بعد ما أدرك المأمون عظمة هذا الصبي، وبُعد شأوه... فاصطحبه معه إلى قصوره حيث الرفاه ونعومة العيش وطراوة الحياة باستبرقها وجواريها وقيانها... لكن الخليفة علم أن الصبي لا تستهويه فخامة الخدمة، وأبّهة الملوك كثيراً، ولم يسترع انتباهه الجمال الفاتن لحظة... فقرر ـ وفي مناورة سياسية حاذقة ـ اصطياد ثلاثة في رمية واحدة، ورميته هي أن يزوجه من ابنته الجميلة الصغيرة ( زينب ) المكناة بأم الفضل، ولا فضل لها. خاصة وهي مسمّاة له منذ سنوات خمس. أمّا صيده الذي توخّى إصابته، فقد حسب:
أولاً: أنه سيصرف الإمام الصبي اليافع إلى ملاذ الحياة، وتنتشي نفسه بقرب النساء، وسوف يشغفن قلبه شيئاً فشيئاً فيصبو إليهنّ.
وثانياً: أراد أن يجعل من ابنته وخدمها رقيباً دائمياً على كلِّ حركة للإمام، وعلى من يتصل به من الشيعة، ثم إنه أسكنه بالقرب منه كي يحدّ من اتصال الناس به؛ لاَنّ القصور الملكية لا يتيسر لكلِّ أحد أن يدخلها، ولا دخولها بالأمر اليسير.
والهدف الأخير الذي حاول إصابته هو أن يجعل من نفسه قريباً من البيت العلوي، فهو عمّ ولدهم الإمام الجواد (عليه السلام) اليوم، والأب الأكبر ( جدٌّ ) لصبيهم غداً الذي هو ابن رسول الله، وهذا مكسب سياسي واجتماعي مهم جداً. وفيما لو أصابت رمياته الثلاث هذه فسوف يكمّ أفواه الطالبيين، ويقطع أي قيام أو تحرك لهم، وهو العالم المتيقن بأنهم أحق بالخلافة من أي إنسان على هذه الأرض.
وبناءً على تحقيق هذه الأغراض وغيرها مما كان يدور في رأس المأمون، خطى خطوته الأولى وقرر من جانب واحد أن يتم الزواج والاقتران مهما يكن من أمر، ورغم كل المعترضين، ولا موافق لهذا الزواج سواه.
source : www.tebyan.net