ماهي التقوى؟، إنها الإيمان بالله في أطهر حالاته وأسمى معانيه.
وبذل المال لمن أعوزه المال... ولكن كيف..؟ إنها بذل المال على حبه.. حب الله تعالى، فلا امتنان على المعطى ولا إفضال، ومتى؟ إنها بذله في السراء والضراء.
وهي الصبر في جميع المواطن وفي جميع الأحوال. وهي كظم الغيظ، وهي العفو عن الناس، وهي العدل فيهم والإحسان إليهم إلى غير ذلك من حميد الأخلاق وجميل الخصال.
هذه هي التقوى. فإذا حققت التقوى في نفسك: وعيت وجود الله وأمره ونهيه في كل ما تلمُّ به من فعل أو قول، وتحريت الفضيلة أنى كانت فأخذت بها وأخضعت نفسك لها، وجعلت من نفسك وجميع إمكاناتك خلية إنسانية حية، تعمل بحرارة وإخلاص على رفع مستوى الكيان الاجتماعي الذي تضطرب فيه، وصدرت في ذلك كله عن إرادة الله المتجلية فيما شرع من أحكام، تكون قد حققت في نفسك المثل الأعلى الذي نصبه الإسلام.
فالمال لا يكسب قيمة إلاّ إذا بذل حيث أجاز الله أن يبذل، وإلا إذا اتخذ وسيلة إلى رضوان الله. أما أولئك الذين لا يبذلون أموالهم فلا جدوى منهم للجماعة، ولذلك فلا مزية لهم على غيرهم من الناس الذين لا مال لهم.
والسلالة لا قيمة لها حين لا يكون صاحبها متقياً لله.
والقوة لا قيمة لها حين لا يستخدمها صاحبها في مرضاة الله.
والسلطان لا يكسب صاحبة قيمة إلا إذا كان ذا تقوى.
هناك أغنياء وفقراء، وحاكمون ومحكومون، وأقوياء وضعفاء، وأناس تحدروا من سلالات لها ماض عريق وآخرون ليس لهم ماض مذكور، ولكن كل هذا لا يرفع من صاحبه ولا يضع إلا إذا اقترن بالتقوى أو عري عنها. وتعاليم الإسلام صريحة في ذلك لا لبس فيها ولا غموض، فهي تنص على أن القطب الذي يدور عليه التفاضل ليس شيئاً غير التقوى.
قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، (سورة الحجرات: 13).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى).
وقال الإمام (عليه السلام): (لا تضعوا من رفعته التقوى، ولا ترفعوا من رفعته الدنيا) ، (نهج البلاغة - رقم الخطبة: 189).
وإذن، فالقيم الاجتماعية تتفرع عن هذا الأصل، وتنبثق من هذا الينبوع.