جعل الله لأنبيائه معجزات تدل على صدقهم وتؤيد دعوتهم وتلقي الحجة على خصومهم، وأوصياء الأنبياء ليسوا بعيدين عن هذا التأييد الإلهي فقد جعل لهم كرامات تدل على قربهم من الله وتربط قلوب المؤمنين بالله.
والأئمة (عليهم السلام) هم من أهل الكرامات الإلهية، ولكنهم كانوا يظهرونها في المواقف التي تستدعي نصرة الدين ودفع الباطل، وإليكم نماذج من هذه الكرامات والتي صدرت على يد إمامنا الهادي (عليه السلام):
جنود الإمام (ع):
روي: أن المتوكل العباسي أمر عسكره وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ويجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك.
ففعلوا، فلما صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعى أبا الحسن (ع) وأستصعده وقال: استحضرتك لنظارة خيولي، وكان أمرهم أن يلبسوا التجافيف ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة وأتم عدة وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسن (ع) أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج عليه.
فقال له أبو الحسن (ع) : «وهل تريد أن أعرض عليك عسكري؟»
قال: نعم.
فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون.
فغشي على المتوكل.
فلما أفاق قال أبو الحسن (ع) : «نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء مما تظن»(2).
التكلم بثلاث وسبعون لغة:
عن أبي هاشم الجعفري أنه قال: (دخلت على أبي الحسن (ع) فكلمني بالهندية، فلم أحسن أن أرد عليه.
وكان بين يديه ركوة ملأى حصى، فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه ومصها ملياً، ثم رمى بها إليّ، فوضعتها في فمي، فوالله، ما برحت مكاني حتى تكلمت بثلاث وسبعين لساناً أولها الهندية) (1).
استجابة دعائه (ع):
روى أبو هاشم الجعفري، أنه شكى إلى أبي الحسن علي بن محمد (ع) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد، ثم قال: يا سيدي ادع الله لي فربما لم أستطع ركوب الماء، فسرت إليك على الظهر وما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله لي أن يقوّيني على زيارتك.
فقال (ع) : «قواك الله يا أبا هاشم وقوّى برذونك».
قال الراوي: وكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على ذلك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على تلك البرذون بعينه، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت(3).
يأتيك غداً:
روي أنه أتى النقي ـ الإمام الهادي (ع) ـ رجل خائف وهو يرتعد ويقول: إن ابني أخذ بمحبتكم، والليلة يرمونه من موضع كذا ويدفنونه تحته.
قال (ع) : «فما تريد؟»
قال: ما يريد الأبوان.
فقال (ع) : «لا بأس عليه، اذهب فإن ابنك يأتيك غداً».
فلما أصبح أتاه ابنه، فقال: يا بني ما شأنك؟
فقال: لما حفر القبر وشدوا لي الأيدي أتاني عشرة أنفس مطهرة عطرة وسألوا عن بكائي فذكرت لهم.
فقالوا: لو جعل الطالب مطلوباً تجرد نفسك وتخرج وتلزم تربة النبي (ع) ؟
قلت: نعم.
فأخذوا الحاجب فرموه من شاهق الجبل ولم يسمع أحد جزعه، ولا رآني الرجال وأوردوني إليك، وهم ينتظرون خروجي إليهم وودّع أباه وذهب..
فجاء أبوه إلى الإمام (ع) وأخبره بحاله، فكان الغوغاء تذهب وتقول: وقع كذا وكذا، والإمام (ع) يتبسم ويقول: «إنهم لا يعلمون ما نعلم»(4).
الطيور ومعرفتها بالإمام (ع):
عن أبي هاشم الجعفري أنه قال: كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوّت، فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس، فلا يَسمع ما يقال له ولا يُسمع ما يقول من اختلاف أصوات تلك الطيور، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا (ع) سكتت الطيور!، فلا يسمع منها صوت واحد إلى أن يخرج (ع) من عنده، فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها.
قال: وكان عنده عدة من القوابج في الحيطان، وكان يجلس في مجلس له عال ويرسل تلك القوابج تقتتل وهو ينظر إليها ويضحك منها، فإذا وافى علي بن محمد (ع) إليه في ذلك المجلس لصقت تلك القوابج بالحيطان فلا تتحرك من موضعها حتى ينصرف، فإذا انصرف عادت في القتال(5).
تُكفى إن شاء الله:
عن أبي الحسن محمد بن أحمد قال: حدثني عم أبي قال: قصدت الإمام ـ الهادي (ع) ـ يوماً فقلت: إن المتوكل قطع رزقي وما أُتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك، فينبغي أن تتفضل عليَّ بمسألته.
فقال (ع) : «تكفى إن شاء الله».
فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً فجئت إليه فوجدته في فراشه فقال: يا أبا موسى يشتغل شغلي عنك وتنسينا نفسك، أي شيء لك عندي؟
فقلت: الصلة الفلانية، وذكرت أشياء.
فأمر لي بها وبضعفها.
فقلت للفتح: وافى علي بن محمد (ع) إلى ههنا أو كتب رقعة؟
قال: لا.
قال: فدخلت على الإمام (ع) فقال لي: «يا أبا موسى، هذا وجه
الرضا».
قلت: ببركتك يا سيدي، ولكن قالوا: إنك ما مضيت إليه ولا سألت؟!
قال: «إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه، وعودنا إذا سألناه الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا»(6).
سحتـك الله:
روي إن الإمام الهادي (ع) دخل دار المتوكل فقام يصلي فأتاه بعض المخالفين فوقف حياله فقال له: إلى كم هذا الرياء؟
فأسرع (ع) الصلاة وسلّم ثم التفت إليه فقال: إن كنت كاذباً سحتك الله، فوقع الرجل ميتاً فصار حديثاً في الدار(7).
مع المتوكل العباسي:
كان المتوكل يخاف من التفاف الناس حول الإمام (ع) فكان يضيّق عليه ويؤذيه باستمرار، وقد أسكن الإمام (ع) في منطقة العسكر ليراقب تحركاته (ع) من قرب، وربما استدعى الإمام (ع) ليلاً وأمر جلاوزته بأن يهجموا دار الإمام ويأتوا به على حاله!.
وقد سُعي إلى المتوكل بالإمام علي (الهادي) بن محمد الجواد ? أن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وإنه (ع) عازم على الوثوب بالدولة.
فبعث إليه جماعة من الأتراك.
فهجموا داره ليلاً، فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى وهو متوجّه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن.
فحُمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة..
وكان المتوكل جالساً في مجلس الشرب فدخل (ع) عليه والكأس في يده، فلما رأى المتوكل الإمام (ع) هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده!
فقال (ع) : «والله ما يخامر لحمي ودمي قط، فاعفني».
فأعفاه.
فقال المتوكل: أنشدني شعراً.
فقال (ع) : إني قليل الرواية للشعر.
فقال: لابد.
فأنشده (ع) وهو جالس عنده:
باتوا على قلل الأجبال تحـرسـهم ******* غلب الرجال فلم تنفعهم القـلل
واستنـزلوا بعد عز من معاقلهم******* وأسكنوا حفراً يا بئسما نزلـوا
ناداهم صارخ من بعد دفنـهم******* أين الأساور والتيجان والحـلل
أين الوجوه التي كانت منعمة******* من دونها تضرب الأستـار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم******* تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهراً وقد شربوا******* وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد اُكلوا
قال: فبكى المتوكل حتى بلّت لحيته دموع عينيه.
وبكى الحاضرون.
ودفع المتوكل إلى الإمام الهادي (ع) أربعة آلاف دينار ثم رده إلى منزله مكرماً (8).
خان الصعاليك:
عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن (ع) فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك؟
فقال: «ههنا أنت يا ابن سعيد» ثم أومأ بيده وقال: «انظر».
فنظرت، فإذا أنا بروضات آنقات وروضات ناصرات فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون وأطيار وظباء وأنهار تفور، فحار بصري والهاً، وحسرت عيني.
فقال (ع) : «حيث كنا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك»(9).
_________________________________________
(1) بحار الأنوار: ج75 ص366-368 ب28 ح2.
(2) الخرائج: ج2 ص673 ب14 فصل في أعلام الإمام علي بن محمد النقي (ع) .
(3) الخرائج والجرائح: ج1 ص414-415 ب11 في معجزات الإمام علي بن محمد النقي (ع) .
(4) بحار الأنوار: ج50 ص137-138 ب3 ح21.
(5) المناقب: ج4 ص416-417 فصل في آياته (ع) .
(6) الخرائج والجرائح: ج1 ص404 ب11 في معجزات الإمام علي بن محمد (ع) .
(7) المناقب: ج4 ص410-411 فصل في معجزاته (ع) .
(8) الأنوار البهية للشيخ عباس القمي s : ص290 فصل فيما جرى بينه (ع) وبين بعض خلفاء زمانه.
(9) انظر بحار الأنوار: ج50 ص211-212 ب4 ضمن ح25.
source : abna24