عربي
Monday 22nd of July 2024
0
نفر 0

تهذيب البطن

تهذيب البطن

الطعام في الأصل هو ضرورة حياتيّة للإنسان، وقد جعل الله تعالى في الإنسان شهوة الطعام الّتي تدفع الإنسان نحو الأكل وبالتالي يتمّ تأمين حاجة البدن من الطعام بشكل يضمن بقاءه حيّاً.
ولكن عندما يذهب الإنسان بعيداً في إشباع الغريزة الّتي تدعوه لتناول الأطعمة ويصبح الأكل الهمّ الأكبر لديه، فهنا ينحرف الإنسان عن الخطّ الّذي أراده الله تعالى له، فيتحوّل من إنسان أراده الله تعالى للعبادة الّتي تحقّق السعادة، إلى بهيمة هائمة لا ترى إلّا علفها، ومن هنا جاء الإسلام ليحافظ على إنسانيّة الإنسان من خلال التشريعات الّتي تقنّن عليه بعض الأنواع من الطعام الّتي ليس فيها صلاح له، ولتأديبه بآداب تخلص نتيجتها إلى أن يأكل الإنسان ليعيش لا أن يعيش ليأكل.

نزّه بطنك عن الحرام
إنّ الّذي يتأمّل فيما ورد عن الأئمّة عليهم السلام، من الأحاديث يجد حرصاً كبيراً على حلِّيَّة، ما يدخل في جوف الإنسان المؤمن، ففي الحديث عن الإمام السجّاد عليه السلام: "وأمّا حقّ بطنك، فأن لا تجعله وعاءً لقليل من الحرام ولا لكثير، وأن تقتصر له في الحلال، ولا تخرجه من حدّ التقوية إلى حدّ التهوين وذهاب المروّة،وضبطه إذا هَمَّ بالجوع والظمأ، فإنّ الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كلّ برّ وكرم، وإنّ الريّ المنتهي بصاحبه إلى السكر، مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروّة"(1).
إذاً، هناك العديد من الأمور الّتي أمرنا الله تعالى أن ننزّه أنفسنا عنها، ومنها:

الخمر
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(2).
فالخمرة هي أمّ الخبائث، وهي من المحرّمات الكبار الّتي تذهب بعقل الإنسان فيخسر دنياه، وتعرّضه لسخط الجبّار فيخسر الآخرة؛ وهذا هو الخسران المبين، ولقد وردت الروايات الكثيرة الّتي تنهى الإنسان عن تناول هذه المسكرات، وممّا يُفهم من بعض هذه الروايات أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه واله، تشدّد في عزل شارب الخمر اجتماعيّاً فأمر بمقاطعته فلا يزوّج ولا يؤتمن، ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه واله: "من ائتمن شارب الخمر على أمانة بعد علمه فليس له على الله ضمان ولا أجر له ولا خلف"(3).
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه واله: "شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب"(4).
ومن جهة أخرى فقد صوّرت الروايات شارب الخمر في يوم القيامة بصور مرعبة ومقزّزة، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "يأتي شارب الخمر يوم القيامة مسودّاً وجهه مدلعاً لسانه، يسيل لعابه على صدره، وحقّ على الله أن يسقيه من (بئر خبال) قال: قلت: وما بئر خبال؟ قال: بئر يسيل فيها صديد الزناة"(5).
وفي رواية أخرى عن إمامنا الصادق: شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسودا وجهه مائلاً شفته مدلعاً لسانه، ينادي العطش العطش.

الربا
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾(6). الربا في القرض هو الإقراض مع اشتراط الفائدة، وقد حارب الإسلام الربا وعدّه من المكاسب المحرّمة، فمال الربا مال حرام وآكله آكل للمال الحرام، والسالك إلى الله تعالى لا بدّ له من أن يحرص على أن لا يشوب لحمه ودمه المال الحرام، فإنّ ذلك من الموانع الّتي تقف في طريق الإنسان للوصول إلى الله تبارك وتعالى وعن رسول الله صلى الله عليه واله: "شرّ المكاسب كسب الربا"(7).

المال الحرام
المقصود به كلّ مال أخذ من غير ما أحلّه الله، كالمال الّذي يجنيه بائع المحرّمات كأشرطة الغناء والخمر، وكأكل أموال اليتامى ظلماً، يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾(8).
ومن المال الحرام أيضاً غشّ الناس في التجارات والبيع يقول الله تعالى:
﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(9).
ويقول في آية أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾(10).
فيا أيّها السالك إلى الله تعالى احذر كلّ الحذر من المال الحرام أن يدخل إلى بطنك أو يمتزج بلحمك ودمك لأنّ ذلك يزيد من الحُجُب بينك وبين ربّك، ويجعلك تسير إلى أودية جهنّم لا إلى الله تعالى، وستكون من الأخسرين أعمالاً والعياذ بالله: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾(11).

القمار
من الذنوب الكبيرة القمار، وقد عبِّر عنه في القرآن الكريم بالميسِر، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾(12).
والميسِر يشمل كلَّ أنواع القِمار، وهو مأخوذ من كلمة "اليسر"، ذلك أنّ القمار ببساطة وبدون مشاقِّ الكسب والعمل يجعل أموال الآخرين في قبضة الإنسان. والتعبير في الآية الكريمة بالإثم الكبير، إشارة واضحة إلى كون القمار من الكبائر.
ومن الدلائل على أنَّ القمار من الذنوب الكبيرة قرنه في القرآن الكريم دائماً بالخمر وعبادة الأصنام، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(13).
فهو يشترك مع الخمر في الكثير من المفاسد.

من مفاسد القمار

1- العداوة والبغضاء:
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾)(14).
نلاحظ في الآية الكريمة جعل العداوة والبغضاء من آثار الخمر والميسر فالمقامر إمّا أن يربح أو يخسر، فإذا ربح فلا شكّ أنَّ البغض والحقد سيملأ قلب صاحبه الخاسر، حيث يرى أمواله التي حصل عليها بمشقّة وجهد، وكان متعلّقاً بها خرجت من يده بدون أيِّ عوض، وإن لم يستطع أن يتداركها في المجلس نفسه فإنَّه سيأخذ الحقد بدلها إلى آخر عمره ويتحيَّن الفرص للانقضاض على من كان سبباً في خسارته.
أمَّا إذا خسر فمعلوم أنّه سيعوّض عن خسارته بالحقد على صاحبه، وقد ينتهي مجلس القمار إلى الغضب والسبّ والشتم وهتك الأعراض والضرب وحتّى الجريمة الكبرى، القتل.

2- القمار يؤدّي إلى الفساد والتشرُّد:
والموضوع الآخر هو أنَّ المقامر إذا ربح فإنّه سيتّجه للتفكير بالفساد واللهو، وارتياد الحانات ومراكز الفحشاء والمنكرات والملاهي، لأنّه قد كسب هذا المال من دون جهد ولا تعب، وكما يقول المثل: "مال جاءت به الريح تذهب به الريح"، وسوف يذهب المال هدراً وإسرافاً وتبذيراً بعد قليل من الزمان.
وعلى إثر الربح تشتدّ علاقته بالقمار، وتموت عنده روح النشاط والعمل والجدّ في طلب الرزق الحلال، وفي النتيجة يصبح إنساناً عاطلاً بطّالاً كسولاً خاملاً، شهوانيّاً، متحلّلاً، ويكون سعيه وهمُّه الوصول إلى مجالس القمار لعلّه يظفر بنصيب أكبر.
أمّا إذا خسر فإنَّه سوف تسيطر عليه الأعصاب الهائجة، ويهيج عنده الحسّ الانتقاميّ المتوحّش، لأجل تحصيل ما خسره من المال، وهنا سيحاول جهده تحصيل المال من أيّ طريق، وهنا أيضاً سيوصل نفسه مرّة أخرى إلى نوادي القمار.

3- الابتعاد عن ذكر الله والصلاة
ومن جملة المفاسد العظيمة للقمار، الغفلة عن ذكر الله والابتعاد عن طاعته، كما ذكرت الآية أعلاه: ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ﴾.
فحال الإنسان المقامر، في مجالس القمار والّتي تتضمَّن عادة شرب الخمر وسماع الأغاني والمفاسد ومصاحبة الفاسدين، أنّه يمضي عليه وقت الصلاة وهو مشغول بسكره وقماره ولهوه.

الآثار المهلكة للخمر والقمار
لقد أثبت العلماء عدَّة مفاسد للخمر منها:
أ- تأثيره في عمر الإنسان.
ب- تأثيره في النسل.
ج- أثره في الأخلاق العاطفيّة العائليّة، ممّا يقلِّل من انشداد المدمِن نحو زوجته وأولاده، حتّى قد يؤدّي إلى قتلهم، كما هو مشاهَدٌ في بعض الحالات.
د- أضرار الكحول الاجتماعيّة: من ضرب وسرقة واحتيال وقتل وانتحار.
هـ- الأضرار الاقتصاديّة: يقول أحد علماء النفس المشهورين: من المؤسف أنَّ الحكومات تحسب ما تدرّ عليها المشروبات الكحوليّة من ضرائب، ولا تحسب الميزانيّة الضخمة التي تنفق لترميم مفاسد هذه المشروبات. فلو حسبت الحكومات الأضرار الناتجة من المشروبات الكحوليّة، مثل زيادة الأمراض الجسميّة والروحيّة، وإهدار الوقت والاصطدامات الناتجة من السكر وفساد الجيل وانتشار روح التقاعس والتحلّل، والتخلّف الثقافيّ، والمشاكل الّتي تواجه رجال الشرطة ودور الحضانة المخصّصة لرعاية أبناء المخمورين، وما تحتاج إليه جرائم المخمورين من مستشفيات وأجهزة قضائيّة وسجون وغيرها من الخسائر والأضرار الناتجة من تعاطي الخمور، وقارنت هذه الخسائر بما تحصل عليه من ضرائب على هذه المشروبات لوجدت أنَّ الأرباح تكاد تكون تافهة أمام الخسائر...(15).
أمّا عن المضارّ الجسميّة للكحول فحدِّث ولا حرج:
1- أثره في الدماغ
2- أثره في الإدراك
3- أثره في المعدة
4- أثره في الكبد
5- أثره في جهاز التنفس
6- أثره في الكلية
7- أثره في القلب
8- أثره في القوّة العاقلة
9- أثره في دوران الدم
10- أثره في النسل إلى غير ذلك...(16).
أمّا بالنسبة إلى القمار فإليك إحصائيّة من الدوائر الإحصائيّة الأمريكيّة:
إنّ القمار كان السبب المباشر في 30% من الجرائم، وفي إحصائيّة أخرى نرى وللأسف الشديد أنّ 90% من جرائم السرقة و50% من الجرائم الجنسيّة و10%من فساد الأخلاق و30% من الطلاق و40% من الضرب والجرح و5% من حوادث الانتحار إنّما هي بسبب القمار(17).

خلاصة
- الطعام في الأصل هو ضرورة حياتيّة للإنسان، وقد جعل الله تعالى في الإنسان شهوة الطعام الّتي تدفع الإنسان نحو الأكل، وبالتالي يتمّ تأمين حاجة البدن من الطعام بشكل يضمن بقاءه حيّاً، ولكن عندما يذهب الإنسان بعيداً في إشباع الغريزة الّتي تدعوه لتناول الأطعمة ويصبح الأكل الهمَّ الأكبر لديه، فهنا ينحرف الإنسان عن الخطّ الّذي أراده الله تعالى له، فيتحوّل من إنسان أراده الله تعالى للعبادة الّتي تحقّق السعادة إلى بهيمة هائمة لا ترى إلّا علفها.
- يجب تنزيه البطن عن عدّة أمور: الخمر، الربا، المال الحرام .
- من الكبائر القمار وله مفاسد كثيرة منها: إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس والابتعاد عن ذكر الله والصلاة .
المصادر :
1- تحف العقول، الحرّاني، ص258.
2- المائدة:90.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي، ج 19، ص83.
4- میزان الحکمة ج20، ص79.
5- وسائل الشيعة، ج25، ص297.
6- البقرة:275.
7- الوجيز في الفقه الإسلامي، ص57.
8- النساء:10.
9- البقرة: 188.
10- النساء: 29.
11- الكهف:104.
12- البقرة: 216.
13- المائدة: 90.
14- المائدة: 91.
15- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 2، ص 117.
16- انظر تفصيل ذلك: الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج 1، ص 240.
17- الأمثل، ج 4، ص 144.

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الوقف فی الثقافه العامه
أسباب النزول بين العموم والخصوص
مراحل حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
أولاد السيدة زينب (ع)
اضاءات هادية من كلمات فاطمة الزهراء عليها ...
صبر يوسف (عليه السّلام)
النفخ في الصور
الأخلاق الجاذبة الفعّالة
تفسير الاحلام عند سيد الانام
أهداف القرآن في التبليغ

 
user comment