السرّ الثاني معرفة الإمام (عليه السلام) جوهر الزيارة
المعرفة أخصّ من العلم الذي يعني الانكشاف وانطباع صورة الشيء في الذهن ، وربما في بعض الموارد يرادفه ، والمعرفة كلّي مشكّك ذات مراتب طولية وعرضية ، اُفقيّة وعموديّة ، منها المعرفة الجلالية والجمالية والكمالية[1] ، فهي في اتّساع اُفقي وعمودي ، ومن ثمّ اهتمّ الإسلام غاية الاهتمام بكسب العلوم والمعارف ، ( بأنّ العلم أوّل دليل والمعرفة آخر نهاية ، وإنّها نور القلب وبرهان الفضل والفوز بالقدس وإيمان وحكمة ) ، ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله) :
( أفضلكم ايماناً أفضلكم معرفة ).
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) :
( إنّ المؤمنين بعضهم أفضل من بعض ، وبعضهم أكثر صلاة من بعض ، وبعضهم أنفذ بصراً من بعض ، وهي درجات ـ (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات)[2] ـ .
ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) :
( لا يقبل عمل إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، ومن عرف دلّته معرفته على العمل ، ومن لم يعرف فلا عمل له ).
ويقول الإمام الكاظم (عليه السلام) :
( من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، والعلم لقاح المعرفة ، ولقاح المعرفة دراسة العلم ، ولقاح العلم التصوّر والفهم )[3].
فقيمة زيارة الزائر بمقدار معرفته بالإمام (عليه السلام) ، وباختلاف درجات المعرفة يختلف الثواب والأجر ، فما يعطى للعالم غير ما يعطى للجاهل ، وهذا أمر واضح بالوجدان ، وربما من هذا المنطلق نجد الزيارة وقياسها بالحجّ تختلف ، كما ورد في الروايات ، فتارة يقاس بحجّة مقبولة ، واُخرى بسبعين ، وثالثة بسبعمائة ، ورابعة بألف ، وخامسة بسبعين ألف ، وسادسة بألف ألف حجّة ، وهكذا المثوبات الاُخرى ، فتأمّل.
فاسع أ يّها الزائر الكريم في زيادة معرفتك بإمامك (عليه السلام) ، فقيمة زيارتك يناط بمعرفتك ، كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال :
( يقتل حفدتي بأرض خراسان في مدينة يُقال لها طوس ، من زاره إليها عارفاً بحقّه ، أخذته بيدي يوم القيامة وأدخلته الجنّة ، وإن كان من أهل الكبائر.
قلت : جعلت فداك ، وما عرفان حقّه ؟
قال : يعلم أ نّه مفترض الطاعة غريب شهيد ، من زاره عارفاً بحقّه أعطاه الله عزّ وجلّ أجر سبعين شهيداً ممّن استشهد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حقيقة ).
العيون بسنده عن الصادق (عليه السلام) ، قال : ( سمعته يقول :
يخرج من ولد ابني موسى ، اسمه اسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فيدفن في أرض طوس وهي بخراسان ، يقتل فيها بالسمّ ، فيدفن فيها غريباً ، من زاره عارفاً بحقّه ، أعطاه الله عزّ وجلّ أجر من أنفق قبل الفتح وقاتل ).
عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، قال : ( مرّ به ابنه وهو شاب وبنوه مجتمعون عنده فقال :
إنّ ابني هذا يموت في أرض غربة ، فمن زاره مسلّماً لأمره عارفاً بحقّه ، كان عند الله جلّ وعزّ كشهداء بدر ).
السرّ الثالث - زيارة الإمام (عليه السلام) من زيارة الرسول (صلى الله عليه وآله)
الإمامة الحقّة إنّما تعني امتداد خطّ النبوّة وخلاصتها ، فهي رياسة عامّة في الدين والدنيا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بنصّ من الله سبحانه لحفظ النبوّة من الضياع والانحراف والانعدام.
فالإمام المعصوم (عليه السلام) إنّما يمثّل مقام النبوّة والولاية العظمى بعد رسول الله ، ويستخلفه في كلّ شيء إلاّ النبوّة ، فهو نفس رسول الله ومن نور واحد ، وكلّ ما يستدلّ به على ضرورة النبوة العامّة والخاصّة ولزومها وحقّانيتها ، وأ نّها بنصب ونصّ من الله عزّ وجلّ لعلمه بالعصمة ، كذلك يستدلّ على الإمامة الحقّة ـ كما هو ثابت في علم الكلام[1] ـ فمن زار الإمام (عليه السلام) بلا شكّ يكون زائراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)أيضاً ، فإنّهم من نور واحد وكلّهم نور واحد.
عن سليمان بن حفص قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول :
إنّ ابني عليّاً مقتول بالسمّ ظلماً ، ومدفون إلى جانب هارون بطوس ، من زاره كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)[2].
أمالي الصدوق بسنده عن عبد الله بن الفضل قال : كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل طوس فقال له : يا ابن رسول الله ، ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) فقال له :
يا طوسي ، من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) وهو يعلم أ نّه إمام من الله مفترض الطاعة على العباد ، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وقبل شفاعته في سبعين مذنباً ، ولم يسأل الله جلّ وعزّ عند قبره حاجة إلاّ قضاها له.
قال : فدخل موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فأجلسه على فخذه وأقبل يقبّل ما بين عينيه ، ثمّ التفت إليه فقال له :
يا طوسي ، إنّه الإمام والخليفة والحجّة بعدي ، وإنّه سيخرج من صلبه رجل يكون رضىً لله عزّ وجلّ في سمائه ولعباده في أرضه ، يقتل في أرضكم بالسمّ ظلماً وعدواناً ، ويدفن بها غريباً ، ألا فمن زاره في غربته وهو يعلم أ نّه إمام بعد أبيه ، مفترض الطاعة من الله عزّ وجلّ ، كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)[3].
فثواب وأجر زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) يترتّب على من زار الإمام الرضا (عليه السلام) أيضاً ، بل تترتّب الآثار وكذلك المقدّمات والنتائج ، وكما ورد في الخبر الشريف : أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فتدبّر