غدا لهمُ بيتاً به برهةً قرّوا
وما شرّف السرداب إلا لأنه
لترفَع إجلالاً ويُتلى بها الذكر
وهم في بيوت ربُّها آذنٌ لها
السرداب في اللغة:
بيت يُتّخذ تحت الأرض لغرض تبريد الماء وغيره ( فتح القدير)
المكان الضيق يُدخل فيه والجمع سراديب (البحر الرائق)
السرداب في سامراء:
إن سبب تعظيم الشيعة لهذا السرداب الموجود في سامراء هو كونه سرداب الدار التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر، وهم الإمام علي بن محمد الهادي وولده الإمام الحسن بن علي العسكري وولده الإمام المهدي عليهم السلام وتشرّف بسكناهم فيه وجرت لهم فيه الكرامات والمعجزات،ولذلك تتبرّك الشيعة وتصلّي لربها فيه وتدعوه وتطلب منه حوائجها طلباً لبركته بسكنى آل رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وتشريفهم له، وليس في الشيعة من يعتقد أن المهدي عليه السلام موجود في السرداب أو غائب فيه كما يرميهم به من يريد التشنيع وينسب إليهم في ذلك أموراً لا حقيقة لها، مثل أنهم يجتمعون كلّ جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول وينادون <أُخرج إلينا يا مولانا> فإن هذا كذب وافتراء، حتى أن بعض من ذكر ذلك قال أنه بالحلة مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة. وبالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة إلاّ تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام فيه كما مرّ عليك وهذا الأمر لا يختصّ بالشيعة في تبركهم بالأمكنة الشريفة، فليتّق اللهَ المرجفون.
وهب أن الإمام عليه السلام لم يولد في هذا المكان الشريف، أترانا نترك تعظيم هذا المكان؟ أو ليس هو موضع لسكنى الإمامين العسكريين عليهما السلام؟ فهذه دار عليٌ عليه السلام في الكوفة، وهذا مقام إبراهيم عليه السلام الذي أُتخذ مصلّى، وهذا أثر قدم في نيشابور يُنسب للإمام علي الرضا عليه السلام فترى الرحال تشدّ إلى تلك الأمكنة الطاهرة.
وللناس فيما يعشقون مذاهب
ومن مذهبي حبّ الديار لأهلها
السرداب المقدّس في التاريخ:
أولاً: 3 رجب/ 254 هـ قُبض أبو الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام بالسم الذي دسّه له المعتز العباسي، ودفن عليه السلام في داره فكان عمره يوم وفاته 42 سنة، وعمر ولده الحسن يوم وفاة أبيه 22 سنة، باعتبار أنه وُلد صلوات الله عليه سنة 232 هـ، وخرج مع أبيه لسامراء وعمره حينئذ 4 سنوات وأشهر، فبعد هذه التواريخ كلها يكون سكن الإمام الهادي عليه السلام في تلك الدار 18 سنة، وسكن الإمام العسكري عليه السلام فيها مدّة 23 سنة وأشهر، وتزوج الامام الحسن العسكري عليه السلام في حياة أبيه صلوات الله عليه من نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وولدت له في 15 شعبان من سنة 255 هـ الإمام المهدي صلوات الله عليه فهو ابن ملوك الدنيا والآخرة، وكانت قد ولدته في ذلك السرداب المنيف ضمن دار الائمة عليهم السلام، وقد رآه في تلك الدار عدة من أصحاب أبيه،وكانت الرؤية تلك في حياة أبيه عليه السلام.
ثانياً: في 8 شهر ربيع الأول سنة 260 هـ قُبض أبو محمد الإمام العسكري عليه السلام وكان قد سمّه الخليفة المعتمد العباسي ودُفن في داره مع أبيه، وفي تلك الأيام هُجم على دار الأئمة عليهم السلام وحُبست الجواري والعبيد وذلك بسعاية بعض الناس للبحث عن الإمام المهدي عليه السلام،فلم يجدوا له أثراً ولا عيناً.
ثالثاً: في سنة 279 هـ هُدمت سامراء وخربت وانتقلت الخلافة إلى بغداد.
وباعتبار أن أصل السرداب من الدار فلنأتِ على ذكر من عمر الضريح والدار: فأول من عمرها هو ناصر الدولة الحمداني سنة 333 هـ ـ 944 م فقد شيّد الدار والجدث وكلّل الضريح بالستور وحاط سر من رأى بسور،وبنى على الضريحين قبة، فلقد وردت في زيارة العسكريين عليه السلام عبارة (تقول بعد الغسل إن وصلت إلى قبريهما، وإلاّ أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع) فكان الزائر لا يتمكّن من الاقتراب من القبر ويصلّي الصلاة في المسجد، وقد اهتمّ الشيعة الموالون فنسفوا الدار، وشيدوا في موضعها القبة والحرم والرواق والأيوان فأصبح مسجدهم داخل الحرم الشريف، فلمّا كانت أيام الدولة البويهية أنفق معز الدولة ثالث ملوكهم أموالاً جزيلة لمواصلة تعمير قبة العسكريين عليهما السلام وسرداب الغيبة، وجعل لضريحيهما صندوقاً، وملأ الحوض الذي كان داخل السرداب بالتراب إذ صار كالبئر إذ كان الناس يأخذون التراب منه للبركة، وذلك أن العسكري عليه السلام كان يتوضّأ منه وكان ذلك سنة 337، ثم جددت هذه العمارة سنة 368 هـ على يد ابن أخيه عضد الدولة البويهي، ثم ترك الأمير أرسلان بغداد، وحل في تكريت، وعمّر القبة والضريح وعمل الصندوق من الساج وجعل الرمان فيه من ذهب وذلك في سنة 445هـ، ثم جدّد الملك بركيا روق السلجوقي الأبواب، وسيّج الروضة، ورمّم القبة والرواق والصحن والدار على يد الوزير مجد الدولة.
وفي سنة (606هـ ـ 1210م) قام أبو العباس الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد العباسي المتوفى سنة (622هـ/ 1225م) بتعمير القبة فوق الضريحين، وتزيين الروضة الشريفة من الداخل، وبناء مئذنتين وتجديد بناء سرداب دار الإمام وكتابة أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وابنته الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام على باب خشبي من داخله في شباك، وضعه على صفة (سقيفة) في آخر السرداب، والباب لا يزال موجوداً إلى أيامنا سنة ست وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة، ولا يزال على درجة من الامتياز، ويعدّ حقاً من نفائس الآثار، مع أنه بعد هذا الزمن المديد ومع مرور الدهور لم يكن موضع اهتمام ومراقبة، وقد احترقت مواضع منه بالشمع والقناديل، فما يزال كأثمن الجواهر توهّجاً وإشراقاً، وقد كتب عليه ما هذا نصه (بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض طاعته على جميع الأنام أبو العباس أحمد الناصر لدين الله المبين، أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين الذي طبّق البلاد إحسانه وعدله، وغمر البلاد برّه وفضله، قرن الله أوامره الشريفة بالنجح والنشر، وجنوده بالتأييد والنصر، وجعل لأيامه المخلدة جداً لا يكبو جواده، ولرايته الممجدة سعداً لا يخبو زناده، في عز تخضع له الأقدار فتطيعه عواصيها، وملك تخشع له الملوك فتملّكه نواصيها، وبتولي المولوي الحسين بن سعد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلدة ويتمنى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤيدة استجاب الله دعوته في أيامه الشريفة السنية من سنة ست وستمئة الهلالية) هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد رحمه الله.
وفي سنة (639هـ / 1242م) وعند استيلاء أبي الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري على بغداد قام بتعمير وبناء مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام ووضع صندوقين من الخشب على ضريحي الإمامين عليهما السلام. وفي سنة 640 هـ / 1243 م شب حريق داخل روضة الإمامين عليهما السلام فأتى الحريق على الفرش، واحترق الصندوقان اللذان أهداهما البساسيري، فأمر المستنصر بالله العباسي باستبدال صندوقين من الخشب الساج بالصندوقين المحترقين، كما أوعز بعمارة المشهد الشريف والروضة المباركة وإزالة ما أصابها من آثار الحريق، وكان المستنصر قد كلف السيد جمال الدين أحمد بن طاووس أن يتولى الإشراف على أعمال البناء والصيانة، وفي سنة (750هـ/ 1349م) قام الأمير أبو أويس الشيخ حسن الجلائري بتزيين الضريح الساجي وشيد القبة والدار، وفي (1106هـ ـ 1695م) وقع حريق في داخل الروضة المشرفة نتيجة ترك الخدم لسراج موقد في مكان صندوقي المرقدين والأبواب وجعلت كل شيء رميماً، وحدثت من جراء ذلك الحريق فتنة طائفية. فعمر الروضة الشاه حسين بن سليمان الصفوي المتوفى سنة (1142هـ)، ودخلت سنة (1200هـ/ 1786م) فتصدّى الملك المؤيد الشهيد أحمد خان الدنبلي أحد أمراء خوي في آذر بايجان لعمارة المشهد المقدس، وكلّف أحد علماء الوقت وأفاضلهم ـ وهو الميرزا محمد رفيع السلماسي ـ لتولي الإشراف على نفقات عمليات الصيانة والتعمير والبناء وبعد رصد المبالغ اللازمة شرع بعمارة الروضة والسرداب بالحجر الصوان والرخام، وقد كان للسرداب مدخلٌ خلف القبر عند مرقد السيدة نرجس ولعلّه الآن واقع في الرواق، فكان ينحدر إلى مسلك مظلم طويل ينتهي بباب يفتح وسط سرداب الغيبة فردم ذلك المدخل وجعل للسرداب باباً من جهة الصحن ففصله عن الروضة الطاهرة، كما شيد للنساء سرداباً خاصاً كما هو الآن قائم الآن، فطمست معالم ما كان من قبل المدخل والدرج والباب وانمحى جميع آثاره، فزال بذلك مورد بعض الآداب المأثورة ولكن أصل السرداب الشريف باق لم يتغير. وجاء بعده ولده حسين خان(ت 1207هـ) فزين جامع السرداب بالنقوش وكتب الآيات القرآنية على أركانه كما زين القبة بالقاشاني الأزرق المعرق، ثم عمر ناصر الدين شاه القاجاري القبة والصحن والدار على يد شيخ العراقين الشيخ عبد الحسين الرازي سنة 1285هـ، وفي سنة 1349 هـ نورت الروضة بالكهرباء.
وأما صحن الغيبة فطوله 80/ 63م وعرضه 30/ 61م وفي عهد السبعينات من عصرنا هذا فصل مسجد الغيبة عن السرداب، إذ كان للمسجد باب يدخل إليه الزائر من داخل السرداب. وفي عصرنا هذا ايضاً زيّن السرداب بالمرايا وفُتح للسرداب من جهة القبلة سلمٌ يرقيه الخارج من السرداب الشريف، فصار هناك سُلّمان أحدهما للدخول والثاني للخروج وأُنشئ سياج خاص قبل الصفة للحفاظ على الشباك الناصري الثمين من المس وغيره من الآفات. أما وصف السرداب: فالسرداب يقع من جهة الغرب من الصحن العسكري وله باب كبيرٌ من الساج ثم ينزل الزائر له عدة درجات فيرتقي الى بهو صغير، ثم ينزل من جهة اليمين بدرج طويل في آخره بهو ينتهي الى حجرتين: حجرة للرجال يقع في آخرها مكان مزين بالقاشاني وعليه الشباك الناصري، وحجرة أخرى للنساء، وفي حجرة الرجال سلم آخر للخروج من السرداب فُتح أخيراً.
رحلات تاريخيّة:
ذُكر السرداب في عدة رحلات ذكرها الرحالة في مؤلّفاتهم، فمنهم جونز الأنكليزي في سنة 1846م وجون أشرفي سنة 1864 والسر والس بج في سنة 1888م والمسّ بيل في سنة 1909م. وأما الرحالة العرب فمنهم ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري والرحالة صاحب رحلة (نزهة الجليس) المكي، وذُكر السرداب في رحلة المنشئ البغدادي وفي رحلات عبد الوهاب عزام.
مفتريات الأفاكين:
إن أول من ذكر فرية السرداب هو ياقوت الحموي ت 626 ثم ذكره ابن الأثير في تاريخه الكامل ثم ابن خلكان ثم أبو الفداء، فابن بطوطة فالقصيمي والسويدي في سبائك الذهب والآلوسي و إلى ما يطول ذكرهم... والكل يذكر شنشنته التي ألفوا عليها آباءهم، وكُتب علماء الإمامية ومؤلّفاتهم قبل ولادة المهدي عليه السلام إلى هذه الأعصار شائعة يمكن مراجعتها لمن شاء.
السرداب وكتب المزار:
دعا علماء الإمامية الى الإهتمام بهذا السرداب والحثّ على تعظيمه بجملة من الآداب ذاكرين منها جملة وهي ما تصدرت به عباراتهم عند ذكر زيارة السرداب.
قال السيد علي بن طاووس نور الله مرقده:
1ـ إذا فرغت من زيارة العسكريين عليهما السلام فامضِ إلى السرداب المقدس وقف على بابه وقل <إلهي إني قد وقفت على باب من بيوت نبيك...> وكبّر الله واحمده وسبّحه وهلّله فإذا استقررت فيه فقف مستقبل القبلة وقل سلام الله وبركاته... ثم ترفع يديك وتقول: اللهم أنت كشّاف الكرب...
2ـ وورد فيه الصلاة باثنتي عشرة ركعة وتهدى للإمام عليه السلام وبعدها دعاء.
3ـ وهناك زيارة معروفة بالندبة خرجت من الناحية محفوفة بالقدس الى أبي جعفر محمد بن عبد الله الحميري وأمر أن تتلى في السرداب المقدس وهي (بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمر الله تعقلون...).
4ـ زيارة اخرى: (فإذا دخلت بعد الاذن فقل السلام عليك... ثم ادع الله بما أحببت).
5ـ فأت الى السرداب وقف ماسكاً جانب الباب كالمستأذن وسمّ وانزل وعليك السكينة والوقار وصلّ ركعتين في عرصة السرداب وقل: الله اكبر الله اكبر...
6ـ وأورد السيد ابن طاووس من أعمال السرداب قراءة دعاء الندبة المشهور ودعاء البيعة ودعاء العهد ودعاء <اللهم ادفع عن وليك> المعروف... وقال: فإذا أردت الإنصراف من حرمه الشريف فعُد إلى السرداب المنيف وصلّ فيه ما شئت ثم قم مستقبل القبلة وقل... .
7ـ وذكر المجلسي في بحاره استئذاناً ثانياً فقال بعد ما ذكره:
ثم قبّل العتبة وأدخل خاشعاً باكياً فإنه الاذن منهم صلوات الله عليهم أجمعين.
السرداب ورؤية الطلعة الرشيدة:
لقد تشرف برؤية تلك الطلعة الرشيدة في تلك البقعة الحميدة جماعة من أهل التقوى والمعرفة والدين، منهم السيد علي بن طاووس الحسني والسيد محمد مهدي بحر العلوم والميرزا السلماسي والميرزا علي بن خليل الطهراني، وجرت هناك لهم ولغيرهم الكرامات واستجابة الدعوات، فمن إبكام المعاند وإطلاق لسان الأبكم الموالي وإصمام أُذن من كان يؤذي زائري حرمه إلى غيرها من المكارم، ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتابَي النجم الثاقب وجنة المأوى للعلامة النوري، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
تنويه:
وردت أرقام التواريخ في استطلاع العدد السابق مرتبكة لأسباب فنية، لذا اقتضى تنويه قرّائنا الأعزّاء.
source : http://www.m-mahdi.com