..وضع الاسلام منهجاً اقتصادياً متكاملاً يحقق التكافل العام، والضمان الدائم، ويحقق التوازن الاقتصادي، ويزيل الفقر الحرمان ويشبع جميع الحاجات المشروعة للانسان، وهذا المنهج الاقتصادي سيكتب له النجاح التطبيقي الاكمل والأسمى في عصر ظهور الامام المهدي (عج) حيث تكون الظروف والأحوال الطبيعية والانسانية مهيئة لتحقيق الرفاهية والرخاء وازالة شبح الفقر والحرمان..
بقلم: الدكتور سعيد العذاري
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام المهدي (عج)
الخلاصة:
من أهداف تحكومة الامام المهدي (عج) إزالة الفقر والحرمان كمقدمة لتحقيق الرفاهية للجميع بعد طول المعاناة بسبب الظلم والاستغلال وسوء التوزيع.
فقبل قيامه يمن الله على الانسانية ببركات وخيرات تهيأ الاجواء للنمو الاقتصادي والعمراني ومنها الامطار الغزيرة الماساعدة على استصلاح الارض وتنمية الثروة الزراعية والحيوانية وهي أساس النمو الاقتصادي.
وفي عهد حكومته تنتهي أسباب وعوامل الازمات الاقتصادية ويكثر المال والسيولة النقدية بحيث يكون في متناول الجميع.
وتخلق الحكومة أجواء تربوية تسمو بالانسان نحو المثل والقيم الروحية التي تتعالى على المادة. وسياسة التوزيع الحكومية تقوم على أساس القسمة العادلة مع مراعاة الفوارق العقلية والبدنية ويكون نظام الرواتب والمخصصات متميزاً ويساعد الاعلام على تشجيع المحتاجين لمراجعة دوائر الحكومة للحصول على حقهم ما يحتاجونه من خدمات ويرتقي الامام بالعمران بتطوير الثروات بجميع الوانها وأنواعها وتطوير الصناعة ووسائل النقل ليكون العمران واضح المعالم.
الانسان مخلوق مزدوج الطبيعة، فهو روح وعقل وغرائز وجسد متعدد الجوارح، ولهذا تعددت حاجاته الروحية والمادية، وهذا الأمر فطري لا يختلف ولا يتخلف من انسان لآخر ومن جيل لآخر، وهو بحاجة إلى الرفاهية في جميع مصاديقها وميادينها، وفهو بحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن الواسع وبحاجة إلى عصب الحياة وهو المال الذي ينفقه في أموره الكمالية والرفاهية.
وقد راعى المنهج الاسلامي هذه الحاجة فلم يعطلها أو يلغيها أو يحمل النفس الانسانية مالا تطيق، لان اشباع الحاجات الاساسية للانسان يمنعه من الانحرافات التي يولدها الفقر، ويمنع من الأمراض النفسية والروحية كالحسد والحقد والطمع، والهم بسبب الفقر والحرمان، وقد اكدت الروايات الشريفة على الآثار السلبية للفقر والحرمان، كما ورد عن الامام علي (ع) انه قال:
«ان الفقر مذلة للنفس مدهشة للعقل جالب للهموم».
«العسر يشين الاخلاق ويوحش الرفاق».
«العسر يفسد الاخلاق».
«ان افتقر قنط ووهن».
«الفقر يخرس الفطن عن حجته».
«الفقر الموت الأكبر».
وقد وضع الاسلام منهجاً اقتصادياً متكاملاً يحقق التكافل العام، والضمان الدائم، ويحقق التوازن الاقتصادي، ويزيل الفقر الحرمان ويشبع جميع الحاجات المشروعة للانسان، وهذا المنهج الاقتصادي سيكتب له النجاح التطبيقي الاكمل والأسمى في عصر ظهور الامام المهدي (عج) حيث تكون الظروف والأحوال الطبيعية والانسانية مهيئة لتحقيق الرفاهية والرخاء وازالة شبح الفقر والحرمان، وان (السعادة التي تعم البشرية تحت نظام تلك الدولة العالمية لا تشبهها ولا تقاس عليها أي سعادة سابقة لأي مجتمع بشري من الزوايا: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية).
وقد دلت الروايات الشريفة على هذه الحقيقة، وكما ورد عن رسول الله (ص) في حديثه عن عهد الامام المهدي (عج):
«وتمطر السماء مطرها وتخرج الأرض بركاتها، وتعيش أمتي في زمانه عيشاً لم تعش قبل ذلك».
«وتنعم امتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط».
«يكون في امتي المهدي (عج) يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وتمطر السماء مطراً كعهد آدم (ع) وتخرج الارض بركاتها، وتعيش امتي في زمانه عيشاً لم تعشه قبل ذلك في زمان قط».
«يكون في امتهي المهدي (ع)...تتنعم أمتي في زمانه نعيماً لم يتنعم مثله قط البر والفاجر».
ويصل العمران في عهده إلى أقصي مراتبه، ولا يبقي في الارض خراب الا عمر كما جاء عن الامام الباقر (ع) انه قال: «القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر...وتظهر له الكنوز، ولا يبقى في الارض خراب الا عمر».
ويتحقق العمران وتكثر الخيرات ويفيض المال ببركات وجود وظهور الامام المهدي (ع) وببركات التطبيق العادل للمنهج الاسلامي، وببركات الاخلاص لله تعالى من قبل انصار واتباع الامام المهدي (عج) وعودة الناس إلى الاستقامة.
ممهدات العمران
قبل ظهور الامام المهدي (عج) واثناء ظهوره تتنزل الرحمة الالهية لتمهد للعمران الاكمال وللرفاهية العظمى، واول بوادرها نزول المطر بغزارة وهو اساس العمران الزراعي والصناعي والصحي وغير ذلك.
قال الامام جعفر الصادق (ع): «اذا آن قيامة مطر الناس في جمادي الآخر وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الناس مثله».
وعن سعيد بن جبير قال: (ان السنة التي يقوم فيها القائم المهدي (عج) تمطر الارض اربعاً وعشرين مطره ترى آثارها وبركاتها ان شاء الله).
ووردت عدة روايات تنص على ان الله تعالى يسقيه الغيث، كما ورد عن رسول الله (ص) انه قال: «يخرج في آخر امتي المهدي (عج)، يسقيه الله الغيث، وتخرج الارض نباتها...».
وفي رواية: «...يرسل الماء عليهم مداراً، ولا تدع الارض شيئاً من نباتها الا اخرجته».
وغزارة المطر مقدمة لزيادة المياه وزيادة الأنهار، وكما جاء في الروايات.
عن رسول الله (ص) انه قال: «...وتزيد المياه في دولته..وتمد الانهار، وتضعف الارض اكلها وتستخرج الكنوز كلها».
وفي رواية عنه (ص): «...تمد الانهار، وتفيض العيون، وتنبت الارض ضعف اكلها».
وممهدات العمران تتحقق بالايمان بالله تعالى والتقوى والاستغفار والالتزام بالمنهج الالهي، وهذه سنة من سنن الله تعالى في الكون والحياة، وكما جاء في الآيات الكريمة:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
(وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)...).
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَاراً).
(وَأَ لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَاءً غَدَقاً).
ومن الطبيعي ان يكون المجتمع المرتقب لظهور الامام (عج) متوجهاً للاستغفار والتوبة، ولتقوى الله، والالتزام بتعالميه واوامره، والانتهاء عن نواهية، وكذلك وجود الدولة والحكومة العادلة التي ترعي كل ذلك وتوجه المجتمع نحو الله تعالى ليسموا ويتكامل في ظل المفاهيم والقيم والموازين الالهية.
وستحقق سنة الله تعالى التي تتبع تلك المقدمات، وتكون جزاء لاخلاص الانسانية وتجردها لله تعالى بعد التمحيص الطويل الواقع في طريق العودة الى المفاهيم والقيم الالهية وجعلها الحاكمة على الافكار والعواطف والممارسات.
وكثرة المياه تساهم مساهمة فعالة واساسية في نمو الحركة العمرانية وفي مختلف جوانبها ومنها:
1. اصلاح الاراضي الزراعية.
2. نمو النباتات الطبيعية.
3. كثرة الماشية.
4. كثرة الطيور.
5. ازدياد الثروة السمكية.
6. ازدياد الطاقة الكهربائية.
7. توسع المواصلات البحرية.
وقال ايضاً: «واذا منعوا الخمس بلوا بالسنين الجدبة».
4.البغي والظلم.
قال الامام على (ع) «البغي يسلب النعمة».
1. الذنوب.
قال الامام علي (ع) «ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها لان الله ليس بظلام للعبيد، ولو ان الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم، فزعوا الى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد، واصلح لهم كل فاسد».
2. الاعمال السيئة.
قال الامام علي (ع): «ان الله يبتلي عباده عند الاعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات واغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر».
3. اهمال الدول والشعوب للمشاريع العمرانية.
4. الامراض الجسمية والنفسية.
5. تكديس الثروة.
10.الاحتكار.
11.الكسل والتواكل.
12.غياب الابداع والطموح بالتطور.
13.الربا.
14.الاسراف والتبذير.
15.الغش والاستغلال.
16.اتلاف المال بالمنكرات:
- شرب الخمر.
- لعب القمار.
- الملاهي.
- الانحراف الجنسي.
17.انفاق المال على السجناء.
18.انفاق المال والثروات على الاسلحة والحروب.
19.عدم الاهتمام باصحاب الكفاءات.
20.كثرة الوسطاء في المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية.
21.كثرة العاطلين عن العمل.
22.سوء الادارة السياسية والاقتصادية.
23.عدم الاخصلاص في العمل.
24.طغيان القيم الروحية.
25.الانانية وحب الذات.
حقائق وارقام من الواقع
ان الموارد الطبيعية كافية لاشباع حاجات الانسانية الا ان الظلم بسوء التوزيع وكفران النعمة هو اهم عامل للازمة الاقتصادية، وهذه حقيقة اكدتها وقائع الحياة المعاصر، والتي سنتطرق الي بعض منها:
وصلت ثروة بعض الاميركيين الي 10 مليارات دولار في حين لا يتجاوز نصيب الانسان الافريقي دخله السنوي عن 40 دولار على احسن تقدير.
وهنالك المئات من التجار والامراء والحكام وذويهم يملكون عشرات المليارات من الدولارات، وهي كافية لاشباع حاجات المحتاجين والمعوزين والفقراء في جميع انحاء العالم.
وفي سنة 1960 اتلف مائة وخمس وعشرون مليون طن من الخبز في المخازن الامريكية، وكان هذا وحده يكفي لاشباع اكثر من خمسمائة مليون من الهنود لسنة واحدة.
وفي كل عام تتلف امريكا كميات كبيرة جداً من المواد الغذائية للاحتفاظ بذخائرها وقدرتها، وقد زاد في السنين الاخيرة ضغط الاجهزة الغربية لاستمرار القحط والجوع الموجودين في العالم.
وكتب الفيلسوف (برتراندراسل): بذلت امريكا خلال اربع عشرة سنة اربع مليارات من الدولارات لشراء فاضل الحنطة من الفلاحين، وقد بقيت ملايين الاطنان من الحنطة والشعير والذرة والجبن والزبد في مخازن الحكومة حتى فسدت، وذلك من اجل الاحتفاظ بالاسعار في الاسواق العالمية على ما هي عليه.
وانفقت مئات المليارات على تصنيع وشراء الاسلحة التقليدية واسلحة الدمار الشامل.
وانفقت عشرات المليارات من الدولارات على الحيوانات الاليفة، والى ذلك اشارت رابطة شولمان قائلة: ان اصحاب الكلاب والحيوانات الاليفة عموماً انفقوا 23 مليار دولار في العام 1998، ويتوقع ان يرتفع الى اكثر من 28 مليار دولار في العام المقبل.
وفي اسبانيا كلفت حوادث المرور بسبب تناول الخمر خزينة الحكومة 4 مليارات دولار امريكي في سنة 1998.
وفي امريكا لوحدها يوجد 15 مليون مدمن على الكحول.
وافادت الاحصائية العالمية بان عدد الاصابات بفايروس الايدز منذ بداية هذا الوباء وحتى الآن هي كالتالي:
مليون اصابة في امريكا الشمالية.
مليون اصابة في امريكا اللاتينية والحوض الكاريبي.
نص مليون اصابة في اوروبا الغربية.
اكثر من ستة ملايين اصابة في افريقيا.
مليون اصابة في جنوبي وجنوبي شرقي آسيا.
وهذه السعة من الاصابات تحتاج الى مئات الملايين من الدولارات لمكافحتها، ففي روسيا لوحدها يحتاج التصدي لهذا المرض الى 70 مليون دولار ولثمانين الف اصابة حسب الاحصاءات الرسمية.
والاصابة بالايدز تعني تعطيل الانسان عن العمل اولا وانفاق الثروة على معالجته والوقاية منه والحد من انتشاره، وكذا الحال في بقية الامراض الناجمة عن الانحراف والشذوذ الجنسي، اضافة الى الامراض النفسية التي تكلف ملايين الدولارات للعلاج.
وتنفق مليارات الدولارات على اللهو والمجون اضافة الى تعطيل الطاقات وانصرافها للعمل في الملاهي ودور الدعارة، حتى اتخذ الملايين من النساء والرجال البغاء والدعارة حرفة.
وعلى الرغم من قدرة الدول على توفير فرص العمل الا انها لم تتحرك تحركا حقيقياً في علاج مشكلة البطالة، ففي تقرير لمنظمة العمل الدولية: ان حوالي 820 مليون شخص من قوة العمل العالمية، عانوا من البطالة او من البطالة الجزئية في نهاية عام 1994.
ولو كان المجتمع الدولي مجتمعاً صالحاً يتبنى الدين منهاجاً في الحياة لاستثمر جميع الاراضي وجميع الطاقات البشرية من اجل البناء والعمران، ولانفقت الثروة في مجالات صلاح الارض والانسان.
وقد تنبا مفكرو الغرب بان الرفاهية لا تتحقق الا في ظل الاسلام، ومنهم المفكر موري الذي قال: (بالسلام سيصبح كوكبنا الارضي جنة نعيم، تغمر فيها السعادة الحقة خلق الله جميعاً، بالغين في ظلها ما يريد الله لهم من كمال الحياة بشطريها: المادي والروحي).
source : www.abna.ir