبال في النار ، ويقال : ذق ما قدمت يداك فيما اتيت الى هذا الذي ضربته ، والمتضرر من سبيل الحسين (ع" : ( هو وفد الله تعالى ووفد رسوله (ص) ويؤتى به الى باب جهنم ويقال انظر الى ضاربك وما قد لقي ، فهل شفيت صدرك ؟ وما قد اقتص لك منه ؟ فيقول : الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه .

 

السادسة عشر : اذا قتل في سبيله ، فقد ورد في الحديث عن الصادق (ع) انه قال : ( اول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة ، وتغسل طينته التي منها خلق الملائكة حتى تخلص كما خلصت الانبياء والمخلصين ، ويذهب عنها ما كان خالطها من اجناس طين اهل الكفر ، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ ايمانا ، فيلقى الله تعالى وهو مخلص من كل ما تخالطه الابدان والقلوب ، وتكتب له الشفاعة في اهل بيته ، ولألف من اخوانه ، وتُولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت ، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنة ، ويوّسع قبره عليه ، وتوضع له مصابيح في قبره ، ويفتح له باب من الجنة ، وتأتيه الملائكة بالتحف من الجنة ، ويرفع ثمانية عشر يوما الى حظيرة القدس ، فلا يزال فيها مع اولياء الله تعالى حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئا ، فاذا نفخت النفخة الثانية ، وخرج من قبره كان اول من يصافحه رسول الله (ص) وامير المؤمنين(ع) والاوصياء صلوات الله تعالى عليهم ، ويبشرونه ويقولون له : إلزمنا ، ويقيمونه على الحوض ، فيشرب منه ، ويسقي من احب . (

 


الجهة الثالثة : انها تخلص من الذنوب تخليصا خاصا ، قد عبّر عنه فيما يقرب الى اربعين حديثا من الصحاح المعتبرة ، بأنه يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وفي احاديث اُخرى انه يصير كيوم ولدته امه ، وفي بعضها يمحص من الذنوب كما يمحص الثوب الوسخ في الماء.

 

ومن عجائب ذلك انه قد ورد في رواية اخرى ان ذلك كله بأول خطوة ، ثم يقدس بكل خطوة بعدها ، ثم تبلغ مرتبته بأن يناجيه الله بقوله : " عبدي سلني اعطك " .

 

وفي رواية : " انه يجيئه ملك بعد صلاة الزيارة ، فيقول له : ان رسول الله  صلوات الله عليه واله ، يقرؤك السلام ويقول : قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل .

 


الجهة الرابعة : انه يصير مع ذلك سببا لخلاص غيره ايضا ، ففي الرواية ، عن سيف التمار عن اب عبدالله عليه السلام قال: زائر الحسين (ع) مشفع يوم القيامة لمائة رجل كلهم قد وجبت لهم النار .

 


الجهة الخامسة : ان كل عمل ينقطع وان بقي ثوابه ، وزيارة الحسين (ع) بحسب الوقوع ايضا متصلة الى يوم القيامة لا تنقطع عن الزائر.

 

 

بيان ذلك : انه روى صفوان عن ابي عبدالله (ع) : ان الرجل اذا خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين (ع) شيّعه سبعمائة ملك من فوق رأسه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، حتى يبلغوا به مأمنه ، فاذا زار الحسين عليه السلام ناداه مناد : قد غُفر لك ، فاستأنف العمل ، ثم يرجعون معه مشيعين الى الى منزله ، فاذا صاروا الى منزله قالوا : استودعك الله تعالى ، فلا يزالون يزورونه الى يوم مماته ، ثم يزورون قبرالحسين (ع) في كل يوم وثواب ذلك للرجل

 


الجهة السادسة : انه يدرك بها ما يستحيل وقوعه ، وهو ثواب الحج مع المصطفى محمد (ص) وذلك في روايات عديدة ، ألطفها ما رواه موسى بن القاسم الخضرمي ، قال : قدم ابو عبدالله (ع) في اول ولاية ابي جعفر وهو المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي فنزل النجف ، فقال : يا موسى اذهب الى الطريق الاعظم فقف على الطريق ، وانظر فانه سيجيئك رجل من ناحية القادسية ، فاذا دنى منك ، فقل له هاهنا رجل من ولد رسول الله (ص) يدعوك فسيجيء معك .

 

 قال : فذهبت حتى اقمت على الطريق ، والحر شديد ، فلم ازل مقيما حتى كدت اعصي وانصرف وادعه ، اذ نظرت الى شيء مقبل شبه رجل على بعير ، قال : فلم ازل انظر اليه حتى دنى مني ، فقلت له : يا هذا هاهنا رجل من ولد رسول الله (ص) يدعوك ، وقد وصفك لي ، قال : اذهب بنا اليه ، فجئت به حتى اناخ بعيره ناحية قريبا من الخيمة ، قال : فدعى به فدخل الاعرابي اليه ، فدنوت انا فصرت الى باب الخيمة اسمع الكلام ولا اراهما ، فقال ابو عبدالله (ع) : من اين قدمت ؟
قال : من اقصى اليمن ،
قال : انت من موضع كذا وكذا ؟
قال : نعم انا من موضع كذا وكذا ،
قال : فبما جئت هاهنا ؟
قا : جئت زائرا للحسين عليه السلام .
فقال ابو عبدالله (ع) ، فجئت من غير حاجة ليس الا الزيارة ؟؟
قال : جئت من غير حاجة ليس الا ان اصلي عنده وازوره واسلم عليه وارجع الى اهلي .
قال له ابو عبدالله (ع) : وما ترون في زيارته ؟
قال : نرى في زيارته البركة في انفسنا واهلينا واولادنا واموالنا ومعائشنا وقضاء حوائجنا .
قال له ابو عبدالله : افلا ازيدك من فضله فضلا يا اخا اليمن ؟
قال : زدني
قال : ان زيارة ابي عبدالله (ع) تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله (ص) فتعجب من ذلك ، فقال : اي والله وحجتين مبرورتين زاكيتين مع رسول الله (ص) فتعجب ، فلم يزل ابو عبدالله يزيد حتى قال : ثلاثين حجة مقبولة مبرورة زاكية مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .


الجهة السابعة : انه يدرك بها ثواب ما يستحيل وقوعه في نفسه ، وهو ان يكون حجك حج الرسول نفسه (ص) وقد ورد في رواية عن عائشة قد ذكرناها سابقا .

 

الجهة الثامنة : انه قد حلف الله تعالى ان لا يخيب من زاره ، وذلك في رواية ابن محبوب عن ابي جعفر الباقر عليهما السلام ، قال : ان الحسين (ع) صاحب كربلاء قتل مظلوما عطشانا لهفانا ، فالى الله عزوجل على نفسه ان لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا به من عاهة ثم دعى عنده وتقرّب بالحسين عليه السلام الى الله تعالى الا نفـّس الله كربته ، واعطاه مسألته ، وغفر ذنوبه ، ومدّ في عمره ، وبسط في رزقه ، فاعتبروا يا اولي الالباب.

 

الجهة التاسعة : خصوصية مخصوصة هي لها نهاية المأمول ، وهي التي ورد في الرواية : انه اذا رآه الله ساهر الليل تعب النهار ، نظر اليه نظرة توجب له الفردوس الاعلى .

 

الجهة العاشرة : تأثيراتها الخاصة :

 

فمنها : ما في الروايات الكثيرة من انها تزيد في الاعمار ، وتزيد في الارزاق ، وورد في زيارة عرفة انها تورث الاطمئنان في العقائد الحقة ، ورفع الشبهات ، وهذا الاثر اعلى من كل اثر فإن كل اثر يتوقف عليه .

ومنها : انها تدفع مدافع السوء وبعض ميتات السوء .

ومنها :  انه يدخل في من يضمنه النبي (ص) ، وذلك في خمسة عشر حديثا  ، مضمونها انه ضمن لمن زاره او اباه او اخاه او امه ان يزوره يوم القيامة ويخلصه من اهوالها وشدائدها.

 

الجهة الحادية عشر : غرائب فضائلها :

 

فمنها : انها افضل من زيارة الامام اذا كان حيا ، وزيارته في حياته ، فاذا كان الصادق (ع) مثلا حيا ، وذهبت لخدمته وتكلمت معه وتكلم معك ، فزيارة الحسين (ع) الان افضل من ذلك ، كما ان ابن ابي يعفور قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام لما زرته : دعاني الشوق اليك أن تجشمت اليك على مشقة ، فقال لي : لا تشك بربك تعالى ، فهلا اتيت من كان اعظم حقا عليك مني ، فكان قوله : فهلا اتيت من كان اعظم حقا عليك مني ، اشد علي من قوله لا تشك بربك ، قلت : ومن هو اعظم علي حقا منك ؟

 

 قال (ع) : الحسين بن علي (ع) ، الا اتيت الحسين فدعوت الله تعالى عنده وشكوت اليه حوائجك ؟

 

ومنها : ان الباقر (ع) كان يزور من قدم من زيارة الحسين (ع) فروي عن حمران قال : زرت قبرالحسين (ع) فلما قدمت جاءني ابو جعفر (ع) ومعه عمرو بن علي بن عبدالله بن علي (ع) فقال لي ابو جعفر (ع) : ابشر يا حمران فمن زار قبور شهداء ال محمد (ص) يريد بذلك وجه الله تعالى ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه .

 

ومن عجائب فضلها ان لحظات الرحمة من الله تعالى لها خصوصية بالنسبة الى زوارالحسين (ع ( ففي الحديث : بعد ذكر لحظات الرحمة الالهية كل يوم ، قال : ويغفر لزائري قبرالحسين  )ع) خاصة ، ولاهل بيته ولمن يشفع له يوم القيامة ، كائنا من كان ، وان كان مستوجبا للنار .

 

وزمن لطائف فضائلها ان لهم خصوصية في دخول الجنة ، لا بد ان يدخلوها قبل اهل الجنة بأربعين عاما ، وان كل شيء يتمسح بزائره ، ويرجو في النظر الى زائره الخير لنظره الى قبره المبارك.

 

ومن غرائب فضائلها انه يظهر من كثير من الاخبار ان فضيلتها ما بينت تمام البيان للناس ، ففي الرواية الصحيحة ، لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا وتقطعت انفسكم عليها مرات  .

 

وفي رواية اخرى : لو علموا فضائلها لأتوه حبواً من اقصى البلاد.

 

 

الباب الثاني
في فضيلة خاصة للزيارة تذكر وحدها لامتيازها

 

 

وبيانها يحتاج الى مقدمة  :

 

 

اعلم ان جميع ما يذكر في ثواب الاعمال وخواصها ، فانما ذلك لبيان مقتضاها من حيث هي ، كما في خواص الادوية ، ولكل منها موانع تدفع مقتضاها ، وذلك لا ينافي ثبوت الخاصية ، فالسكنجين مثلا قاطع للصفراء ، فاذا لم يقطع الصفراء لعروض المانع فيما يؤكل قبله او بعده ، او لانقلاب في المزاج فلا ينافي كونه قاطعا للصفراء  .

 

 فجميع ما يذكر في فضائل الاعمال والادعية ونحوها ، قد تقابلها موانع تدفع خاصيتها وترفعه ، والمانع قد يدفع اثرها بالكلية ، وقد يبقى منه شيء ، وبذلك يختلف حال الناس في محشرهم فقد يكون لهم مقدار من الايمان والاعمال تنجيهم من العقاب في اول احتضارهم ، وقد تنجي بعد عذاب الاحتضار ، وقد تنجي بعد عذاب مدة في البرزخ ، وقد تنجي بعد البرزخ اول المحشر . وقد تنجي في اثناء يوم القيامة وفي احد مواطنها ، وقد يغلب المانع فلا تحصل النجاة الا بعد عذاب البرزخ ، او بعد عذاب المحشر ايضا ، او بعد عذاب جهنم ايضا ، ثم تحصل النجاة ، وقد لا يتحقق ذلك ايضا لسلب الايمان فيخلد في النار والعياذ بالله تعالى ، اللهم اني اعوذ  بك من ذلك .

 

وهذا كلام جار في جميع الاعمال والمثوبات .

 

فاذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان لزيارة الحسين (ع) فضيلة خاصة فاقت كل الفضائل ، وهي انه لو تحققت الموانع من تأثيراتها التي تقدم ذكرها ، فلا يمكن ذهاب كل تأثيراتها ، ولو مع جميع الموانع ، لان طرق التخليص بها ومحاله كثيرة ، فكلما حصل مانع من احد تاثيراتها ، حصل مقتض اخر لتأثير اخر ، واذا حصل لها - ايضا- مانع او بطل بمقتضاه ، تحقق مقتضٍ اخر .

 

توضيح هذا المطلب ان كلا من الاعمال المنجية قد قرر الله تعالى لظهور اثرها مقاما خاصا من حالات النشأة البرزخية او المحشرية ، فاذا منع مانع من ظهور لاثر في المحل المقرر ولا جرم بطل الاثر بالكلية ، ولا يظهر ثانيا في مقام اخر من مواطن الاحتياج ، ولكن زيارة الحسين (ع) لا يبطل اثرها ، وكلما منعت الذنوب من تأثير لها في محل اخر ، من الاحتضار الى بعد انقضاء يوم القيامة ، ودخول كل من المغفور والمعذب الى محله .

 

وتدل على هذا المطلب الروايات المجتمعة في فضل زيارته اذا لوحظ مفاد مجموعها من حيث المجموع . وقد صرح بهذا المطلب في رواية عن الامام الحسين عليه السلام سنذكرها .

 

وقد بين هذا المطلب جابر بن عبدالله الانصاري رضوان الله تعالى عليه ، حين توجه الى زيارة الحسين عليه السلام يوم الاربعيـن وزاره بطريق خاص يذكر في محله ، ثم اخذ يبين فضل ذلك .

 

 ومن جملة ما قال : انه اذا زلّت قدم محبّه وزائره من الذنوب في مقام ، ثبت له قدم اخر في مقام اخر .

 

 

فلنبين كيفية ذلك ، فنقول: ان زائر الحسين (ع) اذا ترتبت على زيارته الاثار والفضائل الثابتة  له من الجهات التي ذكرناها ، خرج من الدنيا كيوم ولدته امه ، ووصل بذلك الى اعلى الدرجات الحاصلة للزائرين : ومن كونه في اعلى عليين ، او من الكروبيين ، او نحو ذلك ، فيالها من فضيلة ونعمة جليلة .

 

وان منعت كثرة الذنوب عن حصول هذه المراتب والجهات فمات مذنبا مؤاخذا رجونا له ان يصلح امره بزيارة الحسين عليه السلام له عند وفاته ، واول برزخه ، فان تأخر ذلك لخصوصية في عظمة ذنوبه رجونا له ان يزوره الحسين) ع) في ايام برزخه ، ويكون التأخير والتعجيل في ايام البرزخ على ماهو مقرر في القابليات والموانع .


واذا سقط عن قابلية ذلك واشتدت الموانع المقررة ، ظل معذبا في ايام برزخه كلها ، فاذا حشر الناس ، وجاء النبي صلوات الله تعالى عليه واله ، ومعه جبرئيل (ع) يتصفحان وجوه اهل المحشر لانتخاب زوار الحسين (ع) ويعرفانهم بما وسم في جبهتهم بميسم النور ، هذا زائر خير الشهداء ، فمن وجدا في سيماه ذلك ، اخذا بعضده وخلّصاه من اهوال القيامة ، وشدائدها .

 

فاذا لم يكن في الشخص قابلية لذلك ايضا ، وقد محت ظلمة الذنوب ميسم هذا النور ، وانمحت تلك السطور في جبهته فبقي مبتليا في المحشر فيحصل الرجاء بخلاصه بطريق اخر وهو انه ينادى يوم القيامة : أين شيعة آل محمد ، فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم الا الله تعالى ، ثم ينادى : اين زوار الحسين بن علي عليهما السلام ، فيقوم اناس فيقال لهم : خذوا بيد من احببتم وانطلقوا بهم الى الجنة ، فيأخذ الرجل بيد من احدبّ ، حتى انه يقول له رجل من الناس انا قمت لك يوم كذا فيأخذه غير مدافع .

 


واذا لم تكن فيك هذه القابلية ايضا ، ولا قابلية للاخذ بيدك فهنا رجاء لخلاصك بطريق اخر ، وهو حين يأتي نداء خاص اخر ، فقد ورد في الحديث المعتبر عن الصادق عليه السلام ، قال : اذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين زوار الحسين (ع) ؟ فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فيقول لهم : ماذا اردتم بزيارة قبر الحسين عليه السلام ؟ فيقولون : يا رب اتيناه حبا لرسول الله (ص) وحبا لعلي وفاطمة) ع) ورحمة له مما ارتـُكب منه ، فيقال لهم : هذا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله تعالى عليهم ، فالحقوا بهم فأنتم معهم في درجتهم ، الحقوا بلواء رسول الله (ص) فيكونوا في ظله وهو في يد عليا عليه السلام ، حتى يدخلوا الجنة جميعا فيكونوا امام اللواء وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه .

 

اقول : يا معشر المذنبين ، اذا كنتم من زوار الحسين (ع) ، وسقطتم عن قابلية ان يجيء اليكم النبي الاكرم  (ص) وجبرئيل الملك (ع) ، ويأخذا بأعضادكم للنجاة من الأهوال يوم القيامة ، وان تأخذوا بيد أحد فتدخلوه الجنة ، فأجيبوا هذا النداء ، وقوموا انتم بأنفسكم والتحقوا باللواء بعد ان يؤذن لكم ، ولو خلفه او آخر من يكون خلفه.

 

 

واذا لم تحصل القابلية ، ولم يأت احد يأخذ بيدك ، ولم تكن لك قدرة لاجابة ذلك المنادي ، لكون الذنوب قد اثقلت ظهرك وطرحتك ، وقعدت بك اغلالك ، فلا تخيبن بعد من آثار زيارة الحسين (ع) ووسائله  ايضا ، وانتظر لخلاصك حالة اخرى تقع في المحشر ،هي حالة رجاء عظيمة .

 

 

بيانها ان لفاطمة البتول عليها السلام كيفية خاصة لمجيئهـــا الى المحشر ، فلها خصوصية في لباسها فهي في حلة خاصة اسمها (حلة الكرامة ) قد عجنت بماء الحياة ، وعلى تلك الحلة ألف حلة من حلل الجنان ، مكتوب عليها بخط اخضر .

 

وكذلك لفاطمة الزهراء عليها السلام خصوصية فيما جعل فوق رأسها من النور الالهي ، كالقبة يرى ظاهرها وباطنها من ظاهرها ، والتاج من النور له سبعون ركنا ، كل ركن مرصع بالدر والياقوت ، يضيء كما يضيء الكوكب الدري .

 

ولها عليها السلام خصوصية عند مجيئها راكبة الى المحشر ، على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين ( أي : مزينة الاطراف ) قوائمها من الزمرد الاخضر ، ذنبها من المسك الاذفر ، عيناها ياقوتتان حمراوان .

 

ولها خصوصية في خطام ناقتها ، وفي قائد الخطام ، وفي الهودج الذي على الناقة ، اما الخطاب فمن لؤلؤ رطب ، وطوله فرسخ من فراسخ الدنيا ، والقائد جبرئيل (ع) وهو آخذ ينادي بأعلى صوته : غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمـــة بنت محمـد عليها السلام .

واما الهودج فمن ذهب .

 

ولها خصوصية في المستقبلين لها من الجنان ، ففي الرواية : انه يستقبلها من الفردوس ألف حوراء لم يستقبلن احدا قبلها ولا احدا بعدها ، على نجائب من ياقوت اجنحتها وازمّتها اللؤلؤ ، عليها رحائل من در ، عل كل راحلة منها نمرقة * اي وسادة ، من سندس ، وركائبها من زبرجد ، بيد كل واحدة منها محمرة من نور ، وعليهن أكاليل الجواهر .

 

ثم تستقبلها مريم بنت عمران عليها السلام ، في سبعين الف حوراء ، ثم تستقبلها امها خديجة الكبرى عليها السلام ، في سبعين الف ملك ، بأيديهم ألوية التكبير ، ثم تستقبلها حواء وآسية عليهما السلام في سبعين ألف حواء .

 

ولها خصوصية في مجلسها فانه ينصب لها منبر من النور ، وفيه سبع مراقٍ ، بين المرقاة الى المرقاة صفوف الملائكة .

 

ولها خصوصية فيما معها من ذلك الوقت ، ففي الروايات الكثيرة : ان معها ثيابا مصبوغة بالدماء ، وفي بعضها ان معها قميص الحسين عليهما السلام ، ملطخـــا بدمه .

 

ولها خصوصية في كيفية تظلّمها - فانه عند توسطها ارض المحشر ، تقول سلام الله تعالى عليها : يا ربي ارني الحسن والحسين (ع) فيمتثل لها الحسين (ع) قائما ليس عليه رأس ، واوداجه تشخب دما ، فاذا رأته صرخت صرخة وزخّت نفسها من الناقة . و معنى زخّه بتشديد الخاء : اي : دفعه  قال رسول الله (ص) عند بيان هذا : واصرخ لصرختها ، وتصرخ الملائكة لصراخنا .

 

وفي بعض الروايات : يقبل الحسين عليه السلام ورأسه بيده ، فاذا رأته شهقت عليها السلام شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن إلا بكى ، ثم تأخذ في التظلم وترفع القميص بيدها وتقول : الهي هذا قميص ولدي .

 

اقول : وهذه الكيفية من خصائص الحسين (ع) ، فان يوم القيامة هو يوم الجزاء عما مضى في ايام الدنيا ، لكن الحسين عليه السلام وحده يمتثل قائما بلا رأس واوداجه تشخب دما ، كما اتفق له (ع) في الدنيا ، وهو الذي احرق قلب الطاهرة الزهراء عليها السلام بمظلوميته وخصائصه التي انفرد بها في تاريخ البشرية .

 

اضافة لما عليه (ع) من خروق السيوف  والسهام والرماح في اثار قميصه ، او لانه سلب من بدنه ، فان ذلك اعظم من الجروح اذا تدبرت المصاب ، فعند ذلك ينتقم الله تعالى من قتل الحسين عليه السلام واولادهم واولاد اولادهم الراضين بافعال آبائهم ، بانتقامات من القتل مرارا ، ثم تخرج زبانية سود من جهنم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب ، وتأخذهم الى ما اُعدّ لهم في جهنم .

 

ثم ان لها عليها السلام ، خصوصية في شفاعتهــا . قد ذكرنا الحديث لاجله وهي موضع حاجتنا ، فانها تنادى حينئذ : يا فاطمـة سلي حاجتك ، فتقول (ع) : يا رب شيعتي ، فيقول الله تعالى : قد غفرت لهم ، فتقول : شيعة شيعتي ، فيقول الله تبارك وتعالى : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك ، فتسير ويقوم كل هؤلاء يسيرون معها فيما من زار ولدها وساعدها في بكائه ووصلها ، ان لم يخلصك اخذ النبي (ص) بيدك لعدم قابليتك ، ولا امكنك النهوض عند نداء المنادي ، فانك لا تبقى في الشدائد عند هذه الحالة لوجود الشفاعة الفاطمية ، فاذا قالت :  شيعتي ، شملتك ، وان لم تشملك ، فقولها عليها السلام : شيعة شيعتي ، وان لم يشملك ذلك ، شملك قوله تعالى لها : من اعتصم بك ، فان اشد الاعتصام بها زيارة ولدها الحسين (ع) والبكاء عليه والاهتمام بما يتعلق بالحسين (ع) فلا أظنك تبقى في ارض المحشر بعد مسيرها الى الجنة ولا تمشي معها عليها السلام وانت زائرٌ للحسين عليه السلام .

 

فاذا خفت من شدة تأثير ذنوبك مع ذلك ، فلا ينتابك اليأس في تلك الحالة ولاتظنن انك ستبقى بعدها في المحشر معدبا مخلدا ، وان لم يكن مناص من اخذك الى النار ، وابتلائك بها والعياذ بالله ، فانه لا بد ان يأتيك الحسين (ع) وانت في النار .

 

فان هذا اخر اوقات زيارته لمن زاره ، فقد روي عنه (ع) انه قال بعد قوله : من زارني زرته بعد وفاته : وان وجدته في النار اخرجته ، فهذه اخر حالة خلاص لادنى الزائرين درجة ، واعظمهم ذنبا ، والحمد لله رب العالمين .

 

 

الباب الثالث
من الصفات الخاصة الحاصلة للزائرين

 

وهي كثيرة :

 

منها : ما روي عن الصادق عليه السلام من ان الله تعالى يباهي بزائر الامام الحسين (ع) حملة العرش وملائكته المقربين ويقول جل وعلا : ألا ترون زوار قبر الحسين (ع) أتوه شوقا .

ومنها : انه ممن نظر الله اليه بالرحمة .

ومنها : انه دليل المحبة للحسين (ع) كون الشخص زوّاراً له (ع) اي كثير الزيارة   .

ومنها : ان يكون ممن يحدّثه الله تعالى فوق عرشه .

ومنها : ما في عشر روايات من انه يكتب في عليين .

ومنها : ان يكون في الجنة في جوار النبي (ص) واهل بيته (ع) . يأكل معهم على موائدهم .

ومنها :  انها ان كان شقيا كتب سعيدا .

ومنها : انه يحسب من الكروبيين ومن سادة الملائكة .

ومنها : انه مساعد للزهراء عليها السلام فانها تزور الحسين (ع) كل يوم .

ومنها : انه يصبح كل واحد من وجهه وخده وعينه وقلبه محل دعاء لصادق (ع) ، فانه كان يدعو وهو باك في سجوده

 

 ويقول : اللهم ارحم تلك الوجوه التي تقلبت على حفرة ابي عبدالله (ع) وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها ، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا  .

 

ومنها : ان الزائر يصير وديعة للصادق (ع) عند الله تعالى ، فانه كان يقول كثيرا : اللهم اني استودعك تلك الابدان ، حتى توفيهم على الحوض عند العطش .

 

ومنها : انه زائر الله تعالى وزائر رسوله (ص) كما في الروايات .

 

ومنها :  ان كل من له درجة يوم القيامة يتمنى ايضا ان يكون من زوار الحسين عليه السلام مما يرى من كرامتهم الخاصة بهم .

 

 

الباب الرابع


في اجر عجيب وصفة خاصة ممتازة يترتبان على زيارته عليه السلام

 

ينبغي افرادهما بالذكر .

 

اما الاجر العجيب : فهو ما في رواية مروية بأسانيد معتبرة رواها الصدوق والسيد ابن طاووس والكفعمي ومؤلف المزار الكبير ، وحاصلها: ان كاتب الاعمال الحسنة واجرها يشتغل بالكتابة من حين عزم الشخص على الزيارة الى يوم ينفخ في الصور  فهي من الاعمال الصالحة المستمرة حقيقة لا حكما ، وذلك من اعلى افراد الباقيات الصالحات ، وليس محض اثار حكمية كغيرها من الصدقات الجاريات والاثار اللاحقات ، وهذا كله علاوة على صفات خاصة تحصل له حتى بالنسبة الى المتولي لقبض روحه .

 

ومما تنبهر له العقول ست عشرة فضيلة خاصة في كل واحدة منها اكثر من مائة فضيلة .

 

احدها اعطاء كفل من الرحمة في كل كلمة من الزيارة التي فيها . واعجب من ذلك كله بعض اجرها وثوابها ففي الرواية الشريفة العجيبة انه سأل الصادق (ع) او جابر الجعفي : كم بينك وبين قبر الحسين (ع) ؟ قلت : بأبي انت وامي يوم وبعض يوم ، قال : فتزوره ؟ قلت : نعم جُعلت فداك ، فقال : ألا ابشرك ؟ ألا افرحك ببعض ثوابه ؟ قلت نعم جعلت فداك ، قال (ع) " ان الرجل منكم ليأخذ في جهازه ، ويتهيأ لزيارته ، فيتباشر به اهل السماء ، فاذا خرج من باب منزله ، راكبا او ماشيا ، وكّل الله تعالى به اربعة آلاف من الملائكة يصلون عليه حتى يوافي الحسين عليه السلام ، يا مفضل ، اذا اتيت قبرالحسين (ع) فقف بالباب وقل هذه الكلمات فان لك بكل كلمة كفلا من رحمة الله تعالى ، فقلت : ما هي جعلت فداك ؟ قال (ع) فتقول :

 

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليكم يا وارث نوح نبي الله ، السلام عليك يا واراث  ابراهيم خليل الله ، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلام عليك يا وارث محمـــد حبيب الله ، السلام عليك يا وارث وصي رسول الله ، السلام عليك يا وارث الحسن الرضي ، السلام عليك يا وارث فاطمـــــة بنت رسول الله ، السلام عليك ايها الشهيد الصدّيق ، السلام عليك ايها الوصيّ البر التقي ، السلام عليك وعلى الارواح التي حلّت بفنائك ، واناخت برحلك ، السلام على ملائكة الله تعالى المحدقين بك ، اشهد انك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وعبدت الله تعالى مخلصا حتى أتاك اليقين ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

 

 

ثم تسعى فلك بكل قدم رفعتها او وضعتها كثواب المتشحط بدمه في سبيل الله تعالى ، فاذا استلمت القبر فاستلمه بيدك وقل :  " السلام عليكم يا حجة الله تعالى في سمائه وارضه " .

 

ثم تمضي الى صلاتك ، ولك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حج واعتمر الف حجة والف عمرة واعتق الف رقبة ، وكأنما وقف  الوقوف في سبيل الله : اي : هو الجهاد في سبيله تعالى  في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل .

 

 فاذا فرغت من عند قبرالحسين (ع) ناداك مناد لو سمعت مقالته لاقمت عمرك عند قبر الحسين (ع) وهو يقول : طوبى لك ايها العبد قد غنمت وسلمت ، قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل ، فاذا مات هو في عامه او في ليلته او يومه لم يلِ قبض روحه الا الله تعالى ، ويقبل الملائكة معه ، ويستغفرون له ، ويلون عليه حتى يوافي منزله ، فتقول الملائكة : يا رب هذا عبدك قد وافى قبر ابن بنت نبيك ، وقد وافى منزله فأين نذهب ؟ فيناديهم النداء : يا ملائكتي قفوا عند قبر عبدي ، وسبّحوا وقدّسوا واكتبوا ذلك في حسناته الى يوم القيامة .

 


واما الصفة الخاصة التي تحصل للزائر بمقتضى الاخبار ، وينبغي ذكرها مستقلة فهي : ان من زارالحسن (ع) فقد زار الله تعالى في عرشه ، وهو كناية عن نهاية القرب الى الله تعالى والترقي الى درجة الكمال .

 

وفوق هذه الصفة صفة اخرى ، انه يدرك بها زيارة الرب فانه قد ورد انه يزوره الله تعالى كل ليلة جمعة ادرك زيارة الرب له ، وزيارته للرب .

 

وزيارة الرب له كناية عن افاضة خاصة من الرحمة عليه في ذلك الوقت  فمن ادركها لا يمكن ان يصير محروما منها ، ولا يتصور ان لا يناله نصيب منها ، وزيارته للرب تعالى كناية عن نهاية القرب اليه ، فاذا اجتمعا حصلت له خصوصية مرتبة من شمول الرحمة الالهية .

 

وفي رواية اخرى : انه من  اراد ان ينظر الى الله تعالى يوم القيامة فليكثر من زيارة الحسين عليه السلام .

 

فهذه ثلاث عبارات : زيارة الله تعالى والزيارة مع الله تعالى والنظر الى الله تبارك وتعالى .

 

وهي عبارة عن نهاية ما يتصور للمخلوق من الترقي الى درجات القرب ، ولهذا جعلت هذه الصفة بابا مستقلا  فانها تقابل جميع القضايا وتفوق عليها .

 

 


الباب الخامس
في احكام خاصة لزيارته

 

وهي كثيرة

 

 فمنها : ان كل عمل يسقط وجوبه او استحبابه مع الخوف ، ولكن قد روي في هذا العمل روايات تدل على خلاف ذلك ، فقد عثرت على تسع روايات بأسانيد معتبرة رويت في البحار ، وغيرها عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله (ع) " انه قال : يا معاوية ، لا تدع زيارة قبر الحسين (ع) لخوف ، فان من تركه يرى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان ، أي تبلغ حسرته يوم القيامة الى درجة : انه يقول : يا ليتني كنت مقيما عند قبره فأزوره حتى يدركني الموت .

 

وفي رواية عاشرة : عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) قال : هل تأتي قبر الحسين (ع) ؟ قلت : نعم على خوف ووجل ، فقال (ع) " ما كان من هذا اشد فالثواب فيه على قدر الخوف ، ومن خاف لخوفنا آمنه الله تعالى روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وانصرف بالمغفرة ، وزاره النبي (ص) ودعى له ، وانقلب ( بنعمة من الله لم يمسسهم سوء ) ، " والحمد لله رب العالمين .


وفي رواية اخرى : عن الاصم بن بكير عن ابي عبدالله (ع) قال : قلت له اني انزل الارجان ( الارجان مدينة ايرانية جنوب محافظة شيراز ) وقلبي ينازعني الى قبر ابيك ، فاذا خرجت فقلبي مشفق وجل حتى ارجع ، خوفا من السلطان والسعاة واصحاب المصالح ، قال (ع) " يابن بكير ، اما تحب ان يراك الله تعالى فينا خائفا ؟ اما تعلم انه من خاف لخوفنا اظله الله تعالى في ظل عرشه ، وكان محدّثه الحسين عليه السلام  تحت العرش ، وآمنه من فزع يوم القيامة ، فإن فزع قوّته الملائكة وسكّنت قلبه بالبشار " .

 

 

الباب السادس
في شروطها وآدابها الشرعية


اما الشروط :  فقد دلّت الروايات - زيادة على ما في سائر العبادات - على خصوصية في ذلك بأن تكون الزيارة خالصة  لوجه الله تعالى ، وان يكون محتسبا لا اشّرا ولا بطرا ولا لسمعة او عجب او رياء .

 

 فقد جاء ان من زارالحسين (ع) محتسبا لا اشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة محصت عنه ذنوبه كما يمحص الثوب بالماء  " او تكون صلة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، او تكون رحمة للحسين عليه السلام ، فيقصد بها جبر ما ورد على قلبه الطاهر بزيارته تلك .

 

وتفاوتت التأثيرات بتفاوت المعرفة بحق الامام الحسين (ع) فقد ورد في الروايات التقييد بكونه عارفا بحق الامام الحسين صلوات الله تعالى عليه .

 

واما الاداب : ففي البحار وثواب الاعمال والتهذيب والكامل بأسانيد كثيرة معتبرة مستفيضة عن الامام الصادق عليه السلام : اذا زرت ابا عبدالله (ع) فزره وانت حزيـن كئيـــب مكروب شعث مغبر جائع عطشان فإن الحسين عليه السلام " قتل كئيبا حزينا مكروب شعثا مغبرا جائعا عطشـــانا غريبا مضكخا بدمائه الزاكية "

 

وقال (ع) : " بلغني ان قوما اذا زاروا الحسين (ع) حملوا معهم السفرة فيها الحلاوة والاخبصة (* وهي حلوى معروفة ) واشباهه ولو زاروا قبور احبّئهم ما حملوا معهم هذا" .

 

وفي رواية اخرى : قال لهم (ع) " تتخذون لذلك سفرة ؟ قالوا : نعم ، قال : لو اتيتم قبور آبائكم وامهاتكم لم تفعلوا ذلك ، قالت : اي شيء نأكل ؟ قال (ع) " الخبز باللبن " .

 

وفي الكامل باسناد معتبر عن المفضّل ، قال : قال ابو عبدالله (ع) الصادق : تزورون خير من ان لا تزوروا ، ولا تزوروا خير من ان تزوروا ، قال قلت : قطعت ظهري ، قال (ع) : تالله ان احدكم ليذهب الى قبر ابيه كئيبا حزينا ، وتأتونه انتم بالسفر ، كلا حتى يأتونه شعثا غبرا . "

 

ومن الآداب: ما في كيفية زيارة جابر له وستأتي في كيفية زيارته في يوم الاربعيــن ، واهم ادابها الغسل بماء الفرات .

 


الباب السابع
في الاثار المترتبة على تركها

 

وهي كثيرة :


الاول : ما في رواية الحلبي عن الصادق (ع) " ان من ترك زيارته ، وهو قادر على ذلك فقد عقّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعقـّـنا .

 

الثاني : ما في رواية عبدالرحمن بن كثير عنه (ع) ، قال : لو ان احدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين بن علي عليهما السلام ، لكان تاركا حقا من حقوق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

 

وفي اخرى لو ان احدكم حج الف حجة ثم يأت قبر الحسين عليه السلام لكان تاركا حقا من حقوق الله تعالى .


وهنا لا ننسى الحديث النبوي الشريف : " الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء. "

 

الثالث : ما في رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال : من لم يأت قبر الحسين من شيعتنا ، كان منتقص الايمان ، منتقص الدين ، وكذا غيرها من الروايات .

 

الرابع : انه جفاء للحسين عليه السلام ، وكما في روايات كثيرة ، منها ما عن امير المؤمنين عليه السلام حيث قال بأبي الحسين المقتول في ظهر الكوفة ، كأني بالوحوش مادة اعناقها عليه ترثيه الى الصباح ، فاذا كان كذلك فإياكم والجفاء .

 

الخامس : في رواية علي بن ميمون الصائغ ، انه قال : قال لي ابو عبدالله (ع) " بلغني ان اُناسا من شيعتنا تمر بهم السنة والسنتان واكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ، قلت : جعلت فداك اني لأعرف اُناسا كثيرين بهذه الصفة ، فقال : أما والله لحظّهم اخطأوا ، وعن ثواب الله تعالى زاغوا ، وعن جوار محمد صلى الله عليه واله وسلم في الجنة تباعدوا ، قلت : فان اخرج عنه رجلا أيجزي عنه ذلك ؟ قال : نعم ، وخروجه بنفسه اعظم اجرا وخير له عند ربه تعالى ، وقد رود صدق هذه العناوين على القادر البعيد اذا تركه ثلاث سنين .

 

السادس : انه ينقص الاعمار كما في روايات كثيرة ، وفي بعض الروايات ان تركها مؤثر في نقص سنة من العمر ، بنحو لا تخلف فيه .

 

السابع : ان تارك زيارته : " ان دخل الجنة فهو دون كل مؤمــن " ، على ما في رواية : " ومن ضيفان الجنة " ، على ما في اخرى و : " بعيد عن جوار محمد المصطفى صلى الله عليه وآلــــه وسلــم " ، وهي في كامل الزيارات في الصفحة 295 وايضا بحار الانوار جزء  98الصفحة 12 .

 

الثامن : انه ليس بشيعة لهم (ع) كما في رواية دالة صراحة على ذلك رويت عن احدهما ، عن الصادق عليه السلام : " من لم يأت قبر الحسين عليه السلام وهو يزعم انه لنا شيعة حتى يموت فليس هو لنا شيعة " .

 


التاسع : انه من اهل النار ويُحمل على التارك تهاونا واستخفافا ، وقد مال المجلسيان الى وجوبها على القادر في العمر مرة واحدة لهذه الاخبار .

 

 

الباب الثامن
في زيارته المخصوصة بالاوقات

 

اعلم ان زيارة الحسين (ع) خير موضوع فمن شاء استقل الخير ، ومن شاء استكثر الخيــــر .

 

 وهي على قسمين :

 

مطلقة في كل الاوقات :  ويترتب عليها ما ذكرناه من الخواص والفضائل .

ومخصوصة بأوقات تزيد فضيلتها بخصوصية الوقت على اصل الفضيلة المطلقة ، مع انه لا يتصور زيادة منها وهي تقرب الى ثلاثين مخصوصة ، بالنسبة الى الزمان والاوقات ، وخصوصيتها في زيادة الاجر معلومة ، ولكن لكل واحدة ايضا اثرٌ خاص ، وفضيلة خاصة ، نبينها عند ذكر كل واحدة .

 

الاولى : كل جمعة مرة لمن كان بعيدا عنه بيوم ونحوه فإن تركه كان شديد الجفاء ، ومن خواص ذلك ما في رواية داود بن يزيد عن ابي عبدالله (ع) انه يغفر له البتة ولم يخرج من الدنيا وفي نفسه حسرة ، ومنها : ويكون مسكنه في الجنة مع الحسين بن علي عليهما السلام .

 

الثانية : كل شهر مرة فعن الصادق عليه السلام قال : ان من زاره في كل شهر مرة فله ثواب مائة الف شهيد مثل شهداء بدر ، وقال : اما القريب فلا اقل من شهر ، فإن كان قريبا وتركه اكثر من شهر فقد سمّاه الحسين عليه السلام بنفسه جفاء وذلك في رواية عن عقبة .

 

الثالثة : كل سنة مرتين وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام : انه حق على الغني ان يأتيه في السنة مرتين ، وفي رواية ثلاث مرات  .

 

الرابعة : كل سنة ثلاث مرات وفيها مع خواص اصلها انها تؤمن من الفقر .

 

الخامسة : كل سنة مرة ، فقد ورد في خمسة عشر حديثا، انها حق على الفقير القادر على الزيارة ، فإذا تركها سنة فهذا اول مراتب الجفاء للحسين عليه السلام  .

 

 

السادسة : كل ثلاث سنين مرة للبعيد فاذا تجاوز الثلاث دخل في عقوق رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، اللهم اعذنا من هذه الافة والاثم الكبير .

 

السابعة : في كل عيد كما في بعض الروايات ، فيدخل فيه النيروز والمبعث والمولود والغدير وغير ذلك .

 

الثامنة : مخصوصات الشهور ، ولنذكر كل شهر على حدة ، ولكل منها فضائل كثيرة ، لكن نقتصر على ذكر خصوصية فضيلة كل شهر مخصوص .

 

فنقول : في شهر رجب الأصب اربع او خمس : اول ليلة . واول يوم ، وليلة النصف . ويومها ، وخصوصية فضلها زيادة على الثواب تساقط الخطايا كيوم ولدته امه ، وفي اول رجب زيادة حتمية وهي المغفرة فإن الله تعالى قد اوجبها على نفسه تبارك وتعالى .

 

وفي شعبان ثلاث مخصوصات : يوم الثالث منه ، وليلة النصــــف ، ويومها ، وعمدة فضيلتها التشرف بمصافحة مائة واربعة وعشرين الف نبي ، منهم اولو العزم صلوات الله تعالى عليهم ، واذا زاره ثلاث سنين متوالية في النصف من شعبان كان له تأثير خاص في رفع الذنوب زيادة على اصلها ، ومن خواصها ان المنادي ينادي بالمغفرة له من اول شعبان .

 

وفي شهر رمضــــان المبارك بخصوصه ، كما في رواية ابن الفضل قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام .


يقول : من زار قبر الحسين عليه السلام في شهر رمضان ومات في الطريق لم يعرض ولم يُحاسب ، وقيل ادخل الجنة آمنا " ولا ننسى هنا الحديث ما مضمونه : ان من حوسب هلك " يعني كفى بالحساب من موقف مهول عظيم .

 

الثانية والثالثة والرابعة : اول ليلة منه اي من شهر رمضان ، وليلة النصف ، واخر ليلة منه ، كما في الرواية عن الصادق عليه السلام  .

 

والستة الاخرى : ليالي القدر الثلاث ، وايامها ، ففي الروايات الكثيرة انه اذا كانت ليلة القدر التي يفرق فيها كل امر حكيم ، ينادي مناد من بطنان العرش الى السماء السابــــعة : ان الله عزوجل قد غفر لمن أتى قبر الحسين عليه السلام .

 

وفي شهر شوال ، ليلة العيد ، ويومها ، وخصوصية فضيلته مغفرة الذنوب ما تقدم وما تأخر .

 

وفي شهر ذي الحجة ، ثمان مخصوصات ، او عشر مخصوصات : ليلة عرفة ويومها ، وليلة الاضحى ويومها ، وايام التشريق ، ويوم نزول سورة الدهر " هل أتى " ، ويوم الغديـر ، بناء على خصوصية الزيارة له (ع) في كل عيد ، وخصوصية الفضل في عرفة ان يسميه الله تعالى صدّيقا ، ويسميه كروبيا ، والحمد لله .

 

واصل الزيارة يعادل مع الحج وكذا الخطوات التي يخطوها بعد غسله من الفرات او مطلقا ، فتبلغ معادلة اصل الزيارة الى الف الف حجة مع القائم صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه و عجل الله فرجه .

 

 وألف ألف عمرة مع رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وبالنسبة للخطو نحو الزيارة يكتب الله تعالى له بعد الغسل والتوجه ، بكل خطوة يخطوها حجة بمناسكها ، وفي بعض الزيارات ، كل قدم مائة حجة ، كما مر .

 

وخصوصية فضيلة عيد الاضحى :  وقاية شر سنة في الدنيا ومغفرة الذنوب ما تقدم منها وما تأخر .

 

وفي المحرم ليلة عاشوراء ويومها ، ولا يبعد ان تكون زيارة يوم الثالث عشر مخصوصة ايضا ، فإنه يوم دفنه صلوات الله تعالى عليه ، وعلى الارواح التي حلّت بفنائه .

 

وخصوصية فضل زيارة عاشوراء الدخول في زمرة الشهداء ، والتلطخ بدم الامام الحسين عليه السلام واذا زار ليلة عاشوراء وبات عنده وسقى عنده الماء في ذلك الوقت كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السلام ، يوم عاشوراء .

 

وفي شهر صفر ، يوم العشرين منه ، وهو المسمى بالاربعين خصوصية فضل زيارته هذه تعد من علائم الايمان.

 

مسألة : ما الافضل من هذه الزيارات ؟

اقول : كلما نظرت الى كل واحدة من هذه الفضائل رأيت فيها خصوصيات ، ليست على نهج واحد ، فلا يعلم الفاضل من المفضول فإذا لاحظت كل واحدة يمكن ان يقال : انها الافضل .

 

وفي بعض الروايات ان الافضلية في النصف من شعبان ، والنصف من رجب ، ولعلها من حيثية خاصة .

 

والذي يظهر من ملاحظة مجموع الفضائل افضلية عرفة وعاشوراء والذي يترجح ان خصوصية زيارة عاشوراء التي ورد فيها - ان زائره يُحشر ملطخا بدم الحسين عليه السلام ، في زمرة الشهداء - اعلى من كل خصوصية حتى مائة الف حجة ، والف الف حجة مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فإن في زيارة عاشوراء قد ورد ايضا مع هذه الخصوصية - خصوصية اخرى وهي : انه قد زار الله تعالى في عرشه . وهذا من احد معانيه انه يكون في لطف الله تعال وولايته ومعرفته ، فيكون متنعما برحمته الخاصة – الرحمة الرحيمية .

 

 

الباب التاسع
في الابدال المجعولة لزيارته لطفا من الله تعالى ، لئلا تفوت فضيلة ،

وهي على اقسام :

 

 

الاول : الاستنابة لزيارته اما : من البلد ، او بأن يجعل له نائبا يزور عنه هناك ، فإن في ذلك اجر الزيارة ، وان كان خروجه بنفسه اعظم اجرا .

 

الثاني : التجهيز لزيارته ، وان لم يكن بعنوان النيابة عنه ، فإن اصل تجهيز زائره واعطائه النفقة او الدابة او نحو ذلك  مما يوجب ثواب الزيارة بنفسه كما دلت عليه الاخبار .


الثالث : زيارته من بُعد ، فانها بدل عن زيارة القرب في الاجر والثواب ، ورافعة للجفاء الحاصل بترك زيارته عليه السلام ، كما وصف به غير المتمكن في الاخبار .

 

واما المتمكن التارك فانها رافعة لشدة الجفاء منه ايضا ، ولها كيفيات متفاوتة في الفضيلة :

 

الاولى : ان يصعد فوق سطحه بقصد الزيارة ، ثم يلتفت يمينه وشماله ، ويرفع رأسه الى السماء ، ثم يتحرى  اي : الاجتهاد في الطلب  نحو قبر الامام الحسيـــن عليه السلام، ويقول :

 

" السلام عليــــك يا أبا عبدالله ، السلام عليك يا بن رســول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته" .

 


الثانية : أن يصعد أعلى منزله بنية الزيارة ويصلي ركعتين ويؤم بالسلام الى الحسين عليه السلام .

 


الثالثة : ان يغتسل للزيارة ويلبس أفخر ثيابه وأطهرها ويصعد الى أعلى موضع ، أو الى الصحراء فيستقبل القبلة ، ثم يتوجه الى القبر فيقول :

 

 السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ، وسيدي وابن سيدي ، السلام عليك يا مولاي الشهيد بن الشهيد والقتيل ابن القتيل ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أنا زائرك يا بن رسول الله بقلبي ولساني وجوارحي ، وان لم ازرك بنفسي مشاهدةً ، فعليك السلام ، السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلام عليك يا وارث محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم  حبيب الله ونبيه ورسوله ، ووارث علي أمير المؤمنين ، ووصي رسول الله وخليفته ، ووارث الحسن بن علي ، وصي امير المؤمنين ، لعن الله قاتلك ، وجدّد عليهم العذاب في هذه الساعــــة ، وكل ساعة ، انا يا سيدي متقرب الى الله عزوجل ، والى جدّك رسول الله ، والى ابيك امير المؤمنين ، والى اخيك الحســن ، واليك يا مولاي عليكم سلام الله ورحمته بزيارتي لك بقلبي ولساني وجميع جوارحي ، فكن يا سيدي شفيعي لقبول ذلك مني ، وانا بالبرائة من اعدائك واللعنة لهم وعليهم اتقرب الى الله واليكم اجمعين ، فعليك صلوات الله تعالى ورضوانه ورحمته "   .


ثم تتحرك الى يسارك قليلا وتحول وجهك الى قبر علي بن الحسين (ع)  وهو عند رجل أبيــه ، وتسلّم عليه مثل ذلك .

 

ثم ادع الله تعالى بما احببت من أمر دينك ودنياك ، ثم تصلي اربع ركعات ، فإن صلاة الزيارة ثمان ، او ست ، او اربع ، او ركعتان .

 

ثم تستقبل القبلة نحو قبر ابي عبدالله (ع)  وتقول : " أنا مُودّعُــك يا مولاي وابن مولاي وسيدي وابن سيدي ، ومودعك يا سيدي وانبن سيدي ، يا علي بن الحسين ، ومودعكم يا ساداتي يا معشر الشهداء ، فعليكم سلام الله ورحمته ورضوانه  "  .

 


الرابع : زيارة زائره حين القدوم او استقباله فإن ذلك مما يحصل به ثـــــواب الزيارة ، كما دلت عليه الاخبار .

 

 

الباب العاشر


الخطابات المأثورة المختصة بزيارة الامام الحسيـــن عليه السلام

وهي خطابات مأثورة مختصة بزياراته ، ليست بمأثورة في زيارة غيره من الانبياء والائمة صلوات الله تعالى عليهم اجمعين .

 

 وهي اصنــــاف :

 

الصنف الاول : تخصيصه في وصفه غالبا بصفات مصيبته عند قتله ، فإن ذلك دليل على ان الفضيلة الخاصة به لأجل مصيبته .

 

 

الصنف الثاني : تخصيصه باصناف خاصة الى الله تعالى مثل : ثار الله ، وقتيل الله ، وذبيح الله ، ووتر الله عز وجل  .

 

الصنف الثالث : تخصيصه بالسلام على الانبياء عند السلام عليه (ع) بخصوصية اسمائهم وصفاتهم ، لكونه مظهرا لهم ، كما ذكرناه في عنوان ما يتعلق منه بالانبياء عليهم الصلاة والسلام .

 

الصنف الرابع : تخصيصه في زيارته بالتلبية له (ع) ، ففي بعض زياراته بعد السلام عليه " لبيك داعي الله " وتكرير ذلك سبعا ، والوجه في التلبية له انه الداعي الثاني الى الله تعالى بعد جدّه المصطفى (ص) دعى الى الاسلام والشهادتين .

 

فأظهرهما الله بنصره برعب القلوب وذلك بإمداد الملائكة ، وبحسام أسد الله الغالب (ع) ، وبإعانة بعض أصحابه المجاهديــــن بين يديه .

 

والحسين (ع) داعي الله الثاني ، دعى الى الايمان والاعتقاد بالامام الحق ، والائمة الراشدين عليهم السلام ، ودعاؤه الى ذلك بشهادته ومظلوميته ، وبكيفية خاصة جرت عليه ، كما اوضحناه في باب دعوته الى الدين .

 

فهذا الداعي ايضا لابد من اجابته بالتلبية له ، ولما دعى اليه قولا وفعلا ، فلهذا استحبت التلبية له عليه السلام .

 

 ويحسن هنا ذكرالحديث المبارك : " الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء " فلولا تلك النهضة المباركة لما بقي مسلم على وجه الارض ، هكذا شاءت الحكمة الالهية ، والارادة الربانية ، وكي ننهل اكثر من رحمة الله الواسعة والتي يودعها في اوليائه من الاولين والاخرين ، وكما هو بين ايدينا بركات نور واحد من بين انوار اربعة عشر زاهرة وهو النور الحسيني العظيم .

 

واما تكرار التلبية سبعا ففيه وجوه :

 

الوجه الاول : ملاحظة حالات المجيب ، فإن الاجابة : بالبدن واليد واللسان والسمع والبصر والقلب وبالرأي والهوى والحب ، فتكون كل تلبية لإجابة .

 

 كما يظهر من عبارة الزيارة ، بعد قوله " لبيك داعي الله " سبعا : " إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ، ولساني عند استنصارك ، فقد اجابك قلبي وسمعي وبصري ورأيي وهواي " .

 

يعني اجابك قلبي بحبك ، وسمعي بسماع مصيبتك ، وبصري بالبكاء عليك ، ورأيي بأن احببت عمل من اجابك ، وبدني الان بالمجيء اليك راغبا بكم ، ولساني الان بالسلام عليكم سلام مشتاق لهفان حزين لاجلكم  .

 

الوجه الثاني : ان التلبيات السبع ، اجابات سبع ، لاستنصارات سبعة وقعت منه عليه السلام :

 

الاستنصار الاول : خاج مكة لما رحل (ع) منها مصبحا ، جاءه العبادلة الاربعة : عبدالله بن عباس ، وعبدالله بن جعفر ، وعبدالله بن الزبير ، وعبدالله بن عمر ، ليمنعوه من التوجه الى العراق ، فكلم (ع) كل واحد بطريق ، واجابهم عليه السلام : بأني مأمور بأمر أنا ماض فيه .

 

ثم استنصر ودعاهم الى نصرته ، فبعث عبدالله بن جعفر معه ابنيه عونا ومحمداً ، وقال : اني ألحق بكم بعدكم ، وقال عليه السلام : لابن عمر : يا أبا عبدالرحمن اتق الله تعالى ، ولا تدع نصرتي ، فاعتذر بعذر ، وودعه ، فقال : يا ابا عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان يقبله رسول الله (ص) ، فكشف عن بطنه ، فقبّل فوق قلبه ، وبكى وودعه ومضى .

 

الاستنصار الثالث : في الطريق من مكة الى كربلاء ، اذ كان يستنصر من يلقاه ، لاتمام الحجة على الناس ، وكان استنصاره تارة بلسانه ، وتارة بإرسال رسول .

 

ولما علم  الناس قلة متابعيه ، وانه يستنصرهم ، أخذ بعض منهم بالاعتذار بتجارته وشؤونه وبضائعه . كما اتفق لبعض من رآه في الطريق وطلب منه النصرة .

 

وبعض بالاعتذار بضيعته وعياله ، كما اتفق لبعض اخر ، والبعض الاخر وعده بالمجيء بعد ذلك ، وكان بعض الناس اذا علموا انه (ع) نزل منزلا اجتنبوا ذلك المنزل لئلا يطلب منهم النصرة . كما عن جماعة من فزارة وبجيلة

قالوا :

التحقنا بالحسين (ع) بعد الحج ، وكنا نسايره ، فما كان شيء ابغض الينا من ان ننازله في منزل ، وكان اذا نزل على ماء نزلنا على غيره ، وكنا اذا لم نجد بداً من ان ننازله في منزل نزلنا في جانب اخر من ذلك المنزل ، لئلا يدعونا الى نصرته .

 
اقول : واذا تأملت هذه الحالة رأيتها أعظم مصائبه ، واعظم من ذلك انه كان في بعض الاوقات يراه المترددون في الطريق مستقبلا لهم ، فيتنكبون الطريق ، ويعدلون عنه جانبا ، لئلا يراهم ويكلفهم بنصرته ، كما اتفق لبعض اهل الكوفة .

 

آه وانما هي من المصائب العظام ، لانه عليه السلام خرج لاجل بقاء الاسلام بل لاظهار الدين الاسلامي بعد ان انمحى او كاد ان يُمحى اثره بالكليه بفعل ائمة الجور والطغيان ، وان جهل الناس بموقفهم هذا من الامام كان مصيبة كبيرة على قلبه الطاهر سلام الله عليه ، ذلك القلب المفطور من تمزق الامة وجهلها وتضييع اتعاب رسول الله جده المصطفى صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آله الاطهار .

 

واعظم من هذا كلام قاله عبيدالله بن الحر الجعفي حين استنصره عند وصوله الى قصر بني مقاتل فنزل هو بفسطاط مضروب .

 

فقال عليه السلام : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، قال عليه السلام :  ادعوه إليّ ، فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي (ع) يدعوك ، فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهة ان يدخلها الحسين وانا فيها ، والله ما اُريد ان اراه ولا اُريد ان يراني ، فأتاه الرسول فأخبره ، فقام الحسين عليه السلام حتى دخل عليه وسلّم وجلس ، ثم دعاه الى الخروج معه ، فأعاد اليه عبيدالله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه اليه .

 

ثم قال له الحسين (ع) " ايها الرجل انك مذنب خاطيء ، وان الله عزوجل آخذك بما انت صانع ان لم تتب الى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى .

 

فقال : يا بن رسول الله لو نصرتك لكنت اول مقتول بين يديك ولكن هذه فرسي خذها اليك فوالله ما ركبتها قط وانا اروم شيئا إلا بلغته ولا ارادني احد الا نجوت عليها ، فدونك فخذها .

 

 فأعرض عنه الامام الحسيـــــن عليه السلام بوجهه ثم قال (ع) " لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فرّ ، فلا لنا ولا علينا ، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا كبّه الله على وجهه في نار جهنم ، وفي بعض الاخبار انه قال : لاحاجة لي بفرسك فإني لا افر من احد ولا الحق مدبرا .

 

ثم قام الحسين (ع) من عنده حتى دخل رحله ، ثم تداخله الندم بعد ذلك حتى كادت نفسه ان تفيض

 فقال :

 

فيا لك حسرة مادمت حيا ** تردد بين حلقي والتراقي
حسيــن حين يطلب بذل نصري ** على اهل الضلالة والنفاق
غذاة يقول لي بالقصر قولا ** اتتركنا وتزمع (تعزم) بالفراق
ولو اني اواسيه بنفسي ** لنلت كرامة يوم التلاقي
مع ابن المصطفى نفسي فداه ** تولّى ثم ودّع بانطلاق
فلو فلق التلهف قلب حي ** لهمّ اليوم قلبي بانفلاق
فقد فاز الالى نصروا حسينـاً ** وخاب الاخرون ذوو النفاق

 

ولم تؤثر استنصاراته عليه السلام في الطريق إلا في زهير بن القين  فإنه كان من فزارة وبجيلة يجانبون الامام الحسين (ع) حتى نازلوه في منزل ونزلوا عنه جانبا .

 

قال اصحابه : فبينا نحن نتغدى من طعام لنا اذ أقبل رسول الحسين (ع) وسلّم ، ثم دخل ، والتفت الى زهير فقال : يا زهير بن القين ان ابا عبدالله الحسين (ع) بعثني اليك لتأتيه ، فطرح كل انسان منـّا ما في يده ، حتى كأنما على رؤوسنا الطير ، كراهية ان يذهب زهير الى الحسين (ع) ، فقالت له امرأته : قال السيد وهي ديلم او دلهم بنت عمرو : سبحان الله ، ايبعث اليك ابن رسول الله (ص) ثم لا تأتيه ؟! ، لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت .

 

 

فأتاه زهير بن القين ، فما لبث ان جاء مستبشرا قد اشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوض ( اي نزع اعواده واطنابه ) وحمل الى جهة الحسين عليه السلام .

 

ثم قال لامرأته : انت طالق إلحقي بأهلك ، فإني لا احب ان يصيبك بسببي إلا خيراً ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ، ثم اعطاها مالها وسلّمها الى بعض بني عمومتها لوصلها الى اهلها . فقامت اليه ، وبكت وودعته ، وقالت : خار الله لك ، أسألك ان تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين عليه السلام .

 

ثم قال لاصحابه : من احبّ منكم ان يتبعني ، والا فهو اخر العهد مني سأحدثكم حديثا : إنا غزونا البحر ففتح الله علينا ، واصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عليه وصلواته : افرحتم بما فتح الله عليكم ، واصبتم من الغنائم ؟ فقلنا : نعم ، فقال لنا : اذا ادركتم سيد شباب آل محمد )ص) فكونوا اشدّ فرحا بقتالكم معه مما اصبتم اليوم من الغنائم ، فأما أنا فأستودعكم الله تعالى" .

 

قالوا : ثم والله مازال في القوم حتى قـُتل رضوان الله عليه .

 


الاستنصار الرابع : استنصاره بإرسال الكتاب الى اعيان اهل البصرة  وكان اسم الرسول سليمان ، وكنيته ابو رزين والكتاب هذا :

 

بسم الله الرحمن الرحيـــم ، من الحسين بن علي الى أشراف البصرة ووجوهها ، إني ادعوكم الى كتاب الله عزوجل  والى سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وان السنّة قد اُميتت  وان البدعة قد اُحييت، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا امري اهدكم الى سبيل الرشاد والسلام .

 

فلما بلغ الكتاب اليهم ، جمع يزيد بن مسعود النهشلي من تميم وبني قحطبة وبني سعد ، وخطب فيهم ووعظهم ، وكان من خطبته لهم :

 

هذا الحسين بن علي (ع) ابن رسول الله (ص) ذو الشرف الاصيل ، والرأي الأثيل ( الاصيل ) له فضل لا يوصف ، وعلمٌ لا ينزف (لا يفنى) وهو أولى بهذا الامر ، لسابقته وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ، ويحسن الى الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قومٍ وجبت لله به الحجة ، وبلّغت به الموعظة ، فقد تحملتم ذنوبا يوم الجمل فاغسلوها بنصرة ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 

 

فأجابوه وعزموا على الخروج اليه ، فلما تجهز للمصير بلغه قتله عليه السلام قبل ان يسير .

 


الاستنصار الخامس : استنصاره من اشراف الكوفة ممن كان يظن انه على رأيه وهو :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي (ع) الى : سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيب بن نجية ، ورفاعة بن شداد ، وعبدالله بن وال، وجماعة المؤمنين .

 

اما بعد فقد علمتم ان رسول الله (ص) قال في حياته : " من رأى سلطانا جائرا ، مستحلا لحرام الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله (ص) ، يعمل في عباد الله تعالى بالاثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على الله تعالى ان يُدخله مدخله .

 

وقد علمتم ان هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولّوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله ،  وحرّموا حلال الله ، واني احقُ بهذا الامر لقرابتي من رسول الله (ص) وقد اتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، انكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم ببيعتكم ، فقد اصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع انفسكم ، واهلي وولدي مع اهاليكم واولادكم ، فلكم بي اسوة ، وان لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخلعتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي ، والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم اخطأتم ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه  ، وسيغني الله عنكم والسلام .

 

 

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه الى قيس بن مُسهِر الصيداوي فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير التميمي ، فقبض عليه ليفتشه ، فأرخرج قيس الكتاي فخرّقه اي مزّقه ، فحمله الحصين الى ابن زياد لعنه الله ، فلما مثل قيس بين يديه قال له : من انت ؟ قال : انا رجل من شيعة امير المؤمنين بن ابي طال عليهما السلام وابنه الامام الحسين علسه السلام ، قا ابن زياد : لماذا خرّقت الكتاب ؟ قال قيس " لئلا تعلم ما فيه ، قال ابن زياد : وممن الكتاب ؟ والى من ؟ قال قيس : من الحسين بن علي (ع) الى جماعة من اهل الكوفة لا اعرف اسماءهم .

 

فغضب ابن زياد ، وقال له : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم او تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي واباه واخاه ، والا قطّعتك اربا اربا ، فقال قيس : اما القوم ، فلا اُخبرك بأسمائهم .

 

 

 واما لعنة الحسين وابيه واخيه فأفعل ، فصعد المنبر وحمد الله تعالى واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم ، واكثر من الترحم على علي ووُلده صلوات الله تعالى علهم اجمعين ، ثم لعن عبيد الله بن زياد لعنه الله ، ولعن اباه لعنه الله ، ولعن عتاة بني امية عن اخرهم .

 

 ثم قال :

 

انا رسول الحسيــــن عليه السلام اليكم ايها الناس ، ان الحسين بن علي خير خلق الله ، وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليها السلام ، وانا رسوله اليكم ، وقد خلّفته بالحجاز فأجيبوه وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه.

 

فأمر به عبيد الله بن زياد ان يُرمى من فوق القصر ، فرُمي به صلوات الله عليه فتقطع .

 

 وروي : انه وقع على الارض مكتوفا فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه ، فقيل له في ذلك وعِيب عليه ، فقال : اردت أن اُريحه .

 


الاستنصار السادس : استنصاره عليه السلام من الذين جاؤوا لقتاله ، لاتمام الحجة عليهم ، فاستنصر الحر وعسكره حين تلقوه وحبسوه عن الرجوع تارة ، واستنصر عمر بن سعد لعنه الله في الليلة السادسة .

 

اما الاول فانه (ع) لما استقبلوه سقاهم ، ثم سايروه ، ولم يزل الحر موافقا للحسين (ع) حتى حضرت صلاة الظهر .

 

فأمر الحسين (ع) الحجاج بن مسروق الجعفي ان يؤذن بالناس ، فأذّن الحجاج ، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين عليه السلام  في ازار ورداء ونعلين متكئا على قائم سيفه .

 

 فاستقبل القوم وحمد الله واثنى عليه

 

 ثم قال : ايها الناس ، اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ان اقدم علينا فإنه ليس لنا امام ، ولعل الله أن يجمعنا واياكم على الهدى والحق .

 

فإن كنتم على ذلك ، فقد جئتكم ، فاعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم ، وان لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذي جئت منه اليكم .

 

فسكتوا عنه ، ولم يتكلموا كلمة ، فقال (ع) للمؤذن : أقم ، فأقام الصلاة ، فقال الحسين (ع) للحر : أتريد ان تصلي بأصحابك ؟ قال الحر : لا ، بل تصلي انت ونصلي بصلاتك .

 

فصلى بهم الامام الحسين عليه السلام وبعد فراغه دخل الخيمة ، فاجتمع اليه اصحابه ، وانصرف الحر الى مكانه الذي كان فيه ، ودخل خيمة قد ضُربت له ، واجتمع اليه خمسمائة من اصحابه .

 

وعاد الباقون الى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثم أخذ كل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها من شدة الحر .

 

ولما كان وقت العصر ، أمر الحسين (ع) ان يتهيئوا للرحيل ، ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر ، واذنّ واقام .

 

 فاستقدم الحسين (ع) ، فقام وصلى بالقوم صلاة العصر ، ثم سلّم وانصرف  بوجهه اليهم ، فحمد الله واثنى عليه ،

فقال :

 

"  أما بعد ، ايها الناس انكم ان تتقوا الله ، وتعرفوا الحق لاهله ، يكن ارضى لله عنكم ، ونحن اهل بيت محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وأولى بولاية هذا الامرعليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وان أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنــــا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدِمت به عليّ رسلكم ، انصرفت عنكم"

 

فقال الحر : انا والله ما ادري ما هذه الكتب والرسل التي تذكرونها ؟

 

فقال الحسين عليه السلام لبعض اصحابه : اخرج الخُرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ، فأخرج خرجين مملوئين فنثرت بين يديه .

 

فقال له الحر : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك ، وقد اُمرنا أنّا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نُقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد .

 

فقال الحسين عليه السلام : الموت ادنى اليك من ذلك .

 

واما استنصاره ابن سعد - لعنه الله -، فان الامام الحسين صلوات الله تعالى عليه ارسل اليه اني اُريد ان اكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك .

 

فخرج اليه ابن سعد - لعنه الله - في عشرين ، وخرج اليه الامام الحسين عليه السلام في مثل ذلك ، فلما التقيا امر الحسين (ع) اصحابه ، فتنحوا وبقي أخوه العبــــاس وابنه علياً الاكبر عليهما السلام ، وامر عمر بن سعد لعنه الله اصحابه فتنحوا عنه ، وبقي معه ابنه حفص وغلام له .

 

فقال له الحسين (ع) " ويلك يا بن سعد ، اما تتقي الله الذي اليه معادك ؟

اتقاتلني وانا ابن من علمت ؟! ذر هؤلاء القوم وكن معي ، فإنه اقرب لك الى الله تعالى .

 

فقال عمر بن سعد لعنه الله : اخاف ان تهدم  داري .


فقال الحسين عليه السلام : انا اخلفك عليك خيرا منها ، من مالي بالحجاز .
 

فقال عمر : لي عيال بالكوفة ، واخاف عليهم .


فقال الحسين عليه السلام : انا اضمن سلامتهم ، ثم سكت عمر ولم يجبه بشيء .

فانصرف الحسين صلوات الله عليه عنه ، وهو يقول : مالك ؟ ذبحك الله على فراشك سريعا ، عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك ، فوالله اني لأجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا .

 

فقال ابن سعد - لعنه الله - في الشعير كفاية عن البر ، مستهزءاً بذلك القول .

 

اقول : ان الامام الحسين لا حاجة له لأحد ، فكيف باعدائه ، ولكن ذلك الموقف وغيره لإلقاء الحجة عليهم في الدنيا .

 


الاستنصار السابع : استنصار له (ع) بعد ما حوصر في كربلاء ، وبلغ عدد الخيل والرجال ثلاثين الفا ، وحالوا بينه وبين الماء .

 

فجاء حبيب بن مظاهر صلوات الله عليه الى امامه الحسين صلوات الله عليه ، وقال له : " يا بن رسول الله ، ان هنا حياً من بني اسد بالرب منا ، أتأذن لي بالمصير اليهم فأدعوهم الى نصرتك ؟ فعسى الله ان يدفع بهم عنك بعض ما تكره " ؟ قال الحسين عليه السلام : قد اذنت لك .

 

فخرج اليهم في جوف الليل سراً ، حتى صار اليهم ، فعرفوا انه من بني اسد .

 

فقالوا له : ما حاجتك ؟ قال اني قد اتيتكم بخير ما اتى به وافد الى قوم ، اتيتكم ادعوكم الى نصرة ابن بنت نبيكم ، فانه في عصابة من المؤمنين ، الرجل منهم خير من ألف رجل ، لن يخذلوه ولن يسلّموه ابداً ، وهذا عمر بن سعد - لعنه الله - قد احاط به ، وانتم قومي وعشيرتي ، وقد اتيتكم بهذه النصيحة ، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا به شرف الدنيا وحسن ثواب الآخرة .

 

 فإني اُقسم بالله تعالى لا يُقال منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله (ص) صابرا محتسبا إلا كان رفيق محمد المصطفى صلى اله عليه وآله وسلم في أعلى عليين .

 

 

فوثب اليه رجل من بني اسد يقال له عبدالله بن بشير فقال له : أنا اول من يجيب الى هذه الدعوة ، فعجّل يرتجز و هو يقول :

 

قد علم القوم اذا تواكلوا ** واحجم الفرسان اذ تثاقلوا
أني الشجاع البطل المقاتل ** كأنني ليث عرين باسل

 

ثم تبادر رجال اخرون ، حتى التأم منهم تسعون رجلا  فأقبلوا يريدون الحسين إمامهم عليه السلام .

 

وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي وصار الى عمربن سعد - لعنه الله - فأخبره بالحال ، فدعى ابن سعد رجل من اصحابه يقال له الازرق بن الحرث الصداوي ، فضم اليه اربعمائة فارس ووجّه به الى حي بني اسد .

 

فبينما اولئك القوم قد اقبلوا في جوف الليل مع حبيب يريدون عسكر الحسين عليه السلام ، اذ استقبلتهم خيل ابن سعد لعنه الله ، على شاطيء الفرات .

 

 

وكان بينهم وبين عسكرالحسين (ع) اليسير ، فتناوش الفريقان ( اي اخذ بعضهم بعضا ) واقتتلوا قتالا شديدا ، فصاح حبيب بن مظاهر بالازرق : ويلك مالك وما لنا انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك .

 

فأبى الازرق ان يرجع ، وعلمت بنو اسد انه لا طاقة لهم بالقوم ، فانهزموا راجعين الى حيّهم ، ثم انهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد - لعنه الله - ان يبيتهم ، ( اي : يصيبهم ويأخذهم بغتة في الليل ) .

 

ورجع حبيب بن مظاهر صلوات الله تعالى عليه ، الى الحسين صلوات الله عليه ، فأخبره بذلك ، فقال الامام الحسين عليه السلام : لا حول ولا قوة الا بالله .

 

وهذا اخر استنصاراته ، وقد يئس بعد ذلك من الناصر ، وعلم انه لا ينصره احد ، وان الجهاد الذي هو للانتصار والظهور على الاعداء قد سقط عنه ، وانه قد تمحض تكليفه بجهاد خاص ، وهو الجهاد والقتال ليقتل ، فجمع اصحابه يخبرهم بأنه لا ناصر له ، وان التكليف بالجهاد للنصر واحتمال الغلبة قد ارتفع ، وانه لا تكليف عليهم بذلك .

 

 فقام خطيبا فيهم عليه السلام ، وهو مكسور القلب ، منقطع الرجاء

 فقال لهم :

 

انه قد نزل من الامر ما ترون ، وان الدنيا قد تغيّرت ، وأدبر معروفها ........ الى اخر ما قال سلام الله عليه .

 

ومضمونه انه لا رجاء لي بعد في الاستنصار من اي احد ، بل قد يئست من نصرة الناس ، وقد خذلني جميع الناس ، ولا ذمام عليكم مني في التكليف بالجهاد معي للانتصار ، ولا الظهور على الاعداء ، واحتمال الغلبة ، بل قد قدّر الله تعالى القتل لي ، ولمن معي .

 

 فمن وطّن نفسه على ذلك فليبايع للقتل معي ، ومن لا يرغب في ذلك فلينصرف في هذا الليل البهيم ، فلا مقصود للقوم غيري .

 

فتكلم اصحابه بكلمات عجيبة ، نذكر تفصيلها في عنوان الشهداء ، وبايعوه البيعة الثانية على ذلك .

 

 


 الوجه الثالث : ان التلبيات السبع ، اجابات سبع ، لاستغاثات سبع ، كانت لامور خاصة ، لم يغثه احد فيها .

 

فأولا : استغاث لسقي جميع اهله واصحابه .

 

وثانيا : استغاث لسقي انساء والاطفال ، وقال عليه السلام : انهن ليس عليهن جناح ، او انهن لن يقاتلنكم .

 

وثالثا : استغاث لسقي الطفل الرضيع (ع)  فقط ، فقال عليه السلام : اما من احد يأتينا بشربة من الماء لهذا الطفل ؟ ثم قنع بأن يسقوه ، فقال : اسقوا هذا الرضيع .

 

ورابعا : استغاث لئلا ينهبوا حرمه ، مناديا " يا شيعة آل أبي سفيان .......... " مقولته المشهورة .

 

وقال عليه السلام : " اقصدوني بنفســــي واتركوا حرمي " .

 

وخامسا : استغاث لا لئلا ينهبوا الخيام بل  لان يمهلوهم ساعة فقال : رحلي لكم عن ساعة مباح .

 

وسادسا : استغاث وهو مطروح لئلا يحرقوا اهله وحرمه ، فانه سمع شمرا لعنه الله يقول : عليّ بالنار اُحرقه على من فيه ، فاستغاث عليه السلام ونادى : يا بن ذي الجوشن انت الداعي بالنار لتحرق الخباء على اهلي .

 

وسابعا : استغاث صلوات الله تعالى عليه وهو في اخر رمق لقطرة من الماء ، فحزوا رأسه وهو في هذه الاستغاثة .

 

فإذا لم يجبه احد لهذه الاستغاثات السبع ، ناسب ان يلّبوا له (ع) اولياؤه بعددها ، فيفوزوا بثواب اغاثته عليه السلام في تلك الحالات اذا لاحظوها في تلبيتهم .

 


الوجه الرابع : وما أدراك ما الوجه الرابع ، ان التلبيات السبع ، اجابات سبع ، لاستغاثات سبع ، وقعت منه ، لاصل  حالته ، وخذلان الناس عنه ، وعدم الاعتناء به ، وكربته ، وغربته ، ووحدته ، بلا طلب شيء خاص من احد .

وهذه هي التي سماها بالواعية ( الواعية اي : الصارخة ) وقد حصل لها تأثيرات خاصة .

 

 فكل واحدة من هذه الاستغاثات ، لها تحريك خاص ، وتأثير خاص ، وحصل بها انقلابات ، وتغير اوضاع مخصوصة ، فاستمع لها فانها الى الان تدور على اسماع محبيه ، والموالين له .

 

فاذا علت اصوات الاستغاثة فاستمعوا لها ، وانصتوا ، واجيبوا داعي الله بالتلبية رحمة له عليه السلام لعلكم ترحمون .

 

الاستغاثة الاولى : حين التقى العسكران ، انزل الله تعالى النصر على الحسين عليه السلام ، وكانت رايات النصر ترفرف على رأسه ، فاختار لقــــــاء الله تبارك وتعالى .

 

ثم استغاث لاتمام الحجة ، فأحدثت هذه الحالة همّة خاصة ، وحركت عزما خاصا لاصحابه ، علاوة على بنائهم وعزمهم على المقاتلة .

 

 فصاروا يتهافتون على ذهاب الانفس ، وحصل لهم كيفية استعجـــــــال وتلهب ، وتأسف وبكاء ، وانقلاب حال  سنذكره في عنوان الشهداء .

 

فلبوا تأسيا بهم وقولوا : إن كان لم يجبك بدني مثل الشهداء حين استغاثتك ، ولساني عند استنصارك ، فقد أجابك قلبي بحب عملهم ، وبصري بالبكاء ، الى آخر ما في الزيارة ، فإذا لبيت لذلك فتهيأ لاستماع :

 

الاستغاثة الثانية : فقد علا صوته المبارك عليه السلام لما اشتد الامر عليه ، واستحر القتل في الاصحاب ، والاضطراب في النساء ، وصعب الامر عليه

 

 فصاح مستغيثا : " هل من ذاب يذب عنا " ، فأثر ذلك في النساء اللاتي كن معهم ، فحركت هذه الاستغاثة همة النساء ، فبذلن اولادهن ورجالهن وانفسهن  حتى قتل بعضهن ، كما سيجيء ذلك في عنوان الشهداء إن شاء الله .

 

ثم هذه الاستغاثة الاولى حركت همة العجائز ، فأجبنه بالتلبية ، ببذل الأعز من أنفسهن ، أعني شبابهن وأفلاذ أكبادهن .

 

أفلا تتحرك همتك اذا زرته!! ، وتصورت ذلك ؟ فتجيب الاستغاثة الاولى بالتلبية الاولى

 

 وتقول : لبيــــــــك يا داعي الله تعالى ، إن لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك ، فقد اجابك قلبي ، فإذا لبيت الثانية فاستمع

 فقد علت :

 

الاستغاثة الثالثة : لما قتلوا جميعا ، وبقي صلوات الله عليه وحده ، وخرج عازما على لقاء الله تعالى ، جاء قبال القوم ، وهو راكب فرسه ، فنظر عن يمينه فلم ير أحدا ، وعن شماله فلم ير أحدا .

 

 ورأى قدّامه أصحابه وأهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين مطروحين ، ووراءه عياله واطفاله ومن معه من النسوة بتلك الحالة .

 

فصاح سلام الله عليه : اما من مغيث يغيثنا لوجــه الله عزوجل ؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا ؟

 

فأثرت هذه الاستغاثة في نفاذ صبر النساء لما سمعن ذلك ، فأخذن بالعويل والصراخ كلهن دفعة واحدة ، الى ان بلغ صوتهن موقفه ، فرجع عليه السلام وقال : مهلاً لا يشمت القوم بنا ، فإن البكاء امامكن .

 

فهذه الاستغاثة قد اخرجت اصوات نسائه ، فصعب عليه ذلك ، حتى رجع اليهن لاسكاتهن ، فهل تلبّون له صارخين بالعويل ؟ فانه عليه السلام يفرح بذلك ، ويجبر قلبه ذلك ، فلبّ له قائلا بقلبك ولسانك : لبيك داعي الله ، ملاحظاً هذه الاستغاثة.

 

وبعد ذلك لما اشتدت الحالات منه (ع) ، وتواردت المصائب متتابعة الى ان وقع طريحا جريحا مصاباً ، علت :


الاستغاثة الرابعة : منه ، فأثرت في حالة الامام سيد الساجدين علياً عليه السلام  تأثرا أقامه من فراشه ، مع انه مريض ولا يقدر على ان يقبل بنفسه ، وليس عليه جهاد .

 

 لكن حرّكته خصوصية تأثير هذه الاستغاثة ، فأخ بيده عصا يتوكأ عليها ، وسيفاً يجره في الارض ، فخرج من الخيام .

 

 وخرجت ام كلثوم خلفه تنادي : يا بني ارجع ، وهو يقول : يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فقال الحسين عليه السلام : خذيه لئلا تبقى الارض خالية من نسل آل محمـــد صلوات الله عليه وآله ، فأرجعته أم كلثوم عليها السلام .

 

فلبّ انت لأجل المصيبة الرابعة ، وعجّل فقد تتابعت المصائب عليه (ع) ، وعلا منه صوت :

 

الاستغاثة الخامسة : وهو (ع) طريح جريح مرمل مدمى عطشان قد اعياه حر الجراح والشمس والبلايا ، فأثرت في الاطفال فخرج طفـــــــلان من الخيام لاغاثته سلام الله عليه.

 

احدهما طفل : خرج وفي اُذنيه درّتان ، وهو مذعور ، يلتفت يمينا وشمالا فلما بعُد قليلا من الخيام ، ضربه هانيء بن ثبيت لعنه الله ، علي رأس ذلك الطفل المحمدي فقتله هناك ، وامه تنظر اليه ولا تتكلم كالمدهوشة .

 

وثانيهما : عبدالله بن الحسن عليهما السلام ، وهو ابن احدى عشرة سنة ، لما رأى عمّه طريحا مستغيثا لبّى له وخرج اليه.

 

 فنادى الحسين عليه السلام : يا أختاه احبسيه ، فأرادت حبسه ، فقال : والله لا اُفارق عمّي ، فذهب اليه ، وجاهد عنه ، حتى قطعت يده المباركة ، ثم قـُتل على ما سيجيء تفصيله في عنوان اهل البيت صلوات الله عليهم .

 

فإذا لبيت له التلبية الخامسة ، فعجّل

فإنه قد علت منه :

 

الاستغاثة السادسة : لما تهيؤوا لقتله عليه السلام وهو طريح ، فأثرت هذه الاستغاثة في زينب الكبرى عليها السلام اخته ، واخرجتها الى المقتل صائحة، وقيل : حاسرة حافية .

 

واعظم من ذلك انها جاءت تستنصر ابن سعد لعنه الله تعالى ، فقالت صلوات الله عليه : يا ابن سعد ، أيقتل أبو عبدالله ، وانت تنظر اليه ؟ وهذه الحالة أبكت ابن سعد لعنه الله ، حتى فاضت دموعه على لحيته ، وصرف وجهه عنها .

 

 فلبّ السادسة أنت ، فقد اشتد الامر ، وبلغت الشدة نهايتها ، وتحققت من كل الاستغاثات :

 

 

الاستغاثة السابعة : وقد علا صوتها بطريق خاص ، وعبارة خاصة ، ونحو خاص ، ووقت خاص ، وحالة خاصة وخيمة ، فأثرت لا في أشخاص خاصين ، كالاستغاثات السابقة .

 

  بل أثرت في جميع الموجودات ، وحركت جميع المخلوقات ، وذعُر لها الناس وخضعوا ، وزلزلت جميع العالمين من السماوات والارضين ، وما فيهن وما بينهن ، وأخرجت كل مستقر من مستقره ، وحركت كل ساكن من مسكنه ، والعرش العظيم وما حوله ، ومن حفّ به وما فوقه وما بينهن ، وحركت اجزاء الجنة ومن فيها ، والنار ومن فيها ، وجميع ما يُرى وما لا يُرى .

 

ونفضي بيان خصوصياتها في عنوان شهادته بإشارة ، وإلا فيعزّ عليّ ان اُحرره ببياني ، او اُقرره بلساني ، أو أتصوره في جناني ، فإذا لاحظتها بنحو الإجمال ، فأقتد بجميع ما خلق الله تعالى ، ولبّ له الان السابعة :

 

لبيــــك داعي الله تعالى ، إن لم يجبك بدني عند استغاثتك ، فإني اجيبك الان ، بقلبي ، وسمعي ، وبصري ، ونحيبي ، وزفرتي ، وعويلي ، وشهيقي ، وبكائي ، وانقلاب أحوالي ، وجميع ما يتعلق بي ، يا حسين يا إمامــــي ،

 

 

وحقق ذلك من نفسك ختاما - هو مسك - اذا تحققت منك التلبيات السبع ، للاغاثات السبع ، وأغثته بتلبيتك له ملاحظاً ما ذكرناه .

 

فاعلم إن الاغاثة بالاغاثة ، والاجابة بالاجابة ، بل التلبية بالتلبية ، فأن لك حالات سبع ، لك فيه استغاثات سبع ، لا مغيث لك فيها ، ولا تجد لاستغاثاتك مغيثا ابدا ، نعم اذا أجبت الامام الحسين عليه السلام ، ولبّيت له كما فصلناه ، فهو ايضا يغيثك ، ويجيبك ، بل يلبي لك في استغاثاتك السبع ، بإغاثات تنفعك ، وتخلصك من تلك الحالات الباعثة على :

 

الاستغاثة الاولى : من استغاثتك في حالة احتضارك ، ( إذا بلغت التراقي ، وقيل من راقٍ ، وظن أنه الفِراق ، والتفت الساق بالساق ) فمن حالاتك حينئذ الاستغاثة ، بنصرة الحفدة ، والاقرباء ، والآباء ، والابناء ، والاعزة والقرناء ، والاصداق ، والاطباء  ، ولا ينفعك احدهم ابدا ، فاذا كنت قد لبيت استغاثة هذا الداعي الى الله تعالى ، فلعله عليه السلام يحضرك ليغيثك ، من دون استغاثة ، ويسكن اضطرابك ، بل يلبي لك تلبية صادقة منجية سريعة نافعة ،

 


الاستغاثة الثانية : لك حين خروجك من قبرك عاريا ذليلا حاملا ثقلك على ظهرك ، تنظر عن يمينك واخرى عن شمالك ، فلا ترى احدا تستغيث به ، فاذا كنت ملبيا استغاثة هذا الذبيح لله ، فلعلك حين تنظر تراه قدامك ، او تراه وهو يتفحص عنك ، أو ترى جدّه صلى الله عليه واله وسلم والروح الامين عليه السلام يتفقدانك ، ليأخذا بيدك فلا تنظر يميناً وشمالاً بعد ذلك ،


وكما جاء  :" من سرّه ان ينظر الى الله تعالى يوم القيامة وتهون عليه سكرة الموت وهل المطلع فليكثر من زيارة قبر الامام الحسين عليه السلام فإن زيارة الحسين (ع) زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم " ،

 


الاستغاثة الثالثة : لك استغاثتك من العطش الاكبر في يوم مقداره خمسون ألف سنة ، والشمس تصهر الرؤوس في ذلك الزمان ، اذ لا مغيث لها .

 

 فاذا كنت لبيت لساقي الحوض عند استغاثته من العطش ، فلا بد أن يلبى لك عند استغاثتك من العطش ، فيسقيك بشربة لا تظمأ بعدها ابداً .

 


وقد جاء  : إن الزائر له لا يتناهى له دون الحوض وامير المؤمنين (ع)  قائم على الحوض يصافحه ويرويه الماء ...... " .

 

 


الاستغاثة الرابعة : حين يدور عليك خصماؤك ، وتفر من كل ذي حق ، وتفر من اخيك واك وابيك ، اللذين هما أرأف الناس بك .

 

 فتستغيث فتبقى مأيوسا من كل أحد ، وتتحير حينئذ بمن تستغيث بعد ما تفر من امك وابيك .

 

 فاذا كنت ملبيا لاستغاثة صاحب المصيبة الرابعة فلعلك تراه يغيثك هناك، ويصلح لك أمرك مع خصمائك ، ومطالبيك بالحقوق حتى والديك .

الاستغاثة الخامسة : اذا صدر الامر من الله سبحانه بالامتيار ، ونودي : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) وحصلت لكل واحد من المجرمين سمة ، يمتاز بها .

 

 فلعل نور ميسم زائر الحسين عليه السلام يمنع ظلمة سمة المجرم الحاصلة عند الامر بالامتياز ، وانقطاعه عن الاستغاثة .

 


الاستغاثة السادسة : اذا صدر الحكم من الله الواحد القهار ، بالاخذ الى النار ، إما بالخطاب الى الملائكة : خذوه ، أو الى النار : خذيه ، فيُبكم لسانه عن الاستغاثة .

 

 فلعلك اذا لبّيت لاستغاثته يُلبّي لك حين تريد الاستغاثة ، ولا ينطلق لسانك بها .


الاستغاثة السابعة : لك اذا لم يحصل لك ما يخلصك في محشرك ، ودخلت النار ، والعياذ بالله ، وهي بأحد كيفيات دخولها ، فعند ذلك تستغيث تارة بالخزنة ، وتارة بمالك ، وتارة بالمتكبرين الذين دخلت النار بسببهم ، ولا تنفعك هذه الاستغاثات ، بل يزيدك جوابهم لك عذابا ، مع ان الاستغاثة الجزئية لتخفيف يوم ، وبمالك لأن يقضي عليك بالموت ، وبالمتكبرين ليغنوا عنك من الله تعالى من شيء ، ولو ساعة ، او نوعا من العذاب .

 

 لكن الامام الحسين عليه السلام بحسب وعده يزور زائره ، فاذا تأخرت الى ذلك الزمان لبعض الحكم والتأثيرات التي لا تغيّر ولا تبّدل ، فلا بد أن يزورك هناك ، فتنطفيء بزيارته لك النيران المتوقدة عليك ، ويرتفع عنك العذاب ، ويأخذك معه الى دار الثواب وحسن المآب .

 

الصنف الخامس : من الخطابات المختصة بالحسين عليه السلام عند زيارته هو السلام على أعضائه واحداً واحداً والوارد في سائر الزيارات السلام على المزور بذكر اوصافه ، وفي بعضها السلام على روحك وبدنك .

 

ولكن من خصوصيات الامام الحسين عليه السلام : السلام الخاص على اجزاء بدنه بالخصوص ، فيسلّم على رأسه المبارك على حدة ، وعلى وجهه الازهر على حدة ، وعلى خذه التريب على حدة ، وعلى شفتيه مستقلا ، وعلى ثغره على حدة ، وعلى شيبه على حدة ، وعلى دمه الزاكي على حدة ، وعلى صدره مستقلا ، وعلى ظهره مستقلا ، وعلى قلبه على حدة ، وعلى كبده على حدة .

ومن خصوصياته في هذه خصوصية : ان السلام على كل جزء منه يقع على وجوه :

 

ففي الســلام على رأسه الشريف قد يقال : السلام على الرأس المرفوع ، وقد يقال السلام على الرأس المقطوع ، وقد يقال السلام على الرأس المنصوب ، وقد يقال السلام على الرأس المقطوع ، وقد يقال السلام على الرأس الموضوع ، وقد يقال السلام عل الرأس المُدّمـــــى ، وقد يقال السلام على الرأس المسلوب ، وقد يقال السلام على الرأس الأزهــــــــر الأنور الأبهج الهادي لدين جده المصطفى محمداً صلوات الله عليه وآله وسلم .

 

وفي السلام على النحــــر:  قد يقال النحر المنحور ، وقد يقال النحر المقطوع ، وقد يقال النحر المضروب ، وقد يقال النحر المرضوض بحوافر الخيل  وقد يقال النحر الأقدس .

 

وفي السلام على الجسد : قد يسلم على الجسد التريب ، وقد يسلم على الجسد الخضيب ، وقد يسلّّم على الجسد السليب ، وقد يسلم على الجسد المجروح المطروح ، وقد يسلم على الجسد المقطع المُدمى ، وقد يسلم على الجسد المرضض تكرارا وتكرارا ، وقد يسلم على الجسد المتفرق ، وقد يسلم على الجسد المشرق نوراً كالشمس يطغى على رؤيته .


ومن خصوصياته في هذه الخصوصية : ان كل جزء يسلم عليه بصفات خاصة ، فبكل واحدة من الصفة الخاصة ايضا يقع السلام عليه بوجوه :

 

فإذا قلت الرأس المصلوب فقد يقال المصلوب على الشجرة ، وقد يقال المصلوب على باب دمشق ، وقد يقال المصلوب على باب دار يزيد .

 

واذا قلت الرأس الموضوع فيقال : الموضوع قدام يزيد ، او الموضوع قدام ابن زياد لعنهما الله تعالى .

 

والوجه في هذه التسميات الخاصة عليه : ان كل واحدة من هذه المصائب تسليم خاص منه عليه السلام لأمــــر الله تعالى ، لم يتففق لغيره ابداً ، فلا بد أن يجعل الله تعالى بإزائه رحمة خاصة به وهو العزيز الحكيم .

 

والمراد بالسلام عليه ان يسلم الله له ما جعله له ، بأن يجعله حرما آمناً لمن توســــل به ، وتمسك به ، واستشفع به ، وحصّل علاقة ورابطة به ، صلوات الله عليه ، فإن ذلك احد معاني السلام على النبي المصطفى والائمة الهداة صلوات الله عليهم اجمعين .

 

وفيه رجاء عظيم اذا سلمنا عليه بهذه التسليمات الخاصة بأعضائه الشريفة المباركة ، وبكينا على كل واحدة واحدة ، ورجونا أن تنطفي بكل سلام نار موقدة على اعضائه قد أوقدتها الذنوب المحيطة المستغرقة لأعضائنا .

 


الباب الحادي عشـــــــــر


في خصوصية زواره عليه السلام  قبل شهادته وبعدها قبل ان يُدفن


فمنها مطلبان :

 

المطلب الاول : في زواره قبل شهادته وهم اقسام :

 

الاول : الملائكة ، ففي الحديث عن الامام الصادق عليه السلام : ألا وإن الملائكة زارت كربلا ألف عام من قبل أن يسكنه جدّي الحسين عليه السلام .

 

الثاني : سفينة نوح عليه السلام ، وبساط سليمان ، وغنم اسماعيل ، والظباء التي كلّمت عيسى بن مريم ، صلوات الله عليهم اجمعين .

 

 فهذه كلها قد زارته بطرق خاصة ، وقد مرّ تفصيل احاديثها في مجالس البكاء .

 

الثالث : الشهداء الذين اسشهدوا بين يديه حالة تهيؤهم للمقاتلة ، فانهم قد زاروه زيارة مخصوصة فإذا اراد احدهم المبارزة راكبا او راجلا جاء عنده ووقف بين يديه.

 

 وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، فيقول له عليه السلام : وعليكم السلام ، ونحن خلفك  ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدّلوا تبديلاً ) .

 

والوجه في اهتمامهم بهذه الزيارة انهم ارادوا ادراك فيض الزيارة ، وهم احياء ، فيضاف ذلك الى اجر شهادتهم .

 

نعم ، لبعض الشهداء في كيفية هذه الزيارة خصوصيات ، وزياراتهم مخصوصة ، فمنهم الاخوان ، عبدالله وعبدالرحمن الغفاريان ، جاءا لزيارته ، فوقفا قدّامه بعيدا منه .

 

وقالا : السلام عليك يا أبا عبد الله .


فقال لهما (ع) " ادنوا مني ،  فدنيا ، ووقفا قريبا منه .


وقالا : يا أبا عبدالله السلام عليك ، جئنا لنـُقتل بين يديك .


فقال عليه السلام : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته .


وجاء الفتيان الجابريان حسيناً عليه السلام فدنيا منه ، وكانا يبكيان بكاءاً شديداً .

فقال (ع) لهما :  يا ابني اخي ما يبكيكما ؟ فوالله اني لأرجو ان تكونا بعد ساعة قريري العين .

 

فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على انفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك وقد اُحيط بك ، ولا نقدر ان ننفعك .

 

فقال صلوات الله عليه : جزاكما الله يا ابني اخي بوجدكما من ذلك ، ومواساتكما اياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين .

* معنى وجدكما اي : حزنكما .

 

ومن ذوي الخصوصية لهذه الزيارة المخصوصة علي بن الحسين عليهما السلام ، فقد جعل سلامه بعد مبارزته  ومقاتلته .

 

 ووقوعه على الارض مجدّلاً وقد أعياه نزف الدماء وحرارة الشمس ، فتوجه في ذلك الوقت الى زيارة والده  الحسيـــــــــن عليه السلام ، فقال (ع) " يا أبتــــاه ، عليك مني السلام ، " فكانت له خصوصية في وقت السلام ، وكيفيته وجوابه .

 

أما سبب تأخيره الى ذلك الوقت فلأن الحسين عليه السلام كان جالساً او واقفاً امام الخيمة حين اراده سائر الشهداء للمبارزة

 

 فكانوا يسلمون عليه على حسب العادة ولإدراك ثواب زيارته ، وهم احياء كما ذكرنا .

 

واما علي (ع) فانه لما اراد المبارزة جاء الحسين (ع) اليه  ومشى ورائه ، ولم يستقر حتى يخاطبه بالسلام .

 

واما سبب السلام بعليك السلام لا بالسلام عليك : فلأن سلامه كان سلام وادع وانصراف ، لا سلام تحية .

 

واما خصوصية الجواب : فإنه (ع) لم يجب هذا السلام ، لانه لم يكن سلام تحية يجب رده ، ولأنه عرضت له حالة عند سماع هذا السلام أسقطت جميع قواه ، وغيّرت أحواله  فأجايبه بندائه : يا بني قتلوك ، وسيجيء تفصيل الحال إن شاء الله في عنوان شهادته عليه السلام .

 
المطلب الثاني : في زواره بعد شهادته قبل دفنه .

 فنقول :

 

 اول من زاره بعد الشهادة هو الله تعالى العلي العظيم ، كناية عن توجه خصوصيات الألطاف الخاصة الكثيرة اليه ، والرحمات الالهية ، والفيض الرباني له .

 

ثم زاره رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعطاه الكأس المذخورة له ، وهي التي أخبر بها علي ولده .

 

فيُعلم من ذلك انها كانت في يده قبل شهادته ، وقد سقاه بعدها بلا فاصلة ، واذا كان رسول الله (ص) زائرا قطعا ، فعلي وفاطمة والحسن عليهم السلام معه ايضا .

 

ثم زاره بعد ذلك الملائكة الذين نزلوا انصره ، فلم يدركوه ، فاُمروا بأن يقوموا عند قبره يزورونه الى يوم القيامة ، كما مرّ تفصيل ذلك في عنوان الملائكة .

 

ثم زاره بعد ذلك ذو الجناح ، " فرسه ".


ثم الطيور نهارا ، والوحوش ليلا ، والجن ونساء الجن ، لكل منهم زيارة خاصة .

 

واما زواره من الناس فأولهم الامام السجاد زين العابدين عليه السلام ، وزينب الكبرى عليها السلام ، وسائر اهل بيته الاسرى عليهم السلام ، وأحد عشر طفلا من أهل البيت ، وقد اجتمع هؤلاء الزوار ، فقصدوا زيارته.

 

 وأتوا بجميع آداب الزيارة بالطريق الذي ورد بالخصوص في آداب زيارته التي ذكرناها ، فأتوه مغبرين ، جائعين ظامئين ، حزينين باكين ، وزيادة على ذلك انهم حفاة عراة حاسرون .

 

 ومنهم من زاد على ذلك بالاغلال ، والجامعة في العنق الدامي الذي تآكل من شدة الجامعة التي في عنقه المبارك .

 

نعم ، قد فاتتهم احدى الآداب للزيارة ، وهي الغسل بماء الفرات ، أو الوضوء للزيارة .

 

 لكن قد استبدلوا ذلك بتيممهم دما طيبا زاكياً ، فمسحوا وجوهمم وأيديهم منه ، فصار هذا التيمم أفضل من الغسل بالفرات ، ثم شرعوا في الزيارة ، وكانت الزيارة على نحو ما ورد في زياراته : من الابتداء بالسلام على النبي وعلي وفاطمة والحسن عليهم السلام ، ثم السلام على الامام الحسين الغريب الشهيد عليه السلام .

 

وكان أصل الزيارة لزينب الحوراء عليها السلام ، وباقي الزوار يقرأون معها ، ولم ينقل عن الامام السجاد عليه السلام بأحد أنواع السلام مع أنه أولى بذلك ، والوجه في ذلك أنه عليه السلام ، مع أنه كان عليـــــــلاً ، وصار مغلولاً ، وكانت الجامعة في عنقه الدامي ، وما مكنوه من الزول من الجمل الراكب عليه ، قد عرضت له (ع) في ذلك الوقت حالة ، اذ كان يجود بنفسه ، وصار محتضرا .

 

فتبينت منه ذلك زينباً الكبرى عليها السلام ، وسألته فأجابها بما أجابها مما سنذكر تفصيله إن شاء الله تعالى ، فلهذا لم يزر زيارة خطاب وسلام  ، واختص ذلك بباقي أهل البيت عليهم السلام ، لكن لم يدعوهن ليتممن الزيارة ففرقوا بين الزوار والمزور ، وقربوا الاظعان ، وجروهن قهرا من فوق الاجساد ، وجعلوهن على اقتاب المطايا يُسار بهن الى الكوفة .

 

 

الباب الثاني عشــــر

في زواره عليه السلام بعد دفنــــه ،

 

وهم انواع :

 

منهم من زاره (ع) زيارة مستمرة دائمة ، أو في وقت معين دائم ، فالمستمرون ، زيارتهم الى يوم القيامة دائمة ، ما اتصل الليل والنهـار لا يفترون ، وهم صنف من الملائكة ، وقد تبيّن في عنوان الملائكة .

 

وأما الدوام بحسب الأوقات ، فالذي يجل عن المكان ، والمجيء والذهاب وتغير الاحوال ، وهو الله العظيم يزوره كل ليلة جمعة ، أي يفيض الله تعالى عليه لطفاً خاصاً يعبّر عنه بالزيارة .

 

ويزروه - ايضا - مستمرا في كل ليلة جمعة الأنبياء (ع) كلهم ، والاوصياء صلوات الله عليهم اجمعين .

 

وكذلك يزوره الانبياء عليهم الصلاة والسلام بأجمعهم ليلة النصف من شعبان ، وليلة القدر من كل سنة دائما .

 

وأما الملائكة جبرئيل واسرافيل وميكائيل عليهم السلام  فلهم اوقات مخصوصة لزيارتهم طول السنة دائما .

 

وأما أهل هذه النشأة فأول من زاره بعد دفنه سيد الساجدين عليه السلام حين دفنه بعد ثلاثة ايام ، مع جماعة من بني أسد ، على التفصيل الذي نذكره في عنوان التجهيز الخاص به .

 

 فلما سوى القبر زار والده بسلام خاص ، وكلمات مخصوصة ، واضعاً كفه على القبر ، كما سيجيء في ذلك العنوان ان شاء الله تعالى .

 

وبعد ذلك زارته القبائل المحيطة بكربلاء ، حتى روي أنه زاره بعد دفنه في سنة او سنتين مائة ألف امرأة ممن لا يلدن .

 

وممن زاره بعد دفنه بأيام عقبة بن عمرو السهمي ، ويقال انه اول شاعر رثى الامام الحسين عليه السلام ، حاء قبره المبارك ووقف على قبره وأنشد

 يقول :

مررت على قبر الحسين بكربلا ** ففاضت عليه من دموعي غزيرها
فما زلت أرثيه وأبكي لشجوة ** ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وبكيت من بعد الحسين عصائب ** أطافت به من جانبيها قبورها
سلام على اهل القبور بكربلا ** وقل لها مني سلام يزورها
سلام بآصال العشي وبالضحى ** تؤديه نكباء لرياح ومورها
ولا برح الوفــّاد زوار قبره ** يفوح عليهم مسكها وعبيرها

 


* النكباء : اي : الريح المنحرفة عن مهاب الرياح القـُوّم ووقعت بين ريحين او بين الصبا والشمال . * المور : بالضم الغبار .

 

واول من زاره (ع) قاصدا اليه من بُعد البلاد ، هو جابر بن عبد الله الأنصاري صلوات الله تعالى عليه ، ولزيارته كيفية خاصة نذكرها في محلها إن شاء الله تعالى .

 

ثم بعد ذلك جعل الله تعالى أفئدة من الناس تهوي اليه عليه السلام ، فقصدته الشيعة من الاطراف في زمن بني أمية ، فمنعوا من ذلك .

 

وجعلوا المراصد والحرس لمنع ذلك ، وأمروا بالقتل والصلب ، وقطع الايدي والأرجل ، لك من زاره ، فلم يزد ذلك إلا كثرة زائريـــــــــه  والى مدى الدهور .

 

ثم ان المتوكل من بني العباس لعنه الله ، لشدة عداوته ، بالخصوص مع  الزهراء البتول فاطمة صلوات الله تعالى عليها وبنيها ، منع من الزيارة أشد المنع ، ولما رأى ذلك لا يفيد أمر بتخريب القبر الشريف .

 

ثم لما رأى ان ذلك لا يفيد ، أمر بمحو أثره بالحرث والنبش وإجراء الماء فجعل الله تعالى من خصائص الحسين عليه السلام ان هذا الذي خرب القبر ، وحرثه  ونبشه ، واجرى الماء عليه - أمر بتعمير القبر ، ونادى المنادي بإذنه في زيارة الامام الحسيـن صلوات الله تعالى عليه .


وتفصيل ذلك كما في الاخبار ، ان المتوكل لعنه الله ، من خلفاء بني العباس ، كان كثير العدواة ، وشديد البغض لأهل بيت رسول الله  المعصومين عليهم السلام .

 

 وهو الذي أمر الموكلين بحرث قبر الحسين (ع) بأن يخربوا بنيانه ، ويخفوا آثاره ، ولا يقف على خبره أحد ، وتوعد بالقتل من زار قبره ، وجعل رصدا من اجناده ، واوصاهم بقتل كل من وجدوه يريد زيارة الحسين عليه السلام .

 

 

 يريدون بذلك اطفاء نــــــــور الله تعالى ، واخفاء آثار ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ومحو الاسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده .

 

 

فبلغ الخبر الى رجل من اهل الخير يقال له ( زيد المجنون ) وكان ذا عقل سديد ، ورأي رشيد ، وانما لقـّب بالمجنون ، لانه افحم كل لبيب ، وقطع حجة كل أريب ، وكان لا يعيى من الجواب ، ولا يمل من الخطاب .

 

 

فسمع بخراب بنيان الامام الحسين عليه السلام ، وحرث مكانه ، فعظم ذلك عليه ، واشتد حزنــــــه وتألمه ، وتجدد مصابه بسيده الحسين عليه السلام ، وكان مسكنه يومئذ بمصر .

 

 

فلما غلب عليه الحزن والوجد لحرث قبر الامام (ع)  خرج من مصر ماشياً هائما على وجهه ، شاكيا همه وكربه الى ربه تعالى ، وبقي حزينا كئيبا ، حتى بلغ الكوفة .

 

 

وكان بهلول يومئذ فيها فلقيه زيد المجنون ، فسلم عليه فرد عليه السلام ، فقال له بهلول : من اين لك بمعرفتي ؟ ولم ترني قط ؟ فقال زيد : يا هذا اعلم ان قلوب المؤمنين جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

 

 

فقال له بهلول : يا زيد ما الذي اخرجك من بلادك بغير دابة ومركوب ؟ فقال : والله ما خرجت الا من شدة وجدي وحزني ، وقد بلغني ان هذا اللعين أمر بحرث قبر الامام الحسين عليه السلام ، وتخريب بنيانه ، وقتل زواره ، فهذا الذي  اخرجني من موطني ، ونغص عيشي ، واجرى دموعي ، وأقل هجوعي ، ( الهجوع : النوم الخفيف ) فقال بهلول: وانا والله كذلك ، فقال له قم بنا نمضي الى كربلا ، لنشاهد قبور اولاد علي المرتضى عليهم السلام .

 

قال فأخذ كل بيد صاحبه حتى وصلا الى قبر الحسين (ع) ، فاذا هو على حاله لم يتغير ، وقد هدموا بنيانه ، وكلما أجروا عليه الماء غار وحار واستدار بقدرة العزيز الجبار ، ولم تصل قطرة واحدة الى قبر الحسين عليه السلام .

 

 

 وكان القبر الشريف اذا جاءه الماء ترتفع ارضه بإذن الله تبارك  تعالى ، فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال : انظر يا بهلول يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، قال ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين صلوات الله عليه مدة عشرين سنة ، والقبر على حاله لم يتغير ، ولا تعلوه قطره من الماء .

 

 

فلما نظر الحارث الى ذلك ، قال : آمنت بالله تعالى ، وبمحمد رسول الله (ص) ، والله لأهربن على وجهي ، وأهيم في البراري ، ولا أحرث قبر الامام الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله (ص) ، واني منذ عشرين سنة انظر آيات الله تعالى ، واشاهد براهين آل بيت رسول الله (ص) ، ولا اتعظ ولا أعتبر .

 

 

ثم انه حل النيران وطرح الفدان ، وأقبل يمشي نحو زيد المجنون ، فقال له : من اين اقبلت يا شيخ ؟ قال : من مصر ، قال : ولأي شيء جئت الى هنا ؟ وإني لأخشى عليك القتل ، فبكى زيد وقال : والله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام فأحزنني ذلك ، وهيّج حزني ، ووجدي ، فانكب الحارث على اقدام زيد يقبلهما ، وهو يقول : فداك ابي وامي .

 

فقال : يا شيخ منذ اقبالكم عليّ اقبلت عليّ الرحمة ، واستنار قلبي بنور الله تعالى ، واني آمنت بالله وبرسوله ، واني ومنذ عشرين سنة ، وانا احرث هذه الارض ، وكلما اجريت الماء الى قبر الحسين (ع) غار وحار واستدار .

 

 ولم يصل الى قبر الحسين (ع) منه قطرة ، وكأني كنت في سكر ، وأفقت الان ببركة قدومك اليّ ، فبكى زيد وتمثل بهذه الابيات

 فقال :

 

تا اللــــه ان كانت امية قد أتت ** قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتى أبيه بمثله ** هذا لعمرك قبره مهدوما
اسفوا على ان لا يكونوا شاركوا ** في قتله فتتبعوه رميما

 

فبكى الحارث ، وقال : يا زيد قد ايقظتني من رقدتي ، وارشدتني من غفتلي ، وها أنا الان ماض الى المتوكل بسر من رأى أعرّفه بصورة الحال ، إن شاء يقتلني ، وإن شاء يتركني ، فقال له زيد : أنا ايضا اسير معك البتة ، وأساعدك على ذلك .

 

 

قال فلما دخل الحارث على المتوكل وخبّره بما شاهد من برهان قبر الامام الحسين (ع) استشاط غيظا ، وازداد بغضا لاهل بيت رسول الله (ص)  وأمر بقتل الحارث ، وأمر ان يشد في رجله حبل ، ويُسحب على وجهه في الاسواق ، ثم يصلب في مجمع الناس ، ليكون عبرة لمن اعتبر ولا يبقى احد يذكر اهل البيت عليهم السلام  بخير ابدا .

واما زيد المجنون فانه ازداد حزنه ، واشتد عزاؤه ، وطال بكاؤه ، وصبر حتى انزلوه من الصلب ، وألقوه في زبالة هناك ، فجاء اليه زيد فاحتمله الى نهر دجلة فغسله وكفنه ز وصلى عليه ودفنه ، وبقي ثلاثة ايام لا يفارق قبره ، وهو يتلو كتاب الله تعالى عنده .

 

 

فبينما هو ذات يوم جالس اذ سمع صراخا عاليا ، ونوحا شجيا ، وبكاء عظيما ، ونساء كثيرات منتشرات ، مشققات الجيوب ، مسودادت الوجوه ، ورجالا كثيرين يندبون بالويل والثبور ، والناس في اضطراب شديد ، واذا بجنازة محمولة على اعناق الرجال .

 

 

وقد نشرت لها الاعلام والرايات والناس من حولها افواج ، وقد انسد الطريق بالرجال والنساء ، قال زيد : فظننت ان المتوكل قد مات ، فتقدمت رجلا منهم ، فقلت له : من يكون هذا الميت ؟، فقال : هذه جنازة جارية المتوكل ، وهي جارية سوداء حبشية ، وكان اسمها ريحانة ، وكان يحبها حبا شديدا ، ثم انهم علموا لها شأنا عظيما ، ودفنوها في قبر جديد وفرشوا فيه الورد والرياحين والمسك والعنبر ، وبنوا عليها قبة عالية .

 

 

فلما نظر زيد الى ذلك ازدادت اشجانه ، وتصاعدت نيرانه ، وجعل يلطم وجهه ، ويمزق اطماره ( اطمار: جمع طمر بالكسر كحمل واحمال وهو الثوب الخلق والكساء البالي ) ويحثوا التراب على رأسه .

 

 وهو يقول : واويلاه وواأسفاه عليك يا حسين اتقتل بالطف غريبا وحيدا فريدا ظمآن شهيدا ، وتسبى نساؤك وبناتك وعيالك ، ويذبح اطفالك ، ولم يبك عليك احد من الناس ، وتدفن بغير غسل ولا كفن  ويحرث بعد ذلك قبرك ، ليطفئوا نورك ، وانت ابن علي المرتضى ، وابن فاطمة الزهراء ، ويكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء .

 

 ولم يكن الحزن والبكاء لابن محمد المصطفى صلى الله عليه واله وسلم ، فلم يزل يبكي وينوح حتى غشي عليه ، والناس ينظرون اليه ، فمنهم من رق له ، ومنهم من حنى عليه ، فلما افاق من غشيته ، انشد يقول :

 

أيحرث بالطف قبر الحسيـــــن ** ويعمر قبر بني الزانية
لعل الزمــــــان بهم يعود ** ويأتـــي بدولتهم ثانية
ألا لعن الله أهل الفســــاد ** ومن يأمــن الدنيا الفانية

 

ثم ان زيدا كتب هذه الابيات في ورقة ، وسلّمها لبعض حجاب المتوكل ، قال فلما قرأها اشتد غيظه ، وأمر باحضاره فاحضر ، وجرى بينه وبينه من الوعظ والتوبيخ ما أغاظه حتى أمر بقتله صلوات الله عليه ، فلما مثل بين يديه .

 

سأله عن أبي تراب (ع) من هو ؟ استحقارا له ، فقال زيد : والله انك عارف به وبفضله وشرفه وحسبه ونسبه  فوالله ما يجحد فضله الا كافر مرتاب ، ولا يبغضه الا منافق كذاب .

 

 

وشرع بعرض فضائله ومناقبه حتى ذكر منها ما أغاظ المتوكل لعنة الله تعالى عليه ، فأمر بحبسه ، فحبس فلما أسدل الظلام ، وهجع ، جاء الى المتوكل هاتف رفسه برجله ، وقال له : قم واخرج زيدا من حبسه ، وإلا اهلكك الله تعالى عاجلاً .

 

فقام هو بنفسه لعنة الله عليه ، واخرج زيدا صلوات الله عليه من حبسه ، وخلع عليه خلعة سنية ، وقال له : اطلب ما تريد ، قال : أريد عمارة قبر الامام إمامنا الحسين عليه السلام ، وان لا يتعرض أحد لزوراه عليه السلام ، فأمر له بذلك ، فخرج من عنده فرحا مسرورا  وجعل يدور في البلدان  وهو يقول : من أراد زيارة الحسين صلوات الله تعالى عليه ، فله الأمان طول الأزمان .

 
___________________________________
انتهى العنوان السابع


source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التفسیر التقلیدی للقرآن الکریم
نحن وعاشوراء (علينا إحياء عاشوراء)
العقل يصبح خرافة إذا خاصم الوحي
ابا الفضل العباس حامل لواء الحسین (ع) فی کربلاء .
نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري
حماية المرأة و الاسرة في قوانين الجمهورية ...
الصدق في حياة الإنسان
دعاء الامام الصادق عليه السلام
أعمال يوم عيد الفطر
صلاة ابي بكر

 
user comment