محمد التیجانی السماوی (موالید 1943 فی قفصة بتونس) عالم دین تونسی. نشأ فی عائلة تنتمی للمذهب المالکی وبانتماء آخر إلى الطریقة الصوفیة التیجانیة ولذلک سمی بالتیجانی. کان محمد التیجانی مسلما صوفیاً ثم غیر مذهبه إلی المذهب الشیعی خلال سفرة ذهب فیها من تونس إلی لیبیا ثم مصر ولبنان وسوریا ونهایة إلی العراق، وهناک التقی بعلماء شیعة و تأثر بمعتقداتهم وفقههم وبعد رجوعه إلی تونس بدأ بالبحث واختار المذهب الشیعی.
محمد التیجانی السماوی
محمد التیجانی السماوی یتشرف بزیارة الامامین الجوادین علیهما السلام
محمد التیجانی السماوی
تشرف السید محمد التیجانی السماوی المستبصر التونسی المعروف بزیارة الإمامین الجوادین (علیهما السلام) بعد غیاب طویل دام أکثر من ثلاثین عاماً وکان لنا معه هذا اللقاء طرحنا علیه بعض الأسئلة وقد أجاب مشکوراً
* اهلاً وسهلاً بکم وانتم تتشرفون بزیارة الإمامین الجوادین (علیهما السلام)؟
ـ أهلاً وسهلاً بکم جمیعاً وأنا أتشرف بزیارتکم بصحبة الإمامین الجوادین (علیهما السلام).
* ماذا تمثل لکم هذه الزیارة المبارکة وانتم فی رحاب الإمامین (علیهما السلام)؟
ـ أولاً تمثل لی أنی التقیت بأجدادی بعد غیاب طویل دام أکثر من ثلاثین عاماً وانی لما دخلت لم أتمالک نفسی من البکاء لأنی تذکرت تلک الأیام القاحلة التی مرت من حیاتی عندما کنت مالکیاً متعصباً ضد الشیعة، وأول دخولی کما ذکرت فی کتاب ثم اهتدیت قلت: اللهم أن کان هذا من المؤمنین فأرحمه لأنی ما کنت اعتقد أن هناک أئمة (علیهم السلام) لأنی کنت أجهلهم والحمد لله فی هذا الیوم جددت العهد مع أجدادی وأحسست أنی فی أحضانهم.
* ظهرت فی السنوات الأخیرة حملات شعواء لمحاربة الإسلام المحمدی الأصیل وقد رکزوا بحربهم على فکر أهل البیت (علیهم السلام) بماذا تنصحون الأقلام والکتاب والشباب فی مثل هذه الظروف؟.
ـ أولاً أنا مستبشر خیراً لأن الله سبحانه وتعالى قال: (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُواْ یُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِیَصُدُّواْ عَن سَبِیلِ اللّهِ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ یُغْلَبُونَ وَالَّذِینَ کَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ)، فکم من داعیة وشعائر سیقتلها الله سبحانه وتعالى لأن الله بشر عباده المؤمنین قال: (یُرِیدُونَ أَن یُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَیَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ)، هذه أفواه تتکلم وهذا تعبیر الله سبحانه فی القرآن بالدعایة والشعائر، وهذه الدعایات والشعائر باءت بالفشل وستبوء بالفشل، وتسمع الآن صیحات فی کل العالم أن هناک هِلالاً شیعیاً بدأ یکبر وهذا الهلال سوف یصبح قمراً ثم شمساً لیضیء لکل العالم .
* هل لکم أن تنقلوا لنا صورة موجزة عن جهادکم الفکری فی سبیل مذهب الحق؟
ـ صورة موجزة أنا جبت أغلب الدول الإفریقیة وهناک فی العالم أکثر من ملیونی مستبصر فی العالم من أهل السنة استبصروا والإسلام المحمدی الأصیل کما تفضلتم وهم یقولون نحن اهتدینا ببرکة کتاب ثم اهتدیت وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى وفی شمال أفریقیا فی تونس والجزائر والمغرب هناک مستبصرون وعندنا مئات الآلاف، وبدأ الناس یتذوقون فکر أهل البیت لأنهم کانوا شبه نائمین وهذا الشیء یبشر بخیر، وبدأ الناس یتسألون عن الشیعة والتشیع .
* کیف وجدتم العتبة الکاظمیة الیوم من حیث المشاریع العمرانیة والخدمیة؟.
ـ نعم وجدتها بهیئة وبحلة سندسیة ذهبیة والوجوه الطیبة المستبشرة الفرحة هذه کلها تشیر بأن مستقبل العراق مستقبل واعد وزاهر وانه سوف یستعید عافیته ویعید کرامته وعزته ویعید لکل العتبات المقدسة مع طلبة العلوم والعلماء الأفاضل إنشاء الله فی أقرب الأوقات أتمنى ذلک على الله بعد تخلص من زمر البعثیین والمجرمین وأصبح الان بید أناس أمناء على الوطن .
اعتمد الدکتور محمد التیجانی على العقل السلیم والفهم القویم، ثمّ شدّ الرحال فی دنیا المعتقدات وفی خضم المدارس المذهبیة والفلسفات الدینیة، من أجل تمحیص الحق ومعرفته بین رکام الباطل، فوزن الأقوال بمیزان العدل لیرجح کفة المعقول، وقارن الکلام والأحادیث لیتبین له المنطقی من اللامعقول والقوی من المهزول، وبذل أقصى جهده لمعرفة الحق، فتلقته الالطاف الإلهیة وشملته التسدیدات الربانیة، فأنارت قلبه لیرى الحق حقاً لا غبار علیه ولیرى الباطل باطلا لا لبس فیه، ثم شرح الباری صدره وهداه سواء السبیل، ثم وفّقه لیکون سبباً فی هدایة جمع غفیر، قرؤوا کتبه واستمعوا إلى محاضراته فزالت عن بصیرتهم الحجب الداکنة وعرفوا السبیل إلى الطریق الآمنة.
المولد والنشأة:
ولد الدکتور محمد التیجانی السماوی عام 1943م بمدینة قفصة الواقعة فی جنوب دولة تونس، درس العلوم الدینیة والعلوم الحدیثة فی بلاده، وانهى دراسته فی جامعة الزیتونة العریقة فی القدم، عمل فی سلک التدریس 17 عاماً، حصل على شهادة الماجستیر من جامعة باریس وکانت اطروحته التی قدّمها حول المقارنة بین الأدیان، ثم حاز على شهادة الدکتوراه من جامعة السوربون وذلک بعد قبول اطروحته التی قدمها لهذه الجامعة تحت عنوان: "النظریات الفلسفیة فی نهج البلاغة".
نشأ وترعرع فی أوساط عائلة متدینة منتمیة إلى المذهب المالکی ومتشربة بالطریقه الصوفیة التیجانیة المنتشرة فی شمال أفریقیا.
انتهز الأجواء الدینیة المحیطة له لینال اسمى درجات التکامل العلمی والمعرفی والدینی فی أقصر مدة ممکنة، فحفظ نصف القرآن وهو بعد لم یبلغ العاشرة من عمره، وقد تشرّف بحج بیت الله الحرام وله من العمر ثمانیة عشر عاماً.
بدایة اثارة التساؤلات حول العقیدة الموروثة:
التقى الدکتور التیجانی خلال اقامته فی مکة اثناء أداء فریضة الحج بمجموعة من العلماء الوهابیین واستمع إلى محاضراتهم فانجذب إلى جملة من أفکارهم وتأثر ببعض مبادئهم التی نالت اعجابه.
لکنه بعد العودة إلى بلده وجد أن ما حمل معه من الفکر الوهابی یتناقض ویصطدم مع الطقوس الصوفیة، فاعترته حالة من التشویش الفکری ونشأ فی نفسه صراعاً سلب منه حالة الاعتدال والتوازن، فبقی متحیراً بین الأخذ بعقیدة تعتبر التوسل بغیر الله شرک وبین الطریقة الصوفیة التی فیها یتم التقرب إلى الله عن طریق التوسل بالأولیاء الصالحین.
وکان دأب الدکتور التیجانی هو کثرة السفر لا سیما خلال العطل الصیفیة، فصادف ذات یوم خلال سفره من الاسکندریة إلى بیروت أن تعرّف فی الباخرة على شخص عراقی وهو استاذ فی جامعة بغداد اسمه منعم، وقد جاء إلى القاهرة لتقدیم اطروحة الدکتوراه فی الأزهر.
فدار بینهما حدیث طویل أدى إلى توثیق العلاقة بینهما، وتحدث معه الاستاذ منعم بکلام نزل على قلب الاستاذ التیجانی نزول الماء الزلال على قلب العطشان فتحوّل إلى باحث طالب للحق.
ثمّ دعاه الاستاذ منعم لزیارة العراق للاتصال بعلماء الشیعة، وتعهّد له بتکفل جمیع نفقات سفره ذهاباً وإیاباً، وذکر له أن اقامته بالعراق ستکون معه فی بیته.
ففرح الدکتور التیجانی بهذا العرض وجعل فی قرارة نفسه أن یلبّی دعوة الاستاذ فی أوّل فرصة ممکنة.
سفر الدکتور التیجانی إلى العراق:
وبالفعل تحققت امنیة التیجانی لرؤیة عاصمة الدولة العباسیة، فسافر إلى العراق ونزل ضیفاً عند الاستاذ منعم، ثم التقى هناک بکبار علماء الشیعة فی مدینة النجف الأشرف کالسید الخوئی والشهید الصدر والکثیر من الاساتذة.
فانکشف له خلال ذلک قلة مستوى المامه بالتاریخ الاسلامی، وعرف أن سبب ذلک هو أن الاساتذة والمعلمین الذین تتلمذ على أیدیهم کانوا یمنعونه من قراءة التاریخ مدّعین بأنه تاریخ أسود مظلم لا فائدة من قراءته.
کما تبیّن للدکتور التیجانی أن جمیع الصور السلبیة التی کان یعتقد بها عن الشیعة لیست إلاّ إشاعات وإدعاءات باطلة وأنّ التشیّع یحمل فکراً منطقیاً یدخل العقول بدون استئذان، ثمّ تحاور عدّة مرّات مع صدیقه الاستاذ منعم، فیقول الدکتور التیجانی فی وصفه لهذه الحوارات: "کان کلامه یطرق سمعی وینفد إلى قلبی ویجد فی نفسی صدىً إیجابیاً".
وکان لکلام السید الخوئی مع الدکتور حول التشیّع وقع خاص، فیقول الدکتور فی ذلک: "بقیت اُفکر فی أقواله وأنا مطرق أحلل واتذوق هذا الحدیث المنطقی الذی نفذ إلى اعماقی وازال غشاوة عن بصری".
ویقول الدکتور التیجانی عن لقائه بالشهید محمد باقر الصدر وأجوبته حول الاستفسارات التی کانت تدور فی خاطره: "کانت اجوبة السید محمد باقر الصدر واضحة ومقنعة... وبقیت بین الشک والحیرة، الشک الذی أدخله علماء الشیعة فی عقلی، لأنّ کلامهم معقول ومنطقی".
الانفتاح على کتب الشیعة:
بعد رجوع الدکتور التیجانی إلى أرض الوطن فوجىء عند دخوله إلى المنزل بکثرة الکتب التی بعثها علماء وفضلاء الشیعة الذین أخذوا عنوانه ووعدوه بارسال الکتب إلیه.
ففرح بهذه الهدیة الثمینة ونظم الکتب فی مکتبته ثمّ بدأ بمطالعة الکتب المرسله له، فقرأ کتاب (عقائد الإمامیة) و(أصل الشیعة واُصولها) فارتاح ضمیره لتلک العقائد التی یرتئیها الشیعة، ثمّ قرأ کتاب (المراجعات) للسید شرف الدین الموسوی، ولم یقرأ منه بضع صفحات حتى استهواه هذا الکتاب وانشد إلیه انشداداً لا یوصف حیث یقول الدکتور التیجانی عن انطباعه فی هذا المجال: "کان الکتاب بحق یمثّل دوری کباحث یفتش عن الحقیقة ویقبلها أینما وجدت، وعلى هذا کان الکتاب مفیداً جداً وله فضل علیّ عمیم".
وکان من أهم المقاطع التی ادهشته فی هذا الکتاب هی عدم امتثال الصحابة لأوامر الرسول فی عدّة مواقف والتی منها حادثة رزیة یوم الخمیس، فیقول الدکتور: "لم أکن أتصور أن سیدنا عمر بن الخطاب یعترّض على أمر رسول الله ویرمیه بالهجر، وظننت بادئ الأمر أن الروایة من کتب الشیعة، وازدادت دهشتی عندما رأیت العالم الشیعی ینقلها من صحیح البخاری وصحیح مسلم، وقلت فی نفسی: إن وجدت هذا فی صحیح البخاری فسیکون لی رأی".
فلمّا وقع کتاب البخاری بیده جعل یتصفحه باحثاً فیه عن رزیة یوم الخمیس متمنیاً أن لا یعثر علیها، فیقول: "ورغم أنفی وجدتها وقرأتها مرّات عدیدة فکانت کما نقلها السید شرف الدین وحاولت تکذیب الحادثة برمتها واستبعدت أن یقوم سیدنا عمر بذلک الدور الخطیر ولکن أنى لی تکذیب ما ورد فی صحاحنا وهی صحاح أهل السنة والجماعة التی ألزمنا بها أنفسنا وشهدنا بصحتها".
بدایة التوجه إلى البحث الجاد:
أدرک الدکتور التیجانی أنه بحاجة إلى دراسة معمقة وبحث جاد فی رحاب العقیدة لیتمکّن من الوصول إلى الحقیقة، کما أدرک أن الأمر هذا لا یتحقق إلاّ بالاعتماد على الأحادیث الصحیحة والابتعاد عن المؤثرات العاطفیة والتعصّبات المذهبیة والنزعات القومیة أو الوطنیة.
فخاض فی هذا المضمار بروح بناءه وعقلیة منفتحة محاولا عدم التهرّب من الحقیقة وعدم محاولة طمسها عندما لا تتماشى مع میوله وأهوائه وأغراضه، فواجه نصوصاً صریحة قلبت عنده الموازین، ثمّ أدرک الحق الذی لا یصل إلیه إلاّ الذی یتحرر عن تعصّبه الأعمى وکبریائه وینصاع للدلیل الواضح.
الشک والحیرة ثمّ الاستبصار:
بقی الدکتور التیجانی متحیّراً لفترة تتجاذبه الأفکار وتموج به الظنون والأوهام، خائفاً من مواصلة البحث لا سیّما حول تاریخ الصحابة خشیة أن یقف على بعض المفارقات المذهلة فی سلوکهم، فاستغفر الله مرّات عدیدة ثمّ قرّر عدم مواصلة البحث، لکن دفعه حرصه على بلوغ الحقیقة إلى أن یقحم نفسه فی البحث والتتبّع فی مجال العقیدة لیکون على بصیرة من أمره.
واستمر فی بحثه مقتحماً جمیع العقبات التی کانت تعتری سبیله حتى أشرقت له الحقیقة، فأبدل أفکاراً متحجّرة متعصّبة تؤمن بالتناقضات بأفکار نیّرة متحرّرة ومنفتحة تؤمن بالدلیل والحجّة والبرهان.
فیقول فی هذا الجانب: "غسلت دماغی من أوساخ رانت علیها ـ طوال ثلاثین عاماً ـ أضالیل بنی أمیة، وطهّرته بعقیدة المعصومین الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً".
وصف حالة الاستبصار
یقول الدکتور التیجانی حول استبصاره: "کان التحوّل بدایة السعادة الروحیة، إذ أحسست براحة الضمیر وانشرح صدری للمذهب الحقّ الذی اکتشفته أو قل للإسلام الحقیقی الذی لا شکّ فیه، وغمرتنى فرحة کبیرة واعتزاز بما أنعم الله علیّ من هدایة ورشاد.
ولم یسعنی السکوت والتکتم على ما یختلج فی صدری، وقلت فی نفسی: لابد لی من افشاء هذه الحقیقة على الناس (وأما بنعمة ربک فحدّث) وهی من أکبر النعم، أو هی النعمة الکبرى فی الدنیا وفی الآخرة".
ویضیف قائلا: "والذی زاد شعوری یقیناً لنشر هذه الحقیقة هو براءة أهل السنة والجماعة الذین یحبّون رسول الله وأهل بیته ویکفی أن یزول الغشاء الذی نسجه التاریخ حتّى یتّبعون الحقّ".
مؤلفاته:
الیف - ثم اهتدیت:
طبع عشرات الطبعات فی بریطانیا ولبنان وایران و...
وسیصدر عن مرکز الأبحاث العقائدیة بتحقیق جدید وتعلیقات وردّ على الشبهات التی أثیرت حوله مع إضافات للمؤلّف، وذلک ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلین.
ذکر المؤلف فی تعریفه لهذا الکتاب: "هو قصة رحلة، قصة اکتشاف جدید، لیس اکتشافاً فی عالم الاختراعات التقنیة أو الطبیعیة، ولکن فی دنیا المعتقدات فی خضم المدارس المذهبیة والفلسفات الدینیة".
وبیّن المؤلف فی بدایة الکتاب لمحة وجیزة عن حیاته، ثم ذکر کیفیة استبصاره والتقائه بعلماء الشیعة، وقد طرح جملة من المواضیع على طاولة البحث منها:
الصحابة عند السنة والشیعة
رأی القرآن فی الصحابة
رأی الرسول فی الصحابة
رأی الصحابة بعضهم ببعض
الأحادیث الصحیحة فی وجوب اتباع أهل البیت(علیهم السلام)
مصیبتنا فی الاجتهاد مقابل النص
وقد کان هذا الکتاب سبباً فی استبصار الکثیر من الناس واعتناقهم لمذهب أهل البیت(علیهم السلام). فلهذا ترجم هذا الکتاب إلى العدید من اللغات منها:
(1) الأردو: ترجمه روشن علی صاحب نجفی، وصدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(2) الانجلیزیة: صدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(3) الفرنسیة: صدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(4) الترکیة: ترجمة حسن یلدرم، وصدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(5) الفارسیة: ترجمة السید محمد جواد المهری، وصدر عن مؤسسة المعارف الاسلامیة، وطبعت الترجمة حتى سنة 1997م عشرین طبعة.
(6) السواحلیة: ترجمة موسى باه شعبان ما پیندا، وصدر فی تنزانیا سنة 1420هـ.
ب - لأکون مع الصادقین:
طبع عدّة مرّات، وکانت طبعته الثانیة عن المؤسسة الجامعیة للدراسات الاسلامیة سنة 1993م.
سیصدر عن مرکز الأبحاث العقائدیة بتحقیق جدید وتعلیقات وردّ على الشبهات التی أُثیرت حوله، وذلک ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلین.
ذکر المؤلف فی مقدمة هذا الکتاب: "لقی کتابی "ثم اهتدیت" قبولا حسناً لدى القرّاء الأعزاء الذین أیدوا بعض الملاحظات الهامة حول موضوعات متفرقة فی الکتاب المذکور وطلبوا المزید من التوضیح فی المسائل التی اختلف فی فهمها کثیر من المسلمین سنة وشیعة، ومن أجل رفع اللبس والغموض عن ذلک لمن أراد التحقیق والوقوف على جلیة الأمر فقد ألفت هذا الکتاب بنفس الاُسلوب الذی اتبعته هناک، لیسهل على الباحث المنصف الوصول إلى الحقیقة من أقرب سبلها، کما وصلت إلیها من خلال البحث والمقارنة".
ویحتوی هذا الکتاب على أربعة فصول:
الفصل الأول: القرآن عند السنة والشیعة الإمامیة.
الفصل الثانی: السنة النبویة عند السنة والشیعة الإمامیة.
الفصل الثالث: العقائد عند الشیعة والسنة.
الفصل الرابع: العقائد التی یشنع بها أهل السنة على الشیعة.
ترجم هذا الکتاب إلى عدّة لغات منها:
(1) الفارسیة: ترجمة السید محمد جواد المهری وصدر عن مؤسسة المعارف الاسلامیة وصدر منه حتى 1996م ثمانی طبعات.
(2) الانجلیزیة: ترجمة حسن نجفی وصدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(3) الأردویة: ترجمة روشن علی صاحب، وصدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(4) الترکیة: صدر عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
ج - فأسألوا أهل الذکر:
طبع عدّة مرّات، وصدر فی إیران عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
وسیصدر عن مرکز الأبحاث العقائدیة بتحقیق جدید وتعلیقات وردّ على الشبهات التی أُثیرت حوله، وذلک ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلین.
ذکر المؤلف فی مقدمة الکتاب: "اقدم کتابی هذا (فاسألوا أهل الذکر) وهو جملة من الأسئلة مع الاجابة علیها من خلال مواقف وتعالیم أئمة أهل البیت(علیهم السلام)عسى أن یستفید منها المسلمون فی کل البلاد الاسلامیة، ویعملوا على تقریب وجهات النظر للوحدة المنشودة.
وهذه الأسئلة اعددتها للمسلمین الباحثین خاصة منهم أهل السنة الذین یظنون أنهم هم وحدهم المتمسکون بالسنة النبویة الصحیحة، بل ویشدّدون نکیرهم على غیرهم من المسلمین وینبزونهم بالألقاب".
ویحتوی هذا الکتاب على ثمانیة فصول تدور حول:
ـ الخالق جلّ جلاله.
ـ الرسول(صلى الله علیه وآله).
ـ أهل البیت(علیهم السلام).
ـ الصحابة عامة.
ـ الخلفاء الثلاثة أبو بکر وعمر وعثمان.
ـ الخلافة.
ـ الحدیث الشریف حسبما جاء فی صحاح أهل السنة.
ـ الصحیحین (البخاری ومسلم).
ترجم هذا الکتاب إلى عدّة لغات منها:
(1) الانجلیزیة: صدرت عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
(2) الأردویة: صدرت عن مؤسسة انصاریان ـ قم حتى سنة 1417هـ. ثلاثة طبعات وترجمه نثار أحمد زین پورى.
(3) الترکیة: صدرت عن مؤسسة انصاریان ـ قم سنة 1998 وترجمه جواد اسلامی.
(4) الفارسیة: صدرت عن مؤسسة المعارف الاسلامیة وحتى سنة 1375هـ. طبع منها اربع طبعات.
د - الشیعة هم أهل السنة:
طبع عدّة مرّات، وصدر فی ایران عن مؤسسة انصاریان ـ قم.
وسیصدر عن مرکز الأبحاث العقائدیة بتحقیق جدید وتعلیقات وردّ على الشبهات التی أثیرت حوله، وذلک ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلین.
ذکر المؤلف فی المقدمة: "هذا الکتاب الذی اضعه بین یدی المسلمین الباحثین، والذی یدور فی فلک الکتب الثلاثة السابقة عسى ان ینتفع بها بعض المثقفین والباحثین عن الحق لیعلموا أن الفرقة المستهدفة والتی تسمّى بـ "الشیعة الإمامیة" هی الفرقة الناجیة، وأنهم ـ أی الشیعة ـ هم أهل السنة الحقیقیة وأقصد بالسنة الحقیقة السنة المحمدیة التی صدع بها نبیّ الإسلام بوحی من رب العالمین".
وقد تطرّق الدکتور التیجانی فی هذا الکتاب إلى مواضیع عدیدة منها:
ـ الشیعة وأهل السنة وأسباب الفرقة والخلاف.
ـ السنة النبویة بین الحقائق والأوهام.
ـ السرّ فی انتشار المذاهب السنّیة.
ـ حدیث الثقلین عند الشیعة والسنة.
ـ التقلید والمرجعیة عند الشیعة والسنة.
ـ أئمة أهل السنة والجماعة وأقطابهم.
ـ الصحابة عند الشیعة وعند السنة.
ـ مع الدکتور الموسوی و"التصحیح".
ترجم هذا الکتاب إلى عدة لغات منها:
(1) الأردویة: صدرت عن مؤسسة انصاریان سنة 1993 وترجمه نثار أحمد زین پورى.
(2) الانجلیزیة: صدر عن مؤسسة انصاریان سنة 1995، وترجمه حسن محمد نجفی.
(3) الفارسیة: صدر عن مؤسسة المعارف الاسلامیة وحتى سنة 1376 طبعت خمس مرّات، وترجمها عباس علی براتی.
هـ - اتقوا الله:
صدر عن دار المجتبى، بیروت 1414هـ ـ 1993م.
وهو عبارة عن محاورة یدور معظمها فی بحث الإمامة واحقیة الإمام علیّ(علیه السلام)ومن ثم أهل البیت(علیهم السلام).
وقد جاء فی مقدمة الناشر: "هذه محاورة جرت بین الدکتور محمد التیجانی السماوی فی تونس مع بعض علماء السنة.
وحرصاً منا على ایصال الفکر إلى کل من یهمه التفکیر والتدقیق قمنا بعونه تعالى بتحقیقها واثبات مصادرها بشکل مفصّل کی یزول أی التباس".
ترجمه إلى اللغة الفارسیة لطیف راشدی وصدر عن انتشارات قدس ـ قم.
و - اعرف الحق:
صدر فی طبعته الاُولى سنة 1418هـ ـ 1997م عن دار المجتبى وصدر فی طبعته الثانیة سنة 1999م ـ 1420هـ. عن مکتبة باب الحوائج ـ قم.
جاء فی مقدمة الناشر: "هذا الکتاب... هو حوار شیق ذا قیمة علمیة بین الدکتور التیجانی وبعض الأخوة المتعطّشین للحق.
وقد قمنا بذکر المصادر الاساسیة کی یسهل على الباحث الوصول إلى مبتغاه بأفضل الطرق".
ز- کل الحلول عند آل الرسول:
صدر سنة 1416هـ ـ 1995م عن دار المجتبى ـ بیروت.
یقول المؤلّف فی المقدّمة: "کتاب (کل الحلول عند آل الرسول) الذی حاولت فیه جهدی تجنب القضایا الحساسة التی تثیر حفیظة البعض وتستفزهم، وبالتالی تحجبهم عن الحق فلا یصلون إلیه فینتفی الغرض من هدایتهم.
وإن کنت أعتقدُ بأنّ الاسلوب الاستفزازی الذی یحرک النفوس الأبیة والذی اعتمدته فی الکتب السابقة قد أتى بنتائج مثمرة ومذهلة، لکن لا مانع من توخی الاُسلوب اللین المسالم الذی یقنع الکثیر من الناس فتکون ثماره ألذ واشهى".
ویتضمّن هذا الکتاب جملة من المواضیع منها:
أهل البیت هم الامتداد الطبیعی لرسالة جدّهم رسول الله.
هل یقبل الاسلام التطوّر؟
الشیعة فی سطور
الشیعة وأهل السنة یردّون على الوهابیة
الحلّ فی مدرسة أهل البیت(علیهم السلام).
ترجمه إلى اللغة الفارسیة السید محمد جواد المهری، وصدر عن مؤسسة المعارف الاسلامیة ـ قم سنة 1376هـ. ش.
ک - فسیروا فی الأرض فانظروا:
صدر عن دار المحجة البیضاء ـ بیروت سنة 1420 هـ.
والکتاب عبارة عن شرح موجز عن رحلات ومذکرات الدکتور التیجانی طیلة ثلاثین عاماً امضاها فی سبیل الدعوة إلى مذهب أهل البیت(علیهم السلام) فى شتّى أنحاء العالم.
وقد قسّم المؤلف کتابه إلى قسمین:
الأوّل: رحلاته فی البلدان العربیة.
الثانی: رحلاته فی البلدان الاسلامیة والغربیة.
فکان له فی معظم البلدان التی سافر إلیها ذکریات عدیدة ومحاضرات ألقاها هناک، ودار بینه وبین علماء المذاهب الاسلامیة حوارات ومناقشات، فدوّن المؤلف منها فی کتابه هذا ما یستحق الذکر، مع مراعاة الاختصار.
وقفة مع کتابه: "ثم اهتدیت"
إن الأستاذ التیجانی السماوی مرَّ بتجربة هدایة فریدة من نوعها لها ظروفها الخاصة، قد تجلت فیها القدرة الالهیة على هدایة من تشاء من البشر، فمن رکوب السفینة التی یلتقی فیها بأحد المهتدین والحوار معه، وعبور البحر إلى حیث یُعطى تأشیرة الدخول بسرعة والتی لا یحصل علیها بسهولة عادة، إلى الدیار التی احتضت أئمة الهدى واللقاء بالعلماء الذین یسیرون على طریقهم و... و...
ومن ثم الهدایة إلى صراط أهل البیت(علیهم السلام) المستقیم، والرکوب فی سفینة النجاة والاهتداء بمصابیح هدایتهم، واعلان التشیع لهم فی ذکرى یوم الغدیر، ذلک الیوم الذی نصب فیه أولهم علناً ورسماً وأمام الجمیع من قبل رسول الله(صلى الله علیه وآله)ولیاً للمسلمین، لیهدیهم إلى سبیل الرشاد والحق والرأفة والرحمة، ولا یکرههم فی الدین بالقوة والاجبار کما فعل ویفعل الآخرون من أئمة الکفر والضلال.
والهدایة تکون من الله فهو الهادی والمضل لمن یشاء، ولکن هذا لا یعنی الجبر من الله فالله لا یهدی الکافرین والظالمین والفاسقین کما أنّه یهدی المجاهدین ومن یتبع رضوانه سبحانه وتعالى، وهذا بعض ما عرفنا الله به وهو لیس کل ما فی الأمر، لأن الهدایة من مختصات الله سبحانه وتعالى فنحن لا نعرف من قوانینها وحکمته فیها إلاّ الیسیر الیسیر، فلم یشأ الله سبحانه أن یهدی کل الناس، کما أنّ الرسول(صلى الله علیه وآله) لا یهدی من أحب من الناس بل الهدایة بید الله وحده.
ومن طبیعة الهدایة أنّها تحتاج إلى نفوس مستعدة وأرواح متشوقة، وإلاّ فإن الإنسان یستطیع أن یرفضها لو اتته فیعاند ویکابر کما فعل قوم ثمود الذین استحبوا العمى على الهدى کما عبّر القرآن الکریم(1).
والهدایة من الله سبحانه تکون على أیدی أئمة الحقّ الذین یهدون بأمره، وهؤلاء لیسوا أشخاص عادیین بل اصطفتهم الارادة الالهیة وطهّرتهم من الأرجاس فجعلتهم أئمة یستحقون الاتباع.
والهدایة تکون إلى الصراط المستقیم، وعلى المهتدی أن یسیر على الطریق ولا ینحرف عنه یمنة ولا یسرة، وعلیه فالهدایة، لیست هی الفوز والفلاح الأبدی، بل هی أول الطریق إلى الرشاد والتکامل الذی یوصل إلى الهدف المرجو من الفلاح والفوز العظیم إذا واصله الانسان، وهو طریق صعب مستصعب یوصف بأنه أحدّ من السیف وأرق من الشعرة، والسائرون علیه قلیلون غرباء فی معظم الأحیان یواصلون الطریق ولا یهمهم بعد أن اهتدوا ان لا یهتدی الآخرون بظلم أنفسهم لأنفسهم.
وکم من اُناس هم فی الظاهر مع أهل النجاة وعند الامتحان الالهی تحق علیهم الضلالة فیرتدون على أعقابهم، وکم من اُناس هم من أهل الباطل یهدیهم الله إلى الصراط المستقیم ولله فی خلقه شؤون.
الشیعة وفهمهم لمسألة التقلید:
یتحدّث الاستاذ التیجانی عن مشاهداته فی النجف الأشرف ولقاءاته فی زیارته الاولى لها مع العلماء والمثقفین والطلبة وهو لا یزال سنیاً فیقول:
"سألنی أحدهم ـ أحد الطلبة الشباب فی الحوزة العلمیة ـ ما هو المذهب المتبع فی تونس؟
قلت: المذهب المالکی...
قال: ألا تعرفون المذهب الجعفری؟
فقلت: خیر إن شاء الله، ما هذا الاسم الجدید؟ لا، نحن لا نعرف غیر المذاهب الأربعة وما عداها فلیس من الاسلام فی شیء.
وابتسم قائلا: عفواً، إنّ المذهب الجعفری هو محض الإسلام، ألم تعرف بأنّ الإمام أبا حنیفة تتلمذ على ید الإمام جعفر الصادق؟ وفی ذلک یقول أبو حنیفة: "لولا السنتان لهلک النعمان".
سکتُّ ولم أبدِ جواباً، فقد أدخل علیّ اسماً جدیداً ما سمعت به قبل ذلک الیوم، ولکنی حمدت الله أنه ـ أی إمامهم جعفر الصادق ـ لم یکن استاذاً للإمام مالک، وقلت: نحن مالکیة ولسنا أحنافاً.
فقال: إنّ المذاهب الأربعة أخذوا عن بعضهم البعض، فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعی والشافعی أخذ عن مالک وأخذ مالک عن أبی حنیفة وأبو حنیفة أخذ عن جعفر الصادق، وعلى هذا فکلهم تلامیذ لجعفر بن محمد، وهو أول من فتح جامعة إسلامیة فی مسجد جدّه رسول الله، وقد تتلمذ على یدیه أکثر من أربعة آلاف محدّث وفقیه".
ثمّ أضاف: "کیف تقلّد میّت بینک وبینه أربعة عشر قرناً، فإذا أردت أن تسأله الآن عن مسألة مستحدثة فهل یجیبک؟
فکرت قلیلا وقلت: وأنت جعفرک مات أیضاً منذ أربعة عشر قرناً فمن تقلد؟
أجاب بسرعة: نحن نقلّد السید الخوئی فهو إمامنا.
ولم أفهم أکان الخوئی أعلم أم جعفر الصادق...".
ثمّ یتحدث الاستاذ التیجانی عن لقائه بأحد المراجع الکبار فیقول:
"رجعنا بصحبة السید الذی أولانی من الرعایة والعنایة وحسن الضیافة ما أنسانی أهلی وعشیرتی، وأحسست بأنی لو بقیت معه شهراً واحداً لتشیعت لحسن أخلاقه وتواضعه وکرم معاملته، فلم أنظر إلیه إلاّ وابتسم فی وجهی وابتدرنی بالکلام، وسألنی هل ینقصنی شیء، فکنت لا اغادره طیلة الأیام الأربعة إلاّ للنّوم، رغم کثرة زوّاره والعلماء الوافدین علیه من کل الأقطار، فقد رأیت السعودیین هناک ولم أکن أتصور بأنّ فی الحجاز شیعة، وکذلک علماء من البحرین ومن قطر ومن الامارات ومن لبنان وسوریا وإیران وافغانستان ومن ترکیا ومن افریقیا السوداء، وکان السید یتکلم معهم ویقضی حوائجهم ولا یخرجون من عنده إلاّ وهم فرحون مسرورون، ولا یفوتنی أن أذکر هنا قضیة حضرتها وأعجبت فی کیفیة فصلها، وأذکرها للتاریخ لما لها من أهمیّة بالغة حتى یعرف المسلمون ماذا خسروا بترکهم حکم الله.
جاء إلى السید أربعة رجال أظنّهم عراقیین عرفت ذلک من لهجتهم، کان أحدهم ورث مسکناً من جدّه الذی توفی منذ سنوات وباع ذلک المسکن إلى شخص ثان کان هو الآخر حاضراً، وبعد سنة من تاریخ البیع جاء أخوان، وأثبتا انهما وارثان شرعیان للمیّت، وجلس أربعتهم أمام السید وأخرج کل واحد منهم أوراقه وما عنده من حجج وبعدما قرأ السید کل أوراقهم وتحدّث معهم لبضع دقائق حکم بینهم بالعدل، فاعطى الشاری حقه فی التصرّف بالمسکن وطلب من البائع أن یدفع للأخوین نصیبهما من الثمن المقبوض، وقام الجمیع یقبلون یده، ویتعانقون، ودهشت لهذا ولم أصدق وسألت ـ صاحبی العراقی ـ أبا شبّر، هل انتهت القضیة؟ قال: (خلاص کلّ أخذ حقّه)، سبحان الله! بهذه السهولة، وبهذا الوقت الوجیز، بضع دقائق کافیة لحسم النزاع؟! إن مثل هذه القضیة فی بلادنا تستغرق عشر سنوات على أقل تقدیر ویموت بعضهم، ویواصل أولاده بعده تتبع القضیة ویصرفون لرسوم المحکمة والمحامین ما یکلفهم فی أغلب الأحیان ثمن المسکن نفسه، ومن المحکمة الابتدائیة إلى محکمة الاستئناف ثم الى التعقیب وفی النهایة یکون الجمیع غیر راضین بعدما یکونوا قد انهکوا بالتعب والمصاریف والرشوة، والعداوة والبغضاء بین عشائرهم وذویهم.
أجابنی أبو شبّر: وعندنا أیضاً نفس الشیء أو أکثر فقلت: کیف؟ قال: إذا رفع الناس شکواهم إلى المحاکم الحکومیة، فیکون مثل ما حکیت أما إذا کانوا یقلّدون المرجع الدینی ویلتزمون بالأحکام الإسلامیة، فلا یرفعون قضایاهم إلاّ إلیه فیفصلها فی بضع دقائق کما رأیت، ومن أحسن من الله حکماً لقوم یعقلون؟ والسید لم یأخذ منهم فلساً واحداً، ولو ذهبوا إلى المحاکم الرسمیة لتعرّت رؤوسهم.
ضحکت لهذا التعبیر الذی هو سار عندنا أیضاً وقلت: سبحان الله! أنا لا زلت مکذباً ما رأیت، ولولا ما شاهدته بعینیّ ما کنت لاصدق أبداً، فقال أبو شبّر: لا تکذب یا أخی فهذه بسیطة بالنسبة إلى غیرها من القضایا التی هی أشدّ تعقیداً وفیها دماء ومع ذلک یحکم فیها المراجع ویفصلونها فی سویعات.
إنها حادثة حرکت فی نفسی شعور الرّضا بأحکام الله سبحانه وتعالى، وفهمت معنى قوله تعالى فی کتابه المجید: (وَمَن لَّمْ یَحْکُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلِئکَ هُمُ الْکَـفِرُونَ... وَمَن لَّمْ یَحْکُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلِئکَ هُمُ الظَّــلِمُونَ... وَمَن لَّمْ یَحْکُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلِئکَ هُمُ الْفَـسِقُونَ...) (المائدة: 44 ـ 47).
کما حرکت فی نفسی شعور النقمة والثورة على هؤلاء الظلمة الذین یبدّلون أحکام الله العادلة بأحکام وضعیة بشریة جائرة، ولا یکفیهم کل ذلک بل ینتقدون بکل وقاحة وسخریة الأحکام الإلهیة، ویقولون بأنها بربریة ووحشیة لأنها تقیم الحدود فتقطع ید السارق، وترجم الزانی، وتقتل القاتل، فمن أین یا ترى جاءتنا هذه النظریات الغریبة عنّا وعن تراثنا لا شک أنها من الغرب ومن أعداء الإسلام الذین یدرکون أن تطبیق أحکام الله یعنی القضاء علیهم نهائیاً، لأنهم سرّاق، خونه، زناة، مجرمون وقتلة، ولو طبقت أحکام الله علیهم لاسترحنا من هؤلاء جمیعاً".
فلاحظ معی أخی القارىء أین کان الاستاذ التیجانی والى أین وصل، وکل ذلک بفضل الهدایة الالهیة التی جرت معه على ید العلماء العاملین المخلصین أتباع أئمة الهدى وبقیة الله فی أرضه الامام المهدی(علیه السلام).
الشیعة وزیارة القبور:
إن الباحث عن الحق لابدّ له من التأنی فی اصدار الأحکام حتى یسمع جوابات وأدلّة من یخالفه، وهذا ما کان یفعله الدکتور التیجانی الطالب للحقّ.
فیذکر التیجانی الحوار الذی دار بینه وبین أحد مراجع الشیعة آن ذاک، وکان فی ضمن ما ذکره قوله:
"قلت: إن علماء السعودیة یقولون: ان التمسح بالقبور ودعوة الصالحین والتبرّک بهم، شرک بالله، فما هو رأیکم؟
أجاب السید: إذا کان التمسح بالقبور ودعوة أصحابها بنیّة أنهم یضرون وینفعون فهذا شرک لا شکّ فیه، وإنّما المسلمون موحدون ویعلمون أنّ الله وحده هو الضارّ والنافع وإنّما یدعون الأولیاء والأئمة(علیهم السلام) لیکونوا وسیلتهم إلیه سبحانه وهذا لیس بشرک، والمسلمون سنة وشیعة متفقون على ذلک من زمن الرسول إلى هذا الیوم، عدا الوهابیة وهم علماء السعودیة الذین ذکرت والذین خالفوا اجماع المسلمین بمذهبهم الجدید الذی ظهر فی هذا القرن، وقد فتنوا المسلمین بهذا الاعتقاد وکفّروهم وأباحوا دماءهم، فهم یضربون الشیوخ من حجاج بیت الله الحرام لمجرّد قول أحدهم: السلام علیک یا رسول الله، ولا یترکون أحداً یتمسّح بضریحه الطاهر، وقد کان لهم مع علمائنا مناظرات، ولکنهم أصروا على العناد واستکبروا استکباراً.
فإن السید شرف الدین من علماء الشیعة لمّا حجّ بیت الله الحرام فی زمن عبدالعزیز آل سعود، کان من جملة المدعوین لقصر الملک لتهنئته بعید الأضحى کما جرت العادة هناک ولمّا وصل الدور إلیه وصافح الملک قدّم إلیه هدیة وکانت مصحفاً ملفوفاً فی جلد، فأخذه الملک وقبّله ووضعه على جبهته تعظیماً له وتشریفاً، فقال له السید شرف الدین عندئذ: أیها الملک لماذا تقبل الجلد وتعظّمه وهو جلد ماعز؟ أجاب الملک: أنا قصدت القرآن الکریم الذی بداخله ولم أقصد تعظیم الجلد! فقال السید شرف الدین عند ذلک: أحسنت أیها الملک، فکذلک نفعل عندما نقبّل شبّاک الحجرة النبویة أو بابها فنحن نعلم أنه حدید لا یضرّ ولا ینفع، ولکننا نقصد ما وراء الحدید وما وراء الأخشاب نحن نقصد بذلک تعظیم رسول الله(صلى الله علیه وآله)، کما قصدت أنت القرآن بتقبیلک جلد الماعز الذی یغلّفه.
فکبّر الحاضرون إعجاباً له وقالوا: صدقت، واضطر الملک الى السماح للحجاج ان یتبرکوا بآثار الرسول حتى جاءالذی بعده فعاد إلى القرار الأول ـ فالقضیة لیست خوفهم أن یشرک الناس بالله، بقدر ما هی قضیة سیاسیة قامت على مخالفة المسلمین وقتلهِم لتدعیم ملکهم وسلطتهم على المسلمین والتاریخ أکبر شاهد على ما فعلوا فی أمّة محمد(صلى الله علیه وآله)".
الصحابة عند الشیعة:
یقول الاستاذ التیجانی:
"من أهم الأبحاث التی أعتبرها الحجر الاساسی فی کل البحوث التی تقود إلى الحقیقة، هو البحث فی حیاة الصّحابة وشؤونهم وما فعلوه وما اعتقدوه. لأنهم عماد کل شیء. وعنهم أخذنا دیننا وبهم نستضیء فی الظلمات لمعرفة أحکام الله، ولقد سبق لعلماء الإسلام ـ لقناعتهم بذلک ـ البحث عنهم وعن سیرتهم. فألّفوا فی ذلک کتباً عدیدة أمثال: (أسد الغابة فی تمییز الصحابة)، و(الاصابة فی معرفة الصحابة)، و(میزان الاعتدال)، وغیرها من الکتب التی تناولت حیاة الصحابة بالنّقد والتحلیل ولکنّها من وجهة نظر أهل السنّة والجماعة.
وثمة إشکال یتلخص فی أن العلماء الأوائل غالباً ما کانوا یکتبون ویؤرخون بالنحو الذی یوافق آراء الحکام من الأمویین والعباسیین الذین عرفوا بعدائهم لأهل البیت النبویّ، بل ولکل من یشایعهم ویتبع نهجهم، ولهذا فلیس من الانصاف الاعتماد على أقوالهم دون أقوال غیرهم من علماء المسلمین الذین اضطهدتهم تلک الحکومات وشرّدتهم وقتلتهم لأنهم کانوا أتباع أهل البیت وکانوا مصدر تلک الثورات ضد السلطات الغاشمة والمنحرفة.
والمشکل الأساسی فی کل ذلک هو الصحابة، فهم الذین اختلفوا فی أن یکتب لهم رسول الله ذلک الکتاب الذی یعصمهم من الضلالة إلى قیام السّاعة واختلافهم هذا هو الذی حرم الأمّة الإسلامیة من هذه الفضیلة ورماها فی الضلالة حتى انقسمت وتفرّقت وتنازعت وفشلت وذهبت ریحها.
وهم الذین اختلفوا فی الخلافة فتوزعوا بین حزب حاکم وحزب معارض وسبّب ذلک تخلّف الأمة وانقسامها إلى شیعة علی وشیعة معاویة، وهم الذین اختلفوا فی تفسیر کتاب الله وأحادیث رسوله فکانت المذاهب والفرق والملل والنحل، ونشأت من ذلک المدارس الکلامیة والفکریة المختلفة وبرزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سیاسیة محضة تتصل بطموحات الهیمنة على السلطة والحکم...
فالمسلمون لم ینقسموا ولم یختلفوا فی شیء لولا الصحابة وکل خلاف نشأ وینشأ إنما یعود إلى اختلافهم فی الصحابة. فالربّ واحد والقرآن واحد والرسول واحد والقبلة واحدة وهم متّفقون على ذلک، وبدأ الخلاف والاختلاف فی الصحابة من الیوم الأول بعد وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله) فی سقیفة بنی ساعدة، واستمرّ إلى یوم الناس هذا وسیستمرّ إلى أن یشاء الله. وقد استنتجت من خلال الحدیث مع علماء الشیعة أنّ الصحابة فی نظرهم ینقسمون إلى ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول: وهم الصحابة الاخیار الذین عرفوا الله ورسوله حق المعرفة وبایعوه على الموت وصاحبوه بصدق فی القول وباخلاص فی العمل، ولم ینقلبوا بعده، بل ثبتوا على العهد وقد امتدحهم الله جلّ جلاله، فی کتابه العزیز فی العدید من المواقع، وقد أثنى علیهم رسول الله فی العدید من المواقع أیضاً، والشیعة یذکرونهم باحترام وتقدیس ویترضّون علیهم کما یذکرهم أهل السنّة باحترام وتقدیس أیضاً.
والقسم الثانی: هم الصحابة الذین اعتنقوا الإسلام واتّبعوا رسول الله أمّا رغبة أو رهبة، وهؤلاء کانوا یمنّون اسلامهم على رسول الله، وکانوا یؤذونه فی بعض الأوقات ولا یمتثلون لأوامره ونواهیه بل یجعلون لآرائهم مجالا فی مقابل النصوص الصریحة حتى ینزل القرآن بتوبیخهم مرة وتهدیدهم أخرى وقد فضحهم الله فی العدید من الآیات وحذّرهم رسول الله أیضاً فی العدید من الأحادیث النبویّة والشیعة لا یذکرونهم إلاّ بأفعالهم بدون احترام ولا تقدیس.
أما القسم الثالث من الصحابة: فهم المنافقون الذین صحبوا رسول الله للکید له وقد أظهروا الإسلام وانطوت سرائرهم على الکفر، وقد تقرّبوا لیکیدوا للإسلام والمسلمین عامّة وقد أنزل الله فیهم سورة کاملة وذکرهم فی العدید من المواقع وتوعّدهم بالدرک الأسفل من النار، وقد ذکرهم رسول الله(صلى الله علیه وآله) وحذّر منهم وعلّم بعضاً من أصحابه أسماءهم وعلاماتهم، وهؤلاء یتّفق الشیعة والسنّة على لعنهم والبراءة منهم.
وهناک قسم خاصّ وإنْ کانوا من الصّحابة فهم یتمیّزون علیهم بالقرابة وبفضائل خلقیة ونفسیة وخصوصیات اختصّهم الله ورسوله بها لا یلحقهم فیها لاحق، وهؤلاء هم أهل البیت الذین أذهب الله عنهم الرجّس وطهّرهم تطهیراً(2) وأوجب الصلاة علیهم کما أوجبها على رسوله، وأوجب لهم سهم من الخمس(3) کما أوجب مودّتهم على کل مسلم کأجر للرّسالة المحمدیة(4)، فهم أولوا الأمر الذین أمر بطاعتهم(5) وهم الراسخون فی العلم الذین یعلمون تأویل القرآن ویعلمون المتشابه منه والمحکم(6)، وهم أهل الذکر الذین قرنهم رسول الله بالقرآن فی حدیث الثقلین وأوجب التمسّک بهما(7)، وجعلهم کسفینة نوح من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق(8)، والصحابة یعرفون قدر أهل البیت ویعظّمونهم ویحترمونهم، والشیعة یقتدون بهم ویقدّمونهم على کل الصحابة [بل لا یقاس بهم أحد]، ولهم فی ذلک أدلّة من النصوص الصریحة.
أما أهل السنّة والجماعة مع احترامهم لأهل البیت وتعظیمهم وتفضیلهم إلاّ أنهم لا یعترفون بهذا التقسیم للصحابة ولا یعدّون المنافقین فی الصحابة، بل الصحابة فی نظرهم خیر الخلق بعد رسول الله. وإذا کان هناک تقسیم فهو من باب فضیلة السبق للإسلام والبلاء الحسن فیه، فیفضّلون الخلفاء الرّاشدون بالدرجة الاُولى ثم الستّة الباقین من العشرة المبشّرین بالجنة على ما یروونه. ولذلک تراهم عندما یصلّون على النبیّ وأهل بیته یلحقون بهم الصحابة أجمیعن بدون استثناء".
اختلاف المذاهب الأربعة فی الفقه:
یذکر التیجانی السماوی واقعة جرت له ومنها یتبین للجمیع من أین تستمد المذاهب فقهها بعد ترکهم لمذهب أهل البیت(علیهم السلام) یقول:
"فی إحدى قرى الجنوب التونسی وخلال حفل زفاف کانت النساء یتحدّثن عن فلانة زوجة فلان، واستغربت العجوزة الکبیرة التی کانت تجلس وسطهن وتسمع حدیثهنّ أن تکون فلانة قد تزوجت فلاناً ولمّا سألنها عن سبب استغرابها أخبرتهن بأنها أرضعت الإثنین فهما أخوان فی الرضاعة، ونقل النّسوة هذا النبأ العظیم إلى أزواجهن وتثبّت الرجال فشهد والد المرأة بأن ابنته أرضعتها تلک العجوز المعروفة لدى الجمیع بأنّها مرضعة کما شهد والد الزوج بأن ابنه أرضعته نفس المرضعة، وقامت قیامة العشیرتین وتقاتلوا بالعصی کلّ منهما تتهم الاخرى بأنها سبب الکارثة التی سوف تجرّهم إلى سخط الله وعقابه وخصوصاً وأنّ هذا الزواج مرّ علیه عشرة أعوام وأنجبت المرأة خلالها ثلاثة أطفال وقد هربت عند سماعها الخبر إلى بیت أبیها وامتنعت عن الأکل والشرب وأرادت الإنتحار لأنها لم تتحمّل الصدمة وکیف أنها تزوجت من أخیها وولدت منه وهی لا تعلم، وسقط عدد من الجرحى من العشیرتین وتدخّل أحد الشیوخ الکبار وأوقف المعارک ونصحهم بأن یطوفوا على العلماء لیستفتوهم فی هذه القضیة عسى أن یجدوا حلا.
فصاروا یتجوّلون فی المدن الکبرى المجاورة یسألون علماءها عن حلّ لقضیتهم وکلّما اتّصلوا بعالم وأطلعوه على الأمر أخبرهم بحرمة الزواج وضرورة تفریق الزوجین إلى الأبد وتحریر رقبة أو صیام شهرین إلى غیر ذلک من الفتاوى.
ووصلوا إلى قفصة وسألوا علماءها فکان الجواب نفس الشیء، لأنّ المالکیة کلهم یحرّمون الرضاعة ولو من قطرة واحدة اقتداء بالإمام مالک الذی قاس الحلیب على الخمر إذ أنّ (ما أسکر کثیره فقلیله حرام)، فتحرم الرضاعة ولو من قطرة واحدة من الحلیب، والذی وقع أن أحد الحاضرین اختلى بهم ودلّهم على بیتی قائلا لهم: اسألوا التیجانی فی مثل هذه القضایا فإنه یعرف کل المذاهب وقد رأیته یجادل هؤلاء العلماء عدّة مرّات فیبزّهم بالحجّة البالغة.
هذا ما نقله إلیّ زوج المرأة حرفیّاً عندما أدخلته إلى المکتبة وحکى لی کل القضیّة بالتفصیل من أوّلها إلى آخرها، وقال: "یا سیدی أنّ زوجتی ترید الإنتحار وأولادی مهملین ونحن لا نعرف حلاّ لهذه المشکلة وقد دلّونا علیک وقد استبشرت خیراً لمّا رأیت عندک هذه الکتب التی لم أشهد فی حیاتی مثلها فعسى أن یکون الحلّ عندک".
أحضرت له قهوة وفکّرت قلیلا ثم سألته عن عدد الرضعات التی رضعها هو من المرأة فقال: لا أدری غیر أنّ زوجتی رضعت منها مرّتین أو ثلاث وقد شهد أبوها بأنّه حملها مرّتین أو ثلاث مرات لتلک العجوز المرضعة، فقلت إذا کان هذا صحیحاً فلیس علیکما شیء والزواج صحیح وحلال محلّل، وارتمى المسکین علیّ یقبّل رأسی ویدیّ ویقول: بشّرک الله بالخیر لقد فتحت أبواب السکینة أمامی، ونهض مسرعاً ولم یکمل قهوته ولا استفسر منّی ولا طلب الدّلیل غیر أنّه استأذن للخروج حتى یسرع فیبشر زوجته وأولاده وأهله وعشیرته.
لکنه رجع فی الیوم التالی ومعه سبعة رجال وقدّمهم إلیّ قائلا: هذا والدی وهذا والد زوجتی والثالث هو عمدة القریة والرابع إمام الجمعة والجماعة والخامس هو المرشد الدّینی والسادس شیخ العشیرة والسابع هو مدیر المدرسة، وقد جاؤوا یستفسرون عن قضیة الرضاعة وبماذا حلّلتها؟
وأدخلت الجمیع إلى المکتبة وکنت أتوقّع جدالهم وأحضرت لهم القهوة ورحّبت بهم: قالوا إنّما جئناک نناقشک عن تحلیلک الرّضاعة وقد حرّمها الله فی القرآن، وحرّمها رسوله بقوله: یحرم بالرضاعة ما یحرم بالنّسب، وکذلک حرّمها الإمام مالک.
قلت: یا سادتی أنتم ما شاء الله ثمانیة وأنا واحد فإذا تکلّمت مع الجمیع فسوف لن أقنعکم وتضیع المناقشة فی الهامشیات، وإنّما اقترح علیکم اختیار أحدکم حتّى اتناقش معه وأنتم تکونون حکماً بینی وبینه!
وأعجبتهم الفکرة واستحسنوها، وسلّموا أمرهم إلى المرشد الدینی قائلین بأنّه أعلمهم وأقدرهم، وبدأ السید یسألنی کیف أحلّل ما حرّم الله ورسوله والأئمة؟!
قلت: أعوذ بالله أن أفعل ذلک! ولکنّ الله حرّم الرضاعة بآیة مجملة ولم یبیّن تفصیل ذلک وإنما أوکل ذلک إلى رسوله فأوضح مقصود الآیة بالکیف والکم.
قال: فإنّ الإمام مالک یحرّم الرضاعة من قطرة واحدة.
قلت: أعرف ذلک، ولکن الإمام مالک لیس حجّة على المسلمین وإلاّ فما هو قولک بالأئمة الآخرین؟
أجاب: رضی الله عنهم وأرضاهم فکلّهم من رسول الله ملتمس.
قلت: فما هو إذن حجتک عند الله فی تقلیدک الإمام مالک الذی یخالف رأیه نصّ الرسول(صلى الله علیه وآله)؟
قال محتاراً: سبحان الله أنا لا أعلم بأنّ الإمام مالک إمام دار الهجرة یخالف النصوص النبویّة، وتحیّر الحاضرون من هذا القول، واستغربوا منّی هذه الجرأة على الإمام مالک والتی لم یعهدوها من قبل فی غیری واستدرکت قائلا: هل کان الإمام مالک من الصحابة؟ قال: لا، قلت هل کان من التابعین؟ قال: لا، وإنّما هو من تابعی التابعین. قلت: فأیهما أقرب هو أم الإمام علیّ بن أبی طالب؟
قال: الإمام علیّ أقرب فهو من الخلفاء الراشدین، وتکلّم أحد الحاضرین قائلا: سیدنا علیّ کرّم الله وجهه هو باب مدینة العلم.
فقلت: فلماذا ترکتم باب مدینة العلم واتبعتم رجلا لیس من الصحابة ولا من التابعین وإنما ولد بعد الفتنة وبعدما أبیحت مدینة رسول الله لجیش یزید وفعلوا فیما ما فعلوا وقتلوا خیار الصحابة وانتهکوا فیها المحارم، وغیروا سنّة الرّسول ببدع ابتدعوها، فکیف یطمئنّ الإنسان بعد ذلک إلى هؤلاء الأئمّة الّذین رضیت عنهم السلطة الحاکمة لأنّهم أفتوها بما یلائم أهواءهم.
وتکلّم أحدهم وقال: سمعنا أنّک شیعی تعبد الإمام علیّاً فلکزه صاحبه الذی کان بجانبه لکزة أوجعته وقال له: أسکت أما تستحی أن تقول مثل هذا القول لرجل فاضل مثل هذا وقد عرفت العلماء وحتّى الآن لم ترعینی مکتبة مثل هذه المکتبة، وهذا الرجل یتکلّم عن معرفة ووثوق ممّا یقول!
أجبته قائلا: أنا شیعی هذا صحیح ولکنّ الشیعة لا یعبدون علیّاً وإنما عوض أن یقّلدوا الإمام مالک فهم یقلّدون الإمام علیّاً لأنّه باب مدینة العلم حسب شهادتکم، قال المرشد الدینی: وهل حلّل الإمام علیّ زواج الرضیعین؟ قلت: لا ولکنّه یحرّم ذلک إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة مشبعات ومتوالیات، أو ما أنبت لحماً وعظماً. وتهلّل وجه والد الزوجة وقال: الحمد لله فابنتی لم ترضع إلاّ مرتین أو ثلاث مرّات فقط، وإنّ فی قول الإمام علیّ هذا مخرجاً لنا من هذه الورطة ورحمة لنا من الله بعد أن یئسنا.
فقال المرشد: أعطنا الدلیل على هذا القول حتّى نقتنع; فأعطیتهم کتاب منهاج الصالحین للسید الخوئی، وقرأ هو بنفسه علیهم باب الرضاعة، وفرحوا بذلک فرحاً عظیماً وخصوصاً الزوج الذی کان خائفاً أن لا یکون لدیّ الدلیل المقنع، وطلبوا منّی إعارتهم الکتاب حتّى یحتجّوا به فی قریتهم فسلّمته إلیهم وخرجوا مودّعین داعین معتذرین.
وبمجرّد خروجهم من بیتی التقى بهم أحد المناوئین وحملهم إلى بعض علماء السّوء فخوّفوهم وحذّروهم بأنّی عمیل لإسرائیل وأنّ کتاب منهاج الصالحین الذی أعطیتهم إیّاه کلّه ضلالة وأنّ أهل العراق هم أهل الکفر والنّفاق وأنّ الشیعة مجوس یبیحون نکاح الأخوات فلا غرابة إذن فی إباحتی لهم نکاح الأخت من الرضاعة إلى غیر ذلک من التّهم والأراجیف وما زال بهم یحذّرهم حتّى ارتدّوا على أعقابهم وأنقلبوا بعد اقتناعهم، وأجبروا الزوج أن یقوم بقضیة عدلیة فی الطلاق لدى المحکمة الإبتدائیة فی قفصة وطلب منهم رئیس المحکمة أن یذهبوا للعاصمة ویتّصلوا بمفتی الجمهوریة لیحلّ هذا الإشکال، وسافر الزوج وبقی هناک شهراً کاملا حتّى تمکن من مقابلته وقصّ علیه قصّته من أولها لآخرها وسأله مفتی الجمهوریة عن العلماء الذین قالوا بحلّیة الزواج وصحته وأجاب الزوج بأنه لیس هناک من قال بحلّیته غیر شخص واحد هو التیجانی السماوی وسجّل المفتی اسمی وقال للزوج: ارجع أنت وسوف أبعث أنا برسالة إلى رئیس المحکمة فی قفصة، وبالفعل جاءت الرسالة من مفتی الجمهوریة واطّلع علیها وکیل الزوج وأعلمه بأن مفتی الجمهوریة حرّم ذلک الزواج.
هذا ما قصّه علیّ زوج المرأة الذی بدا على الضعف والإرهاق من کثرة التعب وهو یعتذر إلیّ لما سبّبه لی من إزعاج وحرج، فشکرته على عواطفه متعجّباً کیف یُبطل مفتی الجمهوریة الزواج القائم فی مثل هذه القضیة، وطلبت منه أن یأتنی برسالته التی بعثها إلى المحکمة حتى أنشرها فی الصحف التونسیة وأبیّن أن مفتی الجمهوریة یجهل المذاهب الإسلامیة ولا یعرف اختلافهم الفقهی فی مسألة الرضاعة.
وقال الزوج بأنّه لا یمکنه أن یطّلع على ملفّ قضیّته فضلا عن أن یأتینی برسالة منه، وافترقنا.
وبعد بضعة أیام جاءتنی دعوة من رئیس المحکمة وهو یأمرنی بإحضار الکتاب والأدلّة على عدم بطلان ذلک الزواج بین (الرضیعین)!، وذهبت محمّلا بعدّة مصادر انتقیتها مسبّقاً ووضعت فی کلّ منها بطاقة فی باب الرضاعة لیسهل تخریجه فی لحظة واحدة، وذهبت فی الیوم والساعة المذکورة واستقبلنی کاتب الرئیس وأدخلنی إلى مکتب الرّئیس وفوجئت برئیس المحکمة الإبتدائیة ورئیس محکمة الناحیة ووکیل الجمهوریة ومعهم ثلاثة أعضاء وکلهم یرتدون لباسهم الخاص للقضاء وکأنّهم فی جلسة رسمیة، ولاحظت أیضاً أن زوج المرأة یجلس فی آخر القاعة قبالهم، وسلّمت على الجمیع فکانوا کلّهم ینظرون إلی بإشمئزاز وإحتقار ولمّا جلست کلّمنی الرئیس بلهجة خشنة قائلا:
ـ أنت هو التیجانی السماوی؟ قلت: نعم.
ـ قال: أنت الذی أفتیت بصحّة الزواج فی هذه القضیة؟
ـ قلت: لا لست أنا بمفت، ولکنّ الأئمة وعلماء المسلمین هم الذین أفتوا بحلّیته وصحّته!
ـ قال: ومن أجل ذلک دعوناک، وأنت الآن فی قفص الإتّهام، فإذا لم تثبت دعواک بالدّلیل فسوف نحکم بسجنک وسوف لن تخرج من هنا إلاّ إلى السجن.
وعرفت وقتها أنّنی بالفعل فی قفص الإتّهام، لا لأننی أفتیت فی هذه القضیة، ولکن لأنّ بعض علماء السّوء حدّث هؤلاء الحکام بأنّنی صاحب فتنة وأنّنی أسبّ الصحابة وأبثّ التشیّع لآل البیت النبوی، وقد قال له رئیس المحکمة إذا أتیتنی بشاهدین ضدّه فسوف ألقیه فی السجن.
أضف إلى ذلک فأنّ جماعة الإخوان المسلمین استغلّوا هذه الفتوى وروّجوا لدى الخاص والعام بأنّنی أبیح نکاح الأخوات وهو قول الشیعة على زعمهم!
کل ذلک عرفته من قبل وتیقنته عندما هدّدنی رئیس المحکمة بالسجن فلم یبق أمامی إلاّ التحدّی والدفاع عن نفسی بکل شجاعة فقلت للرئیس: هل لی أنت أتکلّم بصراحة وبدون خوف.
قال: نعم تکلّم فأنت لیس لک محام...
قلت: قبل کل شیء أنا لم أنصّب نفسی للإفتاء، ولکن ها هو زوج المرأة أمامکم فاسألوه، فهو الذی جاءنی إلى بیتی یطرق بابی ویسألنی، فکان واجباً علیَّ أن أجیبه بما أعلم وقد سألته بدوری عن عدد الرضعات ولمّا أعلمنی بأنّ زوجته لم ترضع غیر مرّتین أعطیته وقتها حکم الإسلام فیها، فلست أنا من المجتهدین ولا من المشرّعین.
قال الرئیس: عجباً، أنت الآن تدّعی أنک تعرف الإسلام ونحن جهله!
قلت: أستغفر الله أنا لم أقصد هذا، ولکن کل الناس هنا یعرفون مذهب الإمام مالک ویتوقّفون عنده، وأنا فتّشت فی کلّ المذاهب ووجدت حلاّ لهذه القضیة.
قال الرئیس: أین وجدت الحل؟
قلت: قبل کل شیء هل لی أن أسألکم سؤالا یا سیدی الرئیس؟
قال: اسأل کل ما ترید.
ـ قلت: ما قولکم فی المذاهب الإسلامیة؟
قال: کلّها صحیحة، فکلّهم من رسول الله ملتمس، وفی اختلافهم رحمة.
قلت: فارحموا إذن هذا المسکین "مشیراً إلى زوج المرأة" الذی قضى الآن أکثر من شهرین وهو مفارق لزوجه وولده بینما هناک من المذاهب الإسلامیة من حلّ مشکلته.
فقال الرئیس مغضباً: هات الدّلیل وکفاک تهریجاً، نحن سمحنا لک بالدفاع عن نفسک فأصبحت محامیاً لغیرک.
فأخرجت له من حقیبتی کتاب منهاج الصالحین للسید الخوئی وقلت: هذا مذهب أهل البیت وفیه الدّلیل وقاطعنی قائلا: دعنا من مذهب أهل البیت فنحن لا نعرفه ولا نؤمن به.
کنت متوقّعاً هذا ولذلک أحضرت معی بعد البحث والتنقیب عدّة مصادر لأهل السنّة والجماعة وکنت رتّبتها حسب علمی فوضعت البخاری فی المرتبة الأولى ثم صحیح مسلم وبعده کتاب الفتاوى لمحمود شلتوت وکتاب بدایة المجتهد ونهایة المقتصد لابن رشد، وکتاب زاد المسیر فی علم التفسیر لابن الجوزی وعدّة مصادر أخرى من کتب (أهل السنّة).
ولمّا رفض الرئیس أن ینظر فی کتاب السید الخوئی سألته عن الکتب التی یثق بها.
قال: البخاری ومسلم.
وأخرجت صحیح البخاری وفتحته على الصفحة المعینة وقلت: تفضلّ یا سیدی اقرأ.
ـ قال: اقرأ أنت؟
وقرأت: حدّثنا فلان عن فلان عن عائشة أم المؤمنین قالت توفیّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)ولم یحرّم من الرضعات إلاّ خمسة فما فوق.
وأخذ الرئیس منی الکتاب وقرأ بنفسه وأعطاه إلى وکیل الجمهوریة بجانبه وقرأ هو الآخر وناوله لمن بعده فی حین أخرجت صحیح مسلم وأطلعته على نفس الأحادیث ثم فتحت کتاب الفتاوى لشیخ الأزهر شلتوت وقد ذکر هو الآخر اختلافات الأئمة فی مسألة الرضاعة فمنهم من ذهب إلى القول بأن المحرّم ما بلغ خمس عشرة رضعة ومنهم من قال بسبعة ومنهم من حرّم فوق الخمسة عدا مالک الذی خالف النصّ وحرّم قطرة واحدة ثم قال شلتوت: وأنا أمیل إلى أوسط الآراء فأقول سبعة فما فوق، وبعد ما اطلع رئیس المحکمة على کل ذلک قال: یکفی ثم التفت إلى زوج المرأة وقال له: اذهب الآن وأتنی بوالد زوجتک لیشهد أمامی بأنها رضعت مرتین أو ثلاثة وسوف تأخذ زوجتک معک هذا الیوم...
وطار المسکین فرحاً، واعتذر وکیل الجمهوریة وبقیة الأعضاء الحاضرین للإلتحاق بأعمالهم وأذن لهم الرئیس، ولمّا خلا بنا المجلس التفت إلیّ معتذراً، وقال: سامحنی یا أستاذ لقد غلّطونی فیک وقالوا فیک أشیاءً غریبة وأنا الآن عرفت بأنهم حاسدون ومغرضون یریدون بک شراً.
وطار قلبی فرحاً بهذا التحوّل السّریع وقلت: الحمد لله الذی جعل نصری على یدیک یا سیدی الرئیس.
فقال: سمعت بأنّ عندک مکتبة عظیمة فهل یوجد فیها کتاب حیاة الحیوان الکبرى للدمیری؟
قلت: نعم، قال: هل تعیرنی إیّاه، فقد مضى عامان وأنا أبحث عنه: قلت: هو لک یا سیدی متى أردت.
قال: هل عندک وقت یسمح لک بالمجیء إلى مکتبتی لنتحدث وأستفید منک.
قلت: أستغفر الله فأنا الذی أستفید منک، فأنت أکبر منی سنّاً وقدراً، وعندی أربعة أیام راحة فی الأسبوع وأنا رهن إشارتک.
واتفقنا على یوم السبت من کل أسبوع لأنّه لیس له جلسات للمحکمة فی ذلک الیوم. وبعدما طلب منّی أن أترک له کتاب البخاری ومسلم وکتاب الفتاوى لمحمود شلتوت لکی یحرّر منهم النصّ قام بنفسه وأخرجنی من مکتبه مودّعاً.
وخرجت فرحاً أحمد الله سبحانه على هذا النّصر وقد دخلت خائفاً مهدّداً بالسجن وخرجت وقد انقلب رئیس المحکمة إلى صدیق حمیم یحترمنی ویطلب منّی مجالسته لیستفید منی. إنها برکات طریق أهل البیت الذین لا یخیب من تمسّک بهم ویأمن من لجأ إلیهم.
وتحدث زوج المرأة فی قریته وشاع الخبر فی کلّ القرى المجاورة بعدما رجعت المرأة إلى بیت زوجها وانتهت القضیة بحلّیة الزواج، فأصبح الناس یقولون بأنّی أعلم من الجمیع وأعلم حتى من مفتی الجمهوریة.
وقد جاء زوج المرأة إلى البیت ومعه سیارة کبیرة ودعانی إلى القریة أنا وکل عائلتی وأعلمنی بأنّ کل الأهالی ینتظرون قدومی وسیذبحون ثلاثة عجول لإقامة الفرح واعتذرت إلیه بسبب انشغالی فی قفصة وقلت له: سوف أزورکم مرّة أخرى إن شاء الله.
وتحدّث رئیس المحکمة إلى أصدقائه واشتهرت القضیة ورد الله کید الکائدین وجاء بعضهم معتذرین وقد فتح الله بصیرة البعض منهم فاستبصروا وأصبحوا من المخلصین، ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین وصلّى الله على سیدنا محمّد وعلى آله الطیبین الطاهرین.
المصادر :
کتاب ثم اهتدیت للامام السید محمد التیجانی الحلقة الأولى ص 9 ، 10، 11
1- فصلت: 17.
2- الأحزاب: 33.
3- الأنفال: 41.
4- الشورى: 23.
5- النساء: 59.
6- آل عمران: 7.
7- حدیث الثقلین; ومن مصادره، کنز العمال: 1 / 44، مسند أحمد: 5 / 182.
8- حدیث السفینة; المستدرک للحاکم: 3 / 151، تلخیص الذهبی، الصواعق المحرقة لابن حجر: 184 و234.
source : .www.rasekhoon.net