حرية الروح وعظمتها
إن الميرزا الشيرازي (صاحب فتوى التنباك) هو أحد علماء الشيعة، ذلك العالم الذي بإصداره لتلك الفتوى قضى على هيمنة بريطانيا في إيران، ونبّه بفعله هذا العالم الغربي على دور المرجعية الشيعية وعظمتها وعلى دور الافتاء وايمان الناس بالمرجعية لأنها النائبة عن الامام الحجّة عليه السلام.
بعد ارتحاله رجع الناس إلى آية اللَّه السيد محمّد الفشاركي ليكون الزعيم الحامل لراية المرجعية ولكنّه- وبالرغم من توجّه أعاظم العلماء إليه- رفض المرجعية وقال:
إني لا أصلح للمرجعية والزعامة والحكومة الدينية على الشيعة إذ أن المرجعية والسيادة الدينية يشترط فيها مضافاً إلى العلم والفقه مسائل أخرى كالوعي السياسي والشهامة في اتخاذ القرارات الصائبة في كل موقف، وأنا اشكّ في توفر هذه الأوصاف فيّ فقبولي للزعامة والمرجعية سيؤدي إلى ضياع النظام الشيعي وفساد قضايا الناس الدينية، فلا يجوز لي غير التدريس!
وبذلك استطاع الفشاركي الذي حمى نفسه من الهوى وحُبّ الدنيا
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 238
وتخلّق بأخلاق خواص أولياء اللَّه وجاهد النفس والشيطان، أن يرجع الناس إلى ميرزا محمّد تقي الشيرازي العالم الذي تميز بالكياسة والفطنة في السياسة والادارة «1».
قال مؤسّس الحوزة المباركة في قم آيةاللَّه العظمى الحائري: إني سمعت من أستاذي آية اللَّه الفشاركي يقول: عند ما توفي ميرزا الشيرازي صاحب الفتوى الشهيرة في تحريم التنباك ذهبت إلى البيت ووجدت نفسي كأنها مسرورة، كلما بحثت عن داعي هذا السرور في نفسي ما كنت أحصل على اجابة لهذه الحالة الغريبة وقد توفي ميرزا الشيرازي وكان أستاذي ومرشدي الذي تميز بعلمه وتقواه وفطنته وذكائه الفريد.
تأمّلت قليلًا لأفهم الداعي من هذا السرور! وأخيراً توصلت إلى نتيجة وهي أنّه قد يكون سبب السرور هو أنني سأكون قريباً مرجعاً للتقليد واستلم مهام زعامة الشيعة، فقمت من مجلسي وتشرفت إلى حرم أميرالمؤمنين علي عليه السلام وطلبت من الامام أن يدفع عني هذا المنزلق، لأنّي بدا عليّ حبُّ الرئاسة!
بات آية اللَّه الفشاركي تلك الليلة في الحرم حتى الصباح وعند الصباح ذهب لتشييع الجنازة، فوجده الناس انّه ملتهب العينين وكان واضحاً عليه بأنه تهجد الليل كله! وعلى كلّ فإنّه سعى لأن تنتقل الرئاسة من بيته إلى محل آخر.
نعم، إن رجال اللَّه الذين تهذبوا بالقرآن إلى هذه الدرجة يراقبون
__________________________________________________
(1)- الفوائد الرضوية: 594 بتصرف وجيز في العبارات.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 239
أنفسهم حتى أنهم يصلون إلى مرتبة المرجعية وتتسنى لهم الفرصة ولكنهم لا يخضعون لها «1».
يا ليت لو كنا نستطيع أن نُخبر زعماء العالم لاسيّما الغرب بهذه الحقائق التي تدلّ على حرية أرواح عباد اللَّه المخلصين وتدلّ على تربيتهم القرآنية، ليدركوا ويفهموا أن التربية الصحيحة لا تحصل إلّافي ظلال القرآن، كما أن الإستمتاع بالعدالة لا يكون إلّابتطبيق القرآن، ولا يزول شر الظلم والاضطهاد والأخلاق الحيوانية عن الحياة إلّابالعمل بتعاليم القرآن الكريم.
ما زال الانسان في القرن الواحد والعشرين سواءاً كان شرقياً أو غربياً هو مخاطب لهذه الآية:
[... وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] «2».
وبالرغم من أنّه استطاع وبفضل تطور العلوم والفنون أن يعالج كيفية تربية (علماء) ولكنه ما زال يجهل تربية الانسان ليكون إنساناً! فالحضارة تستطيع واستطاعت فعلًا- إلى حد ما- أن تجتاز بوابة كيفية تعليم علماء ومفكرين واستطاعت أن تحل رموز التعليم ولكن هيهات- وللأسف- لم تستطع أن تحل عقدة تربية (الانسان).
إذن بصورة عامة يمكن القول بأن: حضارة اليوم تعالج مسألة تربية علماء ولكنها قاصرة عن معالجة مسألة تربية الانسان «3».
__________________________________________________
(1)- تذكرة الشهيد القدوسي: 203.
(2)- الاسراء (17): 85.
(3)- الفضائل المهجورة.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 240
source : دار العرفان