في تغيير مصيرهم بعكس ذلك .
ويدلّ على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (1) .
ومن الأحاديث الشريفة :
1ـ قول الإمام الكاظم (عليه السلام) : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (2) .
2ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته : ( أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) ، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكريّ فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء ؟ فقال : ( نعم ، ويلك قطيعة الرحم ... ) (3) .
3ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الدعاء ليردّ القضاء ، وإنّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق ) (4) .
4ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( والاستغفار يزيد في الرزق ) (5) .
إذاً تغيّر مصير العباد له أثر في مسألة البداء ، ولتوضيح ذلك نقول :
المقدّرات الإلهيّة على قسمين :
1ـ مقدّر محتوم لا يتغيّر ، وهو موجود في اللوح المحفوظ ، وعبّرت الآية المباركة عنه بأُمّ الكتاب { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } (6)
____________
1- الرعد : 11 ، والآيات التالية : الأعراف : 96 ، إبراهيم : 7 ، نوح : 10 ـ 12 ، الصافّات : 143 ـ 146 ، يونس : 98 ، الأنبياء : 76 و 83 و 88 ، الطلاق : 2 ـ 3 ، الأنفال : 33 و 53 .
2- الكافي 2 / 470 .
3- المصدر السابق 2 / 347 .
4- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 135 .
5- الخصال : 505 .
6- الرعد : 39 .
|
الصفحة 13 |
|
، وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر .
2ـ مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم ، موجود في لوح المحو والإثبات ، وأشارت الآية السابقة إليه { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } ، فراجعوا تفاسير الفريقين في تفسير هذه الآية المباركة الدالّة على وجود هذا القسم من المقدّرات ، التي يتصوّر فيه البداء .
إذاً المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة ، ولا يخفى هنا أنّ الله سبحانه يعلم كلا التقديرين .
والخلاصة : البداء إذا نُسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه ، وإذا نُسب إلى الناس فهو بداء لهم ، فالبداء من الله هو إظهار ما خفي على الناس ، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم ، وهذا هو الحقّ القراح لا يرتاب فيه أحد .
( أفراح الموسويّ . الكويت . ... )
السؤال : ماذا نعني بعقيدة البداء ؟ وهل دعائنا للشخص بأن يطيل الله عمره يتعلّق بعقيدة البداء ؟ ولكم جزيل الشكر .
الجواب : تعتقد الشيعة الإمامية بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الاعتقاد به ، وهو : أنّ الله تعالى يبدي ويظهر ما كان خافياً على الناس .
دعاؤنا للشخص بأن يطيل عمره يتعلّق بمسألة البداء ، فقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (1) .
____________
1- الكافي 2 / 470 .
|
الصفحة 14 |
|
( ياسر بطيخ . مصر . ... )
السؤال : قد قرأت كثيراً عن مذهب الإمامية ، وتعرّفت على المذهب من كتبه ، ومن كتب الصحاح عند أهل السنّة ، فانجلى لي الحقّ ، ولكنّي توقّفت عند مبدأ البداء ، فرغم فهمي لهذا المبدأ واستيعابي له ، تبادر إلى ذهني سؤال أُريد الإجابة عنه : عرفنا أنّ البداء يكون من الله تعالى ، فمن يعلمنا بالأشياء التي يكون فيها بداء ؟ وهل يكون البداء في العبادات ، أم أنّ البداء يكون في أشياء العمر والرزق ، وما إلى ذلك ، ممّا أخبر عنه الرسول الكريم ؟
فهناك من يدّعي أنّ هذا المبدأ يخوّل إلى أيّ إمام من الأئمّة ، أن يغيّر في التشريع الإلهيّ ، بحجّة أنّ هذا ممّا بدا من الله تعالى ، وهو ـ أي الإمام ـ الوحيد الذي يعلم ذلك بحكم إمامته ، أي هل من حقّ أيّ إمام من الأئمّة التغيير في التشريع الإلهيّ المنزل على رسولنا الكريم من منطلق البداء ؟
أفيدونا جزاكم الله .
الجواب : إنّ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين ، من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه ، أو يرون خلافه ، فبإظهاره ـ تبارك وتعالى ـ يظهر عندهم .
فالبداء إظهار من قبل الله تعالى على لسان المعصومين (عليهم السلام) .
والبداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين .
|
الصفحة 15 |
|
نعم النسخ له دخل بالجانب التشريعيّ ، فالمولى عزّ وجلّ لمصلحة يراها يحكم بحذف وظيفة من وظائف المكلّفين ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع .
فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الذي نزل عليه القرآن ، وبواسطته بُلِّغ إلينا ، كما أنّ بواسطته تصل إلينا سائر أنباء الغيب من غير القرآن ، ومنها النسخ والبداء .
وبما أنّ أهل بيت النبيّ هم الأئمّة من قبل الله تعالى على هذه الأُمّة ، وهم الامتداد الطبيعيّ لحفظ الشريعة ، وذلك لقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (1) ، فتكون نفس المهمّة في البداء عليهم .
فالإمام لا يغيّر في التشريع الإلهيّ بحجّة أن هذا ممّا بدا من الله ! كما ذكرتم .
وهذا التعبير في غير محلّه ، لأنّ البداء لا يقع في التشريع أوّلاً ، وثانياً : فإنّ الإمام عند الشيعة هو الذي نال منصب الإمامة الإلهيّة ، وأعماله تكون إلهيّة ، يختلف عن مفهوم الإمامة لدى المذاهب الأربعة ، حيث يشترط في الإمام عند الشيعة العصمة .
لذا نقترح عليكم أن تقرؤوا عن الإمامة وحدودها أوّلاً ، لتتضح المسألة أكثر .
( ... . ... . ... )
السؤال : أنا شيعية ، ولكنّي أجهل الكثير عن البداء ، حاولت أن أقرأ فقرأت كتب جعلتني أشعر بالغموض أكثر ، لأنّ الكتب تتحدّث بأسلوب أعلى من
____________
1- المائدة : 55 .
|
الصفحة 16 |
|
مستوى فهمي ، بل أنّي لا أستطيع الاعتقاد به ، لأنّه يبدو متناقضاً ؟
أفيدوني جزاكم الله ألف خير .
الجواب : إنّ البداء لغة هو ظهور الشيء بعد خفائه ، واصطلاحاً كما لو بدا للإنسان رأي جديد في شيء ، وكان قد عزم على عمله من قبل ، ثمّ تجلّت مصلحة قد غفل عنها لجهله بها ، وعدم إحاطته بعلل الأشياء وأسبابها ، ثمّ بدا له أن يستأنف العمل على حسب ما ظهر له من صلاح ، وكلّ هذا غير جائز على الله تعالى ؛ ذلك لمطلق إحاطته تعالى بعلل الأشياء وأسبابها ، وشرائط الأُمور وعواقبها .
فلا نقص في إرادته تعالى ولا تبدّل في عزمه ، ولا فراغ عن الأمر بعد خلقه ، ومن نسب إلى الله تعالى إنّه تُبدى له الأُمور بعد جهله بها فهو كافر ، فالله تعالى محيط بكلّ الأشياء لا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب علمها عنه .
وقد تبعت الإمامية في ذلك أئمّتهم الهداة (عليهم السلام) ، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : ( إنّ الله لم يبد له من جهل ) (1) ، وقوله (عليه السلام) : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء اليوم ، لم يعلمه أمس فأبرؤا منه ) (2) ، وقوله (عليه السلام) : ( من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (3) .
كما إن الإمامية تعتقد أنّ الأشياء تتحقّق بشروطها وأسبابها ، ويتّفق في ذلك معهم كافّة العقلاء ، فإنّ أُموراً تُسْتَحَقّ عند توفّر شرائطها ، كما لو أنّ شخصاً كان من المقدّر أن يعيش ثلاثين عاماً ، إلاّ أنّ الله تعالى جعل شرطاً لطول العمر التصدّق ، أو صلة الرحم ، أو فعل الخير ، فلما تصدّق هذا الشخص ، أو وصل رحمه ، أو فعل خيراً ، فإنّ الله تعالى جازاه على ذلك ، فزاد في
____________
1- الكافي 1 / 148 .
2- الاعتقادات للشيخ المفيد : 41 .
3- نفس المصدر السابق .