سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) منهجية فاضلة ورائعة في الاخلاق والحضارة والمدنية أسسها واضحة بيِّنة ومعالمها معروفة يدركها الصالحون ويحيد عنها الطالحون .
وكانت نظريات سيد الانبياء مشهورة، ألمَّ بها العقلاء الصادقون .
ومن سير الرسول الأعظم هجرته مع دليله المخلص عبد اللّه بن بكر بن أريقط إلى غار ثور ثم إلى المدينة المنورة فهو صاحبه في الغار .
لكن المحرِّفون للسيرة ارتأو وضع اسم أبي بكر مكان دليل النبي لفوائد حكومية ودنيوية عديدة منها:
لو أصبح أبو بكر رفيقاً للرسول في الغار كان مؤهلاً للخلافة الإسلامية .
ولو أصبح أبو بكر رفيقاً للنبي في الغار كان صاحب الرسول وثقته، وعندها لا تنفع كل التأويلات الاخرى في هذا الصدد .
لهذا قال ابن حجر: عمود خلافة أبي بكر حضوره في الغار ([2]).
لذا صدرت فتاوى من علماء الناصبة في قتل كل من لا يؤمن بكمال القرآن وقتل كل من لا يؤمن بحضور أبي بكر في الغار.
وتكررت هذه الفتاوى عبر العصور والقرون فأصبحت تهدد كل من تسول له نفسه نفي حضور أبي بكر في الغار، فكرر علماء السوء هذه الفتاوى في كل زمان ومكان، وجعلوا حضور أبي بكر في الغار مثل قضية القرآن ونزوله!!
وهذا الربط الغريب المخالف للعلم والدين أكبر دليل على كذب حضور أبي بكر في الغار وعدم اعتقاد التابعين به .
فكان هذا الارتباط هدفه عدَّة أمور :
سياسياً ومصلحياً لمنفعة الحزب القرشي في إيجاد منقبة كبيرة لرئيسه أبي بكر، وحقداً على الإمام علي(عليه السلام) الخليفة الديني والقانوني للمسلمين .
:ورغبة في أموال الأمويين الطائلة المعطاة لكل الواضعين فضائل لرجال السقيفة .
:وحباً للطائفية البغيضة التي أكلت قلوبهم، وسلبت بصيرتهم .
فهؤلاء الفقهاء الفاتين بقتل المؤمنين بعدم حضور أبي بكر لم يكفّروا اللاعبين بأصول الدين والمشككين بالرسالة الإسلامية وحصروا اعدامهم في المنكرين حضور أبي بكر في الغار !!
فتاوى قتل المنكرين حضور أبي بكر في الغار
إن تكرار الفقهاء لهذه الفتاوى المنكرة على مدى العصور يبين مدى تلاعبهم بالدين واستهزائهم بالأحكام وجاء في تلك الفتاوى :
(من أنكر صحبة الصدّيق أو اعتقد الألوهيّة في علي كفر)([3]).
وقال القاري: من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر([4]).
لقد تسببت هذه الفتاوى بالقتل في منع الحقيقة المتمثلة في عدم حضور أبي بكر في الغار من الوصول إلى المسلمين. وتسببت في حمامات دم مراقة في طريق طمس الواقع في عدم حضور أبي بكر في الغار.
وتكرار الفتاوى الباطلة على مدى العصور تسبب في طول مدة الخوف من ظهور الحقيقة واستمرار الجهل والكذب في هذا المجال.
وقابل ذلك تقية مميتة ومستمرة أدت إلى ازهاق أرواح الأبرياء المعارضين لمؤامرات السلاطين ومشاريع المدلسين .
وهذا الخوف دفع لمنع تدوين الحديث وذكره .
وهذا المنع قد نجم عن الخوف من ظهور الحقائق والوقائع .
وهذا تسبَّب في إحراق الكتب المخالفة لأكاذيب الأمويين، فأحرقوا مكتبة الدولة البويهية في بغداد وأحرقوا مكتبة الدولة الفاطمية الشيعية فلم تبق مكتبة عامرة .
تذكر النصوص الثابتة والمتواترة في اقدام أبي بكر وعمر وعثمان والامويين والعباسيين والسلاجقة والحنابلة والايوبيين والوهابيين على احراق أحاديث النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومكتبات المسلمين وغيرهم على مدى عصور متعاقبة طمساً للاحاديث الصحيحة، ودعماً للاحاديث الموضوعة، وكانوا يحرقون كتب الشيعة بالذات .
فظهرت التقية التى دفعت إلى تراكم الجهل على مدى العقود والقرون.
فأصبح حضور أبي بكر في الغار قضية مشهورة وصل إليها الطغاة بالسيف والحديد والنار .واعتمد العلماء المزيفون على الروايات المزيفة والمشهورة في كتبهم . ولكن هل يسمى هذا الكذب والافتراء صدقاً.
وهل تسمى هذه الشهرة الدموية الكاذبة شهرة حقيقية؟
ومع الأسف ذهبت الموازين الحقّة عند المثقفين فساووا بين الشهرة الحقيقية والشهرة المزيفة فأضحت أكاذيب الأمويين روايات مشهورة يؤمن بها أغلب العلماء.
وعندما بقرنا العلم وكذَّبنا حضور أبي بكر في الغار في بحث علمي قائم على ألف مصدر صحيح ثار علينا الجهلة في كل مكان وناصرنا الأحرار المصلحون فانتصر حقّنا على باطلهم انتصاراً الهياً ماحقاً .
(إنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) .
مرافقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلة عظيمة
مرافقة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في رحله وترحاله في المدينة ومكّة فضيلة عظيمة لمرافقه إن كان سفره معه محقَّقاً وصحيحاً وقائماً على الأصول الصحيحة.
ومرافقة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في هجرته ثوابها عظيم وأجرها كبير لمرافقه الوحيد عبد اللّه ابن بكر الديلي (ابن أريقط).
ولم يكن عند أبي بكر المنزلة المؤهلة لصحبة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار إذ كان هو وعمر وعثمان عيون قريش على المسلمين فلم يقتلوا كافراً ولم يحاربوا أبداً وقتلوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة عليها السلام وبلالا وعبد بن مسعود والمقداد وأبا ذر وأبي بن كعب وغيرهم، وكانوا حلفاء اليهود فقربوهم وجعلوهم وزراء مثل كعب الأحبار وعبد اللّه بن سلام ومحمّد بن مسلمة وزيد بن ثابت .
طلبوا منّي مناقشة روايات الغار الضعيفة المولودة في رحم عصور الظلام والتقية. الواضح مخالفة تلك الروايات للواقع وانزلاقها من الحق، ولقد أعطيت قواعد واضحة في هذا المجال تكذب الروايات المكتوبة قهراً وتقية في مصلحة الحكومات والطوائف. وكيف لا تكثر تلك الروايات وسيوف الدولة تحصد رؤوس المخالفين وتدفن المصلحين .
ومن الناحية الفقهية : المأخوذ بالقوة باطل في قضايا العقود والعهود والإيقاعات وغيرها باتفاق الفقهاء .
وروايات حضور أبي بكر في الغار مفروضة بالنار والحديد. وهذا هو السبب الأصيل في ابتعادي عن قبول تلك الروايات المؤيدة لحضور أبي بكر في الغار والمكتوبة تقية وحقناً لدمائهم ارضاءاً للسلطة .
ولو فرضت الحكومات القاهرة غرامة مالية على المكذبين حضور أبي بكر في الغار لتقلصت روايات التقية تلك .
لكنها أدركت ذلك ففرضت القتل دون رحمة لهم لاجبارهم على الكذب والافتراء والتقية .
بالرغم من حرمة قتل المسلم في القضايا الثانوية باتفاق العلماء.
ورفقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للصحابة في أيام نهضته وتبليغه قضايا ثانوية.
وأصول الدين وفروعه ثابتة معروفة، وحتى تارك الحجّ من المسلمين غفلة ،وتارك الأمر بالمعروف سهوا لم يفتِ الفقهاء بقتله فمن الطبيعي لا يُقتل المكذِّب لحضور أبي بكر في الغار.فتبطل فتاوى فقهاء السوء بقتل المكذبين حضور أبي بكر في الغار .والناحية الاخرى ضعف سند تلك روايات الغار فهي ضعيفة برواتها المشكوكين الكاذبين .
لقد قتل الطغاة كل شيعي مكذب لحضور ابى بكر فى الغار .
والرواة الشيعة الذين لم يكذِّبوا رواية حضوره في الغار بل ناقشوها لم يشملهم حكم القتل.
فظهرت روايات التقية في حضور أبي بكر في الغار، ففرح الواضعون الكاذبون في حشر الناس في طريق الاختلاق والتقية الموصل الى أهدافهم المرسومة .
أما محمد المهدي رئيس الدولة الفاطمية الفار من الكوفة والوارث علوم السابقين وسليل بيت النبوة(عليهم السلام) فقد نبذ التقية وأعلنها صادقة مدوية في عدم حضور أبي بكر في الغار([5]) .
و عالم الطاق الشهير الناطق الرسمي باسم الإمام الصادق(عليه السلام) أنكر صحبة أبي بكر لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار والهجرة فردّ عليه رجال الحزب القرشي بتسميته شيطان الطاق، وهذه عادة معروفة في ذلك الزمان في وصم المتقين بالشياطين ووصف الشياطين بالصديقين .
ومؤمن الطاق اسمه محمّد بن علي بن النعمان وكنيته أبو جعفر([6]).
قال النبي (صلى الله عليه وآله): « أوّلكم وروداً عليَّ الحوض أوّلكم إسلاماً الإمام علي بن أبي طالب »([7]).
فهو أول مؤمن آمن بالإسلام وعبد اللّه تعالى قبل الناس بسبع سنين .
ولقد حاول الأمويون تقديم خديجة على أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس حبّاً لها بل طمساً لفضائله (عليه السلام). ثم حاولوا محاولة أُخرى لتقديم أبي بكر عليه لكنّها فشلت .
العلماء المؤيدون لاسلام أبي بكر متأخراً
وأيّد العلماء إسلام أبي بكر بعد أكثر من عقد زمني من البعثة النبوية أي بعد إسلام أكثر من خمسين رجلاً([8]).
ولو عددنا النساء فهو أسلم بعد أكثر من مئة مسلم ومسلة .
وقال الواقدي: أسلم ابو بكر بعد رحلة الإسراء والمعراج التي كانت قبل الهجرة بسنة ونصف برواية الواقدي([9]).
أي أسلم أبو بكر وسنّ الإمام على (عليه السلام) إثنان وعشرون سنة وقبل الهجرة إلى المدينة بسنة ونصف([10]).
وقال أبو القاسم الكوفي :
(إنَّ أبا بكر قد أسلم بعد سبع سنين من البعثة)([11]).
صاحب الطبقات محمّد بن سعد: ونقل الطبري عن محمد بن سعد قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً ؟
فقال : لا ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين([12]).
المعتزلي والخطيب البغدادي : وقال النبي (صلى الله عليه وآله) هذا علي : « أوّل من آمن بي وصدّقني وصلّى معي »([13]).
ومشكلة حكوماتنا في التاريخ تتمثّل في رغبتها في جعل سلاطين البلدان هم الأوائل في كلّ شىء !
وقد أسلم أبو بكر بناءً على نصيحة كاهن في الشام أخبره بوقت خروج النبي (صلى الله عليه وآله)وأمره باتّباعه([14]).
ولم يكن إسلامه عن قناعة بالدين وهو من دهاة مكة أرسلته قريش مع عمر وعثمان لقتل النبي(صلى الله عليه وآله) والقبض على خلافته .
سبق علي (عليه السلام) الناس في الصلاة سبع سنين
المشهور والمتواتر بين المسلمين إسلام الإمام علي(عليه السلام) قبل جميع الناس بسبع سنين .
وقال المسعودي : ذهب كثير من الناس إلى أنّه (الإمام على (عليه السلام)) لم يشرك بالله شيئاً فيستأنف الإسلام، بل كان تابعاً للنبي (صلى الله عليه وآله) في جميع أفعاله مقتدياً به وبلغ وهو على ذلك، وإنّ الله تعالى عصمه وسدّده ووفّقه لتبعيته لنبيّه (عليه السلام) ... ومنهم من رأى أنَّه أوّل من آمن وأنّ الرسول دعاه وهو موضع التكليف بظاهر قوله عزَّوجلَّ : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)([15]).
وبدأ بعلي(عليه السلام) إذ كان أقرب الناس إليه وأتبعهم له([16]).
وقال السيوطي : إنَّه (علي (عليه السلام)) أوّل من أسلم ونقل بعضهم الإجماع عليه ([17]).
وقد جاء في الروايات بأنّ علياً (عليه السلام) سبق الناس في الصلاة سبع سنين وهي لا تخالف رواية صلاته قبل الناس بثلاث سنين، لأنّه (عليه السلام) سبق الناس بعد البعثة بثلاث سنين وسبقهم قبل البعثة بأربع سنين فيكون المجموع سبع سنين، إذ قال علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) : « لقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وسبق الناس كلّهم إلى الإيمان بالله وبرسوله وإلى الصلاة ثلاث سنين »([18]).
وقال أبو جعفر الإسكافي : ضمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) إلى نفسه سنة القحط والمجاعة وعمره يوم ذاك ثماني سنين، فمكث معه سبع سنين إلى أن أتاه جبرئيل بالرسالة وقد أصبح بالغاً كامل العقل والإدراك فأسلم بعد إعمال الفكر والنظر، وورد في كلامه أنّه صلّى قبل الناس سبع سنين، وعنى بذلك السنين السبع التي التحق فيها بالرسول (صلى الله عليه وآله)قبل مبعثه، ولم يكن حينذاك دعوة ولا نبوّة، وإنّما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يتعبّد على ملّة إبراهيم ودين الحنيفية والإمام علي (عليه السلام)يتابعه فلمّا بلغ الحلم وبُعث النبي (صلى الله عليه وآله) دعاه إلى الإسلام فأجابه عن نظر ومعرفة لا عن تقليد([19]).
لم يكن أبو بكر وعمر وعثمان من المسلمين الأوائل
والمسلمون الأوائل هم :
جعفر وزوجته أسماء بنت عميس وعقيل([20]) وعبيدة بن الحارث([21]) ثم أسلم زيد بن حارثة([22])، وأبو ذر جندب بن جنادة([23])، وعمّار بن ياسر العنسي([24])، ومصعب بن عمير([25])، وأبوه وأُمّه، وخباب بن الأرت([26]) وبلال والزبير بن العوام، وعبدالله بن مسعود([27])، وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد([28]). وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ([29]). وعتبة بن غزوان([30]). وعبيدة بن الحارث بن المطّلب([31]). وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة([32]). وعتبة بن مسعود أخا عبدالله بن مسعود([33]). وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل([34]).
والأرقم بن أبي الأرقم([35])، وعبدالله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش([36])، وخنيس بن حذافة بن قيس([37])، وعمرو بن عنبسة السلمي([38])، وعامر بن ربيعة العنزي([39])، وحاطب بن الحرث بن معمر وامرأته فاطمة بنت المجلل([40])، والسائب بن عثمان بن مظعون([41])، والمطّلب بن أزهر بن عبد عوف وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة([42]).
وأوّل شهيد في الإسلام سميّة أُمّ عمّار بن ياسر حين ربطت بين بعيرين ووجىء قلبها بحربة وقتل زوجها ياسر([43])، فكانا من المؤمنين الشهداء .
وكلّ هؤلاء من مجموع خمسين رجلا قد أسلموا قبل أبي بكر([44]).
وسبب إسلامه المتأخّر يعود إلى ثقافته وتربيته في بيت عبدالله بن جدعان السيء الذكر .
فلم يخرج من هذا البيت إلاّ رجل ظالم مخالف للشريعة لأنّهم لم يشاهدوا في هذا البيت في طفولتهم وصباهم إلاّ الأعمال المنكرة والمنبوذة .
والمتربّون في هذا البيت :
عمرو بن العاص مع أُمّه النابغة .
وطلحة بن عبيدالله مع أُمّه الصعبة .
صهيب الرومي([45]).
وفي يوم شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) عصى أبو بكر الأمر النبوي بحملة أُسامة .
وشارك عمر وصحبه في قولهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر .
أي أنّه مجنون واغتصب أبو بكر خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأمر باقتحام بيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وقتلها ([46]).