عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

فی رحاب السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام

عاشت السیدة فاطمة المعصومة مع أخیها الإمام الرضا (علیه السلام) أکثر من عشرین عاماً على أقل التقادیر، إذا ما استبعدنا أن تکون ولادتها فی سنة 183هـ، لأنها السنة التی استشهد فیها أبوها الإمام الکاظم (علیه السلام) فی قول أکثر المؤرخین، وإلا فتکون المدة التی عاشتها السیدة فاطمة مع أخیها سبعة عشر عاماً، وذلک لأنّ انتقال الإمام الرضا (علیه السلام) من المدینة إلى مرو فی خراسان کان سنة 200 هـ وکانت ولادته (علیه السلام) سنة 148هـ کما هو المشهور، وقیل فی سنة 153هـ(1)
فی رحاب السیدة فاطمة المعصومة علیها السلام

عاشت السیدة فاطمة المعصومة مع أخیها الإمام الرضا (علیه السلام) أکثر من عشرین عاماً على أقل التقادیر، إذا ما استبعدنا أن تکون ولادتها فی سنة 183هـ، لأنها السنة التی استشهد فیها أبوها الإمام الکاظم (علیه السلام) فی قول أکثر المؤرخین، وإلا فتکون المدة التی عاشتها السیدة فاطمة مع أخیها سبعة عشر عاماً، وذلک لأنّ انتقال الإمام الرضا (علیه السلام) من المدینة إلى مرو فی خراسان کان سنة 200 هـ وکانت ولادته (علیه السلام) سنة 148هـ کما هو المشهور، وقیل فی سنة 153هـ(1)
فعلى القول بأنّ ولادتها (علیها السلام) کانت سنة 179هـ یکون عمرها الشریف یوم رحلة أخیها من المدینة واحداً وعشرین عاماً، وعلى القول بأن ولادتها کانت سنة 173هـ کما رجّحه بعضهم یکون عمرها آنذاک سبعة وعشرین عاماً.
وعلى أی تقدیر فقد عاشت السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) فی کنف أخیها الرضا (علیه السلام) ورعایته مدّة من الزمن تمکّنها من تلقّی التربیة والتعلیم اللائقین بمقامها على ید أخ شقیق لم یکن فی علمه ومقامه کسائر الناس، فهو الإمام المعصوم وهو المربّی والمعلم والکفیل.
وهذه المدة وإن لم تخل من مضایقات عانى منها الإمام الرضا (علیه السلام) الشدائد والمحن بعضها کان محصوراً فی نطاق أسرته وأهل بیته، وهو ما لاقاه الإمام (علیه السلام) من بعض أخوته وعمومته حیث اعترض بعضهم على تفضیله وتمییزه علیهم، ولا نرید الولوج فی تفاصیل هذا الموضوع الخاص خشیة التعثّر فی طریقه، على أنّه لا أثر یترتّب على الخوض فی الحدیث عنه.
وبعضها کان من بعض من کانوا فی عداد شیعة أبیه حیث نجم قرن فتنة الواقفیة الذین حلیت الدنیا فی أعینهم، فحاولوا قطع الطریق على الإمام الرضا (علیه السلام) وابتدعوا القول بأن الإمام الکاظم (علیه السلام) لم یمت، وأنّه غاب وسیعود، وفی طلیعة هؤلاء علی بن أبی حمزة البطائنی، زیاد بن مروان القندی، وعثمان الرواس(2)، وأضرابهم من الذین أحدثوا هذه الفتنة وکانوا سبباً مباشراً وغیر مباشر فی تألم الإمام (علیه السلام) وإیذائه.
وبعضها کان من السلطة الحاکمة حیث کانت تتحرّش ـ بین حین وآخر ـ بالإمام وتوعز إلى جلاّدیها بالهجوم على بیت الإمام کما سیأتی تفصیله.
أقول: إن هذه الفترة وإن لم تصفُ للإمام (علیه السلام) ولم تخلُ من المضایقات إلا أن من الیقین أن الإمام قام بدوره مربّیاً ومعلّماً وراعیاً وکفیلاً، وفی طلیعة من ربّاهم الإمام (علیه السلام) وعلّمهم شقیقته السیدة فاطمة المعصومة، فأخذت عنه العلم والمعرفة والفضائل والمناقب، حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى کما جاء فی زیارتها (علیها السلام)، وأنّ شفاعتها کفیلة بإدخال الشیعة بأجمعهم إلى الجنة، کما تحدّث بذلک جدّها الإمام الصادق (علیه السلام).
والمصادر وإن لم تسعفنا بذکر شیء ممّا تلقّته الأخت من أخیها، وبماذا حدّثها، وکیفیة حدیثه إلیها، إلا أن لدینا ما یکفی للکشف عن بلوغها مرتبة عالیة من العلم والمعرفة والمقام، ومنه قول معلّمها ومربّیها الإمام الرضا (علیه السلام) إذ روی عنه أنه قال: من زار المعصومة بقم کان کمن زارنی(3)
ولا یغیب عن بالنا أن القائل معصوم لا ینطق عن الهوى، وأنّ وراء هذه الجملة على قصرها ما یدلّ على المقام الرفیع فی العلم وغیره، ولولا أن السیدة فاطمة المعصومة بلغت من المنزلة مکانة عظیمة لما کان الإمام (علیه السلام) یقول ذلک.
على أنّه هل من المعقول أن یقال فی حقّها بأنّها معصومة ولا تکون قد بلغت من العلم مکانة یکشف لها الواقع على ما هو علیه، ألیست العصمة تستلزم العلم والمعرفة؟!
ومما یؤیّد ذلک ما نقله العلامة الشیخ علی أکبر مهدی ‌پور حکایة عن أحد الفضلاء عن المرحوم السید أحمد المستنبط عن کتاب کشف اللئالی لابن العرندس الحلی، وحاصلها: أن جمعاً من الشیعة قصدوا بیت الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام) للتشرّف بلقائه والسلام علیه، فأخبروا أن الإمام (علیه السلام) خرج فی سفر وکانت لدیهم عدّة مسائل فکتبوها، وأعطوها للسیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) ثم انصرفوا.
وفی الیوم التالی ـ وکانوا قد عزموا على الرحیل إلى وطنهم ـ مرّوا ببیت الإمام (علیه السلام)، ورأوا أن الإمام (علیه السلام) لم یعد من سفره بعد، ونظراً إلى أنّه لابدّ لهم أن یسافروا طلبوا مسائلهم على أن یقدموها للإمام (علیه السلام) فی سفر آخر لهم للمدینة، فسلّمت السیدة فاطمة (علیها السلام) المسائل إلیهم بعد أن کتبت أجوبتها، ولمّا رأوا ذلک فرحوا وخرجوا من المدینة قاصدین دیارهم.
وفی أثناء الطریق التقوا بالإمام الکاظم (علیه السلام) وهو فی طریقه إلى المدینة، فحکوا له ما جرى لهم فطلب إلیهم أن یروه تلک المسائل، فلمّا نظر فی المسائل وأجوبتها، قال ثلاثاً: فداها أبوها.
فإن صحّت هذه الحکایة فهی تدلّ أولاً: على أن السیدة فاطمة المعصومة عاصرت أباها مدّة طویلة من الزّمن فیکون القول بأنّ ولادتها سنة 183هـ أو 179هـ غیر صحیح قطعاً.
وثانیاً: تدلّ على المقام العلمی الرفیع الذی بلغته السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام)، بل کما قال الشیخ مهدی ‌پور إنّه دلیل على أنّها عالمة غیر معلّمة، هذا مع التوجه إلى أنّها کانت صغیرة السن آنذاک(4)
ولئن لم یحفظ لنا التاریخ خصوصیّات ما تلقّته من العلم على أیدی أبیها وأخیها إلا أنه أبقى بین طیاته نزراً من الروایات التی حدّثت بها هذه السیدة الجلیلة.
ومما لا شک فیه أن علم الحدیث من أجلّ العلوم وأشرفها، فهو العلم الجامع للتفسیر والفقه والأخلاق والکلام وغیرها من سائر المعارف الدینیة.
ویعود انتشار معارف الدین وبقاؤها إلى هذا العلم الجلیل، وقد قام علماء الشیعة بمساندة أئمتهم (علیهم السلام) بتعاهد هذا العلم حفظاً وتنقیة وتبویباً حتى وضعوا الموسوعات الروائیة، واشتهرت بینهم جملة من الکتب أصبحت فیما بعد مرجعاً للشیعة یستقون منها معارفهم الدینیة المختلفة، وعلیها تدور رحى مباحثهم العلمیّة، کالکتب الأربعة وغیرها من الکتب الکثیرة.
کما تعاهد علماء الشیعة بالبحث والتحقیق أسانید تلک الأحادیث، ووضعهم الضوابط العلمیة الرّصینة والمقاییس الدقیقة لمعرفة أحوال الرواة وطبقاتهم ومدى إمکان الاعتماد على روایاتهم وعدمه وانبثق عن ذلک علم آخر اقترن بعلم الحدیث وهو علم الرجال، فوضع علماء الشیعة معاجم الرجال لدراسة أحوالهم من حیث الوثاقة وعدمها، واشتهار هذا العلم باسم الرجال لا یعنی اختصاصه بهم ولا نصیب فیه للنساء، وإنما کانت التسمیة مراعاة للغالب على من تمرّس فی هذا العلم، وإلا فهناک من النساء اللائی بلغن مرتبة عالیة فی هذا العلم، ولم تغفل المعاجم التی تناولت أحوال الرواة عن ذکرهن والإشادة ببعضهن وبیان طبقاتهنّ من حیث سلسلة السند، حتى أنّ الأجلاء من رواة الحدیث قد رووا عن بعضهنّ، وفی طلیعة أولئک النسوة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام)
ولکن ممّا یثیر الغرابة أن لا نجد ترجمة لهذه السیدة الجلیلة والمحدثة العظیمة فی المعاجم التی عنیت بضبط أسماء الرواة، ولذا ذکرها الشیخ النمازی فی مستدرکاته مشیراً إلى المواضع التی ذکرت فیه من کتب البحار(5) فقط، مع أنّ أصحاب هذه المعاجم قد ذکروا نساءً أقل شهرة منها، وربّما أقل حدیثاً، ولم ندر ما هو الوجه فی ذلک؟!
وعلى أی حال فقد کانت هذه السیدة الجلیلة من المحدّثات، وورد ذکرها فی أسانید رواها العامّة فضلاً عن الخاصّة، منها ما ورد فی کتاب المسلسلات لأبی محمد جعفر بن أحمد بن علی القمی، قال: حدّثنا محمد بن علی بن الحسین، قال: حدّثنی أحمد بن زیاد، قال: حدّثنی أبو القاسم جعفر بن محمد العلوی العریضی، قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن خلیل، قال: أخبرنی علی بن محمد بن جعفر الأهوازی، قال: حدّثنی بکیر بن أحنف، قال: حدّثتنا فاطمة بنت علی بن موسى الرضا (علیه السلام)، قالت: حدّثتنی فاطمة، وزینب، وأم کلثوم بنات موسى بن جعفر (علیهما السلام)، قلن: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد (علیه السلام)، قالت: حدّثتنی فاطمة بنت محمد بن علی (علیه السلام)، قالت: حدّثتنی فاطمة بنت علی بن الحسین، قالت: حدّثتنی فاطمة وسکینة ابنتا الحسین بن علی (علیه السلام)، عن أم کلثوم بنت علیه (علیه السلام)، عن فاطمة بنت رسول الله، قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله علیه وآله) یقول: لما أسری بی إلى السماء دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من درّة بیضاء مجوّفة، وعلیها باب مکلّل بالدرّ والیاقوت، وعلى الباب ستر، فرفعت رأسی فإذا مکتوب على الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علی ولیّ القوم، وإذا مکتوب على الستر بخ بخ من مثل شیعة علی (علیه السلام)، فدخلته، فإذا أنا بقصر من عقیق أحمر مجوّف، وعلیه باب من فضّة مکلّل بالزبرجد الأخضر، وإذا على الباب ستر فرفعت رأسی فإذا مکتوب على الباب: محمد رسول الله، علی وصی المصطفى، وإذا على الستر مکتوب: بشّر شیعة علی بطیب المولد، فدخلته، فإذا أنا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه، وعلیه باب من یاقوتة حمراء مکلّلة باللّؤلؤ، وعلى الباب ستر فرفعت رأسی فإذا مکتوب على الستر: شیعة علی هم الفائزون، فقلت: حبیبی جبرئیل لمن هذا؟ فقال: یا محمد لابن عمّک ووصیّک علی بن أبی طالب (علیه السلام) یحشر الناس کلّهم یوم القیامة حفاة عراة إلا شیعة علی (علیه السلام)، ویدعى الناس بأسماء أمّهاتهم إلا شیعة علی (علیه السلام)، فإنّهم یدعون بأسماء آبائهم، فقلت: حبیبی جبرئیل وکیف ذاک؟ قال: لأنّهم أحبّوا علیّاً فطاب مولدهم(6)
ومنها: ما رواه محمد الجزری فی أسنى المطالب بإسناده عن علی بن محمد بن جعفر الأهوازی، مولى الرشید، عن بکر بن أحمد القصری، عن الفواطم، عن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله علیه وآله) قالت: أنسیتم قول رسول الله (صلّى الله علیه وآله) یوم غدیر خم: من کنت مولاه فعلیّ مولاه؟ وقوله (صلّى الله علیه وآله): أنت منّی بمنزلة هارون من موسى (علیهما السلام)(7)
وقد عرف هذا النحو من الإسناد بالمسلسل، وهو فن من فنون الضبط وضرب من ضروب المحافظة، وفیه فضل للحدیث من حیث الاشتمال على مزید ضبط الرواة(8) وعرّفه المحق الدّاماد بأنّه هو ما تتابع فیه رجال الإسناد عند روایته على قول کسمعت فلاناً یقول: سمعت فلاناً.. أو أخبرنا فلان والله، قال: أخبرنا فلان والله، إلى آخر الإسناد(9). وذکر أکثر من خمسة عشر نحواً من أنحاء تتابع الرواة عند روایة الحدیث.
على أن هذین السندین عن فاطمة (علیها السلام) مسلسلان من وجه آخر وهو أن کل واحدة من الفواطم تروی عن عمّة لها، فهو روایة خمس بنات أخ، کل واحدة منهنّ عن عمّتها.
هذا وهناک روایات أخرى کانت السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) فی أسنادها وبعضها مسلسلة على النحو المتقدم.
وخلاصة القول أن هذه السیدة الجلیلة نالت قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، قد تلقته من معدنه الصافی، وأخذته من منبعه العذب، حتى غدت ذات شأن ومقام وإن لم یصلنا منه إلا النّزر الیسیر.

المکانة الاجتماعیة والشأن الرّفیع

لما کان أهل البیت (علیهم السلام) یمثّلون الفطرة السلیمة فی أنقى حالاتها، والفضیلة فی أجلى معانیه وقد اجتمعت فیهم الکمالات البشریة المختلفة، وأحاطتهم العنایة الإلهیة فی جمیع أحوالهم وشؤونهم، وتقرّر أن الإنسان بطبعه عاشق للکمال والفضیلة، فمن الطبیعی جدّاً أن تهفو القلوب نحوهم، وتمیل النفوس إلیهم، من دون سائر البشر.
وقد ورد فی الروایات أن ذلک دعوة إبراهیم (علیه السلام)، فقد جاء فی تفسیر قوله تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِم)(10)، أنّ المراد هم أهل البیت (علیهم السلام) قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): والأفئدة من الناس تهوی إلینا، وذلک دعوة إبراهیم (علیه السلام)(11). وقال الإمام الباقر (علیه السلام): فنحن والله دعوة إبراهیم (علیه السلام) التی من هوانا قلبه قبلت حجّته، وإلا فلا(12)
نعم قد تتلوّث بعض النفوس ویتکدّر صفاؤها نتیجة لعوامل متعدّدة فتضلّ الطریق، ولکن تبقى فی أعماقها میّالة إلیهم راغبة فیهم، وإن کانت فی ظاهر الأمر ضدّهم، وهذا ما قد کشف عنه الفرزدق الشاعر المشهور، حین لقیه الحسین (علیه السلام) وهو فی طریقه إلى کربلاء، وسأله عن الناس خلفه، فقال له: قلوب الناس معک وأسیافهم علیک(13)
وأما أولئک الذین انحرفت ذواتهم وخبثت أصولهم فهم فی طریق آخر، ولذلک وردت عدة روایات تؤکد هذه الحقیقة، منها: ما روی عن النبی (صلّى الله علیه وآله) أنّه قال: من فارق علیّاً فقد فارقنی، ومن فارقنی فقد فارق الله عزّ وجلّ(14). وقال (صلّى الله علیه وآله): یا علی لو لولاک لما عرف المؤمنون بعدی(15). وقال (صلّى الله علیه وآله) یخاطب علیاً: ما سلکت طریقاً ولا فجاً إلا سلک الشیطان غیر طریقک وفجّک(16)
وجاء فی التفسیر عن أبی جعفر (علیه السلام) أنّه قال: إنّ أبانا إبراهیم (صلوات الله علیه) کان فیما اشترط على ربّه أن قال: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ)(17). أما إنه لم یعن الناس کلّهم، أنتم أولئک ونظراؤکم، وإنّما مثلکم فی الناس مثل الشعرة البیضاء فی الثور الأسود، أو مثل الشعرة السوداء فی الثور الأبیض(18)
وغیرها من الشواهد الکثیرة. وقد تقدّم فی الحدیث المروی عن السیدة فاطمة (علیها السلام) أن حبّ علی (علیه السلام) عنوان طیب الولادة.
والحقیقة الثابتة أن أهل البیت (علیهم السلام) حیث جمعوا الفضائل والمناقب والکمالات کانت لهم السیادة على النفوس. والمحبة فی القلوب، واحتلّوا موقع الصدارة بین الناس من دون فرق بین رجالهم ونسائهم، فکان رجالهم خیر الرجال، ونساؤهم خیر النساء، وعلى هذا فلا شک أن تکون للسیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) منزلتها الخاصّة، ومکانتها العالیة، ولذا کان لها عند الله شأن من الشأن فضلاً عن شانها عن الناس.
وقد کان لها (علیها السلام) بأخیها الإمام الرضا (علیه السلام) صلة خاصّة قلّ نظیرها کما کشفت عنها الروایات والأحداث وسیأتی منها ما یدلّ على ذلک.
وإنّ من أهمّ أسباب بلوغها هذا المقام الشامخ علمها ومعرفتها بمقام الإمامة والإمام، وقد کان إمام زمانها شقیقها الإمام الرضا (علیه السلام) الذی تولّى تربیتها فعلى یدیه نشأت، وعنه أخذت، وتحت إشرافه ونظره ترعرعت، وبأخلاقه وآدابه سمعت وتکاملت.
ولذا تمیّزت الصّلة بینهما بحیث أصبحت تعرّف نفسها بأنّها أخت الرضا (علیه السلام) کما سیأتی.
وهما وإن کانا ینحدران من أب واحد وأمّ واحدة وذلک أحد أسباب شدّة الصّلة بینهما إلا أن السّبب الأقوى والأتم هو علمها بمقام أخیها وإمامته، إذ أن الرّابطة النسبیة تصبح ـ حینئذ ـ عاملاً ثانویّاً بالقیاس إلى العلم والمعرفة.
هذا، وقد نوّه الأئمة (علیهم السلام) بمکانتها ومنزلتها قبل ولادتها، وبعد أن ولدت وتوفیت.
روی عن عدّة من أهل الرّی أنّهم دخلوا على أبی عبد الله (علیه السلام)، وقالوا: نحن من أهل الرّی، فقال (علیه السلام): مرحباً بإخواننا من أهل قم، فقالوا: نحن من أهل الری، فأعاد الکلام، قالوا ذلک مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال (علیه السلام): إن لله حرماً وهو مکّة، وإن لرسول الله حرماً وهو المدینة، وإنّ لأمیر المؤمنین حرماً وهو الکوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فیها امرأة من أولادی تسمّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة.
قال الراوی: وکان هذا الکلام منه (علیه السلام) قبل أن یولد الکاظم.(19)
وفی روایة أخرى عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام): ألا إن لله حرماً وهو مکّة ألا أن لرسول الله حرماً وهو المدینة، ألا إنّ لأمیر المؤمنین حرماً وهو الکوفة، ألا إنّ حرمی وحرم ولدی بعدی قم، إلا إنّ قم الکوفة الصغیرة، ألا إن للجنة ثمانیة أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فیها امرأة من ولدی، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شیعتنا الجنّة بأجمعهم.(20)
وفی روایة أن الإمام الرضا (علیه السلام) قال لسعد الأشعری القمی: یا سعد عندکم لنا قبر، قلت له: جعلت فداک قبر فاطمة بنت موسى (علیه السلام)، قال: نعم، من زاره عارفاً بحقّها فله الجنّة.(21)
وروى الصدوق فی العیون بسنده عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السلام) عن زیارة فاطمة بنت موسى بن جعفر (علیهما السلام)، فقال: من زاره فله الجنّة.(22)
وغیرها من الروایات حتى قال المحدث القمی: والروایات بهذا المضمون کثیرة.(23)
وسیأتی الحدیث عن زیارتها، وإنّما ذکرنا هذه الروایات فی المقام لبیان ما لها من منزلة عند الأئمة (علیهم السلام) حیث أشاد ثلاثة من المعصومین (علیهم السلام) بذلک.

لماذا لم تتزوج السیدة المعصومة؟

ثم إنّ هناک أمراً لابدّ من البحث حوله وله صلة وثیقة بما نحن فیه، إذ له مدخلیة فی مکانتها الاجتماعیة، ومنزلتها بین الناس، ذلکم هو عدم زواج السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام)
والمستفاد من جملة الروایات أن بنات الإمام الکاظم (علیه السلام) وعددهن إحدى وعشرون بنتاً لم تتزوج منهنّ واحدة.
ونقل المحدث القمی عن تاریخ قم ما حاصله: أنّ هذا کان سائراً فی بنات الرضائیّة.(24)
وهذا أمر مثیر للتساؤل، ولا سیّما مع ملاحظة أن ورد عن أهل البیت (علیهم السلام) من الحثّ على التناکح والترغیب فیه، وأنّ به إکمال ثلث الدین أو نصفه أو ثلثیه، فیا ترى ما هی الأسباب المانعة عن هذا الأمر فی حق بنات الإمام الکاظم (علیه السلام)؟
وینبغی أن نؤکّد قبل کل شیء على أنّ عدم اقتران واحدة من بنات الإمام الکاظم (علیه السلام) بزوج ـ ولا سیّما السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام) ـ لم یکن عن عیب مانع فی الخلق أو الخُلق، وقد مرّ علینا أنها کانت جلیلة القدر ذات شأن عظیم، ومنزلة کبیرة، على أن هذا الأمر لم تنفرد به وحدها من دون سائر أخواتها، فلابدّ أن یکون المانع أمراً آخر، وهذا ما نسعى للبحث حوله بمقدار ما یسعفنا به ما ورد حول هذه القضیة من الروایات.
ومن الضروری أن نلتفت قبل ذلک إلى أنّ هذا الأمر یعدّ من الشؤون الخاصّة التی هی أشبه شیء بالأسرار العائلیة والأسریّة کغیرها من الخصوصیّات التی لا تکون معرضاً عامّاً لعامة الناس لإبداء أنظارهم فیها، وإنّما ساغ للباحث أن یتناول بعض الشؤون بالدراسة والتحلیل لأنّ أهل البیت (علیهم السلام) یمثّلون القدوة الصّالحة التی ترشد الإنسان إلى طریق الحق والهدایة، وقد صدرت الأوامر الإلهیة والنبویّة بالإقتداء بهم، والسیر على خطاهم، واقتفاء آثارهم، فإنّهم لا یخرجون الناس من باب هدى ولا یدلونهم فی باب ضلالة.
ولعلّ السبب فی قلّة الروایات الواردة فی هذا الشأن خصوصیّة هذه القضیّة، وأنّها لا تعنی سائر الناس وکونها من شؤونهم (علیهم السلام) الخاصّة بهم دون سواهم، کما لعلّه أیضاً لعدم اهتمام المؤرخین بهذه الناحیة کما أشرنا إلى ذلک فیما تقدّم.
ولکن لمّا کان فی هذه القضیة معصوم فلابدّ أن یکون الفعل معصوماً موافقاً لمقتضى الحکمة، وعلى طبق الموازین الإلهیة سواء حالفنا التوفیق فأدرکنا السبب أو أخفقنا فلم ندرکه.
ثم إنّه بدراسة الواقع الاجتماعی والسیاسی والظروف المحیطة بأهل البیت (علیهم السلام) آنذاک قد نتمکّن من إعطاء صورة تقریبیّة عن الأسباب الکامنة وراء هذه القضیّة فنقول:
أولاً: إنّ نظرة سریعة إلى تاریخ حیاة الإمام الکاظم (علیه السلام) تدلّ على أنّ تلک الفترة کانت تتسم بالتوتر والتوجس والرهبة والخوف، فبرغم ما عاناه الإمام الصادق (علیه السلام) من حکّام بنی العباس وقد فرضوا علیه الحصار وتشدّدوا فی عزله عن شیعته، وحاولوا بشتّى الوسائل اصطناع شخصیات مناوئة، للحیلولة دون انتشار فکر أهل البیت (علیهم السلام)، وبرغم حملات الإبادة التی تعرّض لها العلویون من قتل وسجن وتشرید. وهم ـ العباسیون ـ وإن نجحوا إلى حدّ ما فی تفتیت البنیة الظاهریة لمذهب أهل البیت (علیهم السلام) وألجئ الأئمة (علیهم السلام) إلى التقیة فی کثیر من أحوالهم وشؤونهم على ما هو مذکور فی کتب الفقه إلا أن فکر أهل البیت (علیهم السلام) بقی حیّاً زاخراً بالعطاء، الأمر الذی یدلّ دلالة قاطعة على أن العنایة الإلهیة تحوطه وترعاه، ویأبى الله إلا أن یتم نوره. فقد کان الإمام الصادق (علیه السلام) على تمام الحیطة والحذر، یحبط کثیراً من مخططاتهم بأسالیبه الحکیمة، حتى إذا استشهد الإمام الصادق (علیه السلام) وقع الاضطراب الشدید فی صفوف الشیعة، وقد ذکرنا فی مطلع هذا البحث شیئاً من ذلک، وممّا زاد الأوضاع وخامةً ظهور الدعاوى الکاذبة التی ساعدت على زیادة ضغط السلطة على کل من ینتمی لأهل البیت (علیهم السلام) فی الفکر والعقیدة. وکادت معالم التشیع أن تنطمس لولا ظهور الإمام الکاظم (علیه السلام) فی الوقت المناسب مع حراجة الظروف وخطورتها.
فکانت الفترة التی عاشها الإمام الکاظم (علیه السلام) من أشدّ الفترات صعوبة، ولا سیّما فی عهد الرّشید العباسی الذی کان على معرفة بأنّ الإمام الکاظم (علیه السلام) هو صاحب الحقّ الشّرعی، وأنّ الشیعة لا ترضى بغیره بدلاً.
وإنّ أشدّ ما یقضّ مضجع الحاکم ویؤرّق حیاته أن یرى أحداً ینافسه على السطلان، فهو إذ ذاک لا یقرّ له قرار، ولا یهنأ له عیش، ولا یشعر بالأمان حتى یفتک بخصمه أیّاً کان.
ولم یدر هؤلاء الحکّام أن سلطان أهل البیت (علیهم السلام) إنّما هو على القلوب والأرواح، فما عهد عن أحد من أئمة أهل البیت (علیهم السلام) أنه سعى للسلطة وتولّى الحکم أو حمل سلاحاً أو نظم جیشاً لیقلب نظاماً على صاحبه أیّاً کان، حتى أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) مع أنّه کان الإمام والحاکم وقد نصبه النبی خلیفة على الأمة لم یطمع فی الولایة یوم استأثر بها القوم، وحملوه على قبول ولایتهم قسراً، واعتزلهم وما یفعلون، ولمّا قتل عثمان جاءوا یسعون إلیه وبایعوه عن طواعیة واختیار، وسعى أمیر المؤمنین (علیه السلام) أن یسوسهم بالعدل والحکمة، ویسیر فهیم بسیرة النبی (صلّى الله علیه وآله) ویحملهم على المحجّة البیضاء، فلم یرق لهم ذلک، فنقضوا بیعته، وحاربوه، وکان أول من نقض البیعة وأول من حاربه هو أول من بایعه ونادى بخلافته.
إنّ أولئک الحکّام یحسبون أئمة أهل البیت (علیهم السلام) کأنفسهم، حیث یجد الحکام أنفسهم ذوی أطماع فی الحکم والسلطان، وإن أشادوا حکمهم على أشلاء الضحایا وبنوا قصورهم على أجساد الأبریاء، وسقوا أساس ملکهم بدماء المظلومین.
وعلى أی حال فقد کان عصر الإمام الکاظم (علیه السلام) عصر خوف واضطراب، وقد أحکمت السلطة قبضتها على زمام الأمر فأخمدت الأنفاس، وکتمت الأصوات، وسفکت الدماء، وضاقت السجون وتفرّق الرّجال.
ولم یکن الذی یجری إلا على أهل البیت وشیعتهم وفی طلیعة أهل البیت (علیهم السلام) الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام).
ولک أن تتصور حالات الذعر والفزع والاضطراب التی منی بها أهل البیت (علیهم السلام) وشیعتهم، رجالاً ونساءً وعلى مختلف الأصعدة.
ونحن إذ نستفظع ما نقرأ، ونرتاع لما نتلوا من صحف صبغها المجرمون بدماء المظلومین، فما ظنّک بمن قاسى أهوال المآسی وفوادح الخطوب.
والناس آنذاک إزاء ما یجری على أهل البیت (علیهم السلام) بین من أصبح آلة فی أیدی الظالمین یحقّقون به أغراضهم، ویتوصلون به إلى أهدافهم، ویحقّق بهم مطامعه، وبین من أرعبه الخوف والهلع فانطوى على نفسه، وتوارى وراء التقیة خوفاً على نفسه وعرضه وماله، وبین من لا یعنیه من الأمر شیء فلم یبال بما یجری من أحداث.
ثانیاً: إن ممّا تقرر فی مذهب أهل البیت (علیهم السلام) أن العصمة الخاصّة ـ فی هذه الأمة ـ منحصرة فی النبی (صلّى الله علیه وآله) والصدیقة الزهراء (علیها السلام) والأئمة الاثنی عشر (علیهم السلام) دون سواهم، وقد قامت الأدلّة العقلیة والنقلیة على ذلک، ممّا هو مبثوث فی الکتب الکلامیة، وقد أحلنا القارئ العزیز على بعض المصادر فیما تقدّم.
ولئن استفید من بعض الأدلة أو القرائن عصمة بعض الأفراد من أهل البیت (علیهم السلام) کأبی الفضل العباس، وعلی الأکبر، والسیدة زینب بنت أمیر المؤمنین، والسیدة فاطمة المعصومة (علیهم السلام)، فلیس المراد بعصمة هؤلاء هی تلک العصمة الخاصّة اللاّزمة، وإنّما المراد أنّهم بلغوا مرتبة عالیة من الکمال لم ینلها سائر الناس. على ما بیّناه فیما سبق.
وعلى هذا فما عدا هؤلاء من سائر أفراد أهل البیت (علیهم السلام) لیسوا بمعصومین بمعنى أنه لا یصدر عنهم خطأ أو اشتباه عن تعمّد کان أو عن سهو، وإن نالوا شرف الأصل والنسبة، إذ لیس من البعید أن یصدر من بعضهم ما لا یلیق صدوره من مثلهم من الهفوات والأخطاء الکبیرة أو الصغیرة التی عانى منها الأئمة (علیهم السلام) فی کثیر من القضایا والأمور.
وقد عانى الإمام الکاظم (علیه السلام) من بعض إخوانه کما عانى آباؤه عن بعض بنی عمومته من قبل، وهکذا بقیة الأئمة (علیهم السلام) على ما تکفّلت ببیانه الروایات وکتب التراجم.
ولولا أن الأئمة (علیهما السلام) کانوا یعالجون هذه القضایا بالحکمة، ورحابة الصدر، وبعد النظر، والصّبر والتحمّل لکان للصورة وجه آخر، وقد وعدنا بعدم الخوض فی تفاصیل ذلک، ونکتفی بهذه الإشارة.
وهذا هو أحد الامتیازات والفوارق بین المعصوم وغیره، وإن کان هذا الغیر ـ ینحدر فی نسبه ـ من أهل البیت (علیهم السلام).
وثالثاً: إن حکومة بنی العباس فی نظر الأئمة (علیهم السلام) لم تکن حکومة شرعیّة، ولم تحظ بالتأیید والمساندة منهم (علیهم السلام)، بل کانوا یظهرون لبعض خواصّهم من له علاقة بالسلطة الحاکمة عدم مشروعیّة العمل للحکام والتحذیر من الدخول فی ولایاتهم، أو السعی فی قضاء حوائجهم، وإن کان العمل بحسب الظاهر فی نفسه بعیداً عن جرائمهم ومخازیهم، ویرى الإمام (علیه السلام) أن إسداء أی خدمة لهم مهما کانت، مشارکة لهم فی الجریمة، کما یکشف عن ذلک الحوار الذی جرى بین الإمام الکاظم (علیه السلام) وبین صفوان بن مهران الجمال، الذی روى ما جرى فقال: دخلت على أبی الحسن الأول (علیه السلام)، فقال لی: یا صفوان کلّ شیء منک حسن جمیل ما خلا شیئاً واحداً، وقلت: جعلت فداک أی شیء؟!
قال: إکراؤک جمالک من هذا الرجل ـ یعنی هارون ـ قلت: والله ما أکریته أشراً، ولا بطراً، ولا للصّید، ولا للّهو، ولکنّی أکریته لهذا الطریق ـ یعنی طریق مکّة ـ ولا أتولاّه، ولکن أبعث معه غلمانی، فقال لی: یا صفوان أیقع کراک علیهم؟ قلت: نعم جعلت فداک، فقال لی: أتحبّ بقاءهم حتى یخرج کراک؟ قلت: نعم، قال: فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن کان منهم ورد النار، فقال صفوان: فذهبت وبعت جمالی عن آخرها، فبلغ ذلک إلى هارون، فدعانی، وقال: یا صفوان بلغنی أنّک بعت جمالک، قلت: نعم. فقال: لم؟ قلت: أنا شیخ کبیر، وإنّ الغلمان لا یفون بالأعمال، فقال: هیهات، إنّی لأعلم من أشار علیک بهذا، أشار علیک بهذا موسى بن جعفر. قلت: ما لی ولموسى بن جعفر. فقال: دع هذا عنک، فوالله لولا حسن صحبتک لقتلتک.(25)
إن هذا الموقف الصارم وأمثاله من الإمام (علیه السلام) لم یدع مجالاً للحاکم أن یشعر بالاستقرار، إذ یرى أن الخطر یتهدّد سلطانه، ویزعزع أرکان وجوده، وینذره بالزوال.
وهذه السلبیة التی انتهجها الإمام (علیه السلام) إزاء حکومة هارون الرشید أظهرت کثیراً من الحقائق الخفیّة على الناس، وجعلت الحاکم یزداد فی تمادیه وضلاله، فیرتکب من الجرائم ما هو أبشع، ومن المنکرات ما هو أفظع، ویظهر حقیقته التی کان یسترها وراء بعض المظاهر الدینیة التی قد ینخدع بها بعض من قصرت بصیرته عن إدراک الحقیقة، فقد ظن صفوان أن عمله مشروع، لأنّه یکری جماله فی طریق الحجر، وهو أمر منفصل لا علاقة له بما یمارسه هارون الرشید من اللّهو واللّعب والمحرّمات، ولکنّ الإمام (علیه السلام) أوقفه على الحقیقة، وبیّن له أنّ البصیر ینبغی أن لا ینخدع بمظهر زائف، وأن لا یکون مطیّة یحقّق بها الظالم أغراضه.
وقد تنبّه لذلک فاتّخذ إجراءً حاسماً، فباع جماله وتخلّى عن مهنته، وأدرک هارون الرشید السّر وراء ذلک، ولولا شفاعة حسن صحبة صفوان لکان فی عداد الضحایا.
ولا شک أن هذه الحادثة وأمثالها ترکت هارون الرشید یتمیّز من الغیظ، ویبحث عن أسالیب أخرى یکید بها الإمام (علیه السلام).
وأما إذنه (علیه السلام) لعلی بن یقطین فی تولّی منصب الوزارة لهارون الرشید ورغبته (علیه السلام) فی بقائه فی الوزارة فلیس ذلک نقضاً لهذا الموقف، وذلک لأنّ الوزارة منصب عام یرتبط بعامّة الناس، وله صلاحیّات واسعة یستطیع علی بن یقطین من خلالها أن یؤدی خدمات کبیرة للشّیعة على مختلف طبقاتهم ودفع الأخطار عنهم، ومع أنّ هذا المنصب حسّاس جدّاً وقد استأذن ابن یقطین الإمام (علیه السلام) فی الاستعفاء من هذا المنصب، إلا أن الإمام (علیه السلام) رغب فی بقائه لحمایة الشیعة(26)، وتکفّل له بالرعایة والتسدید فی مواطن الخطر. وقد أنقذه الإمام (علیه السلام) فی مواضع کثیرة کاد أن یتورّط فیها علی بن یقطین، على أنّه کان من الجلالة والاستقامة والمعرفة بالحق ما یؤمن منه الانحراف أو تلتبس علیه الأمور.
وأما صفوان بن مهران فلم یکن عمله بهذه المثابة، بل کان خدمة خالصة لهارون الرشید والجهاز الحاکم، ولیس فیها إلا التأیید والمساندة لحکومة بنی العباس، من دون أن یکون فیها نفع یذکر لغیرهم، ولذلک لم یمنعه الإمام (علیه السلام) من التخلّی عن هذا العمل فی حین أمر ابن یقطین بالبقاء، فلا تنافی بین الأمرین.
رابعاً: إن من أهم الرکائز التی اعتمدت علیها سیاسة الحکّام منذ الیوم الذی استولوا فیه على مقام الزّعامة واغتصبوا فیه منصب الخلافة، هو السعی لإبقاء أصحاب الحقّ الشرعی فی عوز وفاقة، کسراً لشوکتهم وتقلیصاً لشأنهم، وحدّاً من قدراتهم وإمکانیاتهم، وإظهارهم للناس بأنّهم لیسوا ممّن یطمع فیهم، أو یرغب فی صحبتهم أو حملهم على الاستجداء والخنوع.
ومن المعلوم أن الناس أبناء الدنیا وعبید الدرهم والدینار، إلا ما قلّ وندر، وکان ذلک أحد العوامل التی ساهمت فی انحسار أغلب الناس وتخلّیهم عنهم بل والتنکّر لهم (علیهم السلام).
وقد اتخذ الحکّام عدّة إجراءات للحیلولة دون تمکّن أهل البیت (علیهم السلام) من الإنفاق بما یتناسب مع شأنهم فصادروا فدکاً(27) من أصحابها ومنعوهم الحقّ الشرعی الذی افترضه الله على عباده بنص القرآن وهو الخمس، ومنعوهم عطاءاتهم، واستولوا على بعض ممتلکاتهم، واستمرّت هذه السیاسة جاریة فی بنی أمیة وبنی العباس، حتى بلغ الأمر أنه إذا ما تناهى إلى أسماعهم أنّ أحداً أعطى خمسه للإمام (علیه السلام) فإنّهم ینکّلون به أشد التنکیل، وکانت الرّصد والعیون التی جنّدها الحکّام على الأئمة (علیهم السلام) ترقب علیهم کلّ تصرف.
وکان قسم کبیر من تلک الأموال التی استولى علیها الظالمون غصباً وعدواناً یبذل لأولئک الذین یتزلّفون للحکّام من الشعراء الذین اتخذوا من هجاء النبی (صلّى الله علیه وآله) وعترته ذریعة لنیل الأموال والحصول علیها، کأبان بن عبد الحمید، ومروان بن أبی حفصة، وأضرابهما ممن طبع على قلوبهم وباع دینه بدنیاه.(28)
وأما القسم الآخر ـ من الأموال ـ فکان یبذل على الفسوق والفجور، والفساد، ممّا حفلت بذکره کتب التاریخ(29)
وبقیت الأمة ولا سیّما أهل البیت (علیهم السلام) یرزحون تحت وطأة القهر والحرمان.
وقد اعترف هارون الرشید بذلک، کما جاء فی حواره مع ولده المأمون لمّا اعترض على أبیه لقلّة ما أعطى الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام) فی حین أنّه ضمن له أن یعطیه الکثیر.
قال المأمون: یا أمیر المؤمنین تعطی أبناء المهاجرین والأنصار وسائر قریش وبنی هاشم، ومن لا یعرف نسبه خمسة آلاف دینار وتعطی موسى بن جعفر وقد عظمته وأجللته مائتی دینار أخس عطیّة أعطیتها أحداً من النسا، فثار هارون وصاح فی وجهه قائلاً: اسکت لا أمّ لک، فإنّی لو أعطیت هذا ما ضمنته له ما کنت آمنه أن یضرب وجهی بمائة ألف سیف من شیعته وموالیه، وفقر هذا وأهل بیته أسلم لی ولکم من بسط أیدیهم وأعینهم.(30)
وخامساً: إنّه برغم ما کان یمارسه حکّام بنی العاس من سیاسة البطش والقهر، والحرمان والإبادة والتشرید، إلا أن الأئمة (علیهم السلام) ما کانوا لیتنازلون عن منصب الإمامة والولایة فإنّه حق إلهی لهم من دون سائر الناس بل کانوا یقفون مواقف التحدّی للحکّام ویمارسون دورهم فی حدود ما تسمح به الظروف المحیطة بهم وبشیعتهم، وکان الإمام السابق ینصّ على إمامة اللاحق فی جمع من خواصّ الشیعة، ویؤکدون على ذلک بین حین وآخر، ویبیّنون لشیعتهم الأحکام والمعارف وإن کانت على خلاف ما علیه الحکّام وأذنابهم.
وبعبارة أخرى: کان الأئمة (علیهم السلام) وشیعتهم فی معزل عن السلطة فی الفکر والعقیدة والسلوک على نحو الاستقلال التام، مع علمهم بأنّ الحکام لهم ولشیعتهم بالمرصاد.
ونستفید ذلک من المواقف الصّریحة التی یواجه الإمام (علیه السلام) بها رأس السلطة الحاکمة.
فقد ذکر الرواة أن هارون سأل الإمام (علیه السلام) عن فدک لیرجعها إلیه، فأبى الإمام (علیه السلام) أن یأخذها إلا بحدودها، فقال الرشید: ما حدودها؟ فقال (علیه السلام): إن حددتها لم تردّها. فأصرّ هارون علیه أن یبیّنها له قائلاً: بحقّ جدّک إلا فعلت. ولم یجد الإمام بدّاً من إجابته فقال له: أمّا الحدّ الأول فعدن، فلمّا سمع الرشید ذلک تغیّر وجهه، واستمر الإمام (علیه السلام) فی بیانه قائلاً: والحدّ الثانی سمرقند، والحدّ الثالث أفریقیا، والحدّ الرابع سیف البحر ممّا یلی الجزر وأرمینیة، فثار الرشید وقال: لم یبق لنا شیء. فقال (علیه السلام): قد علمت أنک لا تردّها.(31)
وفی هذا الحوار موقف الإمام الصّریح وبیان أحقیّته بالخلافة، ومن الطبیعی أن یترک ذلک الحوار أثراً فی نفس هارون حیث یرى نفسه غاصباً لیس له من الأمر شیء.
ونظیر هذا الموقف موقف آخر للإمام (علیه السلام) مع هارون لمّا أراد (علیه السلام) أن یبیّن شدّة صلته وقربه من رسول الله (صلّى الله علیه وآله)، وقد سأله هارون: لم قلت: إنّک أقرب إلى رسول الله منّا؟ فقال (علیه السلام): لو بعث رسول الله (صلّى الله علیه وآله) حیّاً، وخطب منک کریمتک هل کنت تجیبه إلى ذلک؟ فقال هارون: سبحان الله! وکنت أفتخر بذلک على العرب والعجم.
فقال (علیه السلام): لکنّه لا یخطب منّی ولا أزوّجه لأنه والدنا لا والدکم، فلذلک نحن أقرب إلیه منکم، ثم قال (علیه السلام): هل کان یجوز له أن یدخل على حرمک وهنّ مکشّفات؟ فقال هارون: لا، فقال الإمام: لکن له أن یدخل على حرمی، ویجوز له ذلک، فلذلک نحن أقرب إلیه منکم.(32)
وقد اعترف هارون بأحقیّة الإمام (علیه السلام) حین أخذته هیبة الإمام (علیه السلام) ولم یر بدّاً من إظهار احترامه وإجلاله، الأمر الذی أثار ابنه المأمون فدفعه للسؤال قائلاً: یا أمیر المؤمنین من هذا الرجل الذی عظّمته وقمت من مجلسک إلیه، فاستقبلته، وأقعدته فی صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الرّکاب له؟ فقال هارون: هذا إمام الناس وحجّة الله على خلقه، وخلیفته على عباده، قال المأمون: یا أمیر المؤمنین أو لیست هذه الصفات کلها لک وفیک؟ فقال: أنا إمام الجماعة فی الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حقّ، والله یا بنی إنّه لأحقّ بمقام رسول الله (صلّى الله علیه وآله) منّی ومن الخلق جمیعاً، ووالله لو نازعتنی هذا الأمر لأخذت الذی فیه عیناک، فإنّ الملک عقیم.(33)
وهکذا کان الأئمة (علیهم السلام) مع الحکّام فی کل عصر من عصورهم، فلم یکن أحد من الأئمة (علیهم السلام) لیتخلّى عن منصب الإمامة مهما کانت الظروف، ولئن لم یتمکّن الأئمة (علیهم السلام) من ممارسة أدوارهم فی الظاهر إلا أنّهم قاموا بوظیفتهم فی الواقع، وإذا کان ثمّة تقصیر فهو من الناس حیث ضلّوا الطرق فتاهوا، لا من الأئمة (علیهم السلام)، وقد فاز بذلک شیعة أهل البیت (علیهم السلام) فساروا فی رکاب أئمّتهم، ورکبوا فی سفینتهم والعاقبة للمتقین.
ولا شک أن هذا الموقف الصارم من الأئمة (علیهم السلام) فی مسألة الإمامة یجعل ردّة الفعل من قبل الحکّام عنیفة جدّاً، بحیث تصبح حیاة الأئمة (علیهم السلام) وشیعتهم مهدّدة بالأخطار ولا ینافی ذلک أمر التقیّة، لأنّها إنما تسوغ فی بعض المواطن ولیس هذا منها.
وبعد هذا کله نقول: جاء فی وصیّة الإمام الکاظم (علیه السلام) لابنه الإمام الرضا (علیه السلام) بما یتعلّق بهذا الموضوع أنّه (علیه السلام) قال: وإنّی قد أوصیت إلى علیّ وبنیّ بعدُ معه، إن شاء وآنس منهم رشداً، وأحبّ أن یقرّبهم فذاک له، ولا أمر لهم معه.. وإلى علی أمر نسائی دونهم.. وإن أراد رجل منهم أن یزوّج أخته فلیس له أن یزوّجها إلا بإذنه وأمره، فإنّه أعرف بمناکح قومه.. وأمهات أولادی من أقامت منهنّ فی منزلها وحجابها فلها ما کان یجری علیها فی حیاتی، إن رأى ذلک، ومن خرجت منهنّ إلى زوج فلیس لها أن ترجع إلى محوای، إلا أن یرى علی غیر ذلک، وبناتی بمثل ذلک، ولا یزوّج بناتی أحد من أخوتهنّ من أمهاتهن، ولا سلطان ولا عمّ إلا برأیه ومشورته، فإن فعلوا غیر ذلک فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه فی ملکه، وهو أعرف بمناکح قومه، فإن أراد أن یزوّج زوّج، وإن أراد أن یترک ترک، وقد أوصیتهنّ بمثل ما ذکرت فی کتابی هذا، وجعلت الله عزّ وجلّ علیهنّ شهیداً.(34)
ویستفاد منها أن الأمر حساس وخطیر، وهو یتطلّب بصیرة نافذة، ومعرفة تامّة بمداخل القضایا ومخارجها، ولذلک أوکل أمر زواج بناته (علیه السلام) إلى الإمام الرضا (علیه السلام)، وهو المعصوم العالم بحقائق الأمور، وکان الظروف ظرف محنة وابتلاء کما یدل علیه حدیث الإمام الکاظم (علیه السلام) لیزید بن سلیط الزیدی حیث قال: ثم قال لی أبو إبراهیم (علیه السلام): إنی راحل فی هذه السنة، والأمر هو إلى ابنی علی، سمیّ علی وعلی، فأمّا علی الأول فعلی بن أبی طالب، وأمّا الآخر فعلی بن الحسین (علیه السلام)، أُعطی فَهْمَ الأول وحلمه ونصره وودّه ودینه ومحنة الآخر وصبره على ما یکره..(35)
ولیس فی هذه الوصیة ما یدلّ على المنع من التزویج، وإنّما تدل على أن الأمر إلى الإمام الرضا (علیه السلام)، فهو الأعرف بمناکح قومه، وهو الأعلم بأحوال زمانه.
فما ذکره الیعقوبی فی تاریخه(36) من أن الإمام (علیه السلام) أوصى بعدم تزویج بناته فإن کان مستنده هو وصیّة الإمام (علیه السلام) التی ذکرناها فقد أخطأ فی الاستنتاج، وإن کان غیرها فلم نقف علیه، ولا نستبعد أنّه قد التبس علیه الأمر وفهم من الوصیّة أنّ الإمام قد منع من تزویج بناته، ولیس الأمر کذلک.
ثم إنه من خلال ما تقدّم ذکره من الأمور الخمسة یمکننا استفادة السبب وراء عدم زواج بنات الإمام الکاظم (علیه السلام)
والذی یترجح من جمیع ذلک أن السبب أمران أحدهما یکمل الآخر، وهما:
الأول: عدم وجود الکفء.
والثانی: الخوف من الإقدام على مصاهرة الإمام (علیه السلام).
أما الأول فإن الفقهاء وإن اختلفوا فی تحدید معنى الکفاءة، ولهم فی ذلک أقوال وآراء ذکرها صاحب الجواهر(37) وغیره إلا أنّهم اتفقوا على أن المؤمن کفء المؤمنة.
وقد روی عن النبی (صلّى الله علیه وآله) أنّه قال: المؤمنون بعضهم أکفاء بعض.(38)
وخلافهم إنّما هو فی زواج المرأة الشریفة ممن هو أدنى منها، وأمّا العکس فلا خوف بینهم فی جوازه، على أنّ الخلاف فی ذلک ممّا لا یعتدّ به، کما صرّ به صاحب الجواهر حیث قال: وکیف کان فلا إشکال ولا خلاف معتدّ به فی أنّه (یجوز) عندنا (إنکاح الحرّة العبد، والعربیّة العجمیّ، والهاشمیة غیر الهاشمی، وبالعکس، وکذا أرباب الصّنائع الدنیّة) کالکنّاس والحجّام وغیرهما (بذات الدین) من العلم والصلاح (والبیوتات) وغیرهم، لعموم الأدلة، وخصوص ما جاء فی تزویج جویبر الدلفاء، ومنجح بن رباح مولى علی بن الحسین (علیهما السلام) بنت ابن أبی رافع.(39)
والحاصل إجمالاً: أنّ سیرة النبی (صلّى الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) کانت على ذلک، مضافاً إلى الروایات الکثیرة الواردة عنهم (علیهم السلام) الدالة على الجواز. نعم اختصّت الصدّیقة الزهراء (علیها السلام) بهذا الشأن من دون سائر النساء، فقد روی عن النبی (صلّى الله علیه وآله) أنّه قال: إنّما أنا بشر مثلکم أتزوّج فیکم وأزواجکم إلا فاطمة، فإنّ تزویجها نزل من السماء.(40)
وقال (صلّى الله علیه وآله): لولا أن الله خلق أمیر المؤمنین لم یکن لفاطمة کفء على وجه الأرض، آدم فمن دونه.(41)
وأمّا ما عدا فاطمة الزهراء (علیها السلام) من النساء فلیست لها هذه الخصوصیّة، وإنّما یتبع فیها الشرائط العامة فی الزّواج من الدین والخلق وغیرهما ممّا ذکره الفقهاء ورووه عن الأئمة (علیهم السلام) وتفصیل هذه المسالة بجمیع أبعادها مبسوطة فی کتب الفقه الاستدلالیة.
وغرضنا من ذلک الإشارة إلى أنّه لا شکّ فی توفّر الشرائط فی بعض الأشخاص فی زمان الإمام الکاظم (علیه السلام)
ولکن ما جرى على العلویین من الأحداث حال دون ذلک، فإنّ حملات الإبادة من القتل والتشرید لبنی هاشم ما أبقت منهم إلا القلیل، فإنّ المسلسل الدّامی بدأ مع بدایة عهد المنصور، وقد تتبّع العلویین، فمنهم من قتل فی میادین الحروب، ومنهم من قتل تحت الأنقاض حیث أمر المنصور بهدم السجن علیهما ووضعوا فی أساس الناس أحیاء فماتوا اختناقاً، ومنهم من اغتیل بالسم، ومنهم من قتل صبراً واحتفظ برؤوسهم فی خزانة ولم یطّلع علیها إلا بعض أهل بیته.
یقول الطبری فی تاریخه لمّا عزم المنصور على الحجّ دعا ریطة بنت أبی العباس امرأة المهدی، وکان المهدی بالریّ قبل شخوص أبی جعفر، فأوصاها بما أراد، وعهد إلیها، ودفع إلیها مفاتیح الخزائن، وتقدّم إلیها وأحلفها، ووکّد الأیمان أن لا تفتح بعض تلک الخزائن، ولا تطلع علیا أحداً إلا المهدی، ولا هی إلا أن یصحّ عندها موته، فإذا صحّ ذلک اجتمعت هی والمهدی ولیس معهما ثالث حتى یفتحا الخزانة، فلمّا قدم المهدی من الریّ إلى مدینة السلام، دفعت إلیه المفاتیح، وأخبرته أنّه تقدّم إلیها ألا یفتحه ولا یطلع علیه أحد حتى یصحّ عندها موته، فلمّا انتهى إلى المهدی موت المنصور، وولی الخلافة فتح الباب ومعهم ریطة، فإذا أزج کبیر فیه جماعة من قتلى الطالبیین، وفی آذانهم رقاع فیها أنسابهم، وإذا فیهم أطفال، ورجال شیب، ومشایخ عدّة کثیرة، فلمّا رأى ذلک المهدی ارتاع لما رأى، وأمر فحفرت لهم حفیرة فدفنوا فیها، وعمل فوقها دکان.(42)
ومنهم من سلم من القتل ولکنّه لم یسلم من التشرّد فهام فی البلدان متنکّراً، وقد أخفى اسمه ونسبه، ومن ذلک ما رواه أبو الفرج الأصفهانی فی مقاتل الطالبیین من أحوال عیسى بن زید الذی توارى عن المنصور العباسی زماناً طویلاً حتى مات متواریاً، ولم یطلع زوجته وابنته على اسمه ونسبه.
روى أبو الفرج بسنده عن محمد بن المنصور المرادی قال: قال یحیى بن الحسین بن زید: قلت لأبی: یا أبه، إنّی أشتهی أن أرى عمّی عیسى بن زید، فإنّه یقبح بمثلی أن لا یلقى مثله من أشیاخه، فدافعنی عن ذلک مدة، وقال: إن هذا أمر یثقل علیه، وأخشى أن ینتقل عن منزله کراهیة للقائک إیّاه فتزعجه، فلم أزل به أداریه وألطف به حتى طابت نفسه لی بذلک، فجهّزنی إلى الکوفة، وقال لی: إذا صرت إلیها فاسأل عن دور بنی حی، فإن دللت علیها فاقصدها فی السکّة الفلانیة، وسترى فی وسط السکّة داراً لها باب، صفته کذا وکذا، فاعرفه واجلس بعیداً منها فی أول السکّة فإنه سیقبل علیک عند المغرب کهل طویل مسنون (مستور) الوجه، قد أثّر السجود فی جبهته، علیه جبّة صوف، یستقى الماء على جمل وقد انصرف یسوق الجمل، لا یضع قدماً ولا یرفعها إلا ذکر الله عزّ وجلّ، ودموعه تنحدر، فقم وسلّم علیه وعانقه، فإنّه سیذعر منک کما یذعر الوحش، فعرّفه نفسک، وانتسب له، فإنّه یسکن إلیک، ویحدّثک طویلاً، ویسألک عنّا جمیعاً، ویخبرک بشأنه ولا یضجر بجلوسک معه، ولا تطل علیه، وودّعه، فإّنه یستعفیک من العودة إلیه، فافعل ما یأمرک به من ذلک، فإنّک إن عدت إلیه توارى عنک واستوحش منک، وانتقل عن موضعه، وعلیه فی ذلک مشقّة، فقلت: أفعل ما أمرتنی، ثم جهّزنی إلى الکوفة وودّعته وخرجت، فلمّا وردت الکوفة قصدت سکّة بنی حی بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرّفت الباب الذی نعته لی، فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل یسوق الجمل، وهو کما وصف لی أبی لا یرفع قدماً ولا یضعها إلا حرّک شفتیه بذکر الله، ودموعه ترقرق فی عینیه، وتذرف أحیاناً، فقمت فعانقته فذعر منی کما یذعر الوحش من الإنس، فقلت: یا عم أنا یحیى بن الحسین بن زید ابن أخیک، فضمّنی إلیه، وبکى حتى قال: قد جاءت نفسه، ثم أناخ جمله وجلس معی، فجعل یسألنی عن أهله رجلاً رجلاً، وامرأة امرأة، وصبیّاً صبیّاً، وأنا أشرح له أخبارهم، وهو یبکی، ثم قال: یا بنی أنا أستقی على هذا الجمل الماء، فأصرف ما اکتسب یعنی من أجرة الجمل إلى صاحبه واتقوّت باقیه، وربّما عاقنی عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البریّة، یعنی بظهر الکوفة فألتقط ما یرمی الناس به من البقول فاتقوّته. وقد تزوّجت إلى هذا الرجل ابنته، وهو لا یعلم من أنا إلى وقتی هذا، فولدت منی بنتاً، فنشأت، وبلغت وهی أیضاً لا تعرفنی ولا تدری من أنا. قالت: لی أمّها: زوّج ابنتک بابن فلان السقاء ـ لرجل من جیراننا یسقی الماء ـ فإنّه أیسر منّا، وقد خطبها، وألحّت علیّ فلم أقدر على إخبارها بأنّ ذلک غیر جائز، ولا هو بکفء لها، فیشیع خبری، فجعلت تلحّ علیّ فلم أزل أستکفی الله أمرها حتى ماتت بعد أیام، فما أجدنی آسى على شیء من الدنیا أسای على أنّها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله (صلّى الله علیه وآله)
وذکر أبو الفرج أن عیسى بن زید بقی متواریاً إلى أن مات فی زمان المهدی العباسی، روى بسنده عن یعقوب بن داود، قال: دخلت معه المهدی فی قبّة فی بعض الخانات فی طریق خراسان، فإذا حائطها علیه أسطر مکتوبة، فدنا ودنوت معه، فإذا هی هذه الأبیات:
والله ما أطــــــعم طعــــم الرقاد***خــــوفاً إذا نامــت عیون العباد
شرّدنی أهــــل اعــــــتداء وما***أذنبت ذنــــباً غــــیر ذکر المعاد
آمــــنت بالله ولـــــم یؤمـــــنوا***فکـــــان زادی عــندهم شرّ زاد
أقـــول قــــــولاً قــــــاله خائف***مطـــــرد قلــــــبی کثیر السّهاد
منخرق الخفّـــین یشکو الوجى***تنکـــــبه أطراف مــــرو حـــداد
شرّده الخــــــوف فــــأزرى به***کذلک مـــــن یکـــــره حرّ الجلاد
قد کان فـــــی المــوت له راحة***والموت حــــتم فی رقاب العباد
قال: فجعل المهدی یکتب تحت کل بیت: لک الأمان من الله ومنّی، فاظهر متى شئت، حتى کتب ذلک تحتها أجمع، فالتفت فإذا دموعه تجری على خدّه فقلت له: من ترى قائل هذا الشعر یا أمیر المؤمنین؟ قال: أتتجاهل علی؟ من عسى أن یقول هذا الشعر إلا عیسى بن زید.(43)
ولکن لمّا بلغه موت عیسى بن زید اعتبر ذلک بشرى وحوّل وجهه إلى المحراب وسجد وحمد الله. وکان یجدّ فی طلبه حتى أنّه حبس بعض أصحابه ثم قتلهم لأنّهم لم یخبروه بموضع اختفائه.(44)
وعهده وإن لم یکن کعهد أبیه شدة وبطشاً إلا أنّه ورث منه العداء لأهل البیت (علیهم السلام)، الذی کان یعتقد أن لا بقاء له فی الحکم والسلطان إلا بالقضاء على العلویین وشیعتهم.
حتى إذا جاء عهد ابنه موسى الهادی الذی اتصف بنزعات الشّر والطیش والتمادی فی سفک الدماء، فنقم علیه القریب والبعید وبغضه الناس جمیعاً، وقد حقدت علیه أمّه الخیزران، وبلغ بها الغیظ والکراهیة له أنها هی التی قتلته.(45)
وفی زمانه حدثت واقعة فخ التی ضارعت ماسة کربلاء فی آلامها وشجونها، وقد تحدّث الإمام الجواد (علیه السلام) عن مدى أثرها البالغ على أهل البیت (علیهم السلام) بقوله: لم یکن لنا بعد الطف ـ یعنی کربلاء ـ مصرع أعظم من فخ.(46)
فقد حملت فیها رؤوس العلویین وترکت جثثهم فی العراء، وسیقت الأسرى من بلد إلى بلد، وقد قیّدوا بالحبال والسلاسل، ووضعوا فی أیدیهم وأرجلهم الحدید، وأدخلا على الهادی العباسی فأمر بقتل بعضهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الجسر ببغداد.(47)
ولم یکن عهد الرشید بأحسن حالاً، یقول الشیخ القرشی: وورث هارون من جدّه المنصور البغض العارم والعداء الشدید للعلویین، فقابلهم منذ بدایة حکمه بکلّ قسوة وجفاء، وصبّ علیهم جام غضبه، وقد أقسم على استئصالهم وقتلهم، فقال: والله لأقتلنّهم ـ أی العلویین ـ ولا قتلنّ شیعتهم.
وأرسل طائفة کبیرة منهم إلى ساحات الإعدام، ودفن قسماً منهم وهم أحیاء، وأودع الکثیرین منهم فی ظلمات السجون، إلى غیر ذلک من المآسی الموجعة التی صبّها علیهم..
لقد کان الرشید شدید الوطأة على عترة النبی (صلّى الله علیه وآله)، وکانوا على علم بمقته وبغضه لهم، فحینما علموا بخلافته هاموا على وجوههم فی القرى والأریاف، متنکرین لئلا یعرفهم أحد.(48)
وقد أمر الرشید حمید بن قحطبة أن یقتل ستّین علویّاً فی لیلة واحدة، روى الصدوق بسنده عن أبی الحسین أحمد بن سهل بن ماهان، قال: حدّثنی عبید الله البزّاز النیسابوری، وکان مسنّاً قال: کان بینی وبین حمید بن قحطبة الطائی الطوسی معاملة، فرحلت إلیه فی بعض الأیام فبلغه خبر قدومی، فاستحضرنی للوقت وعلیّ ثیاب السفر لم أغیّرها، وذلک فی شهر رمضان وقت صلاة الظهر، فلمّا دخلت علیه رأیته فی بیت یجری فیه الماء، فسلّمت علیه وجلست فأتی بطشت وإبریق فغسل یدیه، ثم أمرنی فغسلت یدی، وأحضرت المائدة، وذهب عنّی أنّی صائم، وأنّی فی شهر رمضان، ثم ذکرت فأمسکت یدی، فقال لی حمید: ما لک لا تأکل؟ فقلت: أیّها الأمیر هذا شهر رمضان، ولست بمریض ولا بی علّة توجب الإفطار، ولعلّ الأمیر له عذر فی ذلک، أو علّة توجب الإفطار، فقال: ما بی علّة توجب الإفطار وإنّی لصحیح البدن، ثم دمعت عیناه وبکى، فقلت له بعد ما فرغ من طعامه: ما یبکیک أیها الأمیر؟ فقال: أنفذ إلیّ هارون الرشید وقت کونه بطوس فی بعض اللیل أن أجب، فلمّا دخلت علیه رأیت بین یدیه شمعة تتّقد وسیفاً أخضر مسلولاً، وبین یدیه خادم واقف، فلمّا قمت بین یدیه رفع رأسه إلیّ فقال: کیف طاعتک لأمیر المؤمنین؟ فقلت: بالنفس والمال، فأطرق، ثم أذن لی فی الانصراف، فلم ألبث فی منزلی حتى عاد الرسول إلیّ وقال: أجب أمیر المؤمنین، فقلت فی نفسی: إنّا لله، أخاف أن یکون قد عزم على قتلی، فلما حضرت بین یدیه رفع رأسه إلیّ فقال: کیف طاعتک لأمیر المؤمنین؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد، فتبسّم ضاحکاً، ثم أذن لی فی الانصراف، فلمّا دخلت منزلی لم ألبث أن عاد إلیّ الرسول فقال: أجب أمیر المؤمنین فحضرت بین یدیه وهو على حاله فرفع رأسه إلیّ وقال لی: کیف طاعتک لأمیر المؤمنین؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد والدین، فضحک، ثم قال لی: خذ هذا السیف وامتثل ما یأمرک به الخادم، قال: فتناول الخادم السیف وناولنیه، وجاء إلى بیت بابه مغلق، ففتحه، وإذا فیه بئر فی وسطه ثلاثة بیوت أبوابها مغلقة، ففتح باب بیت منه فإذا فیه عشرون نفساً علیهم الشعور والذوائب شیوخ وکهول وشبان مقیّدون، فقال لی: إن أمیر المؤمنین یأمرک بقتل هؤلاء، وکانوا کلّهم علویّة من ولد علیّ وفاطمة (علیهما السلام)، فجعل یخرج إلیّ واحداً بعد واحد، فأضرب عنقه، حتى أتیت على آخرهم، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم فی تلک البئر، ثم فتح باب بیت آخر فإذا فیه أیضاً عشرون نفساً من العلویّة، من ولد علی وفاطمة (علیهما السلام) مقیّدون فقال لی: إن أمیر المؤمنین یأمرک بقتل هؤلاء، فجعل یخرج إلیّ واحداً بعد واحد، فأضرب عنقه، ویرمی به فی تلک البئر، حتى أتیت على آخرهم، ثم فتح باب البیت الثالث فإذا فیه مثلهم عشرون نفساً من ولد علی وفاطمة (علیهما السلام) مقیّدون علیهم الشعور والذوائب، فقال لی: إنّ أمیر المؤمنین یأمرک بقتل هؤلاء أیضاً، فجعل یخرج إلیّ واحداً بعد واحد، فأضرب عنقه، ویرمى به فی تلک البئر، حتى أتیت على تسعة عشر نفساً منهم، وبقی شیخ منهم علیه شعر، فقال لی: تبّاً لک یا میشوم أی عذر لک یوم القیامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وقد قتلت من أولاده ستین نفساً قد ولدهم علی وفاطمة (علیهما السلام)؟ فارتعشت یدی وارتعدت فرائصی، فنظر إلیّ الخادم مغضباً وزبرنی فأتیت على ذلک الشیخ أیضاً فقتلته، ورمى به فی تلک البئر، فإذا کان فعلی هذا وقد قتلت ستین نفساً من ولد رسول الله (صلّى الله علیه وآله)، فما ینفعنی صومی وصلاتی وأنا لا أشک أنّی مخلّد فی النار.(49)
وقیل: إن هذا الواقعة حدثت فی زمان المنصور، ولعلّها تکرّرت، ولذا قال الصدوق: للمنصور مثل هذه الفعلة فی ذریّة رسول الله (صلّى الله علیه وآله)(50)
وعلى أی تقدیر فإنّها إحدى الشواهد على ما نقول:
وبعد: فإذا کان هکذا حال العلویین، فهل یبقى لأحدهم مجال للاقتران بواحدة من بنات الإمام (علیه السلام) ویستقر فی حیاة زوجیّة هانئة، وهو یعلم أن حیاته فی خطر؟!
إن ما ذکرته بعض المصادر(51) من أنّ عدم تزویج الإمام (علیه السلام) بناته إنّما هو لعدم وجود الکفء لم یکن على خلاف الواقع، فإنّ ما حلّ بأهل البیت (علیهم السلام) من الکوارث وحملات الإبادة قد أفنتهم ولم تدع منهم إلا القلیل.
وربّما یقال: إذا کان هذا حال العلویین ففی رجالات الشیعة من توفّرت فیه سائر الشرائط، فلم لم یزوج الإمام الکاظم (علیه السلام) بناته من الشیعة، إذ لیس من الضروری أن یکون الزوج علویّاً ما دامت الکفاءة من الإیمان والخلق فی غیر العلوی متحقّقة؟
ونقول: إنّنا قد ذکرنا أنّ هناک أمراً آخر نعتبره مکمّلاً للأمر الأول وهو الخوف من الإقدام عل مصاهرة الإمام (علیه السلام) فلم یکن الشیعة آمنین على أرواحهم، وقد بلغهم أن هارون الرشید قد أقسم على أن یقتل الشیعة کما أقسم على إبادة العلویین.
وقد عانى الشیعة من الشدائد ما لا یخفى، وکانوا یعیشون التقیة فی أمورهم کما أمرهم أئمتهم (علیهم السلام) بذلک، وأصبحت حیاتهم آنذاک مهدّدة بالأخطار، وکان الحکّام لهم بالمرصاد.
ومما یدل على ذلک ما ورد فی أحوال محمد بن أبی عمیر، حیث روی عن الفضل بن شاذان أنّه قال: سُعی بمحمد بن أبی عمیر إلى السلطان أنّه یعرف أسامی عامّة الشیعة بالعراق، فأمره السلطان أن یسمّیهم فامتنع، فجرّد وعلّق بین القفّازین (العقارین) وضرب مائة سوط، قال الفضل: فسمعت ابن أبی عمیر یقول: لما ضربت فبلغ الضّرب مائة سوط، أبلغ الضّرب الألم إلیّ فکدت أن أسمّی، فسمعت نداء محمد بن یونس بن عبد الرحمن یقول: یا محمد ابن أبی عمیر اذکر موقفک بین یدی الله تعالى، فتقوّیت بقوله فصبرت ولم أخبر، والحمد لله.
وقال: ضرب ابن أبی عمیر مائة خشبة وعشرین خشبة بأمر هارون لعنه الله، تولّى ضربه السندی بن شاهک على التشیع..(52)
ویدلّ على ذلک أیضاً ما جاء فی أحوال هشام بن الحکم، فإنّه عاش فی آخر أیّامه مشرّداً حتى مات من الخوف فی قصّة طویلة ذکرها علماء الرجال.(53)
وغیرها من القضایا التی کان الشیعة فیها کأئمتهم (علیهم السلام) فی المعاناة والخوف.
وإذا کان هذا حال الشیعة فمن منهم یقدم على مصاهرة الإمام (علیه السلام) وقد تربّصت العیون بهم الدوائر، والحکام فی طلبهم وراء کل حجر ومدر؟
على أنّه لم یثبت أن أحداً من العلویین أو من الشیعة تقدّم لخطبة إحدى بنات الإمام (علیه السلام) فقوبل بالرّفض.
هذا ما نرجّحه من الأسباب وراء عدم تزویج بنات الإمام (علیه السلام)، ومنهم السیدة فاطمة المعصومة (علیها السلام).
وهناک احتمالان آخران یختصّان بها، وقد یشارکها بعض أخواتها فیهما.
أحدهما: أنّها وأباها وأخاها یعلمون أن عمرها قصیر، فإنّ وفاتها (علیها السلام) کانت سنة 201هـ فیکون عمرها على أکثر الاحتمالات أقل من ثلاثین عاماً، وهو عمر قصیر بالقیاس إلى الأعمار المتعارفة.
وحیث کانت تعلم بذلک فلم یکن لدیها ما یرغّبها فی الزواج.
وثانیهما: أنّها لمّا کانت تشاهد ما یجری على أهل بیتها وبنی عمومتها من حکّام بنی العباس من القتل والسّجن والتشرید، وما یلاقیه أبوها وأخوها من الإیذاء عزفت نفسها عن الزواج، ومن الطبیعی أن فی عدم الاطمئنان فی الحیاة صارفاً قویّاً عن الزواج.
هذا ولعل هناک سبباً أو أسباباً أخرى وراء ذلک لم ندرکها، وکم ذکرنا أن الأمر شأن خاص قد أرید إخفاء سرّه عن الناس.
المصادر :
1- منتهى الآمال: ج2، ص403
2- معجم رجال الحدیث: ج12، ص235-236.
3- ریاحین الشریعة: ج5، ص35.
4- کریمة أهل البیت (علیهم السلام)، ص62-64.
5- مستدرکات علم رجال الحدیث: ج8، ص593-594.
6- کتاب المسلسلات، ص250-251.
7- کتاب المسلسلات، ص272-273.
8- أصول علم الرجال بین النظریة والتطبیق، ص353.
9- الرواشح السماویة، الراشحة السابعة والثلاثون، ص157-161.
10- سورة إبراهیم: 37.
11- تفسیر نور الثقلین: ج2، ص551.
12- الروضة من الکافی، الحدیث 485، ص311-312.
13- الإرشاد: ج2، ص67.
14- بحار الأنوار: ج40، ص26.
15- بحار الأنوار: ج40، ص26.
16- بحار الأنوار: ج40، ص27.
17- سورة إبراهیم: 37.
18- تفسیر نور الثقلین: ج2، ص551.
19- تاریخ قم (فارسی)، ص215، وبحار الأنوار: ج60، ص216-217.
20- بحار الأنوار: ج60، ص228.
21- بحار الأنوار: ج102، ص265.
22- عیون أخبار الرضا: ج2، ص367.
23- منتهى الآمال: ج2، ص380.
24- منتهى الآمال: ج2، ص380-381.
25- معجم رجال الحدیث: ج10، ص133.
26- معجم رجال الحدیث: ج13، ص242-252.
27- بحار الأنوار: ج29، ص183-213.
28- 107حیاة الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام): ج2، ص75-81.
29- حیاة الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام): ج2، ص26-54.
30- عیون أخبار الرضا: ج1، ص92.
31- بحار الأنوار: ج48، ص144.
32- حیاة الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام): ج2، ص457.
33- عیون أخبار الرضا: ج1، ص91.
34- الأصول من الکافی: ج1، باب الإشارة والنص على أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، الحدیث 15، ص316-317.
35- الأصول من الکافی: ج1، باب الإشارة على أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، الحدیث، 14، ص315.
36- تاریخ الیعقوبی: ج2، ص415.
37- جواهر الکلام: ج30، ص92-116.
38- من لا یحضره الفقیه: ج3، کتاب النکاح، باب الأکفّاء، الحدیث 5، ص249.
39- جواهر الکلام: ج30، ص106-107.
40- الفروع من الکافی: ج5، کتاب النکاح، باب نوادر، الحدیث 54، ص568.
41- بحار الأنوار: ج43، ص107.
42- تاریخ الطبری: ج8، ص104-105.
43- مقاتل الطالبیین، ص408-412.
44- مقاتل الطالبیین، ص422 وص427.
45- حیاة الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام): ج1، ص457.
46- سر السلسلة العلویة، ص14-15.
47- تاریخ الطبری: ج8، ص198-200، والکامل فی التاریخ: ج6، ص93.
48- حیاة الإمام موسى بن جعفر (علیهما السلام): ج2، ص74-75.
49- عیون أخبار الرضا: ج1، ص108-111.
50- عیون أخبار الرضا: ج1، ص111.
51- تاریخ قم، ص221، ومنتهى الآمال: ج2، ص280-281.
52- معجم رجال الحدیث: ج15، ص294-295.
53- معجم رجال الحدیث: ج20، ص301-306.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

كيف نصر الله أنبيائه؟
الكميت بن زيد الأسدي وإخلاصه في أهل البيت عليهم ...
السيد محمد ابن الإمام الهادي (ع)
فاطمةالمعصومة علیها السلام
من فضائل الإمام علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة
الحديث الفني
استشهاد الامام علي عليه السلام
طفولته وصباه
اهل البیت فی کلام النبی (ص)
إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام )

 
user comment