إعلم أن اليوم السعيد لولادة العصمة الكبرى سلام الله عليها هو العشرين من جمادى الآخرة ، وقد ألف المرحوم الصدوق كتابا في مولد فاطمة وذهب فيه إلى تعيين هذا اليوم ، وكذلك ذهب آخرون في الكتب المؤلفة في مواليد أهل البيت ( عليهم السلام ) ، حتى صار هذا القول ثابتا تحقيقا ، بل متواترا ، وعليه عمل علماء الإمامية وهم يعظمون هذا اليوم ويجلونه .
ولا أدري هل من الإنصاف أن يمر يوم عظيم كهذا اليوم ونحن غافلون عنه وجاهلون به تماما ، ولا نحسبه عيدا كريما ويوما مشهورا نراعي آدابه ونبتهج به ؟ ! لماذا كل هذه الغفلة ؟ إن هذه الغفلة ناتجة عن إغفال بعض الخواص وإهمالهم بالرغم من معرفتهم فضل هذا اليوم السعيد وشرفه ، فإنهم لا يرغبون الناس فيه ولا يحرضونهم على إحيائه .
ولا شك أن فرح الشيعة وسرورهم في هذا اليوم وإحياءهم لذكرى ولادة سيدة النساء يدخل السرور على خاتم الأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) ويرضي رب العالمين ويوجب دخول الجنة . أما يوم ولادة الرسول الأكرم ووصيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما - فهي ولله الحمد - من الأيام المشهورة في بلاد إيران العلية ، وهي من الأيام العظيمة عند الشيعة ، حيث تحيي الذكرى بإجلال واحترام ، غير أنهم لا يعرفون في الغالب اليوم السعيد والولادة المباركة والعيد العظيم لولادة الزهراء ( عليها السلام ) ، ولا يعملون بما يلزم فيه ولا يقدرونه حق قدره .
وعليهم أن يغتنموا هذه الموهبة الكبرى والنعمة العظمى ويقبلوا على هذه الطاعة المقبولة ، فيجعلوا الفرح والسرور في ذلك اليوم شعارا لهم ، ففي ذلك طول العمر وسعة الرزق وقوة الإيمان ورواج الإسلام وتعظيم الشعائر وتعليم الخير والدلالة على الثواب وإحياء النفوس وابتهاج الخواطر وتقرب إلى قلوب آل العصمة وأداء لحقوقهم ، وإرغام لأنوف أعداء الدين وإجلال مقام السادات والفاطميين ، بل العلماء الأعلام والأعاظم من المجتهدين .
وأفضل الأعمال في هذا اليوم إقامة المجالس ودعوة الناس عامة ، لا سيما بني فاطمة ، وتبادل التهاني والتبريكات ، وبيان مناقب فاطمة الطاهرة ومآثرها بكل اللغات نظما ونثرا ، لتعمر قلوب المستمعين وتتنور بما تسمع ، وتزداد معارفهم ، ويزداد خلوصهم وتشتد محبتهم ، وفتنشر هذه الظاهرة ، وتعظم هذه الشعيرة .
والأفضل منه إعانة الفقراء من السادة والفاطميات ورعايتهم ، خصوصا الشيوخ والنساء والأطفال منهم ، فدعوة هؤلاء الأطهار الأبرار من أبناء آدم أبو البشر سريعة الإجابة ، وبذا ندخل السرور على الروح الفاتحة لفاطمة الزهراء من خلال محبة ذريتها الطيبة .
وقد بذلت ما في وسعي لتفريغ ذمتي وإنجاز ما في عهدتي فيما يخص هذا العيد السعيد ، فحاولت - حد المقدور - أن أجانب القصور والتقصير وأسعى في إشاعة هذا الشعار ونشر هذا العمل بإصرار ، وأتمنى لو يؤدي المخلصون لأهل البيت ما في ذمتهم لله ولرسوله في أيام الحزن والسرور وأداء حقها كما ينبغي ، لكي لا يتخلفوا عن إخوانهم المؤمنين غدا يوم القيامة ، ويسلكوا في عداد الفاطميين والمحبين ، فلا يحرمون من شفاعة شفيعة يوم الجزاء .
وسأضرب في هذا المقام لأحبتي ذوي البصائر مثالا يكون لهم ميزانا لحزنهم وسرورهم وفرحهم وترحهم : فرح من دون ترح إذا كان عند المرء جوهرة ثمينة للغاية يحتفظ بها منذ سنين ويحملها معه حيثما يذهب ، لا يفارقها في ليل ولا نهار ويحبها حبا جما ولا يقبل الدنيا لها عوضا أو بدلا ، وفي ذات يوم غفل عنها فضاعت أو نسي مكانها الذي وضعها فيه ، فهل يمكن أن نتصور له قرارا ؟ وهل يمكن تصور الحالة التي سيعيشها ومدى الأذى والاضطراب والقلق والانزعاج الذي سينتابه ومقدار الجهد الذي سيبذله في البحث والفحص عنها ، وكم سيبذل من الأموال ويعطي من الوعود في سبيل الوصول إليها ، وسيتهدد ويتوعد ويغري ويرغب ويعطي كل شئ عله يسترجعها أو يسمع أي خبر عنها ، وبعد اللتيا والتي يبشر أنها وجدت ، فيأخذها بين يديه والشوق يغمره والفرح يملأ كيانه ولا يمكن وصف حاله وهو في تلك الحالة لفرط اغتباطه وسروره .
وهكذا ينبغي أن يكون حال الشيعة الإمامية في ذكرى ولادتها ووفاتها فرحا وحزنا .
وفي الحديث : إن الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته فوجدها في ليلة الظلماء .
والمثال الذي ذكرته فيه غمط لحق المخدرة الكبرى وتقصير واضح تجاهها ولكني أعلم أن شيئا من سرور أو شيئا من حزن يدخل السرور عليهم ، وأنهم يعرفون ذلك لمن حزن أو فرح من أجلهم .
مثال آخر : لو أن أحدا زرع بيده بذرة أترج أو ليمون أو نارنج وسقاها ورعاها وحماها من الحر والبرد وقام عليها ليل نهار حتى أثمرت وأينعت ثمارها ، ولو ثمرة واحدة ، كم سيسعد بها ويفرح .
ولو انعكس الأمر فسقطت الثمرة أو اقتطفها متطفل ، فكم سيحزن ويغتم ؟ فلو أن الناس فرحوا لفرح فاطمة ( عليها السلام ) وحزنوا لحزنها بهذا المقدار لكفى .
وكم شاهدنا رجالا بشروهم بمولود ففرحوا وابتهجوا حتى انجروا إلى الملاهي تعبيرا عن فرحهم ( ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ) وليس ذلك إلا لفرح الأب بالإبن توخيا للفوائد التي ستعود عليه من تلك الولادة ، وفوائد ولادة فاطمة في الدنيا والآخرة أكثر من فائدة الولد آلاف المرات ; منها أن فرحك وسعادتك في هذا اليوم يعد خدمة لفاطمة ( عليها السلام ) ونصرا لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإذا كان يوم الحشر كان لواء النصر بيد فاطمة ( عليها السلام ) ، وهي « المنصورة » في قوله تعالى ( يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) يعني أن نصرك لها يكون يوم القيامة نجاة لك من نار جهنم .
ولكن شرط الفرح الإيمان بفاطمة في الآية ( فيومئذ يفرح المؤمنون ) والإيمان هو الولاية والمحبة فكلما كان أثر المحبة أكثر ، كان فرحك - وهو فرع الإيمان - أكثر ، وكلما كان هذا الأصل والفرع فيك أقوى ، كان محبتها ونصرتها لك يوم القيامة أقوى ; فالجزاء يقابل العمل والسنة الحسنة .
وقد جمعت - وأنا الكلب الباسط ذراعيه على أعتاب فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) قصيدة عربية كتبتها قبل سنوات في ولادة المخدرة الكبرى ( عليها السلام ) ، وهي مجموعة موجزة من أخبار ولادة أم الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) وأخص خصائصها ، فأنشأتها إكراما لهذا اليوم وتعظيما له ، لعلي أشارك فيه بتقديم التهاني وإقامة الشعائر ، فأنال من الموائد التي تعطى للمستطعمين فيه .
والمعروف بقدر المعرفة :
أشرقت شمس أحمد بضياها فأضاءت بنورها ما سواها
طلع الصبح بعد ما طلعت شمس آل الرسول من بطحاها
شمس أم القرى وأم أبيها بأبي امها وأمي أباها
يا لشمس إذا تجلت بأرض بدل الله بالنجوم حصاها
يا لشمس إذا أفاضت قبور قامت أمواتها على أحياها
يا لشمس إذا تجلت لأعمت عين كل الورى بأن لا تراها
يا لشمس تمنيت كل يوم شمس أفلاكها للثم ثراها
يا لشمس لأسفرت من حجاب واختفت في حجابها عن حياها
قد تجلى الإله فيها بنور مثل ضوء النهار بل أجلياها
أحمد الله أن شهر الجمادي قد مضى ما مضى وها آخراها
ولدت فاطم بمكة طهرا يا لنفس زكية زكاها
ماست أرض الحجاز من شرف كعروس تزف في مثواها
فأنارت بيوت مكة بل فوق سبع الطباق نارت سناها
إن فيها مسرة تبدت في سماء الوجود حتى هباها
كيف اهتز الأخشبان سرورا وثبير لأجلها وحراها
ضحك المشعران والركن والحطيم لميلادها وما قد تلاها
وتلألأ لأجمالها فوق عرش وتعالى جلالها في ذراها
يا لبشرى بمثل ما ولدت يا لذات تقدست أسماها
يا لبشرى لأمها من وليد عوضا للذكور من انثاها
هي والله قد تقبلها ربها بالقبول ثم اصطفاها
آنست امها لوحدتها حدثتها ببطنها من فاها
حدثتها ببطنها كلمات ما ينالنها على تقواها
طاب من طيبها المشاعر جمعا وإلى الآن طاب فيه شذاها
جمع الله امهات بتول عند ميلادها إلى حواها
وأتحفن من الطرايف ما لا ترى ولا تحصاها
فتبادرن مشفقات عليها مع سطل وكوثر في إناها
ثم حفت بحولها باسمات مثل حف النجوم من جوزاها
وحدت ربها بحسن ثناء عجز الناس عن أداء ثناها
شهدت بالنبوة لأبيها وعلى بعلها إمام هداها
فتسمت بكل واحدة من بنيها ومنهم سبطاها
شجر أثمرت بواحدة واكتفت من ثمارها إحداها
ثمر واحد وفيه ثمار إنما الصيد كلها في فرآها
أم آل الرسول عصبتهم هي لولاها لم يكن آل طه
بضعة المصطفى عقيلة وحي كأبيها الهها أوحاها
أنزل الله في زمان قليل مصحفا كاملا بروح حواها
زقت من أول الرضاع علوما من أبيها وزقها من شفاها
ولقد قلت أنها علمت آخر الكائنات من مبداها
كيف قالت لبعلها فاسئلن كل ما قد يرى وما لا يراها
كل من يجتني ثمار علوم أنا ها امها وها مجتناها
أدب الله أربعين سنينا أحمد المصطفى بكلتا يداها
ولقد كان قد يؤدبها بصفات حميد قد حواها
فوعى قلبها بعلم جديد كل يوم بخير ما أوعياها
بأبي من تكون خالصة عن ميولات نفسها وهواها
بأبي من بكل مشتهيات أقلعت كالجبال عن مرساها
بأبي ثم اسرتي ثم أهلي ثم مالي وما سواها فداها
بأبي فاطما شفيعة حشر بأبي من بحكمها شفعاها
بأبي فاطما وقد فطمت باسمها نار حشرها ولظاها
بأبي كفوها علي تعالى هو لو لم يكن ومن أكفاها
هي عين الحياة في ظلمات وحياة القلوب من جدواها
هي والله آية لرسول الله بل رحمة له أهداها
هي والله كوثر قد أعدت لبنيها وكل من والاها
هي عند الإله أعظم خلقا وبها دار في القرون رحاها
هي مشكاة عصمة علقت من سماء الوجود مثل زكاها
هي بعد النبي أقرب من ينتميه على ذوي قرباها
هي عين الإله كيف لها أعين في غطائها يغشاها
هل يكن في الوجود منها شبيه قل أبوها وبعلها ولداها
إنها خيرة النساء جميعا ولها الفضل من جميع نساها
ما أرادت من الدنية شيئا فأبى الله عاجلا في عطاها
أثبتت نفسها بزهد وقالت في الصباح ليحمدن سراها
إنما الحور أشرفت من قصور بعيون حوراء حتى تراها
وحسان الجنان مشرفة حين تضحك بهن من حسناها
أهل بيت النبي سفينة نوح من أتى أهل بيته لنجاها
هي بنت النبي وبضعتها وعلى بيته يكن ساكناها
فأتى قومها إليها بظلم يا لها من ظلامة قد أتاها
ما رعوا حرمة النبي ورهطه ونسوا ما لهم من الله جاها
منعوا من حقوقها من عناد من عوالي وحائط وزواها
يا لقوم طغوا لسيدهم مثل قوم الثمود في طغواها
عقروا ناقة فيا لله من خطب ما جنى أشقاها
فرقى التيم منبرا لم يكن جبرئيل الأمين أن يرقاها
وعدي قد اعتدى بعلي وأنار العدى بها واصطلاها
كسروا ضلعها برفس فيا لله من كسرة على أعضاها
ثم قامت ونادت صارخة بعويل ورنة وبكاها
هكذا يفعلن قومك بي ابتا قد لقيت ما أشجاها
وشكت ربها بسقط جنين قد يطولن في غد شكواها
دملجوها بسوطهم عضدا كان أعضاد دونها من قواها
وعلي أتى إليها مغيثا حين نادت لأجل ما قد جناها
شزرا مغضبا كليث يهرول ويخاف الإله ما قد دهاها
هرب القوم منه لولا العهد ضاق الفضا على أشلاها
وتلبب بابن حنتمة وتذكر لما به ووقاها
أين من ذي الفقار مرهف حد سل عن غمده وعنهم براها
كف عن غرمه بعزمة صدق وعلى ما قضى به امضاها
كفه عهده ولولاه مثل طي السجل يطوي طواها
ليت كان النبي ينظر ما بعده من وليمة أهناها
يا لها من وليمة نزلت يوم ميلادها كما في سماها
ما رأت أعين الزمان وإن رئيت مثلها تكن في ذراها
أرغد الله عيشها بنشاط بارك الله صبحها ومساها
هذه من مواهب وهب الله في الورى إياها
شهد الله أنها بلغت بين أترابها بأقصى مناها
كثر الله أجرها يوم أجر عند مولاتها وكانت جزاها
فدعت نسوة المدينة جمعا وأعدت لهن من نعماها
فأضافت حرائرا كضباء يبعثن بها على مرعاها
فأعدت لهن متكئا في قصور ترفعت أعلاها
بذلت دون فضة ذهبا فأجادت بفقرهن غناها
ذهب أنفقت بعترتها كشفت عن قلوبهن صداها
يا بنات البتول قلن لها يا لواها بعيش ما في لواها
ولها حرمة لأصل وفرع أصلها مالها وفر فتاها
يا لها من فتى وأصل زكي الذي باسمه الوجود نداها
نفسها روحها حقيقتها عينها سمعها وأقوى قواها
هي ذلت لابنها مثل أرض هو ظل لأمها كسماها
ولدت واحدا وضنت عليه أن تلد ما يلدن من شركاها
ابن سلطاننا وسلطان جيش وهو كالليث جاثيا في شراها
ومدير الحروب عند نزال ومبير الكروب يوم وغاها
ولد كان مثل والده غير سلطانه فقل ما عداها
فأجزه وأجزها لحبهما يا إلهي لكل من والاها
يا لزهراء لقد أخاف ليوم تختشي لي ولم أكن أخشاها
يا لزهراء إذا فطمت بأسا من لهيب اللظى ومن في حداها
أنا ممن فطمتهم من عذاب ومن الفرقة التي ترضاها
أو من الفرقة الذين تراهم مع غيظ وما تريد تراها
فتقولي خذي وهذا معادي خانني في مقالتي بخباها
يا لزهراء فهل لمثلك أن تعرضن بعترة أخطاها
إنما الويل لي ليوم شديد كشفت عن حقيقتي وشقاها
إن تعرضت عن عبيدك من يحتميني وإنني في حماها