إنّ الإسلام العظیم دعا فی کثیر من تعالیمه إلى حسن الأدب والتعامل،مع الله تعالى ومع أنبیائه علیهم السلام - لا سیّما خاتمهم النبیّ محمّد صلى الله علیه وآله وسلم - ومع الناس بشکل عام. وکلّما ازداد مقام الإنسان وارتفعت درجته عند الله تعالى کلّما ازدادت الآداب ودرجة الاحترام تجاهه.
یقول الله تعالى فی محکم کتابه:﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِیرًا* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾(1)
ولا شکّ أنّ مقام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم عظیم وجلیل، وخدماته العظیمة للإنسانیة جمعاء قد اعترف بها کثیر من منصفی العالم الغربی،ولا ینکر عظمة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم إلّا کلّ جاهل أومریض قلب یعرف الحقّ وینکره.
وقد دأب الناس على احترام قیاداتهم والتأدّب معهم مزید تأدُّب، لما أدّوه من خدمات وجهد فی سبیل مجتمعاتهم.
ونحن ذاکرون بعض الآداب مع الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله وسلم قائدنا ومقتدانا الّذی له کلّ الأدب والاحترام والتبجیل.
1- أدب المحبّة
وذلک بمحبّته صلى الله علیه وآله وسلم أکثر من کلّ متعلّقاتنا وحتّى أکثر من أنفسنا، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن کَانَ آبَاؤُکُمْ وَأَبْنَآؤُکُمْ وَإِخْوَانُکُمْ وَأَزْوَاجُکُمْ وَعَشِیرَتُکُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسَادَهَا وَمَسَاکِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَیْکُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى یَأْتِیَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْفَاسِقِینَ﴾(2).
وعن رسول الله: "لا یؤمن عبد حتّى أکون أحبّ إلیه من نفسه، ویکون عترتی أحبّ إلیه من عترته، ویکون أهلی أحبّ إلیه من أهله، ویکون ذاتی أحبّ إلیه من ذاته".(3)
وهذا الحدیث یشیر إلى ضرورة حبّ أهل البیت علیهم السلام ، فمن یحبّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یلزم علیه أن یحبّ أهل بیته علیهم السلام وإلّا لا یکون محبّاً للرسول صلى الله علیه وآله وسلم.
2- أدب الاتّباع
وذلک بتحقیق تعالیم رسول الله عملیّاً فلا یکفی ادّعاء الحبّ القلبی،لأنّ حقیقة الحبّ یعنی العمل بتعالیم من تحبّ.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِن کُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللّهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ﴾(4).
روی عن رسول الله أنّه قال، حرصاً منه على اتّباع أمّته له واستقامتها: "شیّبتنی سورة هود"(5).
ونقل عن ابن عباس فی تفسیر الحدیث الشریف - آنف الذکر - أنّه ما نزل على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم آیة کانت أشدّ علیه ولا أشقّ من آیة: ﴿فَاسْتَقِمْ کَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَکَ﴾.
کما نُقل عن بعض المفسّرین أنّ أحد العلماء رأى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی المنام فسأله عن سبب ما نُقل عنه من قوله: "شیّبتنی سورة هود" أهو ما سلف من الأمم
السابقة وهلاکها؟ فبیّن له صلى الله علیه وآله وسلم أنّ سببه آیة: ﴿فَاسْتَقِمْ کَمَا أُمِرْتَ﴾(6)
فرسول الله لا شکّ فی استقامته ولکن ما کان یهمّه هو اتّباع أتباعه له واستقامتهم على طریقه.
فلنکن حریصین على قلب رسول الله وعدم أذیّته وذلک باتّباعه والاستقامة فی طریق ذات الشوکة.
3- أدب الصلاة علیه
وذلک بالصلاة علیه عند ذکره،قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا﴾(7).
ونلاحظ فی الآیة الکریمة أنّ الله تعالى ابتدأ بالصلاة على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ثمّ الملائکة وبعد ذلک أمر المؤمنین أن یُصلّوا علیه، وهذا ما یدلّ على أهمیّة هذا الأدب وإلى أیّ مستوى رفیع قد وصل، إلى حدّ أنّ الله تعالى بعظمته وعزّته وجلاله والملائکة بمقامهم قاموا بفعل هذا الأدب.
وعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أنّ قوماً من أصحابه سألوه عند نزول هذه الآیة علیه فقالوا: یا رسول الله، قد علمنا کیف نُسلّم علیک، فکیف نُصلّی علیک؟ فقال: "تقولون: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد کما صلّیت على إبراهیم وعلى آل إبراهیم إنّک حمید مجید"(8).
فبیّن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أنّ الصلاة علیه الّتی افترض الله عزّ وجلّ علیهم أن یصلّوها علیه، ملازمة للصلاة على أهل بیته علیه السلام.
وعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "لا تصلّوا علیّ الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون: "اللهمّ صلِّ على محمّد "وتمسکون بل قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد"(9).
عن الإمام أبی عبد الله علیه السلام قال: "سمع أبی رجلاً متعلّقاً بالبیت وهو یقول: اللهمّ صلِّ على محمّد، فقال له أبی: یا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقّنا قل: اللهمّ صلِّ على محمّد وأهل بیته" (10).
وقد دعانا الإمام علیّ علیه السلام إلى الإکثار من الصلاة على النبیّ وآله: "نحمده بالحمد الّذی ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شریک له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خفّ میزان ترفعان منه وثقل میزان توضعان فیه وبهما الفوز بالجنّة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنّة وبالصلاة تنالون الرحمة، أکثروا من الصلاة على نبیّکم: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا﴾...(11)
4-5- أدب الاحترام والدفاع
وذلک باحترام الرسول وتوقیره والدفاع عنه،یقول سبحانه: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِیرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾(12).
کلمة "تعزّروه" مشتقة من مادة عزر، وهو فی الأصل یعنی "المنع" ثمّ توسّعوا فیه فأطلق على کلّ دفاع ونصرة وإعانة للشخص فی مقابل أعدائه.
وکلمة "توقّروه" مشتقّة من مادّة توقیر، وجذورها "الوقر" ومعناها الثقل. فیکون معنى التوقیر هنا التعظیم والتکریم والاحترام.
6-7- أدب عدم التقدّم على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وخفض الصوت
وقد نهى الله تعالى عن أفعال فیها عدم احترام لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ،فقال سبحانه وتعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ * یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِیمٌ * إِنَّ الَّذِینَ یُنَادُونَکَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَکْثَرُهُمْ لَا یَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ لَکَانَ خَیْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ﴾(13).
ففی الآیات ذکر ثلاثة آداب:
أ - عدم التقدُّم على الله ورسوله: والمراد من عدم التقدُّم بین یدی الله ورسوله هو أن لا یُقترح علیهما فی الأمور، وترک العجلة والإسراع أمام أمر الله ورسوله.
إنّ مسؤولیة انضباط السائرین إزاء القادة وخاصّة إزاء القادة الإلهیین تقتضی ألّا یتقدّموا علیهم فی أیّ عمل وقول ولا یعجل أحد عندهم.
ب- عدم رفع الصوت عند رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: فقد جعل الله سبحانه رفع الصوت عنده سبباً من أسباب حبط العمل، وینبغی العلم أنّ هذا الأدب یجب التأدُّب به فی حیاة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وبعد مماته ویکون هذا الأدب بعد مماته بألّا یرفع المرء صوته عند زیارة قبره الشریف مثلاً.
ج- عدم الجهر بالقول عند مخاطبته صلى الله علیه وآله وسلم: بل یخفض الصوت عند التّکلم معه احتراماً له.
8- أدب المناداة
وقال تعالى تأکیداً على احترام رسول الله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَیْنَکُمْ کَدُعَاء بَعْضِکُم بَعْضًا قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنکُمْ لِوَاذًا فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ﴾(14).
فهذا یعنی أنّه عندما تدعون النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم فینبغی أن تدعوه بأدب واحترام یلیق بمنزلته، ولیس کما تدعون بعضکم بعضاً.
وسبب نزول هذه الآیة یکمن فی أنّ جماعة من المسلمین لم یتعلّموا - بعد - الآداب الإسلامیة فی التعامل مع الرسول صلى الله علیه وآله وسلم ، فکانوا ینادونه صلى الله علیه وآله وسلم بعبارة: یا محمّد ! وهذا لا یلیق بنداء قائد إلهی کبیر.
وتستهدف الآیة تعلیم الناس أن یدعوا الرسول صلى الله علیه وآله وسلم بعبارات رزینة وبأسلوب مؤدّب، کأن یدعوه رسول الله، أو نبیّ الله أو نبیّ الرحمة أو خاتم النبیّین أو سیّد المرسلین.
فحریّ بالمؤمن إن سمع هذا أن یتأدّب بهذا الأدب فلا یذکر اسم نبیّه صلى الله علیه وآله وسلم إلّا ومقروناً بکلمة رسول الله أو نبیّ الله وأمثال ذلک.
اللهمّ زدنا محبّة لرسولک وأهل بیته الأطهار.
اللهم زدنا اتّباعاً لتعالیم رسولک وأهل بیته الأطهار.
اللهم زدنا توقیراً وتعزیراً لرسولک وأهل بیته الأطهار.
اللهمّ صلِّ على محمّد رسولک وعلى آله الأطهار وعلى جمیع الأنبیاء والمرسلین.
ثمرة الجدال بالتی هی أحسن
فی قوله تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا﴾ نزلت فی وفد تمیم وهم عطارد بن حاجب بن زرارة فی أشراف من بنی تمیم، منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، وقیس بن عاصم فی وفد عظیم، فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم من وراء الحجرات أن اخرج إلینا یا محمّد، فآذى ذلک رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فخرج إلیهم فقالوا: جئناک لنفاخرک، فأذن لشاعرنا وخطیبنا، قال: أذنت، فقام عطارد بن حاجب وقال: الحمد لله الّذی جعلنا ملوکاً الّذی له الفضل علینا، والّذی وهب لنا أموالاً عظاماً نفعل بها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق، وأکثر عدداً وعدّة، فمن مثلنا فی الناس؟فمن فاخرنا فلیعد مثل ما عددنا، ولو شئنا لأکثرنا من الکلام، ولکنّا نستحیی من الإکثار.
ثمّ جلس، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لثابت بن قیس بن شماس: قم فأجبه، فقام فقال: الحمد لله الّذی خلق السماوات والأرض خلقة، وقضى فیه أمره، ووسع کرسیه علمه، ولم یکن شیء قطّ إلّا من فضله، ثمّ کان من فضله، أن جعلنا ملوکاً، واصطفى من خیر خلقه رسولا أکرمه نسباً، وأصدقه حدیثاً، وأفضله حسباً، فأنزل علیه کتاباً وائتمنه على خلقه، فکان خیرة الله على العالمین، ثمّ دعا الناس إلى الإیمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه، وذوو رحمه، أکرم الناس أحساباً، وأحسنهم وجوهاً، فکان أوّل الخلق إجابة، واستجاب لله حین دعاه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فنحن أنصار رسول الله وردؤه، نقاتل الناس حتّى یؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن نکث جاهدناه فی الله أبداً، وکان قتله علینا یسیراً، أقول: هذا وأستغفر الله للمؤمنین والمؤمنات، والسلام علیکم.
ثمّ قام الزبرقان بن بدر ینشد وأجابه حسان بن ثابت، فلما فرغ حسان من قوله قال الأقرع: إنّ هذا الرجل خطیبه أخطب من خطیبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا، فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فأحسن جوائزهم وأسلموا(15).
المصادر :
1- سورة الفتح* 8 ،9
2- سورة التوبة، الآیة: 24.
3- بحار الأنوار، ج 17، ص 14.
4- سورة آل عمران، الآیة: 31.
5- نور الثقلین، ج 2، ص 334.
6- سورة هود، الآیة: 112* روح المعانی، ج 2، ص 206.
7- سورة الأحزاب، الآیة: 56.
8- دعائم الإسلام، القاضی النعمان المغربی، ج،1 ص29.
9- الحدائق الناضرة، المحقق البحرانی، ج8، ص465، رواه عن ابن حجر فی صواعقه.
10- الکافی، ج2، ص495.
11- سورة الأحزاب، الآیة: 56.* م.ن، ج8، ص19.
12- سورة الفتح، الآیتان: 8 9.
13- سورة الحجرات، الآیات: 1 5.
14- سورة النور، الآیة: 63.
15- بحار الانوار،ج17،ص21-22.
source : .www.rasekhoon.net