يعتبر الإمام روح الله الموسوي الخميني (رضوان الله عليه)، واحداً من الرجال العظماء الذين مروا في تاريخ هذه الأمة العظيمة وتركوا فيها آثاراً لا يمكن للأيام أن تمحوها أو تطمسها، فهي ستبقي كالشمس ظاهرة للعيان لا ينكرها صاحب نظر. لقد قاد (رضوان الله عليه) أول ثورة إسلامية مظفرة في العصر الحديث بعد أجيال من التجارب التي لم تستطع أن تحقق أهدافها، ثم أسس أول جمهورية إسلامية في العالم تلتزم أحكام الإسلام قولاً وعملاً، لقد رأينا قبل ذلك إعلان قيام عدد من الدول تحمل في اسمها صفة الإسلامية، ولكن جوهرها كان مخالفاً لمبادئ الإسلام وأحكامه.
لقد كان الإمام (رضوان الله عليه) إمام الوحدة بحق، ومن خلال متابعة ما كان يصدر عنه من أقوال وتصريحات في خطبه ومقابلاته وكتاباته نري أنه كان يجسد فيها معاني الوحدة الإسلامية ويعتبر أن هذه الوحدة من أسس هذا الدين، وهي تكليف إلهي، والإمام الخميني أحد أكبر فقهاء الإسلام السياسيين والاجتماعيين بالإضافة إلي كونه مرجعاً من مراجع التقليد في مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية. وهو بحق واحد من أعظم المصلحين الاجتماعيين علي الإطلاق، فما فعله الإمام الخميني بقيادته للثورة الإسلامية وتحقيق النصر علي قوة الشاه الطاغوتية كان محط إعجاب وتقدير العالم حيث بهر أسلوبه بقيادة الثورة عباقرة العالم.
كان الإمام (رضوان الله عليه) يتحرك في ظل وسط شيعي، فإيران دولة معظم مواطنيها من الشيعة الإمامية، وهناك قلة تتبع مذاهب أهل السنة، والوسط العالمي أي الدول المتحكمة في القرارات والمصائر من الممكن أن تتساهل في أمر الثورة التي تنطلق من منطلق مذهبي محدود، ولكنها لا تتساهل أبداً في أمر ثورة ذات بعد بحجم الإسلام، أي، إسلام لا يفرق بين المذاهب ولا بين الشعوب. ومع ذلك فإن إيمان الإمام الخميني بالوحدة الإسلامية وتمسكه بها كان أعظم من كل المخاطر أو المغريات. لقد حاول البعض أن يلبس الثورة الإسلامية في إيران لباس المذهب الذي يتبعه أغلبية الشعب الإيراني وهو المذهب الشيعي، فقالوا: إن هذه الثورة هي ثورة شيعية، كما حاول آخرون إلباسها لباس القومية الفارسية. وكان رد الإمام علي تلك الادعاءات بإطلاق أعظم شعار رددته من خلفه جماهير إيران الثائرة في وجه الظلم: (لا سنيّة لا شيعيّة جمهورية إسلامية).
وأعلن أن هوية هذه الجمهورية هوية إسلامية، لأن المذهب جزء من الإسلام يمثل رؤية من مجموع الرؤي، وفهماً من جملة المفاهيم، ومهما كان المذهب عظيماً فإن الإسلام أعظم من المذهب. لقد كان الإعلان عن إسلامية الثورة والجمهورية بعد ذلك صفعة موجهة إلي وجوه الأعداء، وبقدر ما أزعج أعداء الإسلام فقد شعر معه المخلصون بأنهم وضعوا أقدامهم علي أول الطريق الموصل إلي العزة والكرامة والظفر.
لقد كان رد فعل أعداء الإسلام حانقاً ولجأوا إلي كل وسيلة ممكنة من أجل إجهاض الثورة ووأد الجمهورية، فعملوا علي إيقاد نيران الفتنة بين المسلمين من خلال حرب الشائعات التي جند لها أعداء الإسلام أبواقاً من المسلمين المنغلقين فكرياً والذين تربوا في أحضان أصحاب الرؤية الضيقة الذين يعتقدون أن الإسلام لا يتسع إلا لعصبياتهم ومقولاتهم البعيدة كل البعد عن رحابة الإسلام وسعة أفقه، فانطلق هؤلاء في حرب إعلامية وشعاراتية هدفها تكفير الشيعة، وعلي الأخص الشيعة الإمامية، فنسبوا إليهم أقوالاً وآراءً، الشيعة بريئون منها براءة تامة.
إن هذه الحرب ما كانت لتقوم لو أن الإمام الخميني تخلي عن مسألة ضرورة أن تتوحد الأمة الإسلامية بكل مذاهبها وأبنائها. ورغم هذه الحرب وما تركته من آثار فإن ذلك لم يؤثر أبداً علي فهم أو خط الإمام (رضوان الله عليه)، لقد رد الإمام علي ذلك بالدعوة إلي مزيد من الوحدة لا سيما بين العلماء، وكان مما قاله: يجب أن ينتفض العلماء في سائر أنحاء العالم وخاصة علماء ومفكرو الإسلام العظام وأن يكونوا قلباً واحداً، وفي اتجاه واحد في طريق إنقاذ البشرية من سيطرة السلطة الظالمة، هذه الأقلية المحتالة والمتواطئة التي فرضت سلطتها الظالمة علي العالم من خلال مختلف الدسائس والحيل، ويزيلوا ببيانهم وقلمهم وعملهم ذلك الخوف الكاذب، المسيطر علي المظلومين، وأن يقضوا علي هذه الكتب التي انتشرت مؤخراً بواسطة الأيدي القذرة للاستعمار وعبيد الشيطان، والتي تهدف لزرع الفرقة بين طوائف المسلمين، وأن يقضوا علي جذور الاختلاف والذي هو منشأ جميع مصائب (المظلومين والمسلمين).
إعداد: مركز دراسات الوحدة الإسلامية
source : www.tebyan.net