خلاصة :
کان قد أجتمع إلى الامام الحسین علیه السلام(مدة مقامه بمکة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بیته وموالیه)(1).
وحدد الخوارزمی عدد هؤلاء یوم خرج الامام الحسین علیه السلام من مکة:
(.. وفصل من مکة یوم الثلاثاء، یوم الترویة، لثمان مضین من ذی الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلاً من شیعته، وموالیه، وأهل بیته)(2).
وربما لا یکون هذا التقدیر الذی ذکره الخوارزمی عمن رواه دقیقاً.
ونحن على أی حال لا نملک تقدیراً صحیحاً لعدد کل فئة من شیعته، وموالیه، عند خروجه من مکة.
نص المقال :
کان قد أجتمع إلى الامام الحسین علیه السلام(مدة مقامه بمکة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بیته وموالیه)(1).
وحدد الخوارزمی عدد هؤلاء یوم خرج الامام الحسین علیه السلام من مکة:
(.. وفصل من مکة یوم الثلاثاء، یوم الترویة، لثمان مضین من ذی الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلاً من شیعته، وموالیه، وأهل بیته)(2).
وربما لا یکون هذا التقدیر الذی ذکره الخوارزمی عمن رواه دقیقاً.
ونحن على أی حال لا نملک تقدیراً صحیحاً لعدد کل فئة من شیعته، وموالیه، عند خروجه من مکة.
وقال أبو مخنف:
(.. لما خرج الامام الحسین علیه السلام من مکة اعترضه رسل عمرو بن سعید بن العاص علیهم یحیى بن سعید، فقالوا له: أنصرف، أین تذهب! فأبى علیهم ومضى، وتدافع الفریقان، فاضطربوا بالسیاط، ثم إن الحسین وأصحابه امتنعوا امتناعاً قویاً، ومضى الحسین (علیه السلام) على وجهه)(3).
وقال الدینوری:
(.. ولما خرج الامام الحسین علیه السلام أعترضه صاحب شرطة أمیرها عمرو بن سعید بن العاص فی جماعة من الجند، فقال: إن الأمیر یأمرک بالانصراف، فانصرف، وإلا منعتک، فامتنع الامام الحسین علیه السلام، وتدافع الفریقان، واضطربوا بالسیاط. وبلغ ذلک عمرو بن سعید، فخاف أن یتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطته یأمره بالانصراف)(4).
وإذن، فقد بذلت محاولة رسمیة، تتسم بالعنف، للحیلولة بین الامام الحسین علیه السلام وبین (الخروج) من مکة، ولکنها باءت بالفشل(5).
قال أبو مخنف:
(کان الامام الحسین علیه السلام لا یمر بأهل ماء إلا اتبعوه حتى إذا انتهى إلى زبالة سقط إلیه مقتل أخیه من الرضاعة، مقتل عبد الله بن بقطر، وکان سرحه إلى مسلم بن عقیل من الطریق وهو لا یدری أنه قد أصیب.. فأتى ذلک الخبر حسیناً وهو بزبالة، فأخرج للناس کتاباً فقرأ علیهم.
(بسم الله الرحمن الرحیم: أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظیع، قتل مسلم بن عقیل، وهانی بن عروة، وعبد الله بن بقطر، وقد خذلتنا شیعتنا، فمن أحب منکم الانصراف فلینصرف لیس علیه منا ذمام).
(فتفرق الناس عنه تفرقاً، فأخذوا یمیناً وشمالاً حتى بقی فی أصحابه الذین جاءوا معه من مکة(6). وإنما فعل ذلک لأنه ظن إنما أتبعه الأعراب لأنهم ظنوا أنه یأتی بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فکره أن یسیروا معه إلا وهم یعلمون علام یقدمون، وقد علم أنهم إذا بین لهم لم یصحبه، إلا من یرید مواساته والموت معه)(7).
وقال الدینوری:
(وقد کان صحبه قوم من منازل الطریق فلما سمعوا خبر مسلم، وقد کانوا ظنوا أنه یقدم على أنصار وعضد، تفرقوا عنه، ولم یبق معه إلا خاصته)(8).
وإذن فقد بقی رجال الثورة الحقیقیون وحدهم بعد أن انجلى الموقف وتبین المصیر.
وقد کان هذا الإعلان الذی سمعه الناس من الامام الحسین علیه السلام فی زبالة هو الاختبار الأول فی هذه المسیرة، وقد أدى إلى تفرق الکثیرین الذین رافقوه عن رغبة وطمع، وبقی معه هؤلاء الرجال النادرون الذین سیعرفهم التاریخ عما قلیل باسم (أنصار الحسین).
وقد مروا فی اختبار ثان حین حثهم الامام الحسین علیه السلام على النجاة بأنفسهم فی لیلة العاشر من المحرم قائلاً لهم:
(هذا اللیل قد غشیکم فاتخذوه جملاً، ثم لیأخذ کل رجل منکم بید رجل من أهل بیتی، وتفرقوا فی سوادکم ومدائنکم حتى یفرج الله، فإن القوم إنما یطلبونی، ولو قد أصابونی لهوا عن طلب غیری)(9).
ولکنهم رفضوا هذه الفرصة، وآثروا البقاء معه إلى النهایة، واستشهدوا جمیعاً.
وسنرى أنه لم یبق فی أصحابه الذین جاءوا معه من مکة، وذلک لأن عدداً قلیلاً من الرجال قد انضم إلیه فیما بعد، وشارک أصحابه الأولین مصیرهم المجید.
- کم هم؟
من المؤکد أنه لا سبیل لنا إلى معرفة العدد الحقیقی لأصحاب الامام الحسین (علیه السلام)، من استشهد منهم ومن لم یرزق الشهادة، وذلک لأن المستندات المباشرة لهذه المسألة، وهی روایات شهود العیان، مختلفة فی التقدیر. وهی، بطبیعة الحال، غیر مبنیة على الإحصاء، بل مبنیة على الرؤیة البصریة والتخمین کما تقضی بذلک طبیعة الموقف، ومن هنا فإن أیاً منها لا تعبر عن عدد نهائی، وإنما تعبر عن عدد تقریبی، لابد أن یفترض فیه أنه یزید على العدد الحقیقی قلیلاً أو ینقص عنه قلیلاً.
فیما یلی نعرض الروایات الرئیسیة فی الموضوع، ونحللها، ونناقشها.
لدینا، بالنسبة إلى من شارک فی المعرکة من الهاشمیین وغیرهم، أربع روایات.
الروایة الأولى:
روایة المسعودی، وهی: (فلما بلغ الحسین القادسیة لقیه الحر بن یزید التمیمی... فعدل إلى کربلاء، وهو فی مقدار خمسمائة فارس من أهل بیته وأصحابه، ونحو مائة راجل)(10).
إن المسعودی لم یذکر مستنده فی هذه الروایة، ومع أن المسعودی یتسم بالدقة فی تاریخه إلا أننا لا یمکن أن نقبل العدد الوارد فی هذه الروایة على أنه العدد الذی وصل مع الحسین إلى کربلاء، فهی من هذه الجهة تخالف کل الروایات المعروفة التی نعرف مستنداتها، دون أن تمتاز هذه الروایة بما یجعلها حریة بالقبول دون غیرها.
یمکن أن تکون هذه الروایة صادقة إلى حد بعید إذا أخرجناها من إطارها الجغرافی، وتأخرنا بها فی الزمان قلیلاً عن لقاء الامام الحسین علیه السلام للحر، واعتبرنا أنها تعبر عن العدد الذی کان قبل أن یعلن الامام الحسین علیه السلام عن مقتل مسلم ابن عقیل وعبد الله بن بقطر وهانی بن عروة، وأما بعد ذلک فمن المؤکد أن عدد الأصحاب لیس بالمقدار الذی ورد فی روایة المسعودی.
الروایة الثانیة:
روایة عمار الدهنی عن أبی جعفر (محمد بن علی بن الحسین = الإمام الباقر) وقد جاء فیها: (حتى إذا کان بینه وبین القادسیة ثلاثة أمیال لقیه الحر بن یزید التمیمی... فلما رأى ذلک عدل إلى کربلاء... فنزل وضرب ابنتیه، وکان أصحابه خمسة وأربعین فارساً ومائة راجل)(11).
وقد أورد ابن نما الحلی هذا العدد، إلا أن الروایة عنده تختلف فی التأقیت عن روایة عمار، فروایة عمار تؤقت العدد بساعة النزول فی کربلاء، وقد کان ذلک فی الیوم الثانی من المحرم(12) ، وابن نما یؤقت العدد فی الیوم العاشر من المحرم عند التعبئة، قال: (.. وعبّأ الامام الحسین علیه السلام أصحابه، وکانوا خمسة وأربعین فارساً ومائة راجل)(13) ، وکذلک الحال عند ابن طاووس وقد صرح بإسناد الروایة إلى الإمام الباقر(14).
ونحن نرجح أن ابن نما - کابن طاووس - قد استند إلى روایة عمار الدهنی هذه، ولیس لدیه مصدر آخر غیرها، وأن اختلافهما عن روایة عمار فی التأقیت ناشئ من عدم دقتهما فی قراءة الروایة.
إن عمار الدهنی قد تلقى الروایة من أوثق المصادر وهو الإمام الباقر، والمفروض أنه قد تلقى صورة حیة ودقیقة لما حدث، فقد طلب الحدیث بقوله (حدثنی عن مقتل الامام الحسین علیه السلام کأنی حضرته) ولذا فإن مما یبعث على الدهشة أن نجد فی الروایة تحریفاً منکراً لوقائع التاریخ، فهی تخالف، من عدة وجوه، بعض الحقائق الهامة المتصلة بمعرکة کربلاء، ونرجح أن ذلک ناشئ من تلاعب الرواة بها کما ذکرنا آنفاً؛ إلا أن هذا لا یمنع من قبول العدد الوارد فی هذه الروایة بصورة مبدئیة.
ونلاحظ أن روایة عمار تتفق من حیث الزمان والمکان مع روایة المسعودی التی طرحناها.
الروایة الثالثة:
روایة الحصین بن عبد الرحمان عن سعد بن عبیدة، قال: (إن أشیاخاً من أهل الکوفة لوقوف على التل یبکون ویقولون: أللهم أنزل نصرک، قال: قلت: یا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه! قال: فأقبل الامام الحسین علیه السلام یکلم من بعث إلیه ابن زیاد، قال: وإنی لأنظر إلیه وعلیه جبة من برود، فلما کلمهم أنصرف، فرماه رجل من بنی تمیم یقال له عمر الطهوی بسهم فإنی لأنظر إلى السهم بین کتفیه متعلقاً فی جبته، فلما أبوا علیه رجع إلى مصافه، وإنی لأنظر إلیهم، وإنهم لقریب من مائة رجل، فیهم لصلب علی بن أبی طالب علیه السلام خمسة، ومن بنی هاشم ستة عشر، ورجل من بنی سلیم حلیف لهم، ورجل من بنی کنانة حلیف لهم، وابن عمر بن زیاد)(15).
إن هذه الروایة منقولة عن شاهد عیان هو (سعد بن عبیدة)، ویبدو أنه کان مع عمر بن سعد وأنه کان مقرباً منه، فهو یقول فی روایة أخرى: (إنا لمستنقعون فی الماء مع عمر بن سعد)(16) ، بینما تشتمل الروایة موضوع البحث على ملاحظة تدل على أنه کان متعاطفاً مع الإمام الحسین علیه السلام ومع الثورة: (.. قلت یا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه..)(17).
إن أبا مخنف یتمتع بسمعة جیدة من حیث دقته وصدقه فی أخباره التاریخیة. وقد نقل أبو مخنف هذه الروایة بواسطة واحدة عن أحد أصحاب الامام الحسین علیه السلام الذین قاتلوا معه إلى أن بقی من أصحابه رجلان - کما سنعرض لذلک فیما یأتی - وهو الضحاک بن عبد الله المشرقی، وهو، فیما یبدو، رجل صارم وعملی ودقیق جداً، فحین طلب الحسین منه النصرة أجابه إلى ذلک مشترطاً أن یکون فی حل من الانصراف عنه حین لا یعود قتاله مفیداً فی الدفع عن الامام الحسین علیه السلام، وقد أجابه الامام الحسین علیه السلام إلى شرطه فاشترک الضحاک فی المعرکة بصدق. إن هذه الملاحظة تبعث على الوثوق بدقته.
وهذه الروایة، من حیث العدد والتأقیت والمکان، تتفق مع روایات مؤرخین آخرین معاصرین للطبری أو متقدمین علیه.
منهم أبو حنیفة الدینوری، قال: (... وعبّأ الامام الحسین علیه السلام أیضاً أصحابه، وکانوا اثنین وثلاثین فارساً وأربعین راجلاً)(18).
والدینوری یرجع إلى مصدر آخر غیر مصدر أبی مخنف فی روایته هذه.
ومنهم الیعقوبی، قال: (.. وکان الامام الحسین علیه السلام فی اثنین وستین أو اثنین وسبعین رجلاً من أهل بیته وأصحابه)(19).
وثمة روایات لکتاب متأخرین توافق هذا العدد أهمها فی نظرنا روایة الخوارزمی، قال: (ولما أصبح الامام الحسین علیه السلام). عبأ أصحابه، وکان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً)(20).
ومنهم الشیخ المفید(21).
ونلاحظ، قبل أن نذکر تقدیرنا الخاص فی المسألة، أن عدد الأصحاب لم یکن ثابتاً فی جمیع المراحل، منذ الخروج من مکة إلى ما بعد ظهر الیوم العاشر من المحرم فی کربلاء، وإنما کان العدد متقلباً، بدأ عند الخروج من مکة بالعدد الذی ذکره الخوارزمی (اثنین وثمانین رجلاً) ثم ازداد العدد کثیراً فی الطریق، ثم تقلص حتى عاد إلى العدد الأول، وربما یکون قد نقص عنه قلیلاً، ثم ازداد بنسبة صغیرة قبیل المعرکة نتیجة لقدوم بعض الأنصار، وتحوّل بعض جنود الجیش الأموی إلى معسکر الامام الحسین علیه السلام.
وتقدیرنا الخاص نتیجة لما انتهى بنا إلیه البحث هو أن أصحاب الامام الحسین علیه السلام الذین نقدر أنهم استشهدوا معه فی کربلاء من العرب والموالی یقاربون مئة رجل أو یبلغونها وربما زادوا قلیلاً على المئة(22).
ولا نستطیع أن نعین عدداً بعینه، لأنه لابد من افتراض نسبة من الخطأ تنشأ من تصحیف الأسماء، ومن عدم دقة الرواة الذین نقلوا لأحداث وأسماء رجالها، ولکن نسبة الخطأ المفترضة لیست کبیرة قطعاً.
وهذه النتیجة تتوافق إلى حد کبیر مع الروایات التی تصور ما حدث فی الحملة الأولى من القتال.
قال الخوارزمی فی روایته عن أبی مخنف:
(.. فلما رموهم هذه الرمیة قلّ أصحاب الامام الحسین (علیه السلام)، فبقی فی هؤلاء القوم الذین یذکرون فی المبارزة. وقد قتل ما ینیف على خمسین رجلا)(23).
والذین ذکرهم ابن شهرا شوب یبلغون أربعین رجلاً(24).
فإذا لاحظنا إلى جانب هذا أن هؤلاء الذین یذکرون فی المبارزة یبلغون أربعین رجلاً تقریباً، نکون قد قربنا من النتیجة التی أدى بنا إلیها البحث.
وهنا ینبغی أن نعی أن التفاوت أمر مقبول ومعقول، لأن الرواة فی جمیع روایاتهم عن عدد أصحاب الحسین لم یتبعوا مبدأ الإحصاء وإنما اتبعوا طریقة التقدیر المستند إلى الرؤیة البصریة.
وینبغی أن نعی أیضاً أن عدد هذه القوة الصغیرة کان متقلباً نتیجة لکون بعض عناصرها (الموالی خاصة) ربما کانت تظهر ثم تختفی فی مهمات خاصة.
إذا أخذنا فی اعتبارنا هذه الأمور نرى أن النتیجة التی تضمنها هذا البحث فیما یأتی منه عن عدد أصحاب الامام الحسین علیه السلام من غیر الهاشمیین نتیجة على جانب کبیر من الدقة والصواب.
وأخیراً نلاحظ، قبل أن نجاوز هذه المسألة إلى تقویم الروایات الأساسیة، أننا الآن نواجه حالة مکتملة، فقد استشهد هؤلاء الرجال بأجمعهم فی غالب الظن بینما یعبر شهود العیان فی روایاتهم عن حالة فی طریقها إلى الکتمان، فقد کان هؤلاء الرجال لا یزالون أحیاء فی الوقت الذی تحکی عنه الروایات، ولنا أن نفترض أن بعضهم، فی بعض الروایات، لم یرزق الشهادة.
إذا استبعدنا روایة المسعودی للاعتبارات التی ذکرناها عند عرض الروایة، تبقى الروایات الثلاث الأخرى.
وهذه الروایات تشترک فی أنها تستند إلى روایة شهود العیان الذین کانوا فی ساحة المعرکة، ولکنها تختلف فیما بینها فی تقدیر عدد أصحاب الحسین. فالتفاوت بین روایة أبی مخنف وبین روایة عمار الدهنی یبلغ الصنف تقریباً، والتفاوت بین روایة عمار وروایة الحصین یبلغ الثلث تقریباً.
إلا أننا، مع ذلک، نمیل إلى قبول الروایات الثلاث لاعتبارین:
الأول: أننا نستبعد کثیراً أن یدخل الکذب فی هذه الروایات من حیث العدد، مهما کانت مواقف المخبرین الذهنیة والعاطفیة من الثورة.
الثانی: أن هذه الروایات لا تعبر عن العدد فی موقف واحد، وباعتبار واحد للرجال لینفی بعضها بعضاً، وإنما تعبر عن العدد فی موقفین، وباعتبارین أو اعتبارات ثلاثة للرجال.
فروایة عمار الدهنی عن أبی جعفر تعکس الموقف حین النزول فی کربلاء فی الیوم الثانی من المحرم، وبین هذا التاریخ والتاریخ الذی تعبر عنه روایتا الحصین وأبی مخنف تسعة أیام حدثت فیها بعض التقلبات فی عدد الرجال، فقد تخلى بعضهم عن متابعة الصحبة، وانضم آخرون إلى الأصحاب، وذهب بعض إلى البصرة وغیرها برسائل من الحسین.
کما أن هذه الروایة (روایة عمار الدهنی)، فیما نقدر، تعبر عن العدد الکلی للرجال الذین کانوا فی هذا الیوم مع الحسین: موالی وعرباً هاشمیین، وغیر هاشمیین بالإضافة إلى عنصر الخدم من الرقیق وغیره ممن لا یعدون فی المحاربین - وهم موضوع بحثنا - ونقدر أنه کان مع الحسین عدد من هؤلاء تقضی طبیعة الأمور بأن یکون موجوداً.
نقول هذا مع التأکید على إمکانیة وجود خطأ محدود فی التقدیر نتیجة لاستناد الراوی فی تقدیره إلى الرؤیة البصریة لا إلى الإحصاء.
وروایة الحصین بن عبد الرحمن تعکس الموقف فی الیوم العاشر من المحرم قبیل نشوب القتال، وتعبر عن عدد المحاربین، هاشمیین وعرباً وموالی، أی أن عنصر الخدم خارج عن نطاق الصورة التی تعکسها هذه الروایة. ونقدر أنهم کانوا یزیدون على المئة قلیلاً، ولیسوا قریباً من مئة کما تقول الروایة، یحملنا على هذا التقدیر إمکانیة أن الروایة تعکس الموقف قبل تعبئة الحسین أصحابه وآله میمنة ومیسرة وقلباً، وإن بعض الرجال کان لا یزال بعیداً عن بصر الراوی، وأن الراویة یظن استناداً إلى رؤیته البصریة ولا یستند إلى الإحصاء، کما نؤکد أن ثمة من شبان الهاشمیین من استشهد فیما بعد، ولم یکن، فی الوقت الذی تحکی عنه الراویة، ظاهراً فی الموقف عند الصباح، بسبب صغر سنه.
وروایة أبی مخنف والروایات الموافقة لها تعکس الموقف بصراحة بعد التعبئة، وهی، فی تقدیرنا، تعبر عن عدد أصحاب الحسین من المحاربین العرب غیر الهاشمیین، فهی لا تشمل الهاشمیین ولا الموالی، ولا الخدم.
وثمة نص للمسعودی یحملنا على هذا الرأی بالنسبة إلى روایة أبی مخنف. فهو یقول: (.. وقتل معه (مع الحسین) من الأنصار أربعة وباقی من قتل معه من أصحابه - على ما قدمنا من العدة - من سائر العرب)(25) ، وکان قد قال قبل ذلک عن عدة من قتل مع الحسین: (وکان جمیع من قتل مع الحسین فی یوم عاشوراء بکربلاء سبعة وثمانین منهم ابنه علی بن الحسین الأکبر)(26). وإذن فلا بد أن یکون هذا العدد غیر شامل للموالی، فهو یقول عن غیر الأنصار إنهم من سائر العرب ونحن نعلم أنه قد استشهد من الموالی مع الحسین عدد کبیر لم یدخلهم فی عداد القتلى لاعتبارات تتصل بالعقلیة العنصریة التی کانت سائدة بدرجات متفاوتة عند الناس فی ذلک الحین(27). وإذا أخرجنا الهاشمیین من العدد الذی ذکره المسعودی للقتلى یبقى منهم عدد مقارب للعدد الذی ورد عند أبی مخنف، وقلنا أنه لا یشمل الهاشمیین ولا الموالی. هذا مع افتراض نسبة من الخطأ فی التقدیر تنشأ من الاعتماد على الرؤیة، وإن کانت النسبة المفترضة ضئیلة جداً لاعتبارین.
الأول: إن الراوی هو الضحاک بن عبد الله المشرقی، أحد أصحاب الحسین، فهو فی مرکز من یستطیع الوصول إلى أقصى دقة فی التقدیر.
الثانی: أن هذا التقدیر یعکس الموقف فی حالة التعبئة وحالة التعبئة فی عدد محدود تعطی قدرة أکثر على التحدید.
إن العدد الذی تشتمل علیه هذه الروایة هو اثنان وسبعون فرساناً ورجاله، والعدد الذی انتهى بنا البحث إلیه فی هذه الدراسة هو مئة تزید قلیلاً أو تنقص قلیلاً فإذا أخرجنا منه عشرین رجلاً من الموالی: عشرة من موالی الحسین، واثنان من موالی علی، وثمانیة آخرون یبقى ثمانیة وسبعون رجلاً من العرب غیر الهاشمیین، هذا قبل أن یتحول الحر بن یزید الریاحی، وعلى هذا فإن نسبة الخطأ فی نتیجتنا أو فی روایة أبی مخنف محدودة جداً. وهذا التفاوت مألوف فی مثل هذه الحالات.
تبقى - بالنسبة إلى عدد أصحاب الحسین - بعض المسائل.
من هذه المسائل مسألة تنشأ من روایة نقلها السید بن طاووس فی مقتله المسمى (اللهوف على قتلى الطفوف) وهی:
(.. وبات الحسین وأصحابه تلک اللیلة (لیلة العاشر من المحرم) ولهم دوی کدوی النحل، ما بین راکع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إلیهم فی تلک اللیلة من عسکر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً)(28).
إننا نقف من هذه الروایة موقف الشک:
أولاً: لأن حدثاً کهذا کان یجب أن یلفت نظر الرواة الآخرین، فهو حدث شدید الإثارة فی مثل الموقف الذی نبحثه، ولهذا فقد کان لا بد أن ینقله رواة آخرون. إن عدم نقله عن رواة آخرین مباشرین یبعثنا على الشک فی صدق الروایة.
وثانیاً: إن هذا العدد (اثنان وثلاثون) عدد کبیر جداً بالنسبة إلى أصحاب الامام الحسین (علیه السلام) القلیلین، ولذا فقد کانت یجب أن یظهر لهم أثر فی حجم القوة الصغیرة التی کانت مع الحسین فی صبیحة الیوم العاشر من المحرم، على اعتبار أنهم انحازوا إلى معسکر الحسین فی مساء الیوم التاسع، مع أننا لا نجد لهم أی أثر فی التقدیرات التی نقلها الرواة.
لهذا وذاک نمیل إلى استبعاد هذه الروایة من دائرة بحثنا فی عدد أصحاب الامام الحسین (علیه السلام)، ونرجح أن الروایة - على تقدیر صدقها - لا تعنی، کما یراد لها، أن هؤلاء الرجال قد انحازوا إلى معسکر الامام الحسین علیه السلام وقاتلوا معه ، وإنما تعنی أن هؤلاء الرجال - نتیجة لصراع داخلی عنیف بین نداء الضمیر الذی یدعوهم إلى الانحیاز نحو الامام الحسین علیه السلام والقتال معه، وبین واقعهم النفسی المتخاذل الذی یدفع بهم إلى التمسک بالحیاة الآمنة فی ظل السلطة القائمة - قد (حیّدوا) أنفسهم بالنسبة إلى المعرکة، فاعتزلوا معسکر السلطة، ولم ینضووا إلى الثوار.
ویبدو أنه قد حدثت حالات کثیرة من هذا القبیل، منها حالة مسروق بن وائل الحضرمی الذی کان یطمح إلى أن یصیب رأس الامام الحسین علیه السلام(فأصیب به منزلة عند عبید الله بن زیاد)، ولکنه تخلى عن القتال وترک الجیش عندما رأى ما حل بابن حوزة عندما دعا علیه الحسین (علیه السلام)، وقال لمحدثه: (لقد رأیت من أهل هذا البیت شیئاً لا أقاتلهم أبداً)(29).
وربما کان هؤلاء على تقدیر صدق الروایة - هم أولئک الرجال التافهون الذین قال الحصین بن عبد الرحمن عنهم أنهم کانوا وقوفاً على التل یبکون، ویقولون: (اللهم أنزل نصرک).
ومن المسائل المتصلة بعدد أصحاب الامام الحسین علیه السلام مسألة الرؤوس وعددها.
تجمع الروایات على عدد شبه ثابت للرؤوس التی قطعت بعد نهایة المعرکة، وأرسلت إلى الکوفة ثم أرسلت إلى الشام، فهذا العدد یتراوح بین سبعین رأساً وخمسة وسبعین رأساً.
فقد قال أبو مخنف فی روایته عما حدث بعد قطع رأس الامام الحسین (علیه السلام)، عن قرة بن قیس التمیمی، وهو شاهد عیان من الجیش الأموی: (.. وقطف رؤوس الباقین، فسرح باثنین وسبعین رأساً)(30).
(وحملت الرؤوس على أطراف الرماح وکانت اثنین وسبعین رأساً)(31).
وقال الشیخ المفید:
(.. وسرح عمر بن سعد من یومه ذلک، وهو یوم عاشوراء، برأس الامام الحسین (علیه السلام) مع خولى بن یزید الأصبحی وحمید بن مسلم إلى عبید الله بن زیاد، وأمر برؤوس الباقین من أصحابه وأهل بیته فقطعت، وکانوا اثنین وسبعین رأسا)(32).
وروى المجلسی فی البحار عن محمد بن أبی طالب الموسوی: (..إن رؤوس أصحاب الامام الحسین علیه السلام وأهل بیته کانت ثمانیة وسبعین رأساً)(33).
هذا فیما یتعلق بقطع الرؤوس. وأما فیما یتصل بتوزیع الرؤوس على القبائل:
روى أبو مخنف:
(.. فجاءت کندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قیس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرین رأساً وصاحبهم شمر بن ذی الجوشن، وجاءت تمیم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجیش بسبعة أرؤس، فذلک سبعون رأساً)(34).
ونلاحظ على أبی مخنف أنه قال فی روایته الآنفة: (فسرح بإثنین وسبعین رأساً).
وروى الدینوری:
(.. وحملت الرؤوس على أطراف الرماح، وکانت اثنین وسبعین رأساً، جاءت هوازن منها بإثنین وعشرین، وجاءت تمیم بسبعة عشر رأساً مع الحصین بن نمیر، وجاءت کندة بثلاثة عشر رأساً مع قیس بن الأشعث، وجاءت بنو أسد بستة رؤوس مع هلال بن الأعور، وجاءت الأزد بخمسة رؤوس مع عیهمة بن زهیر، وجاءت ثقیف بإثنی عشر رأساً مع الولید بن عمر)(35).
ونلاحظ على الدینوری أنه قال عن مجموع الرؤوس أنه أثنان وسبعون مع أن مجموع حصص القبائل کما ذکرها یبلغ خمسة وسبعین.
وروى محمد بن أبی طالب الموسوی.
(.. فجاءت کندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قیس بن الأشعث، وجاءت هوازن بإثنی عشر رأساً وصاحبهم شمر، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأساً، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاءت سائر الناس بثلاثة عشر رأساً)(36).
ونلاحظ أن هذه الروایة تشتمل على أقل الأعداد فی هذه المسألة فمجموع عدد الرؤوس فیها یبلغ واحداً وستین رأساً.
قد یقال بوجود دلالتین لعدد الرؤوس: إحداهما دلالته على عدد أصحاب الامام الحسینعلیه السلام ، وثانیتهما دلالته على عدد القتلى.
وإذا صح هذا فإنه ینقض نظریتنا فی عدد أصحاب الحسین، بل إنه ینقض کل الروایات الواردة فی هذا الشأن، فمن المعلوم أن الرؤوس کانت للهاشمیین وغیرهم، وعلى هذا ینبغی أن یکون عدد أصحاب الامام الحسین علیه السلام من غیر الهاشمیین أقل من خمسین رجلاً.
ولکننا لا نرى لعدد الرؤوس أیة دلالة من هذه الجهة، فإن قطع الرؤوس وحملها إلى الکوفة والشام إجراء انتقامی ذو محتوى سیاسی، أو عمل سیاسی ذو صفة انتقامیة، وهو خاضع لاعتبار سیاسی معین سنتناوله بالدرس فی فصل آت إنشاء الله تعالى.
على أننا نلفت النظر إلى الاختلاف فی عدد الرؤوس بین الروایات (61 أو 70 أو 72 أو 75 أو 78) وعند الراوی الواحد (أبو مخنف: 72 و 70) (الدینوری: 72 و 75).
ونلفت النظر أیضاً إلى اختلاف الرواة فی توزیع الرؤوس على القبائل.
إن هذه الاختلافات تدل - فی نظرنا - على أن المسألة کما یعرضها الرواة، لو أردنا الأخذ بأرقامهم، لیست بسیطة کما تبدو، وإنما هی ذات تعقیدات تتصل بعلاقات القبائل بالقتلى من جهة، وتتصل بمرکز القبیلة السیاسی من جهة أخرى.
ویثیر الحدیث عن عدد الرؤوس سؤالاً آخر هو: هل قتل الجمیع أو بقیت منهم بقیة؟
ذکر أبو مخنف عن محمد بن مسلم (وهو شاهد عیان من الجیش الأموی).
(.. فقتل من أصحاب الامام الحسین علیه السلام اثنان وسبعون رجلاً.. وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانیة وثمانون رجلاً سوى الجرحى...)(37).
وهذه الروایة تعبر عن عدد الشهداء من غیر الهاشمیین. وهی کاذبة بلا شک فیما یتصل بتقدیر عدد قتلى الجیش الأموی، فإن أقل التقدیرات بالنسبة إلى قتلى الجیش الأموی تتجاوز العدد الذی ورد فی هذه الروایة بکثیر.
وقال المسعودی:
(.. وکان جمیع من قتل مع الامام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء بکربلاء سبعة وثمانون، منهم ابنه علی بن الحسین)(38).
وظاهر هذه الروایة أن هذا العدد یشمل الهاشمیین وغیرهم بقرینة ذکر علی بن الحسین علیه السلام .
وفی روایة هشام بن الولید الکلبی وأبی مخنف عن استقبال یزید بن معاویة لعنة الله علیه لرسول عبید الله بن زیاد الذی أرسله بشیراً بالقضاء على الثورة:
(.. إذا أقبل زحر بن قیس حتى دخل على یزید بن معاویة، فقال له یزید: ویلک ما وراءک وما عندک؟ فقال: أبشر یا أمیر المؤمنین بفتح الله ونصره، ورد علینا الحسین بن علی فی ثمانیة عشر مع أهل بیته، وستین من شیعته فأحطنا بهم من کل ناحیة حتى أتینا على آخرهم..)(39).
إن قبول أی واحدة من هذه الروایات یعنی أن أصحاب الامام الحسین علیه السلام لم یقتلوا جمیعاً، وأن بقیة کبیرة منهم سلمت من القتل.
ولکننا لا یمکن أن نقبل هذه النتیجة، کما لا نستطیع أن نقبل الروایات فی أنفسها وإن قبلنا النتیجة المذکورة.
لا نستطیع أن نقبل الروایات فی أنفسها، بل نرجح رفضها لأن المفروض فی حالة کهذه أن یکون العدد مبیناً على الإحصاء، لأن القتلى مادة ساکنة، ولأنه - فی حالتنا - لا یوجد خطر من الإحصاء، لأن المنتصر قد قضى على کل مقاومة، وقد سیطر بشکل مطلق على ساحة المعرکة، وإذا کانت الحال هکذا وکان القتلى مادة ساکنة فإن عملیة الإحصاء یجب أن تتم بسهولة، خاصة إذا لاحظنا أن العدد على جمیع الفروض محدود للغایة.
والإحصاء یقتضی أن یکون الرواة متحدین فی روایة العدد، آخذین بنظر الاعتبار أنهم شهود عیان، مع أننا نرى أنهم مختلفون فی هذه المسألة اختلافاً کبیراً یبعث على الشک فی دقتهم، ویحمل على الظن بأنهم بنوا تقدیراتهم الظنیة على استبعاد الشهداء من الموالی.
وإذا أردنا أن نحسن الظن بروایاتهم فلا بد من افتراض أن بعض القتلى قد دفنوا قبل نهایة المعرکة، وإن کنا نعترف بأننا لا نملک الآن بینة على هذا الافتراض.
ولا نستطیع أن نقبل النتیجة، لأن جمیع المصادر من غیر استثناء تنص على أن الامام الحسین علیه السلام بقی - بعد استشهاد جمیع أصحابه - من غیر الهاشمیین - مع الهاشمیین وحدهم، وأنه، فی النهایة، بعد استشهاد الهاشمیین - مع الهاشمیین وحدهم، وأنه، فی النهایة، بعد استشهاد الهاشمیین، بقی وحیداً، واستشهد وهو وحید.
ولا تذکر المصادر الرئیسة والثانویة أن أحداً من أصحابه تخلى عنه أبداً.
ولا تذکر المصادر أن أحداً من الذکور بقی حیاً سوى الذین نذکرهم فیما یلی:
من الهاشمیین
1- الإمام علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب، زین العابدین علیهم السلام.
2- الحسن بن الحسن بن علی بن أبی طالب.
3- عمر بن الحسن بن علی بن أبی طالب(40).
من غیر الهاشمیین:
1- الضحاک بن عبد الله المشرقی:
کان قد أعطى الامام الحسین (علیه السلام) عهداً أن یقاتل معه ما کان قتاله معه نافعاً فإذا لم یجد مقاتلاً معه کان فی حل من الانصراف(41).
2- عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الإمام الحسین (علیه السلام):
قال لعمر بن سعد حین أراد قتله: أنا عبد مملوک، فخلى سبیله(42).
3- المرقع بن ثمامة الأسدی:
کان قد نثر نبله، وجثا على رکبتیه، فقاتل، فجاءه نفر من قومه فقالوا له أنت آمن، أخرج إلینا، فخرج إلیهم(43).
هؤلاء هم الذین ثبت أنهم سلموا من المذبحة من الذکور، ولو کان ثمة من تخلى عن الامام الحسین علیه السلام قبیل المعرکة أو أثنائها أو بقی بعدها لحفظ ذکره.
وإن إجماع المصادر على ما ذکرنا، بالإضافة إلى عدم استقامة الروایات فی أنفسها یحملاننا على عدم العنایة بها، وتجریدها من أی دلالة مدعاة على عدد الأصحاب، أو العدد الحقیقی للشهداء.
إن روایة عمار الدهنی صادقة من هذه الجهة إلى حد بعید:
(فقتل أصحاب الامام الحسین علیه السلام کلهم، وفیهم بضعة عشر شاباً من أهل بیته)(44).
وثمة سؤال یتعلق بموقع الهاشمیین من القوة المحاربة مع الامام الحسین علیه السلام فی صبیحة الیوم العاشر من المحرم.
هل کان الهاشمیون صبیحة الیوم العاشر من المحرم، عند نشوب القتال، جزءاً من القوة المحاربة التی عبأها الامام الحسین (علیه السلام) فجعل زهیر بن القین فی المیمنة، وحبیب ن مظاهر فی المیسرة، وأعطى الرایة أخاه العباس، أو أنهم کانوا خارج هذه القوة؟
إننا نرى أن الإفتراض الأول هو الصحیح، فإننا لا نستطیع أن نقبل فکرة أن غیر الهاشمیین قد باشروا الحرب بینما کان هؤلاء جالسین فی خیامهم. الشیء المؤکد هو أن غیر الهاشمیین قاتلوا وقتلوا قبل الهاشمیین، ولکن هذا لا یعنی أن الهاشمیین کانوا خارج القوة المعبّأة، وإذن فلا بد أن الجمیع کانوا فی حالة تهیئة للقتال فی وقت واحد وفی موقف واحد.
ولدینا نص نقله الخوارزمی قال فیه:
(.. ولما أصبح الامام الحسین علیه السلام.. عبأ أصحابه.. فجعل على میمنته زهیر بن القین، وعلى میسرته حبیب بن مظاهر، ودفع اللواء إلى أخیه العباس بن علی، وثبت علیه السلام مع أهل بیته فی القلب)(45).
ویبدو أن موقع الرایة - فی نظام التعبئة - فی القلب، وإذن فکل من ذکر أن الرایة کانت فی ید العباس بن علی عنى أن بنی هاشم کانوا فی القلب مع الحسین(46).
نستثنی منهم الشبان الصغار الذین لم یکونوا فی سن مناسبة للقتال، وهم بضعة أفراد استشهدوا حین لم یبق مع الامام الحسین علیه السلام أحد من المقاتلین الهاشمیین فاندفع هؤلاء الشبان إلى القتال، وقتلوا.
لقد کان من الممکن أن یزید عدد أصحاب الامام الحسین (علیه السلام) زیادة کبیرة، لم تکن لتؤثر وحدها على نتیجة المعرکة بنفسها، ولکنها کانت تجعلها أطول وأشد مرارة بالنسبة إلى الجیش الأموی، مما کان من الممکن أن یمکّن قوات أخرى أن تتدخل إلى جانب الثورة، وعوامل مساعدة ذات طبیعة سیاسیة أن تحدث فتؤثر على نتیجة المعرکة.
کان من الممکن أن یحدث هذا لولا حدوث بعض المعوقات.
فقد استأذن حبیب بن مظاهر الأسدی الإمام الحسین علیه السلام قبل المعرکة بأیام فی أن یأتی قومه من بنی أسد الذین کانوا قریبین من موقع المعرکة فیدعوهم إلى نصرة الامام الحسین علیه السلام ، فأذن له.
وقد استجاب لدعوة حبیب بن مظاهر من هذا الحی من بنی أسد تسعون مقاتلاً جاءوا معه یریدون معسکر الامام الحسین علیه السلام ، ولکن عمر بن سعد علم بذلک فوجه إلیهم قوة من أربعمئة فارس، (فبینما أولئک القوم من بنی أسد قد أقبلوا فی جوف اللیل مع حبیب یریدون عسکر الامام الحسین علیه السلام ، إذا استقبلتهم خیل ابن سعد على شاطئ الفرات، وکان بینهم وبین معسکر الامام الحسین علیه السلام الیسیر، فتناوش الفریقان واقتتلوا، فصاح حبیب بالأزرق بن الحرث: مالک ولنا، أنصرف عنا، یا ویلک دعنا واشق بغیرنا، فأبى الأزرق، وعلمت بنو أسد ألا طاقة لهم بخیل ابن سعد، فانهزموا راجعین إلى حیهم، ثم تحملوا فی جوف اللیل خوفاً من ابن سعد أن یکسبهم، ورجع حبیب إلىالامام الحسین علیه السلام فأخبره)(47).
ویبدو أن السلطة کانت تخشى أن یتسامع الناس بما یحدث فی کربلاء فیؤدی ذلک إلى تدفق الأنصار على الامام الحسین علیه السلام ، ولذا استعجلت إنهاء المعرکة والقضاء على الامام الحسین علیه السلام وآله وصحبه، فرفضت المضی فی المفاوضات، ووجّهت تأنیباً إلى عمر بن سعد لأنه یحاور الامام الحسین علیه السلام ، واستخدمت سلاح العطش لا لمجرد التعذیب الجسدی، وإنما لغایة أخرى أیضاً هی خفض القدرة القتالیة لدىالامام الحسین علیه السلام وقوته الصغیرة، وإضعاف خیلهم، وخلق مشکلة موجعة تنشأ من عطش النساء والأطفال.
ویبدو أن محاولة حبیب بن مظاهر قد نبهت قیادة الجیش الأموی إلى إمکانیة تسرب قوات موالیة للامام من جانب الفرات، فعززت، إثر هذه المحاولة، حصار العطش لحمایة الضفة من تسرب أی إنسان موالٍ للامام من خلالها(48).
ویعزز هذا الرأی ملاحظة وردت عرضاً فی روایة للطبری على لسان أحد المقاتلین فی الجیش الأموی، تصور مشهداً ألیماً وفاجعاً من مشاهد الیوم العاشر من المحرم، جاء فیها:
(حدثنی من شهد الامام الحسین علیه السلام فی عسکره أن حسیناً حین غلب على عسکره رکب المسناة یرید الفرات، قال: فقال رجل من بنی أبان بن دارم: ویلکم حولوا بینه وبین الماء، لا تتامّ إلیه.)
_________________________________
1- الشیخ المفید الإرشاد ص 218.
2- الخوارزمی مقتل الحسین ج1 ص 220. / المجلسی (بحار الأنوار: ج44 ص313)
2- الطبری ج 5 ص 385.
3- الأخبار الطوال ص 244.
4- (الطبری ج 5 ص 359 /الطبری ج 5ص 367).
5- ابن الأثیر ج 3 ص 278.
6- الطبری ج 5 ص 398 ص 399، وابن الأثیر ج 3 ص 278.
7- الأخبار الطوال ص 248. / الطبری ج 5 ص 386 ص 387.
8- الطبری ج 5 ص 419، والیعقوبی ج 2 ص 231، والخوارزمی ج 1 ص 247.
9- مروج الذهب ج 3 ص 70
10- الطبری ج 5 ص 389.
11- الطبری ج 5 والخوارزمی ج 1 ص 237.
12- مثیر الأحزان ص 39.
13- اللهوف فی قتلى الطفوف ص 42.
14- الطبری ج 5 ص 392 ص 393.
15- الطبری ج 5 ص 393.
16- ویبدو أن هذه الظاهرة کانت موجودة بالنسبة إلى الکثیرین، فهم متعاطفون مع الثورة، ولکنهم یقفون عملیاً ضدها، وهذه الظاهرة تصورها بدقة کلمة الفرزدق للحسین عندما لقیه: (قلوب الناس معک وسیوفهم مع بنی أمیة) إن هذا من المظاهر التی تدل عن وجود حالة ثوریه فی جهاز نفسی مشلول.
17- الأخبار الطوال ص 256.
18- تاریخ الیعقوبی ج 2 ص 230.
19- مقتل الحسین ج 2 ص 4 والخوارزمی.
20- الإرشاد ص 233.
21- ابن شهر آشوب ج 4 ص 113.
22- الخوارزمی مقتل الحسین ج 2 ص 9. وبحار الأنوار ج 45 ص 12 نقل ذلک عن محمد بن أبی طالب الموسوی.
23- المناقب ج 4 ص 113.
24- مروج الذهب ج 3 ص 71.
25- نفس المصدر.
26- الکامل - تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم والسید شحاته - مطبعة نهضة مصر ج 2 ص 48.
source : shiastudies.net