عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

قضية الحسين (ع) نموذج صالح للاقتداء في كل زمان ومكان

قضية الحسين (ع) نموذج صالح للاقتداء في كل زمان ومكان

http://ar.abna24.com/cache/image/2016/10/04/49b06b90d35dfc797f80ae4a6e42c913.jpg

اهتم الامام موسی الصدر منذ بدایات عمله في لبنان بإحیاء ذکری عاشوراء، وبإلقاء الخطب في هذه المناسبة للتحدث عن مفاهیم عاشوراء والقیم التي تمثلت فیها، فمن هذه الخطب محاضرة ألقاها في کلیة العاملیة ببیروت تحت عنوان "رحلة الشهادة"  تحدث فیها عن اسباب حادثة کربلاء و عظم المأساة و أبعاد المعرکة و عن أهداف الإمام الحسین وطریقته في الوصول الی هذه الاهداف، وذلك  في الاول من شهر شباط/فبرایر1974، نقدم لکم فیما یلي مقتطفات من هذه المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحیم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

.....هذه الحادثة الخالدة التي كانت منارة عبر الأجيال غير مخصصة بأيام «الحسين» (ع). فالحادثة في أبعادها تتجاوز محنة عاطفية ومأساة بشرية، بل إنها نموذج صالح للاقتداء في كل زمان ومكان. إن السابقة بأسبابها وتفاصيلها ونتائجها تعلم الأجيال، كل الأجيال، وتفتح أمام الأجيال، كل الأجيال، طرق النجاة وطريق الخلاص. أمتنا كانت ولم تزل، وكل أمة أيضًا، تحتاج إلى مثل هذا الدرس وأخذ هذه العبر.

الحادثة وجدت في ظرف زمني معيَّن، ذلك الظرف يرتبط بخلفيات معيّنة، عندما ندرس تلك الخلفيات ندرك سبب عنف الحادثة وعظم المأساة وأبعاد المعركة.
كانت هناك خطة للقضاء على الإسلام ولتشويه الإسلام. هذه الخطة انكشفت في ساعة من الزمن على لسان «يزيد بن معاوية» وهو جالس منتصر ومغرور في قصره وأمامه رأس «الحسين» (ع)، انكشفت من خلال شعر «ابن الزبعرى» استشهد به «يزيد»، والشعر للشاعر «ابن الزبعرى»، فقال «يزيد» وهو يمس ثنايا ابن بنت رسول الله بخيزرانته، قال:

لعبت هاشم بالملك فلا     خبر جاء ولا وحي نزل

من يقول هذه الكلمة؟ «يزيد». يسمي نفسه أمير المؤمنين، ويجلس على منبر الرسول ويحكم الأمة باسم الإسلام. فهو من الداخل يتحدى الإسلام، ويعتبر أن كل ما حصل من تضحيات ومن مجاهدات ومن مصائب، كلها وسائل للحكم وليست رسالة لتحرير الإنسان. هذه الخطة التي بدأ بتنفيذها «معاوية» ثم مكّن ابنه «يزيد» الذي كان يقال عنه قبل الخلافة وفي أيام الشباب أنه غرّ مستهتر فاسق. عندما مكّن «معاوية» ابنه «يزيد» الذي كان يقتل النفس المحرمة ويهتك الأعراض ولا أمان له ولا ذمة كما يصفه التاريخ، مكّنه من رقاب المسلمين وجعله خليفة وفرض على الأمة البيعة. عند ذلك يتبين لنا أن الأمر بلغ منتهى خطورته. فـ «يزيد» الذي يتحدث عن الإسلام فيعتبره لعبة هاشمية للتحكم في رقاب الناس لا وحي ولا رسالة، يصبح حاكم المسلمين، والأمة ساكتة وهادئة خائفة وطامعة لا حول لها ولا طول، الأحرار مشردون والناس ساكتون.

في هذا الجو، و«يزيد» يتصرف كما يشاء ويهتك حرمات الناس ويستهتر بقيم الناس؛ في هذا الجو، وأمام سكوت الأمة على المظالم تتفرج كل يوم على ظلم أو على قتل، وترى في كل يوم أمام أعينها محنة ومصيبة وتجاوزًا؛ أمام هذا الواقع، أمام الضمائر الخائفة أو النائمة، كان لا بد من تضحية كبرى توقظ الضمائر وتهزّ المشاعر. فحادثة كربلاء جاءت في ظروف ملائمة تهيّأت لهذه الظروف الأسباب كافة، ومكّنت من هذه الظروف عوامل متسلسلة تعود إلى سنوات وسنوات قبل واقعة كربلاء. يأتي «يزيد» فيصبح أميرًا للمؤمنين وخليفة على المسلمين، ويطلب من «الحسين» البيعة. ماذا يعمل «الحسين» أمام هذا الاقتراح؟ هل يبايع فيضع صيغة الشرعية على تصرفات «يزيد»؟ و«يزيد» هو الذي يقول:

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء »؟ أما قال رسول الله يوم أن قال في عودته من حجة الوداع: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»؟

وبهذه الكلمة، ما جعل النبي (ص) أبناءه حكامًا بل جعلهم حفظة للإسلام، وكل واحد منهم حافظًا للقرآن والشرع، وبذلك حمّلهم أمانة كبرى لا يمكنهم أن يتخلوا عنها. يقول «الحسين» (ع) في بعض كلماته: «لم تشذَّ عن رسول الله لُحمته». لا يمكن لمثل «الحسين» ابن بنت رسول الله والصحابي الجليل وريحانته من الدنيا... هل يمكن لمثل «الحسين» هذا أن يخون أمانة رسول الله، وأن يسكت أو يوافق على تصرفات «يزيد» وعلى ظلمه وعلى انحرافه وعلى ادعاءاته؟ كلا. فلا مصير أمام «الحسين»، لا السكوت ولا الإمضاء. و«يزيد» يريد تنفيذ الخطة، يريد القضاء على الإسلام واحدًا من أحكامه تلو الآخر. ولذلك تصرف مع مدينة الرسول، كما نعلم، تصرفًا قتل خلاله المئات من الصحابة والتابعين. وحاول أن يتصرف مع مكة المكرّمة بحجة السيطرة على «عبد الله بن الزبير» فأراد أن يهدم الكعبة. هذا الرجل الذي يريد قلع جذور الإسلام والقضاء على أحكام الإسلام، ويريد أن ينتقم ويستردّ ديونه من «محمد» ومن الرسالة، ماذا يمكن لـ «لحسين» أن يعمل معه؟

يقول «يزيد» عندما برز رأس «الحسين» (ع) ورؤوس إخوته وأهل بيته شعرًا والشعر له:

لما بدت تـلك الرؤوس وأشرقت تلك الشموس على ربى جيرونِ
نعق الغراب فقلت ِصحْ أو لا تصحْ إنِّي أخذت مـن النبيّ ديونـي

أمام هذا المنطق علينا أن نعي أبعاد المعركة، «الحسين» خرج لا حبًا بالخروج، وقُتِل وحارب لا حبًا بالحرب والقتل، إنما صيانة للإسلام. هذا الرجل الذي يريد أن يأخذ من النبيّ ديونه ويتمثل أيضًا بشعر «ابن الزبعرى» فيقول:

لستُ من خندفٍ إذا لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

هذا الرجل لا يريد بقاء الإسلام. تسلل داخل الإسلام ووصل إلى كرسي الخلافة ويريد القضاء على الإسلام والأمة ساكتة هادئة، مسايرة خائفة طامعة. ماذا يعمل «الحسين»؟ بطبيعة الحال، مسؤوليته الأساسية تتحرك. إنه لحمة من رسول الله، ابن بنت رسول الله، لا يمكنه أبدًا أن يتخلى عن مسؤوليته، فعليه أن يقضي على أهداف «يزيد»، ويقلع مؤامرة «يزيد»، ومن وراء «يزيد». هل يمكنه؟ و«الحسين» فرد ومعه قلّة من الأفراد، هل يمكنه أن يتغلب على «يزيد»؟ بحسب المنطق الطبيعي المادي، لا! فماذا يعمل؟

حاول «الحسين» أن يجنّد كافة طاقاته فوضع في الميزان وجوده ولسانه وفكره وأهل بيته رجالًا ونساءً، وكل ما يملك، وضعهم في كفة الميزان وكوّن بذلك طاقة كبرى. فجّرت هذه الطاقات بني أمية وقصورهم وأمراءهم وحكامهم ووسائل إعلامهم وخطباءهم وكل ما يملكون. التكافؤ بحسب المنطق المادي غير موجود. «الحسين» مع سبعين شخصًا، خصومه ثلاثون ألفًا ووراء الثلاثين ألفًا عشرات الألوف من الجيش والعسكر. وسائل الإعلام ضلّلت الجماهير. العالم الإسلامي اعتبر أن «الحسين» خارجي. القاضي كتب في الحكم: «قد خرج عن حده، فقُتل بسيف جده». المدن احتفلت بقتل «الحسين». في كل مكان حديث عن انتصار الخليفة، وعن الخطر الذي يشق صفوف المسلمين، والخلاف الذي حدث بين المسلمين. هذه الأجواء المضللة التي خلقتها وسائل الإعلام لـ «يزيد»، هذه الأجواء كانت تزيد في المحنة والمشكلة.

ولذلك قام «الحسين» بالمحاسبة، وجد أن هذه الكفاءات في المنطق المادي لا يمكن أن تؤدي لانتصار «الحسين» أو هدف «الحسين». عند ذلك عبَّر بما قاله عن لسان رسول الله أنه قال له: «إن الله شاء أن يراك قتيلًا»، وقال عن لسانه أيضًا: «إن الله شاء أن يراهن سبايا.»

فإذًا، «الحسين» لا يوفّر شيئًا. يأخذ نفسه، روحه، لسانه، فكره، دمه، قلبه، ويضع إلى جانب نفسه طفله الصغير وابنه الكبير وإخوانه جميعًا وأصحابه جميعًا، ويكتب إلى كل أولاد «أبي طالب» وأرحامه جميعًا في المدينة فيقول لهم: «ألا ومن خرج منكم معي يُقتل، ومن لم يخرج لم يبلغ النصر.»

لا تفكروا يا أرحامي! يا أهل بيتي أنكم إذا تخليتم عني ستنالون النصر وستكسبون المجد وستعيشون بارتياح وعزّ، فحياتكم بعدي ذلّ على ذلّ، وخزي على خزي، وعار على عار. لا يسمح «يزيد»، الذي ينتهك حرم رسول الله ويقتل ابن بنت رسول الله، لا يمكن أبدًا أن يرحم «محمد بن الحنفية» أو غير ذلك من الهاشميين أو غيرهم من أبناء «علي» وأحفاد «أبي طالب»، وسيرسم أمامهم صورة «الحجاج بن يوسف الثقفي» إذ كان يأخذ بالتهمة، ويدفن حيًا بقايا أسرة «علي»، ومن تبقى من بني هاشم، ومن بقي من الموالين لـ «علي.»

«الحسين» يرسم أمام أهله ذلك كله حتى يشجعهم على الخروج معه، دون أن يغشهم ودون أن يقول لهم أنكم إذا خرجتم معي ستنتصرون. لا! النصر معنا ولكن نصرنا بالموت والشهادة. فأكد عليهم ذلك، فخرج من خرج وتخلف من تخلف. وبذلك أثبت «الحسين» أنه يريد أن يجند أكبر كمية من الطاقة البشرية لكي ينتصر في هذه المعركة غير المتكافئة. وأعلن بشعار واضح يوم خروجه من المدينة: «فوالله إني ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا»، لا أريد الإفساد، لا أريد السيطرة، لا أريد الحكم ولا أريد التحكم في الناس، إنما «أريد الإصلاح في أمة جدي ما استطعت، أريد أن آمر بالمعروف وأن أنهى عن المنكر». وفي هذا السبيل وضعتُ ضمانة واحدة هي حياتي: «إن الله شاء أن يراك قتيلًا» ـ كلمة نقلها عن لسان رسول الله.
........
انتهى /

source : ابنا

اهتم الامام موسی الصدر منذ بدایات عمله في لبنان بإحیاء ذکری عاشوراء، وبإلقاء الخطب في هذه المناسبة للتحدث عن مفاهیم عاشوراء والقیم التي تمثلت فیها، فمن هذه الخطب محاضرة ألقاها في کلیة العاملیة ببیروت تحت عنوان "رحلة الشهادة"  تحدث فیها عن اسباب حادثة کربلاء و عظم المأساة و أبعاد المعرکة و عن أهداف الإمام الحسین وطریقته في الوصول الی هذه الاهداف، وذلك  في الاول من شهر شباط/فبرایر1974، نقدم لکم فیما یلي مقتطفات من هذه المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحیم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

.....هذه الحادثة الخالدة التي كانت منارة عبر الأجيال غير مخصصة بأيام «الحسين» (ع). فالحادثة في أبعادها تتجاوز محنة عاطفية ومأساة بشرية، بل إنها نموذج صالح للاقتداء في كل زمان ومكان. إن السابقة بأسبابها وتفاصيلها ونتائجها تعلم الأجيال، كل الأجيال، وتفتح أمام الأجيال، كل الأجيال، طرق النجاة وطريق الخلاص. أمتنا كانت ولم تزل، وكل أمة أيضًا، تحتاج إلى مثل هذا الدرس وأخذ هذه العبر.

الحادثة وجدت في ظرف زمني معيَّن، ذلك الظرف يرتبط بخلفيات معيّنة، عندما ندرس تلك الخلفيات ندرك سبب عنف الحادثة وعظم المأساة وأبعاد المعركة.
كانت هناك خطة للقضاء على الإسلام ولتشويه الإسلام. هذه الخطة انكشفت في ساعة من الزمن على لسان «يزيد بن معاوية» وهو جالس منتصر ومغرور في قصره وأمامه رأس «الحسين» (ع)، انكشفت من خلال شعر «ابن الزبعرى» استشهد به «يزيد»، والشعر للشاعر «ابن الزبعرى»، فقال «يزيد» وهو يمس ثنايا ابن بنت رسول الله بخيزرانته، قال:

لعبت هاشم بالملك فلا     خبر جاء ولا وحي نزل

من يقول هذه الكلمة؟ «يزيد». يسمي نفسه أمير المؤمنين، ويجلس على منبر الرسول ويحكم الأمة باسم الإسلام. فهو من الداخل يتحدى الإسلام، ويعتبر أن كل ما حصل من تضحيات ومن مجاهدات ومن مصائب، كلها وسائل للحكم وليست رسالة لتحرير الإنسان. هذه الخطة التي بدأ بتنفيذها «معاوية» ثم مكّن ابنه «يزيد» الذي كان يقال عنه قبل الخلافة وفي أيام الشباب أنه غرّ مستهتر فاسق. عندما مكّن «معاوية» ابنه «يزيد» الذي كان يقتل النفس المحرمة ويهتك الأعراض ولا أمان له ولا ذمة كما يصفه التاريخ، مكّنه من رقاب المسلمين وجعله خليفة وفرض على الأمة البيعة. عند ذلك يتبين لنا أن الأمر بلغ منتهى خطورته. فـ «يزيد» الذي يتحدث عن الإسلام فيعتبره لعبة هاشمية للتحكم في رقاب الناس لا وحي ولا رسالة، يصبح حاكم المسلمين، والأمة ساكتة وهادئة خائفة وطامعة لا حول لها ولا طول، الأحرار مشردون والناس ساكتون.

في هذا الجو، و«يزيد» يتصرف كما يشاء ويهتك حرمات الناس ويستهتر بقيم الناس؛ في هذا الجو، وأمام سكوت الأمة على المظالم تتفرج كل يوم على ظلم أو على قتل، وترى في كل يوم أمام أعينها محنة ومصيبة وتجاوزًا؛ أمام هذا الواقع، أمام الضمائر الخائفة أو النائمة، كان لا بد من تضحية كبرى توقظ الضمائر وتهزّ المشاعر. فحادثة كربلاء جاءت في ظروف ملائمة تهيّأت لهذه الظروف الأسباب كافة، ومكّنت من هذه الظروف عوامل متسلسلة تعود إلى سنوات وسنوات قبل واقعة كربلاء. يأتي «يزيد» فيصبح أميرًا للمؤمنين وخليفة على المسلمين، ويطلب من «الحسين» البيعة. ماذا يعمل «الحسين» أمام هذا الاقتراح؟ هل يبايع فيضع صيغة الشرعية على تصرفات «يزيد»؟ و«يزيد» هو الذي يقول:

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء »؟ أما قال رسول الله يوم أن قال في عودته من حجة الوداع: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»؟

وبهذه الكلمة، ما جعل النبي (ص) أبناءه حكامًا بل جعلهم حفظة للإسلام، وكل واحد منهم حافظًا للقرآن والشرع، وبذلك حمّلهم أمانة كبرى لا يمكنهم أن يتخلوا عنها. يقول «الحسين» (ع) في بعض كلماته: «لم تشذَّ عن رسول الله لُحمته». لا يمكن لمثل «الحسين» ابن بنت رسول الله والصحابي الجليل وريحانته من الدنيا... هل يمكن لمثل «الحسين» هذا أن يخون أمانة رسول الله، وأن يسكت أو يوافق على تصرفات «يزيد» وعلى ظلمه وعلى انحرافه وعلى ادعاءاته؟ كلا. فلا مصير أمام «الحسين»، لا السكوت ولا الإمضاء. و«يزيد» يريد تنفيذ الخطة، يريد القضاء على الإسلام واحدًا من أحكامه تلو الآخر. ولذلك تصرف مع مدينة الرسول، كما نعلم، تصرفًا قتل خلاله المئات من الصحابة والتابعين. وحاول أن يتصرف مع مكة المكرّمة بحجة السيطرة على «عبد الله بن الزبير» فأراد أن يهدم الكعبة. هذا الرجل الذي يريد قلع جذور الإسلام والقضاء على أحكام الإسلام، ويريد أن ينتقم ويستردّ ديونه من «محمد» ومن الرسالة، ماذا يمكن لـ «لحسين» أن يعمل معه؟

يقول «يزيد» عندما برز رأس «الحسين» (ع) ورؤوس إخوته وأهل بيته شعرًا والشعر له:

لما بدت تـلك الرؤوس وأشرقت تلك الشموس على ربى جيرونِ
نعق الغراب فقلت ِصحْ أو لا تصحْ إنِّي أخذت مـن النبيّ ديونـي

أمام هذا المنطق علينا أن نعي أبعاد المعركة، «الحسين» خرج لا حبًا بالخروج، وقُتِل وحارب لا حبًا بالحرب والقتل، إنما صيانة للإسلام. هذا الرجل الذي يريد أن يأخذ من النبيّ ديونه ويتمثل أيضًا بشعر «ابن الزبعرى» فيقول:

لستُ من خندفٍ إذا لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

هذا الرجل لا يريد بقاء الإسلام. تسلل داخل الإسلام ووصل إلى كرسي الخلافة ويريد القضاء على الإسلام والأمة ساكتة هادئة، مسايرة خائفة طامعة. ماذا يعمل «الحسين»؟ بطبيعة الحال، مسؤوليته الأساسية تتحرك. إنه لحمة من رسول الله، ابن بنت رسول الله، لا يمكنه أبدًا أن يتخلى عن مسؤوليته، فعليه أن يقضي على أهداف «يزيد»، ويقلع مؤامرة «يزيد»، ومن وراء «يزيد». هل يمكنه؟ و«الحسين» فرد ومعه قلّة من الأفراد، هل يمكنه أن يتغلب على «يزيد»؟ بحسب المنطق الطبيعي المادي، لا! فماذا يعمل؟

حاول «الحسين» أن يجنّد كافة طاقاته فوضع في الميزان وجوده ولسانه وفكره وأهل بيته رجالًا ونساءً، وكل ما يملك، وضعهم في كفة الميزان وكوّن بذلك طاقة كبرى. فجّرت هذه الطاقات بني أمية وقصورهم وأمراءهم وحكامهم ووسائل إعلامهم وخطباءهم وكل ما يملكون. التكافؤ بحسب المنطق المادي غير موجود. «الحسين» مع سبعين شخصًا، خصومه ثلاثون ألفًا ووراء الثلاثين ألفًا عشرات الألوف من الجيش والعسكر. وسائل الإعلام ضلّلت الجماهير. العالم الإسلامي اعتبر أن «الحسين» خارجي. القاضي كتب في الحكم: «قد خرج عن حده، فقُتل بسيف جده». المدن احتفلت بقتل «الحسين». في كل مكان حديث عن انتصار الخليفة، وعن الخطر الذي يشق صفوف المسلمين، والخلاف الذي حدث بين المسلمين. هذه الأجواء المضللة التي خلقتها وسائل الإعلام لـ «يزيد»، هذه الأجواء كانت تزيد في المحنة والمشكلة.

ولذلك قام «الحسين» بالمحاسبة، وجد أن هذه الكفاءات في المنطق المادي لا يمكن أن تؤدي لانتصار «الحسين» أو هدف «الحسين». عند ذلك عبَّر بما قاله عن لسان رسول الله أنه قال له: «إن الله شاء أن يراك قتيلًا»، وقال عن لسانه أيضًا: «إن الله شاء أن يراهن سبايا.»

فإذًا، «الحسين» لا يوفّر شيئًا. يأخذ نفسه، روحه، لسانه، فكره، دمه، قلبه، ويضع إلى جانب نفسه طفله الصغير وابنه الكبير وإخوانه جميعًا وأصحابه جميعًا، ويكتب إلى كل أولاد «أبي طالب» وأرحامه جميعًا في المدينة فيقول لهم: «ألا ومن خرج منكم معي يُقتل، ومن لم يخرج لم يبلغ النصر.»

لا تفكروا يا أرحامي! يا أهل بيتي أنكم إذا تخليتم عني ستنالون النصر وستكسبون المجد وستعيشون بارتياح وعزّ، فحياتكم بعدي ذلّ على ذلّ، وخزي على خزي، وعار على عار. لا يسمح «يزيد»، الذي ينتهك حرم رسول الله ويقتل ابن بنت رسول الله، لا يمكن أبدًا أن يرحم «محمد بن الحنفية» أو غير ذلك من الهاشميين أو غيرهم من أبناء «علي» وأحفاد «أبي طالب»، وسيرسم أمامهم صورة «الحجاج بن يوسف الثقفي» إذ كان يأخذ بالتهمة، ويدفن حيًا بقايا أسرة «علي»، ومن تبقى من بني هاشم، ومن بقي من الموالين لـ «علي.»

«الحسين» يرسم أمام أهله ذلك كله حتى يشجعهم على الخروج معه، دون أن يغشهم ودون أن يقول لهم أنكم إذا خرجتم معي ستنتصرون. لا! النصر معنا ولكن نصرنا بالموت والشهادة. فأكد عليهم ذلك، فخرج من خرج وتخلف من تخلف. وبذلك أثبت «الحسين» أنه يريد أن يجند أكبر كمية من الطاقة البشرية لكي ينتصر في هذه المعركة غير المتكافئة. وأعلن بشعار واضح يوم خروجه من المدينة: «فوالله إني ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا»، لا أريد الإفساد، لا أريد السيطرة، لا أريد الحكم ولا أريد التحكم في الناس، إنما «أريد الإصلاح في أمة جدي ما استطعت، أريد أن آمر بالمعروف وأن أنهى عن المنكر». وفي هذا السبيل وضعتُ ضمانة واحدة هي حياتي: «إن الله شاء أن يراك قتيلًا» ـ كلمة نقلها عن لسان رسول الله.
........
انتهى /

source : ابنا


source : ابنا
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ظاهرة التركيز القرآني على اليهود ..الأسباب ...
تفسير القرآن بالقرآن
دعاء الافتتاح ؛ مثال لأدعية أهل البيت عليهم ...
وصايا رمضانية
حديث حول قوم ثمود: رؤية قرآنية
بعض المقتطفات من موسوعة عاشوراء
ابن عباس: مدرستُه، منهجه في التفسير
أساليب التبليغ في القرآن
قاعدة (لا حرج)
مدة حكم المهدي المنتظر

 
user comment