عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

أركان التجربة الإسلاميّة

أركان التجربة الإسلاميّة


كانت التجربة الإسلاميّة تشتمل على عناصر ثلاثة، التجربة الإسلاميّة - باعتبار أنّها عمليّة تربية- كان لا بدّ فيها من عناصر ثلاثة:
ألف- قائد، الذي نسمّيه: المربّي.
ب - ومن تنظيمٍ يُستمدُّ من قبل الشريعة الإسلاميّة.
ج- حقلٍ لهذا التنظيم، وهو الاُمّة أو المجتمع.
هذه هي العناصر الثلاثة المزدوجة في هذه التجربة. (1)
إذاً، الانحراف كيف بدأ؟
 الانحراف هنا بدأ بتغيير أحد هذه العناصر الثلاثة الرئيسيّة في هذه التجربة. هذه التجربة الإسلاميّة -التي هي عمليّة التربية التي كان من الممكن أن تُنشئ بشراً غير البشر، وإنساناً غير الإنسان الذي ترونه الآن على وجه الأرض- هذه العمليّة عمليّة مزدوجة من ثلاثة عناصر: واحدٌ من هذه العناصر تهدّم بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يعني ثلث العمليّة تهدّم، ثلث التجربة الإسلاميّة تهدّم، ثلث البناء الذي لأجله جاء مئة وأربع وعشرون ألف رسالة من السماء، جزءٌ واحدٌ من ثلاثة أجزاء من هذه التجربةتهدّم بذلك.
وكان تهدُّمُ هذا الجزء الواحد كفيلاً -بطبيعة الحال- لأنْ يهدم الجزءين الآخرين؛ لأنّ هذه التجربة متفاعلة في عناصرها، بعد أن ينهدم هذا الجزء ينهدم الجزءان الآخران حتماً.
أنا لا أدري: هل المسلمون وقتئذٍ كانوا يتصوّرون عمق هذا الانحراف بعد هذا؟! أكبر الظنّ أنّهم لم يكونوا يتصوّرون.
في بداية الأمر كانوا يتصوّرون أنّ المسألة مسألة انحراف في حكمٍ من أحكام الله لا أكثر؛ الله تعالى قال: «اجعلوا عليّاً»، وهم جعلوا أبا بكر. أمّا في باقي الجهات، فقد بقي الوضع على حاله، بقيت الصلاة على حالها، بقيت الزكاة تُجبى، بقي الفقراء يُعطَون من الزكاة، بقي كتاب الله يُقرأ في المساجد، بقيت الجماعات تُقام ظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً، بقي بيت الله الحرام يُحجّ إليه بعشرات الاُلوف، بقيت الجيوش، بقي المرابطون للجهاد يفتحون بلاد الله بلداً بعد بلد.
إذاً، لم يتغيّر شي‌ءٌ إلّا أنّ شخصاً كان اسمه عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) -هو أفضل وأكمل وأعدل وأورع من أبي بكر- اُقصي في المقام؛ لغلبة الهوى، ولغلبة الشهوة، ولاُمور اُخرى سوف نذكرها في حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهذا الشخص اُقصي وجعل مكانه أبو بكر، لا أكثر من هذا المقدار.
لكنّ الأمر لم يكن هكذا، هذا كان نذيرَ الشؤم والويل والدمار بالنسبة إلى التجربة الإسلاميّة كلّها لمّا بُدِّل شخص الحاكم وجُعل حاكمٌ آخر. هذا الحاكم الآخر لم يكن مصمَّماً من قِبل واضع التجربة، هذا الحاكم ليس مصمَّماً من قبل واضع التجربة.
ومعنى أنّه ليس مصمَّماً من قبل واضع التجربة: أنّ هذا الإنسان -على أقلّ تقديرٍ، حتّى لو أخذنا بمفهوم أهل‌ السنّة عن أبي بكر، لا بمفهومنا عن أبي بكر، لو أخذنا بمفهوم أخلص المخلصين لأبي بكر، لا بمفهوم أهل البيت عن أبي بكر، لو أخذنا بمفهوم أعداء أهل البيت عن أبي بكر، لا بمفهوم شيعة أهل البيت عن أبي بكر- إنسانٌ تحتشد في نفسه أفكارٌ كثيرةٌ خاطئة، وتحتشد في نفسه شهواتٌ كثيرةٌ تعرّضه للانحراف، هذا على أقلّ تقديرٍ. يعني:
لم يكن إنساناً معصوماً من الناحية الفكريّة، ولم يكن معصوماً أيضاً من الناحية العمليّة، لا قصوراً، ولا تقصيراً.
هذا الإنسان جاء ليتسلّم زمام هذه التجربة الإسلاميّة في بداية أمرها بدلاً عن ذلك الإنسان المعصوم.

حكم غير المعصوم يعني حكم مكوّنات شخصيّته غير الإسلاميّة:
حينئذٍ: من هو الحاكم الآن؟
 الحاكم الآن هو أبو بكر. لكن سوف نبدّل شخصَ أبي بكر بشي‌ء آخر، برقم آخر؛ لأنّ أبا بكر ما هو معناه؟ أبو بكر معناه هذه المجموعة الكثيرة من الأفكار والعواطف والمشاعر والانفعالات، هذا هو أبو بكر. أبو بكر الحاكم هو عبارة عن هذه الكومة من الانفعالات والعواطف والمشاعر والأفكار. إذاً، فالحاكم هو هذه الكومة من الأفكار والعواطف والمشاعر والانفعالات.
افرضوا أنّ هذه الحفنة، افرضوا أنّه صَدَقَ أهل‌ السنّة، وأنّ هذه الحفنة فيها خمسون بالمئة من الإسلام، أنّ‌ خمسين بالمئة من هذه الكومة من الأفكار والعواطف كانت إسلاميّة، لكنْ فيها خمسون بالمئة ليس إسلاميّاً.
إذاً، فقد أصبح الحكم مزدوج الشخصيّة، أصبح الحاكم في المقام عبارةً عن خمسين بالمئة من الأفكار والعواطف الإسلاميّة -من وجهة رأي أهل‌ السنّة- وخمسين بالمئة من العواطف والأفكار غير الإسلاميّة والجاهليّة في المقام.
فبطبيعة الحال: إنّ هذا النصف الثاني على أقلّ تقدير -إن لم نقل بأنّ كلا النصفين حاله هكذا، وأخذنا بنظريّة من يقول بأنّ القصّة قصّة مناصفة- لا أقلّ من أن يَجعلَ‌ هذا الشخص عرضةً للانحراف، فمن هو الضامن لعدم هذا الانحراف؟ هل الضامن هو الاُمّة؟
 الاُمّة بوصفها المجموعي ليست معصومة ولا يُمكن أن تكون الضمان:
الاُمّة لم تكن في مستوى العصمة وقتئذٍ؛ كما أنّ أبا بكر -بوصفه الفردي- لم يكن معصوماً، كذلك الاُمّة بوصفها المجموعي لم تكن معصومة.
من الممكن أنّ الاُمّة تبلغ درجة العصمة خلال تربيةٍ طويلة الأمد. لو أنّ رسول الله والأئمّة الاثني عشر قد توالَوا على اُمّةٍ واحدةٍ ومارسوا عمليّة التربية، كان من الجائز أن تبلغ الاُمّة بوصفها المجموعي مستوى العصمة وتصبح معصومة، بحيث لا تحتاج بعد هذا إلى قائدٍ معصوم، بل هي تحكم نفسها بنفسها؛ لأنّها بوصفها المجموعي تكون معصومة.
هذا أمرٌ جائزٌ عقلاً، ولكنّه بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مباشرةً: الاُمّة -بوصفها المجموعي- لم تكن على مستوى العصمة، والدليل على هذا يأتي إن شاء الله في الأيّام الآتية، يعني في الملحقات الآتية.
انعكاس انحراف الحكم على مصادر الإسلام الاُولى:
فإذا لم تكن الاُمّة في مستوى العصمة، ولم يكن أبو بكر على مستوى العصمة، إذاً فسوف ينفتح من هذا -يعني من معرَّضيّة هذا الحاكم للانحراف وللخطأ، بل من حتميّة الانحراف في هذا الحاكم، حسبما نؤمن ونعتقد- الخطرُ على الأجزاء الاُخرى من التجربة، على المقوّمات الأساسيّة للرسالة الإسلاميّة، سوف ينفتح منه خطرٌ على مصادر الإسلام الاُولى، على الكتاب والسنّة.
أنتم تعلمون أنّ الكتاب مات عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والكتابُ بعدُ لم يُجمع في مصحف واحد، في كتاب واحد.
نعم، كان مكتوباً، ولكنّه لم يكن مطبوعاً ومتداولاً على النحو الذي هو عليه الآن.
لم يكن هذا الكتاب بين أيدي المسلمين بوصفه كتاباً وبوصفه قرآناً محدَّداً من أَلِفِه إلى يائِه‌(2).
وأنتم تعلمون أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مات والسنّة لم تكن مكتوبةً أصلاً، لا بشكلٍ موزّعٍ كالقرآن، ولا بشكلٍ غير موزّع، وإنّما كانت محفوظةً في صدور المسلمين وقتئذٍ، والسنّة هي المصدر الثاني للإسلام.
انحراف الحاكم وانعكاسُ تميّعه على الاُمّة:
ماذا يُتَرقَّب في شخص الحاكم المنحرف -في المقام- أن يقف من هذين المصدرين، وأن يعمل في مقام حماية هذين المصدرين؟
 لو لم يكن هناك تحصينٌ من خارج، من قادة أهل البيت (عليهم السلام) (2)
كان من الطبيعي أن يُترقّب وأن يُخمَّن أنّ الكتاب وأنّ السنّة -ولا أقلّ من السنّة- أنّها سوف تكون في عرضة الضياع والانحراف والتزوير على أساس انحراف هذا الحاكم.
فالمقوّمات الأساسيّة للإسلام سوف تُصَوَّروسوف تُزَوَّر، النظريّة الإسلاميّة للحياة سوف تشوّه. الإسلام له نظريّة للحياة، هذه النظريّة للحياة سوف تشوّه، وسوف تصوّر بشكلٍ آخر، بشكلٍ جاهليٍّ لا يختلف عن النظريّة الجاهليّة للحياة، لماذا؟
 لأنّ المصادر الاُولى للإسلام فرضنا أنّها عرضةٌ للتحريف وللإقصاء عن مجالات الذهنيّة الإسلاميّة.
وحتّى لو لم تكن عرضة، فالنصوص -وهي موجودة في اُمّهات الكتب، وموجودة في الورق، وموجودة في حبرٍ على ورق- لا تعطي النظريّة الحقيقيّة للناس. الناس حسّيون أكثر منهم منطقيّون، الناس يعيشون ما يَرَون، ولا يعيشون ما يقرؤون حبراً على ورق، إذاً فماذا يعيشون؟
 يعيشون ويَرَون النظريّة التي يمارسها أبو بكر، ويمارسها الخلفاءُ الذين توالَوا من بعده‌، يمارسها هذا الخطُّ المنحني من الانحراف‌، الذي اشتدّ انحناؤه بالتدريج حتّى بلغ هاويةً من الانحراف.
إذاً، فسوف يعيشون هذا الواقعَ كمجسِّد للنظريّة الإسلاميّة للحياة، وسوف لن يبقى هناك اُطروحة اُخرى للنظريّة الإسلاميّة للحياة.
وبذلك يفقد الإسلام اُطروحته على المستوى النظري وعلى المستوى النضالي بعد أن فقده على المستوى الواقعي والمستوى الاجتماعي الخارجي، بعد هذا ماذا سوف يكون؟

 انعكاس الانحرافات السابقة على مصير الاُمّة نفسها:
بعد هذا سوف تزول الاُمّة نفسها؛ لأنّ هذه الاُمّة سوف ينعكس فيها بعد إقصاء مصادر الرسالة عنها، وبعد تشويه معالم النظريّة الإسلاميّة للحياة في وجهها، وبعد تعمّق الحاكم في انحرافه.
معنى انحراف الحاكم أنّه سوف يتميّع في حفظ مصالح الاُمّة، وسوف يتجبّر في حاكميّته.
ألف- ردّ الفعل لتميّعه في حفظ مصالح الاُمّة ما هو؟ كيف ينعكس هذا التميّع على الاُمّة؟
 ينعكس هذا التميّع على الاُمّة في الظلم والفساد والتناحر والصراع في ما بين أفراد الاُمّة؛ لأنّ الوالي لا يحفظ مصالحها الحقيقيّة.
ب - وتَجَبُّرُ الحاكم في حاكميّته‌ كيف ينعكس على الاُمّة؟
 سوف ينعكس على الاُمّة في الضياع، والذلّ، وفقدان الإرادة، وفقدان الشعور بالمسؤوليّة، الذهول والشرود.
إذاً، سوف تصبح الاُمّة بعد شوطٍ طويلٍ من الزمان اُمّةً ملؤها الفساد، وملؤها انعدام الإرادة.

حتميّة سقوط التجربة المنحرفة ولو كانت إسلاميّة:
وهذه التجربة الإسلاميّة المنحرفة سوف تسقط حتماً في يومٍ من الأيّام؛ لأنّها منحرفة، والتجربة المنحرفة حتّى ولو كانت إسلاميّة يجب أن تسقط في يومٍ ما.
إذاً، هذه التجربة سوف تسقط في يومٍ ما كما سقطت في التاريخ في يومٍ ما، سوف تسقط وسوف تجي‌ء تجربة اُخرى كافرة صريحة مكانها.
وحينما تجي‌ء تلك التجربة الكافرة الصريحة مكانها سوف تواجه اُمّةً متميّعةً لا يوجد لديها أيُّ مناعةٍ ضدَّ الكفر، وسوف تندمج هذه الاُمّة اندماجاً كاملاً مع التجربة الكافرة الصريحة، وبذلك يضيع الإسلام والرسالة والنظريّة الإسلاميّة للحياة، وتضيع الاُمّة نفسها.
هذه هي الأخطار التي كان من المترّقب أن تنجم عن منطلق الانحراف يوم السقيفة.
المصادر :
1- المراد: المؤلِّفة أو المكوِّنة، وإلّا فالمزدوج ما كان مثنى، فلاحظ: الصحاح 275 :1؛ لسان العرب 124:2؛ تاج العروس من جواهر القاموس 178 :3.
 2- يشير الشهيد الصدر (قدّس سرّه) إلى ذلك في: المدرسة القرآنيّة (علوم القرآن): 213، تحت عنوان: تاريخ علوم القرآن. تجدر الإشارة إلى أنّ بحث «جمع القرآن وتاريخه» (275 - 276) ليس له (قدّس سرّه).
 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مدة حكم المهدي المنتظر
خطبہ الغدیر
ولادة أبي الفضل العباس (ع) ولادة الوفاء والإخاء
الإمام علي عليه السلام أعدل حاكم ظهر في تاريخ ...
حكم الخمس بناء على نظرية ولاية الفقيه
الفرق بين علوم القرآن والتفسير
الايه التي ذكرت فيها مصيبة الحسين عليه السلام
دخول جيش السفياني الى العراق
أهل البيت (ع) والعبودية
الصبر في القرآن الكريم

 
user comment