لما كان الوالد السبب المباشر في اتيان الولد الى عالم الوجود ، ـ والوجود من اهّم نعم الله تعالى على الانسان وليس هناك فضل لا يجازى ، كان على الولد ان يجازن والده بأحسن ما يمكن ولو أن حق الوالد لا يؤدّي ولا يمكن تأديته على ما يفي حقه ولكن لا يترك الميسور بالمعسور.
١ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يجزي ولد والده الا بشيء واحد ، وهو أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه (1)
٢ ـ قال الصادق عليهالسلام لاحد اصحابه وقد ذكر المسير : أن المأمور له من ذلك ثمانيه : منها سر سنتين بر والديك ... (2)
٣ ـ وفي الكافي مسندا عن سويد بن غفلة قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ان ابي آدم اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا ، واول يوم من أيام الآخرة ، مثّل ، له ماله و ولده وعمله ـ الى أن قال ـ فيلتفت الى ولده ، فيقول : والله اني كنت لكم محبا واني كنت عليكم محاميا
فماذا لي عندكم ؟. فيقولون : نؤدّيك الى حفرتك نواريك فيها ... (3)
٤ ـ محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن حنان بن سدير ، عن ابيه ، قال : قلت لأبي جعفر عليه صلوات الله : هل يجزي الولد والده ؟ فقال عليهالسلام : ليس له جزاء الاّ في خصلتين : يكون الوالد مملوكا فيشتريه ابنه فيعتقه ، أو يكون عليه دين فيقضيه عنه ... (4)
نهي الله عن المحارم
هناك امور نهى الله سبحانه وتعالى عن اتيانها ، فهي ممنوعة على العباد ، والممنوع بلسان الشرع المقّدس يقال له حرام ، ولاريب أن الله تعالى لا يحرم على عباده امرا الاّ مضّره عليهم ، كما لا يوجب عليهم امرا الاّ وفيه مصلحة لهم ، فمن ائتمر بأوامر الله تعالى فقد سعد في الدنيا والآخره ، ومن عصى ـ والعياذ بالله ـ فقد هلك وهوى ومما حرّم علينا ، هو ما جاء في الكتاب الكريم :١ ـ حرّمت عليكم امّهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وامهاتكم اللاتي ارضعتكم واخواتكم من الرضاعة ، وامّهات نسائكم ، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي وخلتم بهّن ، فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ، وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم ، وأن تجمعوا بين الأختين الاّ ما قد سلف ، ان الله كان غفورا رحيما ( النساء ـ ٢٣ ).
الدافع الى الجنة
قد جعل الله تبارك وتعزز لكل شيء سببا ، فاحدى أسباب دخول الجنة هو دفع بعض الأشخاص وذلك لبعض الأعمال الذي قاموا بها في دار الدنيا ، وأهمّها البر بالوالدين ، فانّه السبب الرئيسي في دخول الجنة. هكذا اقتضت حكمة الله تعالى.١ ـ علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف ، عن أبي عبد الله عليه صلوات الله ، قال سلام الله عليه : يأتي يوم القيامة شيء مثل الكبّة ، فيدفع في ظهر المؤمن فيدخله الجنّة ، فيقال : هذا البر ... (5)
أقول : كلمه البر مطلقة ولكن بقرينة أنها جائت مع روايات البر بالوالدين يمكن تقييدها بهما ، وان قلت بالأعميّة : قلنا : فليكن أشخص أفرادها الوالدين.
الخُلود
كلنا يعلم ان هناك جنّة ونار ، وثواب وعقاب ، وكذلك ايضا كلنا يعلم أن من أهل النار من يخلد فيها ، وان أهل الجنة من الخالدين فيها ابدا ، وقسم ثالث هم الذين لم يخلّدوا في النار ، لهم مدة معينّة يسكنونها ، ثم ينجون منها ، ويتنعمون بنعيم الجنة ، وهذه الفرق الثالثة لا يرون ما هم عليه الاّ بأعمالهم التي قاموا بأتيانها في دار الدنيا ، ولكن هناك قسم من الخالدين في الجنة بلا عمل عملوه في الدنيا ، وهم كما قاله الشيخ المفيد اعلى الله مقامه الشريف في شرح اعتقادات الصدوق :١ ـ ( قال عليه الرحمه ) الجنة دار النعيم لا يلحق من دخلها نصب ، ولا يلحقهم فيها لغوب ، جعلها الله دارا لمن عرفه وعبده ، ونعيمها دائم لا انقطاع له ، والساكنون فيها على أضراب :
فمنهم من اخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على امان من عذاب الله تعالى.
ومنهم من خلط عمله الصالح بأعمال سيّئة ، كأن يسوف منها التوبة فاخترمته المنيّة قبل ذلك ، فلحقه ضرب من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد عفو او عقاب.
ومنهم من يتفضّل عليه بغير عمل سلفا منه في الدنيا ، وهم الوالدانالمخلّدون الذين جعل الله تعالى تصرّفهم لحوائج أهل الجنة ثوابا للعالمين ، وليس في تصرفهم مشّاق عليهم ولا كلفة ، لأنهم مطبوعون اذ ذاك على المسارة بتصرفهم في حوائج أهل الدنيا.
تعدد الآباء
يظهر أن الانسان لم يكن له والد واحد فحسب ، وانّما الواحد هو الأب الذي يولده ، وبعده أب علّمك وأب زوّجك ، وهناك والدآخر ذو قدر ورفعة ، يدلّنا عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين يقول :العلم خدين المؤمن ـ الى أن يقول ـ والرفق والده ، والبر أخوه ـ الى آخره ـ. تحف العقول عن آل الرسول صلىاللهعليهوآله . (6)
نكاح المرأه ذات الاولاد
لا شك أن كل يريد المرأة وان كانت ثيبا ، وان من بعض الثيبات ذوات أولاد ، فهل يصلح للرجل أن يقدم على مثلها ؟ ... كلا ... يقول ارباب هذا الفن : ان النساء على ثلاث : الباكر ، وهي التي لم تر زوجا ، فان تزوجتها يكن حبّها جميعه لك وحدك. الثيب ، وهي على قسمين : من رأت زوجا ولم تلد منه ، فانك ان تزوجتها يكن نصف حبها لك والنصف الآخر بقى عند الناكح الأول. ومن رأت زوجا وولدت منه ، فانك ان ابتليت بها لم تصب من حبّها ذرة ، فانه انقسم نصفين :نصف للناكح والباقي لأولاده ، فما بقى لك شيء الاّ الأوامر الصادرة منها ، والطعن عليك ومدح من قبلك ، وهذه الاخيرة تسمى اللفوت ـ يعني تلتفت الى فراخها ـ وليس لك منها ومن ولدها نصيب. فايّاك واحذر.
١ ـ حدثنا ابو الحسن محمد بن عمر البصري ، قال : حدثنا ابو الحسن علي بن الحسن بن البندار التميمي الطبري باسفرانين في الجامع قال : حدثنا ابو نصر محمد بن يوسف الطوسي بطبران ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن حشرم المروزي ، قال : حدثنا الفضل بن موسى السناني المروزي ، قال : قال ابو حنيفه النعمان بن ثابت : افيدك حديثاً طريفاُ لم تسمع اطرف منه ، قال : فقلت نعم ، قال ابو حنيفة : اخبرني حماد بن أبي سليمان ، عن ابراهيم النخعي ، عن عبد الله بن نجيبه ، عن زيد بن ثابت ، قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا زيد تزوجت ، قال : قلت لا قال صلىاللهعليهوآلهوسلم تزوج تستعف مع عفتك ، ولا تتزوجن خمسا ، قال زيد : من هن يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ ...
فقال رسول الله صلوات الله عليه وعلى اهل بيته الطاهرين : لا تتزوجن ، شهبرة ، ولا لهبرة ، ولا نهبرة ، ولا هيدرة ، ولا نقوتا ... فقال زيد : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما عرفت مما قلت شيئا ، واني بأمرهنّ لجاهل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألستم عربا ؟ أما الشهبرة فالزرقاء البذية ... وأما اللهبرة فالطويلة المهزولة ... وأما النهبرة فالقصيرة الذميمة ... وأما الهيدرة فالعجوز المدبرة ... وأما اللفوت فذات الولد من غيرك (7)
الفرار من الولد
الولد عزيز جداً بحيث نرى تعضهم يفديه روحه ، ولكن لكل شيء حّد ، ولكل مسير ايقاف ، أما بالنسبة للدنيا فحدّ حب الولد الدين ، فاذا خير المؤمن بين ترك الدين او الولد ، فلا شك أنه يترك الولد ، و يحافظ على دينه. وأما بالنسبة للآخرة التي هي دار جزاء وبقاء فكل ينادي وانفساه ، فلا والد يجزي عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، والأمر يومئذ لله تعالى ، فهناك ترى الغرار مما لا يطاق من سنن المرسلين. ربنا ارحمنا برحمتك ، وأرنا شفعائنا في بحبوحة جنتك ، وأهدنا وذرياتنا بهدايتك ، يا ارحم الراحمين.١ ـ حدثنا ابو الحسن محمد بن عمرو بن على بن عبد الله البصري بايلاق ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، قال : حدثنا موسى بن جعفر عليهالسلام ، قال :
حدثنا جعفر بن محمد عليهالسلام ، قال : حدثنا محمد بن علي عليهالسلام قال : حد ثنا علي بن الحسين عليهالسلام ، قال : حدثنا الحسين بن علي عليهمالسلام ، قال : كان علي ابن ابي طالب عليهالسلام بالكوفة في الجامع ، اذ قام اليه رجل من اهل الشام ، فسأله عن مسأئل ، فكان فيما سئله أن قال أن قال اخبرني عن قول الله عزّ وجلّ ( يوم يفر المرء من اخيه وأمه وابيه وصاحبته وبنيه ) من هم ؟
فقال عليهالسلام : قابيل يفر من هابيل ، والذي يفر من أمه موسى ، والذي يفر من ابيه ابراهيم على نبينا وآله وعليهالسلام، والذي يفر من صاحبته لوط عليهالسلام ، و الذي يفر من ابنه نوح ، يفرمن ابنه كنعان.
قال الصدوق رحمهالله تعالى انما يفر موسى من أمّه خشية أن يكون قصّر فيما وجب عليه من حقّها. وابراهيم عليهالسلام انما يفر من الأب المربي المشرك لا من الأب الوالد وهو تاريخ ... (8)
اقول : ان الفرار يشمل الجميع حسب ما يتصور لان القرآن الكريم وان كان له شأن نزول ، او خصوصية مورد ، الاّ أنه يعمّ الموارد ويشمل الجميع. نعم يمكن أن يكون أول من يفرهم هؤلاء الذين عدّهم أمير المؤمنين علي عليه افضل الصلاة السلام. ودليلنا : ان لفظ ( المرء ) اسم جنس ، و ( ال ) يفيد العموم.
المصادر :
1- معدن الجواهر ، باب ما جاء في واحد ، ص ٢١.
2- معدن الجواهر ، باب ذكر ما جاء في ثمانية ، ص ٦٤.
3- الخ تسلية الفوآد في احوال البرزخ ، ص ٨٩.
4- الكافي ، ج ٢ ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ١٩.
5- الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٦ ، الحديث ٣ ...
6- مواعظ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ص ٣٢.
7- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٧ ، الحديث ٩٨.
8- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٩ ، الحديث ١٠٢.
source : راسخون