جيش السفياني إلى الحجاز(جيش الخسف):
سنتعرض في حركة الظهور المقدس إن شاء الله إلى حالة الصراع السياسي التي تحدث في الحجاز، على أثر مقتل حاكمه عبد الله، وعدم اتفاقهم على حاكم بعده، وصراع القبائل الحجازية على السلطة، الأمر الذي يضعف حكومة الحجاز، ويسمح للمهدي عليه السلام أن يبدأ حركته في مكة ويحررها، ويحكم سيطرته عليها.
ففي هذه المرحلة، وعندما ترى حكومة الحجاز عجزها عن القضاء على حركة المهدي عليه السلام، تقوم هي أو تقوم الدول الكبرى بتكليف السفياني بهذه المهمة، فيوجه قواته إلى المدينة المنورة ثم إلى مكة المكرمة، بينما يعلن المهدي عليه السلام للمسلمين وللعالم بأنه ينتظر المعجزة الموعودة على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي الخسف بجيش السفياني بالبيداء قرب مكة، وأنه بعد هذه المعجزة سيتابع حركته المقدسة.
بل تذكر بعض الأحاديث أن استدعاء قوات السفياني إلى الحجاز، والحرمين خاصة، يكون قبل بدء حركة ظهور المهدي عليه السلام، وأن جيش السفياني يدخل المدينة المنورة بحثاً عن المهدي وأنصاره ويرتكب فيها الجرائم، وأن المهدي عليه السلام يكون عند ذاك في المدينة ثم يخرج منها إلى مكة على سنة موسى عليه السلام خائفاً يترقب، ثم يأذن الله له بالظهور.
وتصف الأحاديث في مصادر الشيعة والسنة دخول جيش السفياني إلى المدينة المنورة عن طريق العراق والشام بأنه دخول كاسح، لا يجد أمامه مقاومة، وأنه يستعمل مع أنصار المهدي وشيعة أهل البيت عليهم السلام نفس طريقته في العراق في القتل والإبادة للكبير والصغير والرجال والنساء!
بل يبدو أن بطشه في المدينة يكون أشد، ففي مخطوطة ابن حماد ص 88، عن ابن شهاب قال: ( يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله بعد ما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلى الحجاز، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش رجل وأخته يقال لهما فاطمة ومحمد، ويصلبهما على باب مسجد المدينة).
وتذكر روايات أخرى أن هذا السيد وأخته هم أبناء عم النفس الزكية الذي يرسله الإمام المهدي عليه السلام إلى مكة فيقتلونه في المسجد الحرام قبل ظهوره عليه السلام بخمسة عشر ليلة. وأنهما يكونان فارين من العراق من جيش السفياني، ويدلهم عليهما جاسوس يكون معهما من العراق.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (ويظهر السفياني ومن معه حتى لايكون له همة إلا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشيعتهم، فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب بأناس من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قتلاً وصلباً. ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً، ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلا أخذ وحبس، ويخرج الجيش في طلب الرجلين، ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة). ( البحار ج 52 ص 222).
وفي ص 252 عن السفياني أنه يأتي المدينة بجيش جرار. وجاء في مستدرك الحاكم:4/442، أن أهل المدينة يخرجون منها أمام حملة السفياني.
ويبدو أن المنصور الذي يخرج مع المهدي عليه السلام هو النفس الزكية محمد، وهو من أصحاب المهدي عليه السلام، وهو الذي يرسله إلى المسجد الحرام ليبلغ رسالته فيقتلونه، ويحتمل أن يكون غيره.
ولا تذكر الأحاديث أماكن أخرى من الحجاز تدخلها قواته غير المدينة، ثم محاولة دخولها مكة. ويبدو أن مدة احتلاله للمدينة لا تطول حتى يرسل جيشه كله أو معظمه إلى مكة فتقع فيه الآية الموعودة، ويخسف بهم جميعاً تقريباً قبيل مكة.
وفي بعض الروايات أن بقاء جيشه في المدينة يكون أياماً فقط، ويبدو أن المقصود من دخوله المدينة تخويف أهلها والبحث عن المهدي عليه السلام، وليس المرابطة فيها أو قربها.
والأحاديث في جيش الخسف كثيرة متواترة في مصادر المسلمين، ولعل أشهرها في مصادر السنة الحديث المروي عن أم سلمة قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم). (مستدرك الحاكم:4/429 والبحار:52/186).
قال صاحب الكشاف في تفسر قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) (سورة سـبأ:51): (روي عن ابن عباس أنها نزلت في خسف البيداء).
وقال صاحب مجمع البيان: ( قال أبو حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين والحسن بن الحسن بن علي عليه السلام يقولان: هو جيش البيداء، يؤخذون من تحت أقدامهم). (البحار:52/ 186).
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر فتنة تكون بين أهل مشرق والمغرب وقال: فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك، حتى ينزل دمشق. فيبعث جيشين جيشا إلى المشرق، وآخر إلى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويغصبون أكثر من مئة امرأة ويقتلون بها ثلاث مئة كبش من بني (فلان) العباس. ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها. ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى فتلحق ذلك الجيش، فيقتلونهم ولا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم. ويحل الجيش الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل فيقول يا جبرئيل اذهب فأبدهم. فيضربها برجله ضربة يخسف بهم عندها، ولا يفلت منهم إلارجلان من جهينة). (البحار:52/ 186).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( المهدي أقبل، جعد، بخده خال. يكون مبدؤه من قبل المشرق، فإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف مقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه، ويأتي المدينة بجيش جرار، حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به، وذلك قول الله عز وجل: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ). (غيبة النعماني163 والمحجة للبحراني ص 177).
ومعنى قوله عليه السلام : (أقبل) أي يقبل عندما يمشي بكل بدنه.
و(جعد) أي في شعره جعد.
و(مبدؤه من قبل المشرق) أي مبدأ أمره بدولة الإيرانيين الممهدين له.
(فإذا كان ذلك) أي فإذا بدأ أمره وقامت دولتهم خرج السفياني. وليس في الحديث تعيين وقت خروجه، وأنه هل يكون مباشرة بعد قيام دولة الممهدين أو بعد سنين طويلة، لكن التعبير يدل على نوع من الترتب والترابط بين دولة الإيرانيين وخروج السفياني، وأن خروجه يكون عملاً موجهاً ضدها كما ذكرنا في أوائل الحديث عن حركته.
وعن حنان بن سدير قال: (سألت أبا عبد الله(أي الإمام الصادق عليه السلام) عن خسف البيداء فقال: (أَمَاصِهْرا، على البريد، على اثني عشر ميلاً من البريد الذي بذات الجيش) (البحار:52/181). وذات الجيش واد بين مكة والمدينة، وأماصهرا موضع فيها.
وفي مخطوطة ابن حماد ص90 عن محمد بن علي(الإمام الباقر عليه السلام ) قال: (سيكون عائذ بمكة يبعث إليه سبعون ألفاً، عليهم رجل من قيس، حتى إذا بلغوا الثنية دخل آخرهم ولم يخرج منها أولهم، نادى جبرئيل: يابيداء يابيداء- يسمع مشارقها ومغاربها- خذيهم، فلا خير فيهم! فلا يظهر على هلاكهم أحد إلا راعي غنم في الجبل، ينظر إليهم حين ساخوا فيخبر بهم. فإذا سمع العائذ بهم، خرج).
وفيها ص 91 عن أبي قبيل قال: ( لا يفلت منهم أحد إلا بشير ونذير، فأما البشير فإنه يأتي المهدي وأصحابه فيخبرهم بما كان من أمرهم، ويكون شاهد ذلك في وجهه قد حول الله وجهه إلى قفاه، فيصدقونه لما يرون من تحويل وجهه ويعلمون أن القوم قد خسف بهم. والثاني مثل ذلك قد حول الله وجهه إلى قفاه، فيأتي السفياني فيخبره بما نزل بأصحابه فيصدقه ويعلم أنه حق لما يرى فيه من العلامة. وهما رجلان من كلب).
وفيها ص90 عن حفصة قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يأتي جيش من قبل المغرب يريدون هذا البيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم، ثم يبعث الله تعالى كل امرئ على نيته).
أي أن المجبور على الخدمة في جيش السفياني وإن كان حسابه في الآخرة ليس كالمتطوع بإرادته، ولكنه يخسف به أيضاً.
وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( عجبت لقوم مصرعهم واحد ومصادرهم شتى، فقيل كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: ( لأن فيهم المجبور والمستكره والمنتفر)
أي يموتون في مكان واحد، لكن الله تعالى يحاسبهم في الآخرة على نياتهم، ومنهم المستكره خوفاً على أهله وما شابه، ومنهم المساق جبراً، ومنهم المتطوع المستنفر برغبته.
وفي رواية أن عدد جيش الخسف اثنا عشر ألفاً، وليس سبعين ألفاً. وفي رواية أخرى أنه يخسف بثلثهم، وتحول وجوه ثلثهم إلى أقفيتهم، ويبقى ثلثهم سالمين. (مخطوطة ابن حماد ص90 - 91).
بعد معجزة الخسف بجيشه في طريق مكة، يبدأ نجم السفياني بالنزول، بينما يأخذ نجم المهدي عليه السلام بالصعود والتلألؤ.
ولا تذكر الأحاديث دوراً عسكرياً للسفياني في الحجاز بعد حادثة الخسف بقواته، مما يشير إلى أنها تكون القاضية على دوره في الحجاز.
ولكن من المحتمل أن تبقى له قوات في المدينة المنورة تقاتل إلى جانب قوات حكومة (بني فلان) حيث ذكرت الأحاديث أن المهدي عليه السلام يتوجه بعد آية الخسف بجيشه المكون من بضعة عشر ألفاً ويحررها، وقد يخوض معركة مع أعدائه فيها.
ومهما يكن، فإن المهدي عليه السلام يفتح المدينة المنورة والحجاز ويقضي على مناوئيه، وينهزم جيش السفياني أمامه من الحجاز إلى العراق والشام، حيث تذكر الأحاديث معركة أو أكثر في العراق بين جيش السفياني وجيش المهدي عليه السلام وأنصاره اليمانيين والخراسانيين.