حدّد أهل البيت (ع) جملة مواصفات يجب أن تتوافر فى الإنسان لكى يكون من شيعتهم الحقيقيين، فهناك باقة ورد من الصفات الأخلاقية والإنسانية ومن النبل والشهامة والكرم، والتواضع والمحبة وإباء الضيم ونصرة المظلوم وكلما هو إنسانى رفيع وبعد ذلك يحق للمرء أن يقول أنا شيعى، فالتشيع ليس محض إدعاء ولقلقة لسان، وإنّما هو انتماء حقيقى وسيرة تجسد المثل الأعلى للإنسانية يقول الإمام الباقر (ع):
حسب الرجل أن يقول أحبُّ علياً وأتولاه، ثمَّ لا يكون مع ذلك فعّالًا؟
ثم يضيف قائلًا:
يا جابر! والله ما يُتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحدٍ من حجة، من كان لله مُطيعاً فهو لنا ولىٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوٌّ، وما تُنال ولايتنا إلّا بالعقل والورع «1».
ويقول الإمام الباقر (ع) للفضيل:
بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السلام، وقل لهم: إنّ لا إغنى عنكم من الله شيئاً إلّا بورعٍ، فأحفظوا ألسنتكم، وكفُّوا أيديكم،
______________________________
(1) الكافى: 2/ 74، باب الطاعة والتقوى، حديث 13؛ روضة الواعظين: 2/ 294؛ مشكاة الأنوار: 59؛ ذكر صفات الشيعة.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 394
وعليكم بالصبر والصلاة، إنّ الله مع الصابرين «1».
ويقول الإمام الصادق (ع):
معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم وكفُّوها عن الفضول وقبيح القول «2».
وقال أيضاً:
يا بن جُندب! بلِّغ معاشر شيعتنا وقل لهم، لا تذهبنَّ بكم المذاهب فوالله لا تُنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد فى الدنيا، ومواساة الإخوان فى الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس «3».
أنهم (ع) يوصون أتباعهم بالسير فى طريق قويم فيأمرونهم بعمل المعروف وينهونهم عن ارتكاب المنكر، إنّهم لا ينفكون قائلين ومؤكدين أن الذين يعصون ويذنبون هم ليسوا من أتباعهم وأن ارتكاب الذنوب من صفات أعدائهم، فالخونة والغادرون والظالمون والذين يأكلون السحت هم أبداً ليسوا منهم.
إن الشيعى الحقيقى من تخلّق بأخلاقهم واتصف بصفاتهم وتحلّى بخصالهم وسار على هديهم.
وجاء فى رواية عبدالرحمن بن أبى نجران قال: قلت لأبى عبدالله (ع): الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق، ثمَّ يعمل شيئاً من البرّ فيدخله شبه العجب، لما عمل، قال (ع): فهو فى حاله الأولى أحسن حالًا منه فى هذه الحال «4».
______________________________
(1) دعائم الإسلام: 1/ 133؛ وسائل الشيعة: 12/ 195، باب 119، حديث 16067.
(2) الأمالى، الصدوق: 400، المجلس الثانى والتسعون، حديث 17؛ وسائل الشيعة: 12/ 193، حديث 16063؛ بحار الأنوار: 68/ 310، باب 79، حديث 3.
(3) تحف العقول: 303، مستدرك الوسائل: 12/ 193، باب 119، حديث 16063؛ بحار الأنوار: 68/ 310، باب 79، حديث 3.
(4) المحاسن: ص 122 فى حديث.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 395
عن أبى جعفر الباقر (ع) قال: إن الله فوَّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين فلما رأى أنَّ الأشياء قد انقادت له، قال: من مثلى فأرسل الله عليه نويرة من النار قيل: وما النويرة؟ قال: نار مثل الأنملة، فاستقبلها بجميع ما خلق فيحكُّ لذلك حتّى وصلت إلى نفسه لما أن دخله العجب «1».
قال محمد بن على الباقر (ع): دخل محمّد بن علىّ بن مسلم بن شهاب الزهرى على علىّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) وهو كئيب حزين، فقال له زين العابدين: ما بالك مهموماً مغموماً؟ قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى علىَّ لما امتحنت به من جهة حسّاد نعمتى، والطامعين فىَّ، وممّن أرجوه وممّن أحسنت إليه فيخلف ظنّى، فقال له على بن الحسين زين العابدين (ع): أحفظ لسانك تملك به إخوانك قال الزهرى: يا ابن رسول الله إنّى أُحسن إليهم بما يبدر من كلامى، قال علىُّ بن الحسين (عليهما السلام): هيهات هيهات إيّاك وأن تعجب من نفسك بذلك، وإيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كلُّ من تسمعه نكراً يمكنك لأن توسّعه عذراً.
ثمَّ قال: يا زهرىُّ من لم يكن عقله أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه، ثمَّ قال: يا زهرىُّ وما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل أخيك، فأىَّ هؤلاء تحبُّ أن تظلم؟ وأىَّ هؤلاء تحبُّ أن تدعو عليه؟ وأىَّ هؤلاء تحبُّ تهتك ستره.
وإنّ عرض لك إبليس لعنه الله بأنَّ لك فضلًا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك، فقل: قد سبقنى بالإيمان والعمل الصالح فهو خيرٌ منّى، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصى والذنوب فهو خير منّى وإن كان تِربك فقل: أنا على يقين من ذنبى
______________________________
(1) المحاسن: ص 123.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 396
وفى شكّ من أمره، فمالى أدع يقينى بشكّى، وإن رأيت المسلمين يعظّمونك ويوقّروك ويبجّلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، وإن رأيت منهم جفاء وانقباضاً عنك، فقل: هذا لذنب أحدثته، وفرحت بما يكون من برّهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
وأعلم أنَّ أكرم الناس على الناس من كان خيره فائضاً عليهم، وكان عنهم مستغنياً متعفِّفاً، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعفّفاً وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدُّنيا يعشقون الأموال، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكّنهم منها أو من بعضها كان أعزَّ وأكرم «1».
عن أبى عبدالله (ع) قال: إنَّ عالماً أتى عابداً فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: تسألنى عن صلاتى وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا؟ فقال: كيف بكاؤك؟ فقال: إنّى لأبكى حتّى تجرى دموعى فقال له العالم: فإنّ ضحكك وأنت تخاف الله أفضل من بكائك وأنت مدلٌّ على الله، إنَّ المدلَّ بعمله لا يصعد من عمله شىء.
وعن زرارة، عن أبى عبدالله (ع) قال: قال داود النبى (ع): لأعبدنَّ الله اليوم عبادة ولأقرأنَ
قراءة لم أفعل مثلها قطٌّ، فدخل محرابه ففعل، فلمّا فرغ من صلاته إذا هو بضفدع فى المحراب، فقال له: يا داود أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك؟ فقال: نعم، فقال: لا يعجبنّك فإنّى أُسبّح الله فى كلِّ ليلة ألف تسبيحة يتشعّب لى مع كلِّ تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وإنّى لأكون فى قعر الماء فيصوِّت الطير فى الهواء فأحسبه جائعاً فأطفو له على الماء ليأكلنى وما لى ذنب.
عن أبى عبدالله الصادق (ع) قال: إنَّ العبد ليذنب الذنب فيندم عليه، ثمَّ يعمل العمل فيسرُّه ذلك، فيتراخى عن حاله تلك، ولأن
______________________________
(1) تفسير الإمام: ص 12 فى ط و ص 9 فى ط.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 397
يكون على حاله تلك خير له ممّا دخل فيه.
وجاء فى الأثر: إن الله تبارك وتعالى يقول: إنَّ من عبادى من يسألنى الشىء من طاعتى لأحبّه فأصرف ذلك عنه لكيلا يعجبه عمله.
وجاء أيضاً: إنَّ أيّوب النبى (ع) قال: يا ربِّ ما سألتك شيئاً من الدُّنيا قطُّ وداخله شىء فأقبلت إليه سحابة حتّى نادته: يا أيّوب من وفّقك لذلك؟ قال: أنت يا ربِّ.
12 عدة الداعى: قال أمير المؤمنين (ع): واعلموا عباد الله أنَّ المؤمن لا يصبح ولا يمسى إلّا ونفسه ظنون عنده، فلا يزال زارياً عليها ومستزيداً لها فكونوا كالسابقين قبلكم، والماضين أمامكم، قوَّضوا من الدُّنيا تقويض الراحل وطووها طىَّ المنازل.
وعن الأصبغ بن نباتة قال: خطب علىٌّ (ع) فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبىَّ فصلّى عليه، ثمَّ قال:
أما بعد فأنّى أوصيكم بتقوى الله الذى بطاعته ينفع أولياءه، وبمعصيته يضرُّ أعداءه وإنّه ليس لهالك هلك من يعذره فى تعمّد ضلالة حسبها هدى، ولا ترك حقّ حسبه ضلالة، وإنّ أحقّ ما يتعاهد الراعى من رعيّته أن يتعاهدهم بالذى لله عليهم فى وظائف دينهم.
وإنّما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به، وأن ننهاكم عمّا نهاكم الله عنه وأن نقيم أمر الله فى قريب الناس وبعيدهم ولا نبالى بمن جاء الحقُّ عليه، وقد علمت أن أقوى ما يتمنّون فى دينهم الأمانىّ، ويقولون: نحن نصلّى مع المصلّين ونجاهد مع المجاهدين، ونهجر الهجرة، ونقتل العدوَّ، وكلُّ ذلك يفعله أقوام.
ليس الإيمان بالتحلّى ولا بالتمنّى، الصلاة لها وقت فرضه رسول الله، لا تصلح إلّا به، فوقت صلاة الفجر حين تزايل المرء ليله، ويحرم على الصائم طعامه وشرابه ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ حين يكون ظلّك مثلك، وإذا كان الشتاء حين تزول الشمس من الفلك، وذلك حين تكون على حاجبك الأيمن مع شروط الله فى الركوع
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 398
والسجود، ووقت العصر والشمس بيضاء نقيّة، قدر ما يسلك الرجل على الجمل الثقيل فرسخين قبل غروبها، ووقت صلاة المغرب إذا غربت الشمس وأفطر الصائم، ووقت صلاة العشاء الأخرى حين غسق الليل وتذهب حمرة الأفق إلى ثلث الليل، فمن نام عند ذلك فلا أنام الله عينه، فهذه مواقيت الصلاة إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «1».
ويقول الرجل: هاجرت ولم يهاجر، إنّما المهاجرون الذين يهجرون السيّئات ولم يأتوا بها، ويقول الرجل: جاهدت ولم يجاهد، إنّما الجهاد اجتناب المحارم ومجاهدة العدوّ.
ولهذا يحذرون شيعتهم قائلين:
وإياكم ومعاصى الله أن تركبوها، فإنّه من انتهك معاصى الله فركبها فقد أبلغ فى الإساءة إلى نفسه «2».
وحتى الشفاعة لها شروطها فهم (ع) لا يشفعون لمن يعصى الله ولهذا فهم يقولون لشيعتهم:
واعلموا أنّه ليس يُغنى عنكم من الله أحد من خلقه شيئاً، لا ملك مقرب، ولا نبى مرسل، ولا من دون ذلك. فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه، وأعلموا أن أحداً من خلق الله لم يصب رضى الله إلا بطاعته، وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلوات الله عليهم، ومعصيتهم من معصية الله، ولم يُنكر لهم فضلًا عظم أو صغر «3».
فمن أراد أن يعرف أهل البيت فى وصاياهم وسيرتهم المشرقة
______________________________
(1) سورة النساء: الآية 102.
(2) الكافى: 8/ 11، كتاب الروضة، حديث 11؛ بحار الأنوار: 75/ 219، باب 23، حديث 93؛ مستدرك الوسائل: 11/ 337، باب 41، حديث 13201.
(3) الكافى: 8/ 11؛ كتاب الروضة، حديث 11؛ مستدرك الوسائل: 11/ 255، باب
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 399
فما عليه إلّا أن يراجع هذه الكتب القيّمة من قبيل: الكافى، الخصال، تحف العقول، وسائل الشيعة (ج 11)، مجموعة وارم، مكارم الأخلاق، روضة الواعظين، بحار الأنوار، المحجة البيضاء، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، جامع الأخبار، المواعظ العددية وجامع السعادات وغيرها.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 401
source : دار العرفان