الكرامة السادسة :
قال أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه : ( لمّا وصلت بغداد في سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة للحج ، و هي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ، كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر ، لأنّه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه ، و أنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان ، كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين ( عليه السلام ) في مكانه فاستقر . فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ، و لم يتهيّأ لي ما قصدت له ، فاستنبت المعروف بابن هشام ، و أعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدّة عمري ، و هل تكون المنيّة في هذه العلّة أم لا ؟ ، و قلت : همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه ، و أخذ جوابه ، و إنّما أندبك لهذا .
قال : فقال المعروف بابن هشام ، لمّا حصلت بمكّة ، و عزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة ، تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه ، و أقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس ، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ، و لم يستقم ، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ، و وضعه في مكانه فاستقام ، كأنّه لم يزل عنه ، و علت لذلك الأصوات و انصرف خارجاً من الباب ، فنهضت من مكاني أتبعه ، و أدفع الناس عنّي يميناً و شمالاً ، حتّى ظن بي الاختلاط في العقل ، و الناس يفرجون لي و عيني لاتفارقه ، حتّى انقطع عن الناس ، فكنت أسرع السير خلفه ، و هو يمشي على تؤدة و لاأدركه .
فلمّا حصل بحيث لاأحد يراه غيري وقف ، و التفت إليّ فقال : ( هات ما معك ) ، فناولته الرقعة ، فقال من غير أن ينظر فيها : ( قل له لاخوف عليك في هذه العلّة ، و يكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة ) ، قال : فوقع عليّ الزمع حتّى لم أطق حراكا ، و تركني و انصرف . قال أبو القاسم : فأعلمني بهذه الجملة ، فلمّا كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم ، فأخذ ينظر في أمره ، و تحصيل جهازه إلى قبره ، و كتب وصيته ، و استعمل الجد في ذلك ، فقيل له : ما هذا الخوف ؟ ، و نرجو أن يتفضّل الله تعالى بالسلامة فما عليك مخوفة ، فقال : هذه السنة التي خوفت فيها ، فمات في علّته ) .
الكرامة السابعة :
قال أبو غالب الزراري : ( تزوّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم بنو هلال خزازون ، و حصلت لها منزلة من قلبي ، فجرى بيننا كلام اقتضى خروجها عن بيتي غضباً ، و رمت ردّها فامتنعت عليّ لأنّها كانت في أهلها في عز و عشيرة ، فضاق لذلك صدري ، و تجهّزت إلى السفر ، فخرجت إلى بغداد أنا و شيخ من أهلها فقدمناها ، و قضينا الحق في واجب الزيارة ، و توجّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم بن روح ، و كان مستتراً من السلطان ، فدخلنا و سلّمنا .
فقال : إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا ، و طرح إليّ مدرجة كانت بين يديه ، فكتبت فيها اسمي و اسم أبي ، و جلسنا قليلاً ، ثمّ ودّعناه ، و خرجت إلى سر من رأى للزيارة ، و زرنا ، و عدنا ، و أتينا دار الشيخ ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي ، و جعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها ، إلى أن انتهى إلى موضع اسمي فناولنيه ، فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق : أمّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة فسيصلح الله ، أو فأصلح الله بينهما ، و كنت عندما كتبت اسمي أردت أن أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة ، ولم أذكره بل كتبت اسمي وحده ، فجاء الجواب كما كان في خاطري من غير أن أذكره .
ثمّ ودعنا الشيخ ، و خرجنا من بغداد ، حتّى قدمنا الكوفة فيوم قدومي أو من غده أتاني أخوة المرأة ، فسلّموا عليّ ، و اعتذروا إليّ ممّا كان بيني و بينهم من الخلاف و الكلام ، و عادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي ، و لم يجر بيني و بينها خلاف ، و لاكلام مدّة صحبتي لها ، و لم تخرج من منزلي بعد ذلك إلاّ بإذني حتّى ماتت ) .
الكرامة الثامنة :
إنّ أبا محمّد الدعلجي كان له ولدان ، و كان من خيار أصحابنا ، و كان قد سمع الأحاديث ، و كان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة ، و هو أبو الحسن ، كان يغسل الأموات ، و ولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام ، و دفع إلى أبي محمّد حجّة يحج بها عن صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، و كان ذلك عادة الشيعة وقتئذ ، فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد ، و خرج إلى الحج .
فلمّا عاد حكى أنّه كان واقفاً بالموقف ، فرأى إلى جانبه شاباً حسن الوجه أسمر اللون بذؤابتين مقبلاً على شأنه في الدعاء و الابتهال و التضرّع و حسن العمل ، فلمّا قرب نفر الناس التفت إلي ، و قال : ( يا شيخ ما تستحي ؟ ) ، قلت : من أي شيء يا سيّدي ؟ ، قال : ( يدفع إليك حجّة عمّن تعلم ، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر ، يوشك أن تذهب عينك هذه ) ، و أومأ إلى عيني ، و أنا من ذلك إلى الآن على و جل و مخافة . و سمع أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ذلك قال : فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده ، حتّى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت ) .
source : تبیان