الوقف هو تحبیس الاصل واطلاق المنفعة.ولفظه الصریح (وقفت) وماعداه یفتقر إلى القرینة الدالة على التأبید وکان للوقف قبل الاسلام اشکال واصناف متنوعة فی شتی المجالات حددتها الاعراف القائمة آنذاک وتناقلتها الاجیال اللاحقة الی ان جاء الاسلام فوضع القالب الانسانی المعقول الذی ینفع الناس ...
الوقف فی اللغة الحبس. وفی الشرع تحبیس أصل ینتفع به مع بقاء عینه وتسبیل منافعه، والجمع وقوف وأوقاف، ولایقال: أوقفت إلا شاذا، ویقال: حبست وأحبست.
ومقتضاه زوال الملک عن المالک وتسبیل المنفعة على الموقف علیه.
وسمی الوقف وقفا، لاشتماله على وقف المال على الجهة المعینة وقطع سائر الجهات والتصرفات عنه.
والاصل فیه: الکتاب والسنة والاجماع.
أما الکتاب: فعموم قوله (وافعلوا الخیر)(1) (وما تنفقوا من خیر فلانفسکم)(2)
وأما السنة: فکثیر، مثل قوله علیه السلام: اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاثة، ولد صالح یدعو له وعلم ینتفع به بعد موته، وصدقة جاریة(3) قال العلماء: المراد بالصدقة الجاریة، الوقف: وقال الصادق علیه السلام: لیس یتبع الرجل بعد موته من الاجر الا ثلاث خصال، صدقة أجراها فی حیاته، فهی تجرى بعد موته إلى یوم القیامة، وصدقة موقوفة لایورث، أو سنة هدى سنها فکان یعمل بها، وعمل بها من بعده غیره، أو ولد صالح یستغفر له(4) وعنه علیه السلام: ستة تلحق المؤمن بعد وفاته.
ولد یستغفر له، ومصحف یخلفه، وغرس یغرسه، وبئر تحفره وصدقة تجریها، وسنة یؤخذ بها من بعده(5)
ووقفت فاطمة علیها السلام حوائطها بالمدینة(6)
وأما الاجماع: فمن الامامیة لایختلفون فی مشروعیة، وان اختلفوا فی مسائله (واشتهر اتفاق الصاحبة علیه قولا وفعلا، وقال جابر: لم یکن أحد من الصحابة ذو مقدرة الا وقف وقفا)(7)
بطلان اوقاف الجاهلیة
أوقاف الجاهلیة باطلة، وهی أربعة:
(أ) السائبة، وهی التی تلد ثلاث بطون کلها اناث، فتسیب، ولا یرکب ولا یحلب الا لضیف(8)
(ب) البحیرة، وهی ولد السائبة الذى یجئ به فی بطن الحادی عشر، فان کان انثى فهی البحیرة، وسمیت؟ لانهم کانوا یبحرون اذنها، اى یشقونها، والبحر الشق، ومنه سمى البحر، لانه شق فی الارض.
(ج) الوصیلة، وهی الشاة التی تلد خمس بطون، فی کل بطن عناقان، فاذا ولدت بطنا سادسا ذکرا أو انثى، قیل وصلت أخاه، فما تلد بعد ذلک یکون حلالا للذکور وحراما على الاناث.
(د) الحام، وهو الفحل ینتج من صلبه عشر بطون، فیسیب، ویقال: حمى ظهره، فلا یرکب.
فهذه وقوف الجاهلیة، وجاء فی الشرع بابطالها، قال تعالى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِیرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِیلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَٰکِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْکَذِبَ وَأَکْثَرُهُمْ لَا یَعْقِلُونَ )(8)
ویشترط فیه التنجیز والدوام، والاقباض وإخراجه عن نفسه.فلو کان إلى أمد کان حبسا.ولو جعله لمن ینقرض غالبا صح، ویرجع بعد موت الموقوف علیه إلى ورثة الواقف طلقا، وقیل: ینتقل إلى ورثة الموقوف علیه، والاول مروی .
فأخبر سبحانه أنهم لم یشرع لهم ذلک، وإنما هو بوضعهم واصطلاحهم، کقوله تعالى (هِیَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُکُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ)(9)
وألفاظ الوقف ستة: وقفت، وتصدقت، وحبست، وسبلت، وحرمت، وأبدت، فوقفت صریح لایفتقر معه إلى قرینة، والبواقی کنایات یفتقر إلى قرینة کقوله: تصدقت بداری صدقة موقوفة، أو محتبسة، أو مسبلة وما ناسبه من الالفاظ الدالة على إرادة التأیید.
قال طاب ثراه: ولو جعله لمن ینقرض غالبا صح، ویرجع بعد موت الموقوف علیه إلى ورثة الواقف طلقا، وقیل: ینتقل إلى ورثة الموقوف علیه، والاول مروی.
الحال، فتملک الاول شرط فی تملک الثانی، فلو انعکس لزم الدور.
ولو شرط عوده عند الحاجة، فقولان: أشبههما البطلان.
الثانی، فی الموقوف: ویشترط أن یکون عینا مملوکة ینتفع بها مع بقائها، إنتفاعا محللا. ویصح اقباضها، مشاعة کانت أو مقسومة .
وبالثالث قال ابن زهرة(10)
أحتج الاولون: بأنه فی الحقیقة حبس، لانقراض أربابه، فلا یکون مؤبدا، فیرجع إلى ورثة الواقف لعدم خروجه عنه بالکلیة. ولانه إنما وقف على قوم باعیانهم، ولا یتخطى إلى غیرهم، لقول العسکری علیه السلام: الوقوف بحسب مایوقفها أهلها ان شاء الله(11)
واحتج المفید بان الوقف خرج عن الواقف، فلا یعود الیه، والموقوف علیه یملک الوقف، فیورث عنه کغیره، بخلاف البطن الاول فإنه وان ملک لایورث عنه لعدم تمامیة الملک فی حقه، لتعلق حق البطون به، ولیس بعد الاخیر من یتعلق له حق بالوقف.
واجیب بالغ من کون الوقف مطلقا ناقلا، بل المؤبد منه، أما ماکان منه فی حکم الحبس، فلا(12) قال العلامة فی المختلف: ولا بأس بقول ابن زهرة، لانتقال الوقف من الواقف وزوال ملکه عنه(13)
قال طاب ثراه: ولو شرط عوده عند الحاجة، فقولان: أشبههما البطلان.
أقول: فی هذه المسألة ثلاثة أقوال:
(أ) صحة الوقف والشرط، بمعنى أنه إن احتاج الیه، ورجع فیه، صار طلقا،وجاز له بیعه والتصرف فیه، وإن لم یرجع ومات کان وقفا،
(ب) صحة الشرط والعقد، ویکون فی الحقیقة حبسا، فان رجع فیه مع الحاجة صار طلقا وورث عنه، وکذا لومات ولم یرجع، قاله الشیخ فی النهایة وتبعه القاضی وهو الذی رجحه العلامة فی المختلف أولا
(ج) بطلان العقد، لانه خلاف مقتضاه، لان الوقف لاتباع، قاله الشیخ فی المبسوط
ولان الوقف المشروط سائغ اجماعا، فاذا زال الشرط الذی علق علیه الوقف لم یکن ماضیا، واذا کان الوقف قابلا للشرط، والموقوف علیه قابلا للنقل عنه إلى غیره، فأی مانع من خصوصیة هذا الشرط.
احتج الشیخ على دعوى النهایة بما رواه: أن إسماعیل بن الفضیل سأل الصادق علیه السلام عن الرجل یتصدق ببعض ماله فی حیاته فی کل وجه من وجوه البر، وقال: إن احتجت إلى شئ من المال فأنا أحق به، ترى ذلک له؟ وقد جعله الله، أن یکون له فی حیاته، فاذا هلک یرجع میراثا، أو یمضى صدقة؟ قال: یرجع میراثا إلى أهله(14) .
المصادر :
1- الحج: 77.
2- البقرة: 272.
3- الجامع الصغیر للسیوطى حرف الهمزة، نقلا عن البخاری وصحیح مسلم، وفی عوالى اللئالى: ج 3 ص 260 الحدیث 1.
4- الفروع: ج 7، کتاب الوصایا، باب مایلحق المیت بعد موته، ص 56 الحدیث 2.
5- الفروع: ج 7، کتاب الوصایا، باب ما یلحق المیت بعد موته، ص 57 الحدیث 5 .
6- الفروع: ج 7، کتاب الوصایا، باب صدقات النبی صلى الله علیه وآله وفاطمة والائمة علیهم السلام ص 48 الحدیث 5.
7- عوالى اللئالى: ج 3، باب الوقف ومایتبعه، ص 261 الحدیث 5.
8- سورة المائدة / 103
9- سورة النجم/ 23.
10- الجوامع الفقهیة: کتاب الغنیة، فی الوقف، ص 603 س 20 .
11- الفقیه: ج 4، باب الوقف والصدقة والنحل، الحدیث 1.
12- الاحتجاج والجواب منقول عن المختلف: ص 35.
13- المختلف: فی الوقف، ص 35 س 6 قال: ولا بأس بقول ابن زهرة الخ.
14- التهذیب: ج 9 باب الوقوف والصدقات، ص 135 الحدیث 15.
source : راسخون