1 _ إن في رواياتنا أن حكومة المهدي عليه السلام ستكون حكومة دواء، أي لا يأخذ بهذه القواعد والأحكام الظاهرية، وإنما يحكم طبق الواقع.(1)
ففي الرواية: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (2)).(3)
وعنه عليه السلام قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان, ولا يسأل بينة) (4).(5)
2 _ إن أنصار المهدي وأعوانه هم أسد في النهار رهبان في الليل، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، أسماؤهم في الأرض مجهولة قد دنا حينئذٍ ظهورهم.
فعن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء: أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين وولي الأمر خير أمّة محمّد فالحقوا بمكّة، فيخرج النجباء من مصر, والأبدال من الشام, وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام... ).(6)
وروى الحاكم بإسناده عن محمّد بن الحنفية قال: كنّا عند عليّ رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي, فقال عليّ رضي الله عنه: (هيهات, ثمّ عقد بيده سبعاً), فقال: (ذاك يخرج في آخر الزمان, إذا قال الرجل: الله الله قتل, فيجمع الله تعالى له قوماً قزع(7) كقزع السحاب, يؤلف الله بين قلوبهم, لا يستوحشون إلى أحد, ولا يفرحون بأحد, يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر, لم يسبقهم الأوّلون, ولا يدركهم الآخرون, وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر... ).(8)
وروى المدائني في كتاب (صفين)، قال: خطب عليّ عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان، فذكر طرفاً من الملاحم، قال: (... فيا ابن خيرة الإماء، متى تنتظر! أبشر بنصر قريب من رب رحيم. ألا فويل للمتكبرين، عند حصاد الحاصدين، وقتل الفاسقين. عصاة ذي العرش العظيم، فبأبي وأمى من عِدّة قليلة! أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذٍ ظهورهم، ولو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم ونوائب زمانكم، وبلايا أيامكم، وغمرات ساعاتكم... ).(9)
والمستفاد: أن أسماءهم مجهولة، فلا مجال لتطبيقهم على مصاديق خارجية، ومن الانحراف المبادرة إلى عملية التطبيق. فهي كالتوقيت منهي عنها وإساءة لها.
3 _ الملائكة من أعوان المهدي وأنصاره أيضاً.
في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فلو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يأتيهم رجل من أهل بيتي، تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام).(10)
وفي آخر: (المهدي يبايع بين الركن والمقام, ويخرج متوجها إلى الشام وجبرئيل على مقدمته, وميكائيل على ساقته... ).(11)
4 _ الإمام يثبّت الواقع العالمي ويفكك فساده بنفس الأدوات التي تؤمن بها المجتمعات.
5 _ الكوفة عاصمة له كجده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: (يا أبا محمّد, كأني أرى نزول القائم بأهله وعياله في مسجد السهلة), قلت: أيكون منزله؟ قال: (نعم، كان فيه منزل إدريس، ومنزل إبراهيم، وما بعث الله نبياً إلاّ وقد صلى فيه، وفيه مسكن الخضر، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... )، إلى أن قال: (أزيدك؟)، قلت: نعم، قال: (هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة يزورون هذا المسجد يعبدون الله فيه، أما أني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلاّ فيه، يا أبا محمّد: لو لم يكن من الفضل إلاّ نزول الملائكة والأنبياء فيه، لكان كثيراً فكيف وهذا الفضل وما لم أصف لك أكثر)، قلت: جعلت فداك لا يزال القائم عليه السلام فيه أبداً؟ قال: (نعم), قلت: فمن بعده؟ قال: (هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق).(12)
الإساءة إلى فكرة المهدي عليه السلام:
فقد ورد عن عليّ بن عاصم, عن عطاء بن السائب, عن أبيه, عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتّى يخرج المهدي من ولدي, ولا يخرج المهدي حتّى يخرج ستون كذاباً كلهم يقول أنا نبي).(13)
وورد عن الحسن بن الوشاء, عن أحمد بن عائد, عن أبي خديجة, عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم, كلهم يدعو إلى نفسه).(14)
نعم. قد أسيء للفكرة المهدوية على مرّ التاريخ من أصحاب الهوى وعباد النفس، بين مدعى أنه المهدي, وبين مدعي النيابة والبابية، وبين الارتباط النسبي, وبين اللقاءات الخاصة.
ولنا أن نصنف هؤلاء أنهم مغفّلون وضالّون في عصر الغيبة, فمنهم:
1 _ أحمد بن هلال الكرخي, كان من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام, وبعد وفاته عليه السلام وتقليد محمّد بن عثمان النيابة عن الإمام المنتظر عليه السلام حسده على ذلك. وقد خرج توقيع بلعنه.(15)
2 _ الحسن الشريعي, كان من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام, إلاّ أنه ادّعى لنفسه النيابة عن الإمام، ونسب إلى الأئمّة الطاهرين ما لا يليق بهم، ثمّ كفر. وخرج توقيع بلعنه.(16)
3 _ الحسن بن منصور الحلاج, ادّعى النيابة عن الإمام المنتظر، وأخذ يراسل أعيان الشيعة بذلك, فراسل أبا سهل النوبختي, وأراد منه الانضمام إليه, ووعده بما يريد من المال, فقال النوبختي: إني رجل أحب الجواري وأصبوا إليهنّ، ولكن الشيب يبعدني عنهنّ, وأحتاج أن أخضب في كل جمعة، ولكني أتحمل بذلك مشقة، وأريد أن تعينني عن الخضاب وتجعل لحيتي سوداء، فبهت الحلاج وانتشرت قصته وصار اُضحوكة الجميع.(17)
4 _ محمّد بن عليّ الشلمغاني (ابن أبي العزاقر), كان مستقيم الطريق، حمله الحسد فترك مذهبه واعتنق المذاهب الرديئة، وكان من مذهبه ترك العبادات كلها وإباحة الفروج من ذوي الرحم, وأنه لا بدّ للفاضل أن ينكح المفضول ليولج منه النور. وقد خرج التوقيع بالبراءة منه والتكفير.(18)
5 _ محمّد بن نصير النميري, من أصحاب العسكري عليه السلام, فلما توفي الإمام، ادّعى أنه نائب الإمام. وفضحه أصحاب الإمام العسكري عليه السلام، بل فضحه الله بما ظهر منه من الإلحاد والجهل. وقد لعنه محمّد بن عثمان العمري وتبرأ منه واحتجب عنه، فبلغه ذلك فقصد محمّد بن عثمان ليعطف بقلبه عليه، أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً، وكان يقول بالتناسخ, ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول له بالربوبية، ويقول بالإباحة بالمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل في المفعول به، وإنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات.(19)
6 _ أبو طاهر محمّد بن عليّ بن بلال, وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري نضر الله وجهه وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها, وادعاؤه أنه الوكيل, حتّى تبرأت الجماعة منه ولعنوه, وخرج من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف.(20)
7 _ أحمد بن أبي الحسن, وهو وارث النميري.
لما اعتل محمّد بن نصير العلة التي توفي فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد، فلم يدروا من هو, فافترقوا بعده ثلاث فرق، قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمّد بن موسى بن الفرات، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسن بن بشر بن يزيد، فتفرقوا, فلا يرجعون إلى شيء.(21)
كما إن هناك فِرقاً أخرى حتّى قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام, منها:
1 _ الكيسانية: ادّعت أن محمّد بن الحنفية هو المهدي الغائب.
ينقل الشيخ الصدوق عن السيد الحميري قوله: كنت أقول بالغلو، وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ (ابن حنيفة) قد ضللت في ذلك زماناً فمَنّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمّد.(22)
2 _ المغيرية: ادّعت أن محمّد بن عبد الله بن الحسن هو المهدي الغائب.(23)
3 _ الناووسية: ادّعت أن الصادق عليه السلام هو المهدي.(24)
4 _ الواقفية: ادّعت أن موسى بن جعفر عليه السلام هو المهدي.(25)
5 _ الباقرية: ادّعت أن الباقر هو المهدي.(26)
6 _ المحمّدية: ادّعت أن محمّد بن عليّ العسكري عليه السلام هو المهدي.(27)
7 _ الشمطية: وتدّعي هذه الفرقة إن أبا عبد الله الصادق عليه السلام توفي وكان الإمام بعده محمّد بن جعفر واعتلوا في ذلك بحديث تعلقوا به، وهو أن أبا عبد الله عليه السلام على ما زعموا كان في داره جالساً فدخل عليه محمّد وهو صبي صغير فعدا إليه فكبا في قميصه ووقع لوجهه، فقام إليه أبو عبد الله عليه السلام فقبّله ومسح التراب عن وجهه وضمه إلى صدره, وقال: سمعت أبي يقول: (إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي، وهذا الولد شبيهي وشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى سنته وشبيه عليّ عليه السلام )، وهذه الفرقة تسمى الشمطية بنسبتها إلى رجل يقال له يحيى بن أبي الشمط.(28)
8 _ المباركية: وهم فرقة من الإسماعيلية, قالوا بإمامة محمّد بن إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام, وهو الإمام القائم المهدي, وهو حي لم يمت.(29)
ويذكر لنا التاريخ من ادّعاها في الغيبة الكبرى فنذكر على سبيل المثال لا الحصر:
1 _ مهدي تهامه: ظهر في اليمن، واتّبعه فريق من الأعراب واستطاع القضاء على دولة الحمدانيين في صنعاء، وعلى دولة النجاحية وأعقبه حفيده عبد النبي.
2 _ مؤسس الدولة الفاطمية عبد الله ادّعى أنه المهدي.(30)
3 _ مؤسس دولة الموحدين محمّد بن تومرت ادّعى أنه المهدي, وذلك في سنة (471هـ).(31)
4 _ ظهر في أيام الدولة المرينية بفاس رجل يدّعى التويزري واجتمع حوله رؤساء صنهاجة.(32)
5 _ قام رجل اسمه العبّاس (690هـ) في نواحي الريف من المغرب.(33)
وهناك نماذج في عصورنا الحديثة أمثال:
1 _ مهدي السودان حسني من جهة الأب، عبّاسي من جهة الأم. قصده أحد المنجمين فخر على الأرض، فسُئل, فقال: تطرق أنوار المهدية على وجهه، وقد أذاع أحد مشايخ السودان ظهور المهدي وعلامته أنه سوف يشيّد قبة على ضريحي ويختن أولادي وبعد وفاته, فقام المهدي بكلا الأمرين, وكانت بداية الدعوة (1881م), وقام بالدعوة تلامذته الذين كان يغدق عليهم المال، مما سبب تهالكهم للدعوة إليه، وقال في رسالة له:
من العبد المفتقر إلى الله محمّد المهدي بن عبد الله إلى أحبائه المؤمنين بالله وبكتابه.
أما بعد... فلا يخفى تغير الزمن وترك السنن, ولا يرضى بذلك ذوو الإيمان والفطن، بل أحق أن يترك لذلك الأوطار والوطن لإقامة الدين والسنن، ولا يتوانى عن ذلك عاقل، لأن غيرة الإسلام للمؤمن تجبره... ثمّ أحبائي كما أراد الله في أزله وقضائه بالخلافة الكبرى من الله ورسوله, وأخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وآله وسلم بأني المهدي المنتظر، ثمّ أخبرني سيد الوجود بأن الله جعل لي على المهدية علامة وهي الخال على خدي الأيمن, وكذلك جعل لي علامة أخرى: تخرج راية من نور وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل عليه السلام.. وجاء في الأثر: إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم. وجاء في بعض كتبه القديمة: لا تسأل عنّي عالماً أسكره حب الدنيا فيصدك عن طريق محبتي, فأولئك قطاع الطريق.
وأنقذني من النار وهداني إلى سواء الطريق، وأمرني أن أكاتب بها جميع المكلفين أمراً عاماً, فكاتبنا بذلك الأمراء ومشايخ الدين, فأنكر الأشقياء, وصدّق الصديقون، وأخبرني سيد الوجود بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله. وأنا خالٍ من الموانع الشرعية, لا بنوم, ولا سكر, ولا جنونٌ، بل متصف بصفات العقل, أقفوا أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وخاض معارك فاز فيها وانقادت السودان كلها للمهدي, وأظهر عداءه للانكليز.(34)
2 _ مهدي السنغال: في سنة (1828م) ظهر في السنغال رجل ادّعى أنه المهدي المنتظر, ورفع راية الثورة على الحكم القائم, إلاّ أنه فشل وقتل.(35)
3 _ مهدي السوس (إحدى قرى مدن المغرب العربي): وتبعه كثيرون من الغوغاء, وقبل أن يتم دعوته وينشر مبادئه وأهدافه قتل غيلة.(36)
4 _ مهدي الصومال: ادّعى محمّد بن عبد الله أنه الإمام المنتظر وذلك في سنة (1899م), وكانت له نفوذ واسعة في قبيلته (أوجادين), وقد حارب البريطانيين والإيطاليين والأحباش ما يقارب (20) عاماً حتّى توفى سنة (1920م).(37)
5 _ ثورة عراج بمصر. ظهر رجل في السودان اسمه جاسم محمّد أحمد سنة (1300) ادّعى أنه المهدي.
6 _ القاديانية: كان القادياني مضطرب الأفكار مبتلى بأنواع من الأمراض والأسقام، كما كان يعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية، وكان مثل هذا الرجل صالحاً لأن يقع فريسة في أيدي الانكليز، وقد تظاهر الرجل في أوّل أمره بالدفاع عن الإسلام، وحاز ثقة كثير من العامة والخاصة، ولكنه لم يلبث أن أعلن عام (1885م) أنه مجدد للإسلام، وفي سنة (1891م) ادّعى أنه المهدي الموعود، وقد ألّف عدة كتب سمى نفسه فيها مهدياً (حقيقة المهدي، لوح المهدي) ولما مات ألّف ابنه بشير أحمد سيرة أبيه وسماه سيرة المهدي، وكذلك ألّف أحد أتباعه (محمّد حسين القادياني) كتاب المهدي، وقد تنبأ هذا المسكين تنبؤات لا تعد ولا تحصى وادّعى المباهلة.
وأخيراً من الصعب جداً إحصاء عدد الذين ادّعوا المهدوية في التاريخ الإسلامي. ولكن كثيراً منهم لم يحالفهم الحظ فانتهت دعوتهم عليهم أو على بعض الأتباع الخاملين، ولم تحصل لهم قوة ولا شوكة فبقيت أمانيهم وأحلامهم مدفونة في صدورهم، ولذلك لم ينعكس في التاريخ, فمنها:
البابية: التي ظهرت في كربلاء (1253هـ) من قبل محمّد عليّ باب بن ميرزا رضا البزاز الشيرازي. فإن محمّداً كان فتى جاهلاً لم يكن يعرف من العلم شيئاً ولا يفقه ماذا يقول، ولكنه كان ميّالاً إلى الغلو في الزهد والعبادة، فاستغله الملا حسن البشروني أحد تلاميذ كاظم الرشتي. وكان هذا البشروني على اتصال وثيق مع أحد الجواسيس الروسيين في السفارة الروسية في إيران ويسمى كتبازد الكوركي، وكان البشروني يواصل الاجتماع مع هذا الشاب المغتر وأصبح يوصي إليه أنه سيكون له شأن وأن ظهور المهدي قد دنى أجله، حتّى أعلن عليّ محمّد الشيرازي (1260هـ) أنه باب المهدي المنتظر. وكان في الخامسة والعشرين من عمره ونصب البشروني نفسه باباً للباب. ولم تمض مدة طويلة حتّى سول له البشروني أن يعلن بأنه هو المهدي المنتظر ثمّ سجن الباب في ماكو. واجتمع جماعته في الصحراء وقرروا فيه نسخ دين الإسلام وشيوع الوراة والمال وإلغاء التكليف. وعرضت قراراتهم على الباب في سجنه فوافقهم. (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي)، وبعد موته انقسم البابيون إلى فريقين:
1 _ أتباع يحيى عليّ المازندراني الملقب (بصبح أزل).
2 _ آخرون اتبعوا حسين عليّ الملقب ببهاء الدين الذي بسببه نشأت البهائية.
محمّد بن عبد الله القرشي حيث سيطر أنصاره على الحرم المكّي، وأذاع معاونه جهيمان من داخله بياناً دعا فيه المسلمين إلى بيعة القرشي، وقد استمر احتلالهم للحرم أياماً ولم تستطع الحكومة السعودية أن تتغلب عليهم إلاّ بعد أن استدعت فرقة كوماندوز خاصة من فرنسا.
وغيرهم مما لا يتسع البحث لذكرهم...
وهناك ضالون مدعون أنهم المهدي (كما في قضية عمر بن عبد العزيز) أو مدعون أنهم هم النفس الزكية، أو مدعون كونهم اليماني، أو أصحاب الرايات السود.
فإن كل هذه العناوين حقّة. إنما التحفظ في تطبيقها على أزمنة خاصة، أو أفراد معينين. والتاريخ شاهد صدقٍ على الإساءة في عالم التطبيق.
مناشيء الادّعات الباطلة:
تنشأ هذه الظواهر المغرضة إما في المجتمع المفلس والمضطهد من نير الظلم والفقر والاضطهاد والاحتلال، وعدم وجود الملجأ والمأوى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى القائد يريد لنفسه المشروعية وكثرة النصرة وتسكين ما سيحل عليهم من أضرار المواجهة، فيتوسل بمثل هذه الدعاوى. لأن هذه الدعاوى بشكل عام تجر نفعاً لأصحابها، فتكون الدعاوى دكاناً للتكسب وتحصيل الوجاهة، سيما إذا كان أصحابها نكرات أو أصحاب أمراض نفسية، وإما إن هذه الدعاوى حركات مسيّسة يدفعها الحبر السحري. فالساسة يختلقون هذه الحركات لشغل المسلمين بينهم ولتمزيق صف الأمّة، وإما لتحصيل الورقة الخضراء للتسويغ في ارتكاب المعاصي والمحرمات، وكيفما كان فإن أدلة هذه الدعاوى تتراوح بين:
1 _ الاستعانة بالتراث غير الثابت والأدلة الواهية.
2 _ أو الاعتماد على بعض العلامات العامة المذكورة في الروايات والسعي إلى تطبيقها، كما مرّ علينا في دعوى مهدي السودان.
3 _ أو التعويل على العلوم الغريبة والمبهمات والفنون الشاذة المحرمة بنظر الشرع.
4 _ أو محاربة العلماء وطريقتهم، والإستعانة بالطرق الروحية الصوفية الهندوسية.
5 _ أو إقامة الأدلة السطحية التي تنطلي على جمع من البشر، إذ ما من مدع إلاّ وله أدلة، لاسيّما أدلة الكشف والشهود والمنامات والإلهامات. وتكون تلك الأدلة قريبة (بالنظر الأولي غير الفاحص) إلى أدلة الأنبياء والأوصياء. ومن هنا يقيسون أدلتهم على أدلة الأنبياء والأوصياء، وإن الطعن في أدلتهم طعن في أدلة الأنبياء والأوصياء، لكن بالنظر الفاحص والرجوع إلى المتخصص يظهر البون الشاسع بين الدليلين، وعليه لا بدّ من مواكبة المتخصص والتعويل عليه للتشخيص والتطبيق في كل خطوات الدليل.
ألم يدّع الربوبية؟ ألم يقم الدليل على ذلك؟ ألم يكن هناك أنصار لها؟ فإن الهمج الرعاء ينعقون مع كل ناعق، ألم يسجل التاريخ آلاف الدعاوى الفاسدة والمذاهب الضالة؟ فليس بغريب دعوى المهدوية أو البابية أو المهديون أو نحو ذلك. وإن الموجب لتلك الدعاوى هو الموجب لهذه الدعاوى، وإن المعالج لتلك الدعاوى هو المعالج لمثل هذه الدعاوى.
نتائج البحث:
1 _ لا شك في وجود الدعاوى الباطلة والواهية. وهي ليست بقليلة وصدرت في مختلف الأماكن والأزمان، ولم يمر زمن إلاّ وفيه دعاوى باطلة. وليست ظاهرة الإنحراف مستحدثة، بل هي موجودة على مر الأزمان، كما أنه لا شك في أن أصحاب هذه الدعاوى لكسب المقبولة يتشبثون بالأدلة والاستعانة بظاهرة الترغيب والترهيب. وقد عالج أهل البيت عليهم السلام هذا الإنحراف بإرجاع الأمّة والقواعد الجماهيرية إلى العلماء الرواة.
وبكلمة إن الذين أوصلوا لنا روايات أهل البيت عليهم السلام في ظاهرة الإمام المهدي هم الذين حدّثونا عن معالجات فترة الغيبة الكبرى، وهم الذين قالوا: (المفيد الحق عندنا أن كل من ادّعى بعد السمري البابية فهو ضال كافر. وهذا هو قول جعفر بن محمّد بن قولوية)(38)... وغيرهم.
وهم الذين نقلوا لنا رواية: (من ادعى الرؤية في زمن الغيبة الكبرى فلا تصدقوه).(39) وورد: (ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر).
وحينئذٍ كيف يمكن الجمع بين هذه الرواية وبين ما هو المسجل في أسفار القوم من التشرف برؤية الإمام.
الجمع الأوّل إن المقصود من الرؤية مع السفارة والنيابة، أي من ادّعى الرؤيا على سبيل النيابة الخاصة فلا تصدقوه، لأن المفروض أنه في زمن الغيبة الكبرى لا توجد نيابة شخصية، نعم الثابت النيابة العامة لقوله عليه السلام: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وإنا حجة الله).
2 _ إن المقصود بالرؤية التي يراد منها ترتيب آثار معينة على قول الرائي، لأن هذا أمر مشكل، وهو أن يأتي إنسان فيقول: رأيت الإمام عليه السلام وقال لي: كذا. فإنا إذا فتحنا الباب أمام هذا المعنى يعني أن نصدق كل من يدعي الرؤية. فإن ذلك يولد إرباكاً كبيراً في العقائد وفي الأحكام ومن هنا ذكر العرفاء إن مدعي المكاشفة لا يصدق، بل كما أن العلوم الحصولية بحاجة إلى ميزان لصحتها، كذلك العلوم الحضورية لا بدّ لها من ميزان على صحتها. وهكذا الكلام في مدعي الرؤية وإلاّ لزم التناقض. فإن مدعي الرؤية يدعون أحياناً التكاذب والتكفير والقتل. فالمتحصل إن المقصود من النائب في زماننا هو عبارة عن الفقيه العادل الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الإمام عليه السلام في تبليغ أحكام الدين، وفي إدارة شؤون المسلمين وحفظ بيضة الإسلام، ولا يحق للنائب أن ينقل عن الإمام مباشرة. ولا يوجد عندنا نائب اليوم من النواب ينقل مباشرة عن الإمام، وإنما نرى علماءنا من بداية عصر الغيبة إلى يومنا يدعون الإجماع والاتفاق على نفي النيابة الخاصة في عصر الغيبة الكبرى.
هذا هو المستفاد من الروايات حسب الرؤية المذهبية وما سوى ذلك لم يثبت أنه من المذهب.
* * *
مصادر التحقيق
القرآن الكريم.
الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ مط دار النعمان.
الاختصاص: المفيد/ ت عليّ أكبر غفاري، محمود الزرندي/ ط2.
الإرشاد: المفيد/ ت مؤسسة آل البيت/ ط2/ 1414هـ .
أعيان الشيعة: محسن الأمين/ ت حسن الأمين/ دار التعارف/ بيروت.
الأمالي: الطوسي/ مؤسسة البعثة/ ط1/ 1414هـ .
بحار الأنوار: المجلسي/ مؤسسة الوفاء/ ط2/ 1403هـ .
البداية والنهاية: ابن كثير/ ت عليّ شيري/ ط1/ 1408هـ .
تاريخ ابن خلدون: ابن خلدون/ ط 4/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي/ ت مصطفى عبد القادر/ 1417هـ .
تاريخ دمشق: ابن عساكر/ دار الفكر/ ط1/ 1415هـ .
تهذيب الكمال: المزي/ ت بشار عواد معروف/ ط 4/ 1406هـ .
الخصال: الصدوق/ ت عليّ أكبر غفاري/ جماعة المدرسين/ 1403هـ .
سنن أبي داود: ابن الشعث السجستاني/ دار الفكر/ ط1/ 1410هـ .
سنن ابن ماجة: ابن ماجة/ ت محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر.
سنن الترمذي: الترمذي/ دار الفكر/ ط2/ 1403هـ .
سنن الدار قطني: الدار قطني/ ت مجدي بن منصور/ ط1/ 1417هـ .
شرح التجريد: العلامة الحلي/ ط4/ انشارات شكوري.
صحيح البخاري: البخاري/ دار الفكر/ ط1/ 1411هـ .
صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
الصواعق المحرقة: ابن حجر العسقلاني.
الغيبة: الطوسي/ مؤسسة المعراف الإسلاميّة/ ط1/ 1411هـ .
غيبة النعماني: النعماني/ ت فارس حسون/ ط1/ 1422هـ .
الفصول المختارة: المرتضى/ ت نور الدين الاصبهاني/ ط2/ 1414هـ .
الكافي: الكليني/ ت عليّ أكبر غفاري/ ط3/ 1388هـ .
كمال الدين وتمام النعمة: الصدوق/ ت عليّ أكبر غفاري/ ط1/ 1405هـ
الكنى والألقاب: عبّاس القمي/ مط الصدر/ طهران.
كنز العمال: المتقي الهندي.
المستدرك: النوري الطبري/ مؤسسة آل البيت/ ط2/ 1408هـ .
المستدرك: الحاكم النيسابوري/ ت يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي/ ت حسين سليم أسد/ دار المأمون.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار صادر/ بيروت.
المعجم الأوسط: الطبراني/ ت دار الحرمين/ ط1/ 1415هـ .
المعجم الكبير: الطبراني/ دار إحياء التراث العربي/ ط2/ القاهرة.
منتخب الأثر: لطف الله الصافي الكلبايكاني.
منتهى المقال: باقر شريف القرشي/ ط1/ 1417هـ/ مط أمير.
* * *
الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------
(1) محاضرات في الإعتقاد للميلاني:1.
(2) الحجر: 75.
(3) الإرشاد 2: 386.
(4) الكافي 1: 379/ باب أن الأئمّة عليهم السلام إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة...
(5) وما يقال من أن الإمام لماذا لم يحكم بحكم الإسلام وإنما يحكم بحكم داود وسليمان فمردود لأن إثبات شيء لشيء لا يدل نفيه عما عداه بل قد أكدنا سابقاً على أن الإمام يحكم بسُنّة الرسول ويجيء معالم الدين الإسلامي لا أنه يأتي بشريعة ودين جديد وأما لماذا لا يسأل عن البينة فلأن البينة إمارة شرعية تعبدية ظاهرية عند انسداد باب معرفة الواقع ومع تكامل العلوم وازدياد الشواهد والقرائن لا تصل النوبة إلى البينة بل يمكن معرفة الواقع عن طرق علمية للتكامل العلمي وسعته كما كان عليه في زمن داود وسليمان.
(6) الاختصاص: 209.
(7) القزع: القطع من السحاب.
(8) المستدرك 4: 554.
(9) كتاب صفين للمدائني, على ما في ينابيع المودة 3: 434.
(10) تحفة الأشراف 9: 428؛ العطر الوردي: 65 عن الترمذي, على ما في معجم أحاديث المهدي 1: 156/ ح 84 .
(11) العطر الوردي: 64، على ما في معجم أحاديث المهدي 1: 504/ ح345.
(12) فضل الكوفة ومساجدها: 43؛ بحار الأنوار 97: 436.
(13) الإرشاد 2: 371؛ إعلام الورى 2: 279.
(14) الإرشاد 2: 372.
(15) راجع: غيبة الطوسي: 399.
(16) راجع: غيبة الطوسي: 397.
(17) راجع: غيبة الطوسي: 402.
(18) راجع: الكنى والألقاب 2: 366؛ وراجع المعجم الموضوعي: 1062.
(19) راجع: غيبة الطوسي: 398.
(20) بحار الأنوار 51: 369.
(21) راجع: غيبة الطوسي: 399، وقد قال الطوسي في 351: (فأما المذمومون منهم فجماعة فروى عليّ بن إبراهيم بن هاشم...) وهذا النص فيه دلالة وجود أشخاص من الطبقة الحاكمة أو الغنية كآل فرات وآل بسطان وقد يكون بعضهم مغروراً به وقد يكون بعضهم مدفوعاً عن السلطة لتأييد حركة الانحراف والكفر وأيضاً يدل على أن الإمام شجب الحركات الانحرافية وأن جمهور الشيعية كانوا يمتثلون أمره بمجرد أن يبلغهم من سفيره المعتمد ويدل أن علماء كانوا يطالبون المعجزة من المدعين.
(22) راجع: كمال الدين: 33.
(23) فرق الشيعة: 71.
(24) راجع: غيبة الطوسي: 21.
(25) راجع: فرق الشيعة: 89.
(26) راجع: تهذيب الكمال 2: 418.
(27) راجع: غيبة الطوسي: 198.
(28) راجع: الفصول المختارة: 306.
(29) راجع: غيبة الطوسي: 322.
(30) راجع: البداية والنهاية لابن كثير 11: 203.
(31) راجع المنار المنيف: 153.
(32) مقدمة ابن خلدون: 260.
(33) المصدر السابق.
(34) حياة الإمام المهدي/ باقر شريف القرشي: 139.
(35) المصدر السابق.
(36) المصدر السابق.
(37) المصدر السابق.
(38) منتهى المقال 7: 489.
(39) كمال الدين.