الموالي و مشاركتهم في ثورة المختار.
لـم يـفكر احد قبل المختار باستثمار وجود الموالي و صحيح ان اميرالمؤمنين ـعليه السلام ـ كان يـلطف بهم تبعا لسياسته العامة , الا ان اكثر انصاره كانوا من العرب و كان المختار اول من بادر الى تـلـك الـخطوة , و طرح ضرورة استثمارهم و اما ما قيل ان عليا ـعليه السلام ـ كان اول من ادرك اهـمية الموالي , و قد جا الى الكوفة من اجل ذلك فانه كلام لا ينسجم مع ظروف الموالي آنذلك , اذ كان من المتعذر استثمارهم و الاستفادة منهم في تلك الظروف و لا ينطبق هذا الموضوع ايضا على الامام الحسين ـ عليه السلام ـ ,والدليل على ذلك حركة التوابين التي لم تضم الموالي في صفوفها و فـي ضـؤ ذلك , فان ماقاله البعض في هذالمجال لا يبدو صحيحا ((269)) , و مله الجهل بالظروف السائدة وقتذاك .
و كـان المختار بن ابي عبيدة الثقفي احد الاشخاص الذين بذلوا جهودهم عدد سنين لضعضعة اركان الـسـلطة الاموية في الشرق و لذلك كان يبغضه الامويون و من سار في ركابهم من المؤرخين بغضا شديدا, و كذلك كان يبغضه الزبيريون بشدة و عمل هؤلاكلهم على اتهامه بشتى التهم و كان تمسكه بالتشيع باعثا على عدم تاييده من قبل الاخرين ايضا و لذلك نجد التقولات التي تقولها عليه الامويون فـي ايـام ثـورتـه و بعدها, و بثوها في مختلف الارجا بوصفها اشاعات مغرضة مضادة , قد تلاقفتها الايدي بلا نقد او تمحيص ,و تناقلتها الالسن على ا نها اخبار المختار بلا تريث , و انتشرت في كل مـكـان و نـجد ان ((تاريخ الطبري )) و غيره من المؤرخين الذين كان تاريخهم خلاصة لتاريخه , مـشـحـون بالتهم الكاذبة ضده , و لا سيما التهمة المتمثلة بادعائه النبوة و نحن لا ننوي هنا دراسة حـركـة الـمـختار و تقويمها, بيد اننا نجتزئ بالقول ان من كان يدعي ذلك , فليس بمقدوره البقافي الـعـراق يـوما واحدا, فضلا عن توليه امر حكومته اكثر من سنة و نقرا ان المختار نفسه قال في خـطبته بعد الانتصار : (( و تقولوا علي الاقاويل ((270)) )) و يبدو من هذا الكلام ان طعونا قد وجهت اليه في حياته , و دحضها و لا يستبعد ا نه كان متطرفا نوعا ما, لذلك لم يحظ بدعم الامام زين العابدين علي بن الحسين ـ عليه السلام ((271)) .
و لـعل الامام ـ عليه السلام ـ لم يرغب في اتخاذ موقف صريح من تحركه , بخاصة , ا نه لم يعبر عن موقف سياسي معين علنا.
و لا يمكن القبول براي مقنع حول ادعائه النبوة ((272)) لان العناد الموجود ضده يكشف لنا ان هذه الـتـهـمـة هـي مـن عـمـل الـمـرجـفـين والعجيب ان بعض المؤلفين الجدد قدنسبوا اليه التهمة المذكورة ايضا ((273)) بينما نجد ان هذه التهمة التي نقلها المؤرخون لاتنسجم مع ما نقلوه انفسهم حـول الـمـوضوع الاساس لثورته فقد نص هؤلا كلهم على ان المختار كان يعتبر نفسه ممثلا لابن الـحـنفية و هذا هو سر انتصاره فكيف ينسجم مع ادعاالنبوة ايضا رفض وصف المختار بالكذب ((274)) وعند ما قالت زوجة المختار لمصعب بن الزبير بعد مـقـتـل زوجـهـا: مـا عـلـمـته الا مسلما من عباداللّه الصالحين , تقولوا عليها ا نها تزعم ا نه نبي , ((275)) و هذا افضل دليل على ان كثيرا من تلك التهم والطعون كانت مزيفة . و عـنـدمـا ثار المختار, كان الشيعة في الكوفة يشعرون بتانيب الضمير لخذلانهم الامام الحسين ـ عـليه السلام , لذلك كانوا يعبرون عن مواساتهم اهل البيت ـ عليهم السلام و امتلات صدورهم حقدا و بـغضا للامويين مساعير واقعة الطف و كانوا لا يفرقون بين ابنا علي ـعليه السلام ـ سوا كانوا من فـاطـمـة الـزهرا ـ عليهاالسلام ـ ام من غيرها, بيد ا نهم كانوايولون اهتماما اكبر بابنا الزهرا ـ عليهاالسلام و عندما يمم المختار الامام علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ و لم يلق منه دعما , زعم ان مـحـمد بن الحنفية بوصفه مهدي اهل البيت ـ عليهم السلام ـ ارسله الى اهل العراق ((276)) و لم يطمئن الناس اليه كثيرا و نقل ان محمد بن الحنفية لم يؤيد او يدحض هذا الادعا ((277)) .
عـلـى اي حال , ان الناس الذين كانوا تواقين الى تطبيق سيرة الامام علي ـ عليه السلام ـلم ترق لهم حـكـومـة الـزبـيريين في العراق , لان هؤلا كانوا يريدون العمل بسيرة عمراو عثمان حتى انهم عـبـروا لـهـم عـن مـوقـفـهـم قـائلـيـن , ان لا يـسـار فـيـنـا الا بـسيرة علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ((278)) )) و من هذا المنطلق , فرشوا صدورهم للمختار و طبيعيا ان الشرائح التي كانت تدعم المختار لم تضم اشراف الكوفة و كبارها, لان هؤلا كانوا قادة الجيش الاموي ضد الامام الحسين ـ عليه السلام .
و هـذه حـقيقة كان يؤمن بها التوابون ايضا, اذ كان قائدهم سليمان بن صرد يقول :((ان قتلة الحسين هم اشراف اهل الكوفة و فرسان العرب ((279)) )).
و حينئذ كان على المختار ان يعبئ شرائح اخرى من المجتمع الكوفي , لم تشترك في حادثة الطف .
و كـان الموالي من المرشحين لهذه المهمة , لا سيما ا نهم ذاقوا طعم الحرمان , و راوارعاية الامام امـيـرالـمـؤمـنين ـ عليه السلام ـ والعلويين لهم و من المحتمل ان بعضهم كان راغبا في التعاون مع المختار لاقامة حكومة علوية , مضافا الى ما كان يحمله من دوافع سياسية ايضا و قد نصروا التشيع على اي حال و كان المختار نفسه يقول : اني لاعرف كلمة لو قلتها, كثر تبعي والكلمة هي : من جانا من عبد فهو حر ((280)) .
و احـتـفـظ اشراف الكوفة بمنزلتهم و شانهم في ظل بني امية , كما تكيفوا مع توجهات عبداللّه بن مطيع والي عبداللّه بن الزبير ايضا فلا يطيقون ـ اذن ـ ان يطرد المختار ابن مطيع , ويتسلم مقاليد الامور, و يسلط الموالي على اشراف العرب , لذلك كان يبدو عليهم الامتعاض والقلق بيد ان المختار نـفـسـه كـان مهتما بهذا الموضوع نوعا ما, و لم يهمله و عندما فرغ من حرب ابن مطيع انبرى الى التفاوض مع الاشراف فقال احد الموالي لرئيس حرسه (كيسان ): اقبل ابو اسحاق (كنية المختار) على العرب ما ينظر الينا و سـكـت , ثـم قـرا قـوله تعالى : ((انا من المجرمين منتقمون )) فلما سمعوها, قال بعضهم لبعض : ((281)). طـبيعيا, كان ينبغي للمختار ان يعتمد على الموالي , ذلك ا نهم كانوا ذوي دوافع سياسية للتخلص من ظـلـم الامويين , مضافا الى ا نهم لم يتهموا بقتل الحسين ـعليه السلام كما كانوا يودون اهل البيت ـ عـليهم السلام لذلك عندما اراد الاشراف التشاورمع عبدالرحمن بن مخنف لحرب المختار, قال لهم : مـعـه عبيدكم و مواليكم , و هم مقاتلوكم بشجاعة العرب و عداوة العجم ((282)) و كان اشراف الـكـوفـة يقولون لشبث بن ربعي : ((واللّه ان المختار تامر علينا بغير رضى منا, و لقد ادنى موالينا فـحـمـلـهـم على الدواب واعطاهم فيئنا ((283)) )) على اي حال , كان استثمار الموالي سياسة مناسبة انتهجها المختار.
و مـن الـجـدير بالذكر ان الاطمئنان المفرط الى الموالي في ظروف كان يتعذر معهاالاستعانة بهم لاقـامة حكومة ما, لم يكن صائبا لذلك كان يقول البعض : ان سبب هزيمة المختار هو وجود الموالي بـيـن افراد جيشه ((284)) و كان عددهم كبيرا جدا, حتى ان المختار عندما ارسل شرحبيل بن ورس الهمداني الى المدينة على راس جيش قوامه ثلاثة آلاف جندي , كان عدد العرب فيهم سبعمائة فقط, والباقي من الموالي ((285)) ويرى الدينوري ان عددهم اربعون الفا ((286)) , و يبدو ان فيه مبالغة و كان اشراف العرب ينظرون الى الموالي على ا نهم اراذل .
و عـنـدما اصطدم جيش المختار بجيش الشام , كان ربيعة بن مخارق يقول للشاميين :((انكم تقاتلون الـعـبـيـد الابـاق و قـومـا قـد تـركـوا الاسـلام و خـرجـوا مـنـه لـيـسـت لـهـم تقية و لا يـنـطـقـون بـالـعـربـية ((287)) )) ان اتهام الموالي بالكفر كان لتحريض الشاميين المشهورين بالجهل فحسب , و الا فانهم كانوا مسلمين ((288)) .
و كـان اشـراف الـكـوفة يقولون ايضا: ان المختار استغل مواليهم (( و اطعم موالينا و اخذعبيدنا فخرب بهم يتامانا و اراملنا ((289)) )).
و يقول الشعبي : كان اهل البصرة (انصار مصعب بن الزبير على المختار) يسمون الكوفيين مواليهم , والاخبار الماثورة في هذا المجال كثيرة لـلـغـاية كما جا في خبر آخر ان عدد الموالي في جيش المختار كان كبيرا الى درجة ان التحدث بـالـلـغـة الفارسية كان يسمع كثيرا بين افراد الجيش ((291)) و بعدقمع ثورة المختار من قبل مـصعب بن الزبير الذي كان احد الاشراف , و قد كلف من قبل اخيه عبداللّه بقمع الثورة , قال مصعب لاحـد افـراد جـيـشـه :((و اقـتـل هـؤلا الـمـوالي , فانه قد بداكفرهم , و عظم كبرهم , و قل شكرهم ((292)) )).
و كانوا يرون ا نهم ان لم يبيدوا الموالي عاجلا, فلا قدرة لهم على الوقوف بوجوههم آجلا, ذلك ا نهم عرفوا قدرتهم و عظم خطرهم في الاقل .
و يـذهـب الـديـنـوري الـى مـا ذهـب الـيـه الـطـبـري ان ((اكـثر اصحاب المختار العجم و قبيلة همدان ((293)) )).
و يرى ايضا ان ((جل جندالمختار حين الحرب مع الشام ابنا فرس ((294)) )).
و عـنـدما فر محمد بن الاشعث من قبضة جيش المختار, و نزل عند مصعب بن الزبيرفي البصرة , ساله مصعب عما وراه , فقال : ((واللّه ايها الامير, الترك والديلم ((295)) )).
و مضافا الى ان هذه النصوص التاريخية تترجم دعم الموالي حركة من الحركات الشيعية , فانها تدل عـلى كثرتهم في العراق الى درجة ا نهم استطاعوا المحافظة على حكومة تمكنت من الصمود ستة عشر شهرا, مع ان العرب يشكلون قسما من عناصرها ((296)) .
و كـان تـعامل المختار مع الناس خلال تلك الفترة مقبولا للغاية و في ضؤ ما نقل فقد((كان المختار اول مـا ظـهر احسن شي سيرة و تالفا للناس ((297)) )) و لذلك استطاع ان يملك قلوب الناس الى حـد مـا و كـان الاتجاه الشيعي لحركته باعثا آخر على وجاهته بين الناس ,اذ وفى وعده المتمثل بـالـثـار مـن قـتلة الحسين ـ عليه السلام و ابادهم ما استطاع الى ذلك سبيلا و في ضؤ ما قاله ابن الاعـثـم , و مـا نقل عن محمد بن الاشعث , فانه قتل زها ثلاثة آلاف شخص من المتهمين بقتل الامام الحسين ـ عليه السلام ـ (حتى الفترة التي سبقت فرار ابن الاشعث الى البصرة ((298))).
و مـن الـمؤسف ان الموالي قد ابيدوا بعد قمع ثورة المختار بيد ان المجتمع لم يسعه الاستغنا عنهم وقتذاك فهم لم ينشطوا في القيام بالاعمال الصعبة العسيرة في المجتمع فحسب , و انما فاقوا العرب فـي الاعـمـال الـعـلمية ايضا, بحيث ان عامة العلما المعروفين في الحواضر الاسلامية المهمة في اواخـر الـقرن الاول كانوا من الموالي ((299)) و هذا مااقض مضجع الحجاج , فامر بالتشدد في معاملتهم و منعهم من امامة الجماعة والقضا,كما مر بنا سابقا.
عـلـى اي حـال , لـم يتوقف دعم الموالي لبني هاشم عند حد, فقد كان لهم دور ايضا في الانتفاضات الـشـيـعـيـة التي قامت في القرن الثاني و انصار اهل البيت ـ عليهم السلام ـ ليسوامن بعض القبائل الـعـربية فحسب , بل كانوا من الموالي الفرس و غيرالفرس ايضا و عندمااستولى الزبيريون على مـكـة والـعراق , كانوا يرون ان بني هاشم اعداؤهم , فسجنوا عددامنهم في مكة , منهم : محمد بن الحنفية .
و فـي ضـؤ ما نقله البلاذري , فان الموالي السودانيين دافعوا عن محمد بن الحنفية ضدعبداللّه بن الزبير ((300)) .