عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت التجلي الكامل للحقائق

لقد بلغ أهل البيت^ الذرى في مقام العبودية لله تعالى والإخلاص والجهاد والاجتهاد، ولهذا استحال وجودهم إلى مرآة صافية تنعكس وتتجلى فيها الحقائق كاملة تامّة.

إنّ الحقائق تشرق على قلب المؤمن بقدر ما بلغ من مراتب في العبودية والإخلاص لله عز وجل.

إنّ مقام العبودية هو مقام رفيع تتجلى فيه أسماء الحق وصفاته، وهو المقام الذي تتجلى فيه الأخلاق وهو الدرجة التي ينمو فيها الإيمان ومنصّة الانطلاق صوب القرب من الحق والأرضية للقاء الله عز وجل.

وأهل البيت بلغوا الذروة في مراحل الإيمان وبلغوا الذروة في الأخلاق وبلغو القمم الشاهقة في الإنسانية، وهذه الحقائق هي التي بلغت بأهل البيت^ أن يصلوا مطلع فجر الحق فتتجلى فيهم أسماء الله وصفاته وأخلاقه؛ يقول الإمام علي الهادي× وهو يوضح جانباً من حقائق أهل البيت^:

إن أنبياء الله عز وجل ورسله الذين بعثهم الله إلى الناس جاءوا([1]) بالكتب من عنده، إنما بعثهم الله للتمهيد أمام بعثة رسول الله’ وظهوره في الدنيا وهو السبب في صعود الكائنات وبخاصّة الإنسان؛ فالنبي’ وآله الأطهار هم حبل الله وظل الله وهم أمناء الرحمن بدأوا حركتهم الصعودية وبلغوا مراتب الكمال التي تليق بشأنهم.

ولم يرسل الله سبحانه من نبي ولا رسول إلا أخذ الميثاق منه، وهو في تمهيد الأمر لظهور النبي’ ولم يخلِ سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل أو حجة لازمة ... مأخوذاً على النبيين ميثاقه<([2]).

ولهذا قال رسول الله’ وهو الصادق المصدّق: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة»([3]).

أجل أن أهل البيت^ بلا أدنى شك هم الأوسع في طاقتهم الوجودية فهم وعاء وسع كل الحقائق المعنوية وتجلت فيهم الحقائق الإلهية وهم المصداق الحق: لما ورد في كتب الحديث: >والآخرون السابقون والسابقون الأولون وليس كمثلهم شيء<([4]).

يقول مولوي الشاعر المعروف:

هكذا يبدو الغصن أصل الثمر



 

والحقيقة أن الغصن للثمرة ثمر

ولولا الأمل في جني الثمر

 

ما رعى الفلاح في الأرض الشجر

إن بدت الأشجار أصلاً

 

للثمار فالثمار هي أصل وجذر

ولهذا قال المصطفى أن الأنبياء

 

من لدن آدم ورائي وأنا عندي اللواء

وقطاف الحكمة في هذا المقال

 

أنه سابق في الآخرين سابق في الأولين ([5])

وعلّة تقدمهم وبلوغهم هذه المراتب العالية هي أنه في علم الله ما لهذه النفوس النورانية من أخلاص، وحسب فاصطفاهم فبدأ بهم الوجود جعلهم برزخاً بين الواجب والممكن وجعلهم ختام ما بدأ، وقد وردت هذه الإشارة في الزيارة الجامعة الكبيرة:

>بكم فتح الله وبكم يختم ... وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم< وإذن وكما ذكرنا آنفاً فإن الأنبياء والمرسلين إنما جاءوا لتمهيد الأمر لظهور خاتم الرسل محمد’ وآله الأطهار^ في الدنيا.

وقد شاء الله أن يظهروا في اعتدال من الزمان والمكان والمقام وشاء الله سبحانه، أن يأتوا من سماء أرادته وقمة فعله وأوج رحمته فيهبطوا إلى حضيض الطبيعة ليستحيلوا إلى سبب كامل في الاتصال بين الله ومخلوقاته ويكونوا حجةً على العالمين.

وكان نزولهم إلى هذا الكوكب الترابي من حيث الزمان عند زوال شمس الوجود وهي فترة الظهر الوجودي، وفي فترة العصر الوجودي تبدأ الكائنات مرحلة القبض، ثم يعقب هذه الفترة وفترة ظهور النبي’ وآل بيته الأطهار^ وبخاصة الوجود المبارك لإمام العصر#([6]) فترة غروب شمس الزمان، فيدخل كل الوجود في حالة القبض المغلق وتكون الظلمة الثانية بعد أن مرّت ملايين السنين على الظلمة الأولى التي كانت قد بدأت قبل ظهور الوجود، وفي هذه الفترة (الظلمة الثانية) والقبض المطلق يقول الله عز وجل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}([7]).

وحينئذ يبدأ يوم القيامة الذي يصرح القرآن الكريم بأنه سيكون يوماً أبدياً ودائمياً وسرمدياً ويمتد إلى ما لا نهاية وهو يوم نهاره لا ليل فيه.

وعندما نتأمل آيات القرآن الكريم وما صح من الروايات لا نجد أبداً تعبير ليلة القيامة، وإنما الاصطلاح الثابت والوحيد هو >يوم القيامة<.

ولما كان طلوع الشمس إيذاناً ببدء اليوم وطلوع النهار فإن ظهور يوم القيامة سيكون بسبب شروق الشمس المحمدية والنور الوجودي الأحمدي، وقد أشار القرآن الكريم إلى النبي’ ورمز له بـ >السراج المنير<([8]).

يعني السراج الذي سيضيئ ويتحقق به يوم القيامة، فهو أول من يرد على الله عز وجل في القيامة وبسبب وروده الذي هو وجه الله ونور الله تشرق ساحة الحشر والعالم الآخر يغمره النور ويبدأ اليوم الأبدي والنهار السرمدي ويتحقق به الوعد الإلهي.

{وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ}([9]).

وهذه الآية المباركة الشريفة، إنما تتحدث عن يوم القيامة لا شك ولا ترديد، فقد تظافرت الروايات والتفاسير على هذا المعنى، وهو أن مصداق النور الإلهي والنور الربّاني هو النبي’ والأئمة الأطهار من آله^.

أجل سيبدأ صبح يوم القيامة مع شروق نور الرب الذي هو نور محمد’ وسيكون النهار أبدياً سرمدياً دائمياً؛ وببركة ذلك النور الأبدي تتجلى كل الحقائق، وتبلى كل السرائر وتبدأ ساعة الحساب.

يروي الإمام الباقر× عن جدّه رسول الله’ قوله:

«أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي، ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي»([10]).



([1]) مفاتيح الجنان/ الزيارة الجامعة الكبيرة.

([2]) نهج البلاغة: 43، خطبة 1، بحار الأنوار: 11/60 باب 1/ حديث 70.

([3]) المناقب: 3/269، كشف الغمة: 1/11، بحار الأنوار: 16/118، باب 6، حديث44، صحيح مسلم: 2/7.

([4]) المناقب: 1/214، عوالي اللئالي: 4/121، حديث 198، بحار الأنوار: 39/213، باب85، حديث5، علم اليقين:5، سنن الترمذي: 1/107.

([5]) مولوي، مثنوي معنوي، الدفتر الرابع.

([6]) لأن ظهوره# سيكون بعد غيبة طويلة في زمان يكون الوجود في فترة العصر، وقد انطوى صبح الوجود وظهره ومن هنا جاء تسميته بـ >إمام العصر<.

([7]) سورة غافر: الآية 16.

([8]) سورة الأحزاب: الآية 46.

([9]) سورة الزمر: الآية 69.

([10]) الكافي: 2/600، كتاب فضل القرآن، حديث، وسائل الشيعة: 6/170 باب 2، حديث 7653.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)

 
user comment