عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

أدب الأطفال في الاسلام

جاء الإسلام بمنهج شامل متكامل للحياة، وكان هذا المنهج الإلهي نظاماً أمثل، من جهة النصوص والتطبيق، وكان نزوله منجماً وتدريحياً، ولم يترك ذلك المنهج شاردة ولا واردة في حياة الفرد والجماعة إلا وتناولها إجمالها أو تفصيلاً. على هذا الأساس كانت مسئولية المسلم. وبديهي أن تلك المسئولية تتحدد في نطاق الم
أدب الأطفال في الاسلام
جاء الإسلام بمنهج شامل متكامل للحياة، وكان هذا المنهج الإلهي نظاماً أمثل، من جهة النصوص والتطبيق، وكان نزوله منجماً وتدريحياً، ولم يترك ذلك المنهج شاردة ولا واردة في حياة الفرد والجماعة إلا وتناولها إجمالها أو تفصيلاً.

على هذا الأساس كانت مسئولية المسلم.

وبديهي أن تلك المسئولية تتحدد في نطاق المبادئ الإسلامية والتشريعات والآداب التي يجب أن نترسم خطاها في حياتنا، من هنا كانت مسئولية (الكلمة).. كما كانت مسئولية (الفعل).. بل مسئولية المشاعر والعواطف والأهواء (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). وهو أمر يقتضي إرادة قوية، ومجابهة لقوى الشر ونزواتها. وقد عرف بعض النقاد الأدب بأنه (فن الكلمة) وعرفه آخرون بأنه هو (المكتوب أو المنطوق من الكلام الجميل) وقالوا أيضاً: (إن العمل الأدبي يتحد مع النفسي)، أو يتمثل في نفوسنا، وفي نشاطنا النفسي..
وأضافوا أيضاً (أن آثار الأدب هي المتعة والمنفعة) (وأنه تعبير عن الحياة وسيلته اللغة)، وإن كان التعبير عن الحياة لا يعني نقلها إلينا كما هي، ولكنه يعبر عنها ويفسرها أو ينقدها، أو ينقل إلينا فهم الأديب للحياة، ووجهة نظره في أية قضية من القضايا، فالأديب يتخذ (موقفاً) فكرياً، ولذا يستطيع التأثير في مجتمعه، ولهذا يرى النقاد ـ بعضهم ـ أن المضمون الاجتماعي للعمل الأدبي، لا يستمد من واقع الحياة في المجتمع، بل من موقف الأديب الفكري من الحياة في هذا المجتمع، والمضمون في ذاته قيمة، وهو قيمة تتولَّد عن موقف الأدب الفكري، من القيم الأخرى السائدة في المجتمع..
وهكذا نرى أن (المذاهب الأدبية) و (المدارس الفنية)، قد اختلفت في التعريف والمفهوم بالنسبة للأدب، كما اختلفت أيضاً حول المؤثرات التي تفعل فعلها فيه، وهذه الآراء والتصورات المتضاربة إنما تبعث أساساً من فلسفات إعتنقها القوم، فجعلتهم يتخذون وجهات شتى تتفق وقناعاتهم الشخصية، ونظمهم السياسية، (فالواقعيون) لا يؤمنون إلا بالحقيقة الواقعة التي يمكن الوصول إليها عن طريق التجربة، وينكرون أي عالم علوي فوق المحسوس، (والرمزيون) ـ على الرغم من معارضتهم لهرطقات العلم المادي الملحد ـ إلا أنهم أغرقوا أنفسهم في متاهات صوفية غامضة، وأولوعوا بالرموز التي تميع الدلالات المحددة، وتلقي بالفرد في غمرة إيحاءات وأجواء غريبة، و (الكلاسيكية) إستندت إلى التجريدات العقلية وحدها، بينما تشبثت (الرومانتيكية) بالعاطفة، وتغنَّت باليأس والألم والعذاب والضياع، وانحرفت (السريالية) إلى الآلية النفسية الصرفة، وأنكرت رقابة العقل، وحاولت الإيغال بعيداً عن الإهتمامات الأخلاقية بل والفنية، وقدم (الوجوديون) مسرحاً رافضاً متمرداً ساخطاً على كل القيم والتقاليد والأعراف والأديان، وتقوقعوا حول ذواتهم يقدمون لها القرابين والصلوات، وهو ضرب من الوثنية الضالة..
والآن، أين نحن كمسلمين من هذا الاضطراب الهائل؟؟ وأين نقف من هذه التيارات والفلسفات؟؟
لقد قلنا في بداية حديثنا هذا أن الأديب المسلم مسئول، وأن مسئوليته تحددها رسالته في الحياة، وتحكمها القيم الإسلامية، والعقيدة المبرأة من الشرك والأوهام، والشرائع المنزلة من الله على عبده ورسوله محمد بن عبد الله(صلی الله عليه وآله وسلم)( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (1).
الأدب الإسلامي ـ في ضوء الإسلام ـ يعنى بفن الكلمة، وليس أدل على ذلك من أن المعجزة الكبرى لدينا هي القرآن، وهو إعجاز بلاغي وبياني فوق طاقة أي بشر (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (2). والأدب الإسلامي، يتعلم من القرآن جمال السرد، وترابط الأفكار، وروعة التعبير لفظاً وجملة وعبارة وتأثيراً، كما يعنى بالبناء الكلي أو الصورة الفنية الممتعة المقنعة المفيدة، دونما شطط أو تضليل، ولا يبذر بذور الحيرة أو الملل أو الغموض في عقل الإنسان ووجدانه ونفسه.
والأدب الإسلامي لا يستمد مضمونه من قيم إجتماعية مريضة، أفرزتها تجارب معتلة، تؤثر فيها النزوات والأحقاد والأهواء، وإنما يستلهم الأدب الإسلامي مضمونه من عقيدة التوحيد، وكنوز الحضارة الإسلامية، وإرثها الإلهي المنزَّه عن الخطأ والهوى..
ولا يعني ذلك تجاهل (التفاعلات) الإجتماعية الصاخبة، وما يسود الحياة من خير وشر، وصالح وطالح، وسقم وصحة، فالأديب المسلم مطالب بتصوير الأزمة، وتحليل أبعادها، والبحث في أسبابها، والنظر إلى مضاعفاتها وآثارها، ووضع التشخيص المناسب للعلة، مع الإيحاء ـ بالاسلوب الفني المباشر وغير المباشر ـ بما يجب أن يتحرك الفرد والمجموع في إتجاهه، دون إهدار للقيم الجمالية والفنية.
الأديب الحق موقف.. وموقف الأديب المسلم ينبُع من عقيدته..
المهم الصدق في تناول المادة الأدبية، وتهذيبها وفق أسس النظام والتناسق والجمال والتأثير، بحيث تأتي الصورة الفنية ممتعة مُرضية ومفيدة، ونشعر بعد الإطلاع عليها، بأننا إزاء تجربة حية نابضة، تجرنا إلى علاقات جديدة من الفهم والسمو الروحي، واليقين المريح.. الخلاَّق.. الدافع لفعل شيء ما، يرتقي بنا إلى الأفضل، وإلى التغيير المستمر نحو الغاية العظمى..
وكل أديب له (ذاته المتميزة)، وأسلوبه الخاص، الذي يجعله مختلفاً عن أقرانه من الأدباء، فالفن ـ في أوجه ـ ابتكار وابتداع لصيغ جمالية مؤثرة، ولكل أديب مسلم طريقته المتفردة في الأداء، وإن اتَّحد الأدباء الإسلاميون أو اتفقوا حول المضمون الإسلامي، وهو تنوُّع مطلوب، وثراء محبوب، إذ ليس من الطوب أن يكون الأدباء الإسلاميون نسخاً متكررة، كما أنه على الأديب المسلم الجد والبحث عن أشكال جديدة مؤثرة، تزيد من قوة التأثير، وتواكب العصور، وتستخدم كل الإمكانات والطاقات المستحدثة، كي يعبر أروع تعبير عن رسالته الخالدة.. ليس بدعاً إذن أن يتخذ الأديب المسلم موقفاً..

فكل المذاهب الأدبية فعلت ذلك..

وإنما الغريب والشاذ والباطل، أن نطلب من الأديب المسلم أن يكون متشبثاً بمبدأ (الفن للفن)، أو نطلب منه ـ باسم حرية الأدب والفكر ـ أن يتجاهل عقيدته، حتى لا يكون متعصباً رجعياً..
أليست هذه خديعة كبرى يحاول أعداء الإسلام إيقاع حملة الأقلام الإسلاميين فيها؟؟
الأديب المسلم يجب أن يعتز بإنتمائه عن قناعة تامة، وإيمان عميق..
ذلك الإنتماء مسئولية وإلتزام كما قلنا وبعد...
لقد حاولنا تبسيط مفهوم الأدب بمعناه العام في السطور السابقة، وكان لا بد أن نفعل ذلك كي نصل إلى تحديد مفهوم أدب الأطفال الإسلامي..
وبإيجاز شديد يمكننا القول أن أدب الأطفال لا يختلف في مفهومه عن الأدب العام (الإسلامي) إلا في كونه موجهاً إلى (فئة خاصة) هي الأطفال. وهذه الفئة تتميز بمستوى عقلي معين.
وبإمكانات وقدرات نفسية ووجدانية تختلف عنا نحن الكبار فتجارب الطفولة وخبراتها محدودة، وآفاقها التخيلية واسعة رحبة لا تحدها حدود، ولا تحاصرها ضوابط كضوابطنا نحن الكبار..
ووسائلهم في البحث والتفكير والتحليل والإستيعاب ليست كوسائلنا الناضجة، التي إكتسبناها بالمران والتجربة الطويلة، والثقافات المتنوعة.
ولديهم رغبة جامحة في ارتياد المجهول، والإنطلاق عبر الآفاق، وتشكيل عالم خاص يختلف كثيراً عن عالمنا..
هذا وغيره أمور طبيعية بالنسبة للأطفال..
وما أشبه مراحل التطور البشري بمراحل تطور الطفولة.
ونظرة إلى تدرج الرسالات السماوية منذ آدم ثم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، نلاحظ كيف وصلت الرسالات إلى الكمال في رسالة محمد(صلی الله عليه وآله وسلم).. رسالة النضج والتمام، بعد أن بلغت البشرية سن الرشد (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتمت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً).
ولقد تدرج منهج النبوة المحمدية في تربية وتعليم المجتمع المسلم طوال بعثته(صلی الله عليه وآله وسلم)وهي ثلاثة وعشرون عاماً.. أي منذ نزل عليه جبريل عليه السلام (باقرأ) حتى آخر كلمة جاءت في كتاب الله..
ذلك هو منهج الله بالنسبة لتربية البشرية منذ طفولتها حتى رشدها.. كذلك كان نفس المنهج بالنسبة لمجتمع الرسالة المحمدية في مكة والمدينة..
أدب الأطفال الإسلامي هو التعبير الأدبي الجميل، المؤثر الصادق في إيحاءاته ودلالالته، والذي يستلهم قيم الإسلام ومبادئه وعقيدته، ويجعل منها أساساً لبناء كيان الطفل عقلياً ونفسياً ووجدانياً وسلوكياً وبدنياً، ويساهم في تنمية مداركه، وإطلاق مواهبه الفطرية، وقدراته المختلفة، وفق الأصول التربوية الإسلامية، وبذلك ينمو ويتدرج الطفل بصورة صحيحة تؤهله لأداء الرسالة المنوطة به في الأرض، فيسعد في حياته ويسعد به ومعه مجتمعه، على أن يراعي ذلك الأدب وضوح الرؤية، وقوة الإقناع والمنطق.. ذلك هو المفهوم العام لأدب الأطفال حسبما يعتقد.
وهو المفهوم الذي يشمل الإحتياجات الأساسية للطفل حسبما أسفرت عنها دراسات العلماء المخلصين في الدين والتربية وعلم النفس والمجتمع والطب وعلم الجمال أيضاً..
وفي تراث البشرية الهائل، ترى أمراً عجيباً، يلفت النظر. لقد حرص أتباع جميع الديانات، الوثنية منها والسماوية، والمحرَّفة منها والصحيحة، على أن تقدم للطفل لوناً ما من ألوان الأدب، يعبر عن (الدين) والعقيدة
حدث ذلك في العصور السحيقة..
وحدث في الإسلام والنصرانية واليهودية..
بل إن بداية عهد (أدب الأطفال الحديث) ـ كما سنرى ـ إفتتح صفحاته بقصص الأنبياء، والقصص التي وردت في الكتب المقدسة، ونحن إنما نسجل تلك الحقيقة لكي نرد على أولئك الذين يزعمون أن الطفل في حداثته لا يستطيع تقبل أو فهم ما يُروى له عن العقيدة والمعنويات والألفاظ المجرَّدة، وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن أدب الأطفال لن يعدم الوسيلة الصحيحة الناجحة لإيصال هذه (المعلومات) أو المعنويات والمجردات إلى عقل الطفل، ومعلوم أن العقيدة هي الأساس: لبناء الكيان الروحي والفكري للطفل، ومن ثم لا بد وأن تبدأ في وقت مبكر، ولو على سبيل التلقين والتبسيط أو التعبير بالصور المعبرة التي ترمز إلى شيء غير مرئي..
وأدب الطفل يشمل القصة والمسرحية والتمثيل والقصيدة أو النشيد أو الأغنية، كما يشمل الآداب العامة كالتحية التي يستقبل بها الناس، وما يقال عند الطعام أو النوم، وبعض الأمور الهامة كالشهادتين والصلاة على النبي وقصار السور والأحاديث، وبعض السلوكيات الإجتماعية والأسرية خاصة، كل ذلك في أسلوب مناسب مفهوم، منذ الصغر.. وعندما نتمعن في كتب السيرة والتراث، شعراً ونثراً نجد تطبيقاً دقيقاً لما أشرنا، ففي أحاديث الرسول(صلی الله عليه وآله وسلم)نصوص كثيرة تتعلق بالطفولة، والعناية بالأطفال وتربيتهم وتعليمهم والعطف عليهم، وتدريبهم على الصلاة والصوم وفعل الخير.
(يا غلام.. احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك واعلم أن الناس لو إجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك..) ألخ الحديث.
وكانت النسوة يهدهدن أطفالهن بالأغاني العذبة، ويبثثن في هذه الأغاني ما يدين من قيم وأفكار.
وعمرت المساجد منذ العصر الأموي برواة القصص والأخبار، التي كان يستمع إليها الكبار والصغار على حد سواء وقد برز في هذا المجال نخبة من أعلام القصاصين، وخاصة في مجال الوعظ والإرشاد.
ثم جاء ابن المقفع ليقدم (كليلة ودمنة)، وقصصه الغريب عن عالم الحيوان والطير، ويدس فيه الكثير من الأفكار الفلسفية العميقة، ويخطئ من يظن أن هذا الكتاب كان قاصراً على الكبار وحدهم، فقد كان هناك من يبسط هذه القصص ويعيد صياغتها دون تعقيد أو غموض، ويقدم للأطفال منها ما يسد النقص في أدبهم وثقافتهم، وقد فعل ذلك الغربيون بعد قرون حينما ترجم إليهم هذا الأثر الفذ، نذكر منهم (لامرتين) الفرنسي، كما فعل الشرقيون نفس الشيء نذكر منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، وكامل كيلاني وسعيد العريان وغيرهم.
وكانت قصص (ألف ليلة وليلة) برغم ما فيها أحياناً من فحش في القول، وإغراق في الجنس، وتماد في الخرافة والسحر، كانت زاداً ثرياً لمن استلهموها ونقلوا عنها، ممن اهتموا بأدب الطفل وكتبوا فيه..
وفي تراث الجاحظ، وكتاب الأغاني، وقصص الصالحين والحرب والعلم والجن وغيرها الكثير من الموضوعات التي يمكن الاستفادة منها في الكتابة لأدب الطفل.
ناهبك بقصص القرآن وقصص الأنبياء، وما تزخر به من حكم ومواعظ، وما ينجلي عنها من مؤثرات عميقة تتعلق بعقيدة الطفل وسلوكه وإيمانه بالله..
إن الذين يكتبون أدباً للطفل المسلم، يستطيعون أن يفعلوا الكثير على ضوء الإسلام، مع ضرورة تمسكهم بالقيم الجمالية لكل لون من ألوان أدب الأطفال، وعليهم أيضاً ألا يهدروا ما توصل إليه علماء النفس والتربويون والنقاد المخلصون، لأن هؤلاء الباحثين حاولوا جاهدين أن يكتشفوا عالم الطفل الداخلي، ويستنيروا بالهدى الإلهي، والتجارب الحية، والدراسات الميدانية، أملاً في معرفة العوامل المختلفة، والمؤثرات العديدة، التي تفعل فعلها في عقل الطفل ونفسه ووجدانه وسلوكه، وهي محاولات ـ وإن لم تصل حد الكمال ـ جديرة بالنظر والتطبيق إذا لم تتعارض مع حقائق الإسلام ونصوصه.
إن للأطفال خبراتهم وتجاربهم وأحلامهم الخاصة، وأديب الأطفال الحق هو الذي يستخدم أداة اللغة بطريقة خاصة تجعل الطفل يستشعر المتعة والجمال، والنظام والتوازن، فتحدث الاستجابات الوجدانية والنفسية المطلوبة، بل أثرى وأوسع مما هو مطلوب، ويكتسب الطفل عندئذٍ خبرة جديدة تثري فكره، وتحقق له السعادة، بل والدهشة أو العجب أحياناً، ومن لا يتوفر لديه معرفة كافية بعالم الطفولة الخاص، فسوف يكون من العسير عليه الوفاء بمهمته الصعبة، لان الطفل صريح. ويقبل أو يرفض بصراحة. ويعبر عن انطباعه بحرية، فيقبل على الكتاب بنهم وشغف، أو يلقي به بعيداً في ملل وإهمال. ومن الصعب على الطفل ان يستمر في أداء فعل لا يحبه.. أو كما يقولون الطفل ناقد صادق. لا يعرف المجاملة فيما يقرأ من أدب، وإن لم تكن لديه القواعد الأكاديمية لتقويم العمل الأدبي.. إنه يملك شيئاً واحداً: الشعور بالمتعة..
أقول هذا الكلام خاصة لأولئك الذين يملؤون كتاباتهم للطفل بالكثير من القيم والمضامين العظيمة، لكنهم للأسف يقدمونها في إطار مهلهل، أو شكل فني مقبض، وتكون النتيجة إنصراف الطفل عن الجواهر الغالية التي أرادوها له هدية قيِّمة.
الصورة الفنية الحية الجذابة هي العنصر الأساسي، وبدونها ينطمر المضمون في طيات الملل والاهمال والنسيان..
دائماً.. وأبداً.. يجب أن نجدَّ في البحث عن أفضل الأساليب، وأجمل الأشكال والأُطر التي نقدِّم من خلالها ما نريد من قيم وأفكار لأطفالنا. وإذا كان البعض يزعم أن الدين والفن لا يلتقيان. ويظن هذا البعض، أن هدف الفن الجمال، وهدف الدين الحق، إذا كان الظن كذلك، فإنه ظن أوحت به نظرية (الفن للفن) وغيرها من النظريات التي تركز على الإستماع وحده، ونسوا أو تناسوا أن الحق قمة الجمال والروعة، وأن الدين يسعى حثيثاً لإسعاد الإنسان، وجعل حياته تتسم بالنسق والنظام البديعين، في ظل الإيمان والصدق، وأن الفن كذلك يسعى لإسعاد الإنسان وجعل حياته تنبض بالجمال والخير والحق والإيمان؛ ذلك هو الفن الصحيح، وما عداه فهو فن لا يترسم خطى الفكر السليم؛ والحياة السوية، والمشاعر الصادقة.

ألا ترى أن الفن والدين يلتقيان عند نقطة واحدة؟؟

يقول روسو في ذلك عن طفله (...إن الفرض الاساسي من تربيته هو أن أعلمه كيف يشعر، ويحب الجمال في أشكاله، وأن أرسّخ عواطفه وأذواقه، وأن أمنع شهواته من النزول إلى الخبيث والمرذول، فإذا تم ذلك. وجد طريقه إلى السعادة ممهداً..)
المصادر :
1- سورة الكهف / 110
2- الاسراء / 88

source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الزواج القانوني
أكبر جلسة قرآن في العالم الاسلامي ستقام بمرقد ...
شبابنا في ظل التربية الإسلامية
الازواج المتقون
العلاقات الزوجية الناجحة تُحسِّن مناخ الأرض
السيد محسن الأمين العاملي ( قدس سره ) ( 1284 هـ ـ 1371 ...
المرأة في القرآن
مدير قناة الجزيرة في باكستان عضو في القاعدة ...
ربط الطفل بالسلف الصالح
إصدار كتاب "المنهج الحق كتاب الله والعترة ...

 
user comment