إخلاص التوحيد
إن أول عبادة الله معرفته و أصل معرفته توحيده و نظام توحيده نفي الصفات عنه لشهادة العقول أن كل صفة و موصوف مخلوق و شهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة و لا موصوف و شهادة كل صفة و موصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث و شهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من حدثه فليس الله عرف من عرف ذاته و لا له وحد من نهاه و لا به صدق من مثله و لا حقيقته أصاب من شبهه
تحف العقول ص : 62
و لا إياه أراد من توهمه و لا له وحد من اكتنهه و لا به آمن من جعل له نهاية و لا صمده من أشار إليه و لا إياه عنى من حده و لا له تذلل من بعضه كل قائم بنفسه مصنوع و كل موجود في سواه معلول بصنع الله يستدل عليه و بالعقول تعتقد معرفته و بالفكرة تثبت حجته و بآياته احتج على خلقه خلق الله الخلق فعلق حجابا بينه و بينهم فبمباينته إياهم مفارقته إنيتهم
تحف العقول ص : 63
و إيداؤه إياهم شاهد على ألا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين و ابتداؤه إياهم دليل على ألا ابتداء له لعجز كل مبتدإ عن إبداء غيره أسماؤه تعبير و أفعاله تفهيم و ذاته حقيقة و كنهه تفرقة بينه و بين خلقه قد جهل الله من استوصفه و تعداه من مثله و أخطأه من اكتنهه فمن قال أين فقد بوأه و من قال فيم فقد ضمنه و من قال إلى م فقد نهاه و من قال لم فقد علله و من قال كيف فقد شبهه و من قال إذ فقد وقته و من قال حتى فقد غياه و من غياه فقد جزاه و من جزاه فقد وصفه و من وصفه فقد ألحد فيه و من بعضه فقد عدل عنه لا يتغير الله بتغيير المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود أحد لا بتأويل عدد صمد لا بتبعيض بدد باطن لا بمداخلة ظاهر لا بمزايلة متجل لا باشتمال رؤية لطيف لا بتجسم فاعل لا باضطراب حركة مقدر لا بجول فكرة مدبر لا بحركة سميع لا بآلة بصير لا بأداة قريب لا بمداناة بعيد لا بمسافة موجود لا بعد عدم لا تصحبه الأوقات و لا تتضمنه الأماكن و لا تأخذه
تحف العقول ص : 64
السنات و لا تحده الصفات و لا تقيده الأدوات سبق الأوقات كونه و العدم وجوده و الابتداء أزله بتشعيره المشاعر علم أن لا مشعر له و بتجهيره الجواهر علم أن لا جوهر له و بإنشائه البرايا علم أن لا منشئ له و بمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له و بمقارنته بين الأشياء علم أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة و الصرد بالحرور مؤلفا
تحف العقول ص : 65
بين متعادياتها متقاربا بين متبايناتها دالة بتفريقها على مفرقها و بتأليفها على مؤلفها جعلها سبحانه دلائل على ربوبيته و شواهد على غيبته و نواطق عن حكمته إذ ينطق تكونهن عن حدثهن و يخبرن بوجودهن عن عدمهن و ينبئن بتنقيلهن عن زوالهن و يعلن بأفولهن أن لا أفول لخالقهن و ذلك قوله جل ثناؤه وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ففرق بين هاتين قبل و بعد ليعلم أن لا قبل له و لا بعد شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها دالة بتفاوتها أن لا تفاوت في مفاوتها مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه و بينها ثبت له معنى الربوبية إذ لا مربوب و حقيقة الإلهية و لا مألوه و تأويل السمع و لا مسموع و معنى العلم و لا معلوم و وجوب القدرة و لا مقدور عليه ليس مذ خلق الخلق استحق اسم الخالق و لا بإحداثه البرايا استحق اسم البارئ فرقها لا من شيء و ألفها لا بشيء و قدرها لا باهتمام لا تقع الأوهام على كنهه و لا تحيط الأفهام بذاته لا تفوته متى
تحف العقول ص : 66
و لا تدنيه قد و لا تحجبه لعل و لا تقارنه مع و لا تشتمله هو إنما تحد الأدوات أنفسها و تشير الآلة إلى نظائرها و في الأشياء توجد أفعالها و عن الفاقة تخبر الأداة و عن الضد يخبر التضاد و إلى شبهه يئول الشبيه و مع الأحداث أوقاتها و بالأسماء تفترق صفاتها و منها فصلت قرائنها و إليها آلت أحداثها منعتها مذ القدمة و حمتها قد الأزلية و نفت عنها لو لا الجبرية افترقت فدلت على مفرقها و تباينت فأعربت عن مباينها بها تجلى صانعها للعقول و بها احتجب عن الرؤية و إليها تحاكم الأوهام و فيها أثبتت العبرة و منها أنيط الدليل بالعقول يعتقد التصديق بالله و بالإقرار يكمل الإيمان
تحف العقول ص : 67
لا دين إلا بمعرفة و لا معرفة إلا بتصديق و لا تصديق إلا بتجريد التوحيد و لا توحيد إلا بالإخلاص و لا إخلاص مع التشبيه و لا نفي مع إثبات الصفات و لا تجريد إلا باستقصاء النفي كله إثبات بعض التشبيه يوجب الكل و لا يستوجب كل التوحيد ببعض النفي دون الكل و الإقرار نفي الإنكار و لا ينال الإخلاص بشيء من الإنكار كل موجود في الخلق لا يوجد في خالقه و كل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه لا تجري عليه الحركة و لا يمكن فيه التجزئة و لا الاتصال و كيف يجري عليه ما هو أجراه أو يعود إليه ما هو ابتدأه أو يحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته و لتجزأ كنهه و لامتنع من الأزل معناه و لما كان للأزل معنى إلا معنى الحدث و لا للبارئ إلا معنى المبروء لو كان له وراء لكان له أمام و لو التمس التمام إذا لزمه النقصان و كيف يستحق اسم الأزل من لا يمتنع من الحدث و كيف يستأهل الدوام من تنقله الأحوال و الأعوام و كيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الأشياء إذا لقامت فيه آلة المصنوع و لتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه و لاقترنت صفاته بصفات ما دونه ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنها جواب هذا مختصر منها
تحف العقول ص : 68