تمهيد
هي دارٌ أعدَّها الله لمن كفر به، ولمن آمن به ولكن عصاه، وهم الذين ألبسوا إيمانهم بظلم، وفيها ألوان من العذاب لا يطيقها هذا الإنسان الضعيف، وهو عذاب وصفه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "ليس جرحاً بالمدى ولكن ما يستصغر معه ذلك أعاذنا الله منها برحمته"1.
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
وردت في القرآن الكريم أوصاف عديدة للعذاب الذي وعد به الله تعالى من خالفه وعصاه، ومن هذه الأوصاف:
1- جهنَّم
"وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ"(الحجر:43-44).
2- سقر
"سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ"(المدثر:26-29).
3- السَّعير
"فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ"(الشورى:7).
وهذه الكلمة مشتقة من المصدر (سعر) ويعني إذكاء النَّار وتأجيجها، وجاء أيضاً بـمعنى شدَّة الاضطرام، ولهذا (فالسعير) يعني النَّار شديدة الإشتعال واللهب والإحراق.
4- الجحيم
"فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى"(النازعات:37-39).
5- الحطمة
"كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ"(الهمزة:4-7).
وكلمة (الحطمة) صيغة مبالغة من كلمة (حطم)، بمعنى الكسر والتهشيم وفسَّرها البعض بمعنى تكسير الأشياء اليابسة.
6- لظى
"كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى"(المعارج:15-17).
وكلمة (لظى) تعني في الأصل النَّار أو شعلة النَّار الخالصة.
7- الهاوية
"وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ"(القارعة:8 ـ11).
والهاوية مأخوذة فـي الأصل من مادة (هوي) بمعنى السقوط لأنَّ الكفار والمجرمين يسقطون فيها. وكما تحتضن الأم ابنها تحتضن جهنَّم من يرد فيها.
أبواب جهنَّم ودركاتها
ذكرت بعض الآيات أنَّ لجهنَّم أبواباً كما للجنَّة أبواباً، ولكن هناك آية وحيدة ذكرت عدد أبواب جهنَّم دون ذكر لعددها في الجنَّة، وهي قوله تعالى "وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ"(الحجر:43-44).
فما المراد من الأبواب؟ هل هي طرق دخول الناس إلى جـهنَّم؟ أم أنَّ المقصود هو طبقاتها ودركاتها التي ذكرتها الكثير من الروايات؟
لدى المفسرين في هذا قولان
القول الأول: إنَّها سبع طبقات: بعضها فوق بعض، وتسمى تلك الطبقات بالدركات، ويدل على كونها كذلك قوله تعالى: "إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"(النساء:145). يـطـلـق في اللغة العربية على الخطوات الصاعدة نحو الأعلى اسم (الدرجة) وعلى النازلة إلى الأسفل اسم (الدركة).
وهناك روايات عديدة وردت عن أهل البيت عليهم السلام تشهد على هذا التفسير. منها ما رواه في المجمع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "أنَّ جهنَّم لها سبعة أبوابٍ أطباق بعضها فوق بعض، ووضع إحدى يديه على الأخرى، فقال عليه السلام: هكذا وإنَّ الله وضع الجنان على العرض، ووضع النّيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنَّم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية، قال وفي رواية أسفلها الهاوية وأعلاها جهنَّم"2.
والقول الثاني: إنَّ قرار جهنَّم مقسوم سبعة أقسام: ولكلِّ قسمٍ باب أولها: جهنَّم. ثم لظى. ثم الحطمة. ثم السَّعير. ثم سقر. ثم الجحيم. ثم الهاوية. وقوله تعالى: "لِكُلّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ"(الحجر:44) معناه: أنَّه تعالى يجزيء أتباع إبليس أجزاء، بمعنى أنَّه يجعلهم أقساماً وفرقاً، ويدخل في كلِّ قسم من أقسام جهنَّم طائفة من هؤلاء الطوائف.
والخلاصة أنَّ أعمال الإنسان مختلفة، وأصناف المجرمين والكفار متباينة، لهذا فإنَّ عقوباتهم في العالم الآخر غير متساوية، وتختلف فيما بينها اختلافاً شاسعاً.
أنواع العذاب في جهنَّم
كـمـا أنَّ الـثـواب الإلهي والنعم الموجودة في الجنَّة تقسم يوم القيامة إلى قسمين، (روحية) و(مـاديـة)، فكذلك عذاب جهنَّم أيضا، يقسم هو الآخر إلى نوعين: روحي، ومادي.
رحلة الآخرة, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافية
----------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج 2 ص 95.
2- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة ج 8 ص 246.