تشير كتب الحقوق العامّة إلى منهجين رئيسيين لوضع الدستور . يتبلور المنهج الأوّل في علاقة أحادية الاتجاه تتحرك من الأعلى إلى الأسفل ، حيث يفرض الحاكم أو الهيئة الحاكمة على الجماهير قوانين معيّنة تطلق عليها اسم الدستور . ولعل الحسنة الوحيدة لهذا المنهج هو أن وجود القانون السيِّئ أفضل من عدم وجود قانون ، ولكن من الطبيعي أن لا يمثل هذا القانون المفروض حقوق الشعب .
المنهج الثاني هو اعتماد آراء الجماهير في وضع الدستور . ويتم ذلك بأسلوبين أحدهما مباشر (الاستفتاء) والثاني غير مباشر (شخصيات منتخبة من قبل الشعب) . ومع أنّ الأسلوب الثاني يحترم الرأي العام ويستفيد من أفكاره ، ألا أن كلا الأسلوبين يبقى ناقصاً ولا يفي بالغرض بمفرده .
والذي حصل عملياً لوضع دستور الجمهورية الاسلامية ، هو اعتماد أصوات الجماهير إلى جانب الإفادة من ذوي الخبرة ، ما يمثل نموذجاً مبتكراً ، أو توفيقياً بعبارة أخرى . وقد جسّدت هذه السنّة الحسنة عمق الطبيعة الجماهيرية للثورة الاسلامية ، والصدق الثوري لقائده الكبير الإمام الخميني (رض) الذي كان له دوره الأساسي في التطور التاريخي للشعب الإيراني وانعتاقه من ربقة الإجحاف السياسي والحرمان الفكري . إن اعتماد مثل هذا المنهج في ذروة الهياج الثوري في البلاد ، كان حالة غير مسبوقة تقريباً ، ونموذجاً عملياً للتلاحم بين الدين والسياسة . فقد روعيت المعايير الدينية من جهة ، ولوحظ أيضاً إحراز أصوات الجمهور كأرضية تطبق القوانين فيها ومن أجلها . وكانت الحصيلة الناتجة عن ذلك جد مهمة وفاعلة .
وإيضاح ذلك أنّ الاستفتاء الذي أقيم يوم 12 / 1 / 1358 (الأوّل من نيسان 1979م) لتحديد نوع الحكومة ، تمخض عن تصويت الشعب بنسبة 2 / 98 بالمئة لصالح نظام الجمهورية الاسلامية ، وبعد ذلك استمر مجلس خبراء الدستور في دراسة وتمحيص أطروحة الدستور لمدة أربعة أشهر ونصف . وكما كتب الدكتور مدني : نظراً للحرية التي كان يتمتع بها الجميع ، أثيرت طوال هذه المدة العديد من النقاشات والآراء حول مواد الدستور وعقدت المؤتمرات والندوات لهذا الغرض ، ونشرت الكثير من المقالات ، وبعد أن نشرت الحكومة الموقتة مسودة الدستور ، تمّ تقديم مئات الأطروحات التعديلية والتصحيحية بادرت أمانة مجلس المناقشة النهائية قبل افتتاح المجلس ، إلى جمعها ليستفاد منها في اللجان أثناء المداولات .
وبالتالي أقيمت في 12 مرداد 1358 (3 آب 1979م) انتخابات مجلس خبراء المناقشة النهائية للدستور ، شارك فيها 231 / 988 / 10 من أبناء الشعب ، وافتتح مجلس الخبراء بتاريخ 28 مرداد 1358 (19 آب 1979م) بنداء وجّهه الإمام الخميني ، وأنهى مهماته في 24 آبان 1358 (15 / 11 / 1979) . وفي آذر 1358 (3/ 12/ 1979) أقيم استفتاء الدستور فشارك فيه 956 / 758 / 15 إيرانياً (79 بالمئة ممن يحق لهم الاقتراع) فأسفرت المشاركة الواسعة للجماهير تحت راية الحكومة الجديدة (الجمهورية الاسلامية) ودعماً لها ، عن نظام جديد ومستقل ، وضعه استقلاله وطابعه المبتكر حيال الكثير من التحديات .
النقطة الملفتة والجديرة بالتدبر في استفتاء الدستور هي أن إحصاءات وزارة الداخلية تشير إلى أن عدد الأصوات الموجبة (نعم) 329 / 680 / 15 صوتاً ، ومجموع الأصوات السالبة (لا) 78516 صوتاً ، أمّا الأصوات الباطلة فكانت 111 صوتاً ، بمعنى أن 5 / 99 بالمئة من المقترعين أدلوا بأصوات موجبة ووافقوا على الدستور ، ولم يرفضه سوى نصف بالمئة من المقترعين
source : www.tebyan.net