لم يقتصر بكاؤه (صلى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السلام) بموقف وزمان واحد ، بل بملاحظة مجموع ما روي عن الصحابة يستكشف على نحو القطع أن بكاءه (صلى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السلام) كان في أزمنة مختلفة وأمكنة متعددة ومواقف متكررة ، فمرة بكى على الحسين في بيت أُم سلمة ، وأُخرى في بيت عائشة ، وثالثة في بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) ، ومرة كان الذي يخبره بقتل الحسين جبرئيل (عليه السلام) ، وأُخرى ملك المطر ، وثالثة غيره من الملائكة المقربين .
كما أنه (صلى الله عليه وآله) قد عقد المأتم والبكاء على الحسين
فقد كان (صلى الله عليه وآله) أوَّل من أخبر بواقعة شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) .
فروى ابن حبان في صحيحه 6 / 203 ، عن أنس بن مالك قال : استأذَنَ مَلَك القطر رَبَّه أن يزور النبي (صلى الله عليه وآله) ، فأذن له ، فكان في يوم أم سلمة ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : (اِحفظي علينا الباب ، لا يَدخل علينا أحد) .
فبينا هي على الباب ، إذ جاء الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فظفر ، فاقتحم ، ففتح الباب ، فدخل ، فجعل يتوَثَّب على ظهر النبي (صلى الله عليه وآله) .
وجعل النبي ( صلى الله عليه وآله) يتلثمه ويقبله ، فقال له المَلَك : أتحبه ؟
قال (صلى الله عليه وآله) : (نعم) .
قال : أمَا إنَّ أمَّتك ستقتله ، إن شئت أريتُكَ المكان الذي يُقتل فيه ؟ .
قال (صلى الله عليه وآله) : (نعم) .
فقبض قبضة من المكان الذي يُقتل (عليه السلام) فيه ، فأراه إياه ، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذَتْهُ أمُّ سلمة ، فجعلَتْهُ في ثوبها .
وأما بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) عليه ، فقد روى أحمد في مسنده 2 / 78 ، عن نجي أنه سار مع علي (عليه السلام) ، وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي (عليه السلام) : (اِصبرْ أبا عبدِ الله ، اِصبرْ أبا عبدِ الله بشط الفرات) .
قلت : وماذا ؟
قال (عليه السلام) : (دخلتُ على النبي (صلى الله عليه و آله) ذات يوم وعيناه تفيضان ، قال : بل قام من عندي جبريل قبل ، فَحدَّثَني أن الحسين يُقتَل بشط الفرات ، هل لك إلى أنْ أُشِمَّك من تربته ؟
قلت : نعم .
فمدَّ (صلى الله عليه وآله) يده ، فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فَاضَتَا) .
وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3 / 176 ، عن أم الفضل بنت الحارث ، أنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت : يا رسول الله ، إني رأيت حلماً مُنكَراً الليلة .
قال (صلى الله عليه وآله) : (مَا هُوَ) .
قالت : إنه شديد .
قال (صلى الله عليه وآله) : (ما هو) .
قالت : رأيت كأَنَّ قطعة من جسدك قطعت ، وَوُضِعت في حِجْري .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (رَأيتِ خَيراً ، تَلِد فاطمة إن شاء الله غُلاماً ، فيكونُ في حِجرك) .
فَوَلدت فاطمة (عليها السلام) الإمام الحُسين (عليه السلام) ، فكان في حجري كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فدخلتُ يوماً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فوضعتُهُ في حِجره ، ثم حانَتْ مِنِّي التِفَاتَة ، فإذا عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع .
فقلت : يا نبي الله ، بأبي وأمي ، ما لَكَ ؟
قال (صلى الله عليه وآله) : (أتاني جِبريل عليه الصلاة والسلام ، فأخبرَني أنَّ أُمَّتي ستقتُل ابني هذا) .
فقلت : هذا !! .
فقال (صلى الله عليه وآله) : (نعم) .
وأتاني (صلى الله عليه وآله) بتربة من تربته (عليه السلام) حمراء .
ونقول : هذه روايات صريحة في أنَّ البكاء على الإمام الحسين هي سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وليست بِدْعَة .
والشيعة يتبعون في ذلك سُنَّة النبي (صلى الله عليه وآله) في البكاء على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) .
source : abna24