يوافق 15 رجب الأصب ذكرى وفاة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (ع) التي شاطرت أخاه الحسين (ع) في واقعة الطف ورسالته، بهذه المناسبة الأليمة نلقي الضوء على بعض أدوارها في الدافع عن الولاية:
أ. مع أمير المؤمنين عليه السّلام:
نافحت عقيلة الهاشميين عليها السّلام عن حريم الولاية، ووقفت إلى صفّ إمام زمانها عليه السّلام تدافع عنه وتجاهد في الذبّ عنه، فقد رُويَ أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا توجّه لقتال الناكثين الذين نكثوا بيعته وألّبُوا عليه في البصرة، وقال في حقّهم كلاماً جاء فيه «... واللهِ، إنّ طلحة والزبير لَيعلَمان أنّهما مُخطئان وما يَجهلان، ولربّما عالم قَتَلَه جَهْلُه وعِلْمُه معه لا ينفعه! واللهِ لَينبحنّها كلابُ الحَوْأب، فهل يَعتبر مُعتبر، أو يَتفكّر متفكّر ؟! ثمّ قال: قد قامت الفئةُ الباغية، فأين المُحسنون ؟(1)
ونُقل أنّ عائشة أرسلت إلى حفصة كتاباً تقول فيه: ما الخبر ما الخبر ؟! إنّ عليّاً كالأشقر، إن تَقَدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر. فجمعت حفصةُ نساءَ قومها وصِرن يَضرِبنَ بالدُّفوف ويَردِّدنَ ذلك الكلام، فأُخبِرت زينب عليها السّلام بذلك، فعمدت إلى الخروج إليهنّ وخرجت تَحفُّ بها الإماء ومعها أمّ سَلَمة زوجةُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وأمّ أيمن، حتّى دخلت على النسوة، فلمّا رأتها حفصةُ استحيت وفَرّقت النساء، فقالت لها زينب عليها السّلام: إن تَظاهرتُما على أبي فلقد تَظاهرتُما على رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن قبلُ(2).
ب. مع الحسين الشهيد عليه السّلام:
أمّا دفاعها عن أخيها وإمامها الحسين الشهيد عليه السّلام، فقد رافقته إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد التي يَشيبُ لها الوِلدان، وقدّمت ابنَيها ( عوناً ومحمّداً ) شهيدَين في طفّ كربلاء، ولم يُنقَل عنها عليها السّلام أنّها نَدبت ابنَيها بكلمةٍ ولا ذَرَفت لفقدهما دمعة، فقد كان همّها الشاغل مواساة أخيها الحسين عليه السّلام بكلّ وجودها.
روي أنها عليه السّلام دخلت على أبي عبدالله الحسين عليه السّلام في خِبائه ليلةَ عاشوراء، فوجدته يَصقِلُ سَيفاً له ويقول:
يا دهرُ أُفٍّ لك من خليلِ... الأبيات، فذُعِرت وعَرَفت أنّ أخاها قد يئس من الحياة، وأنّه مقتول لا محالة، فصرخت نادبةً أخاها وقالت: وا ثُكلاه! ليتَ الموتَ أعدَمني الحياة! اليومَ ماتت فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسن أخي، يا خليفةَ الماضي وثُمالَ الباقي(3).
وروي أنّ عليّ الأكبر ابن الإمام الحسين عليه السّلام لما بَرَز إلى القوم وقاتل حتّى استُشهد، جاء إليه الحسين عليه السّلام وهو يقول: قَتَل اللهُ قوماً قتلوك، ما أجرأهُم على الرحمان وعلى رسوله وعلى انتهاكِ حُرمةِ الرسول، على الدنيا بَعدَك العَفا.
قال الراوي: فكأنّي أنظر إلى أمرأةٍ مسرعةٍ تنادي بالويل والثبور وتقول: يا حبيباه! يا ثمرةَ فؤاداه! يا نورَ عيناه!
فسألتُ عنها فقيل: هي زينب بنت عليّ عليه السّلام. فجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين عليه السّلام فأخذ بيدها ورَدَّها إلى الفِسطاط(4).
وروى أصحابُ المقاتل أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا هَوى من ظهر جوادِه وقد أثخنته الجراح، دون أن يُضعِف ذلك من عزمه أو يَفُتّ في عَضُده، حتّى قال عنه أحدُ الذين قاتَلوه: فواللهِ ما رأيتُ مكسوراً ( مكثوراً ) قطُّ قد قُتِل وُلدُه وأهلُ بيته وأصحابُه، أربَطَ جأشاً، ولا أمضى جَناناً، ولا أجرأ مَقدَماً منه، واللهِ ما رأيتُ قَبلَه ولا بعدَه مِثلَه، إن كانت الرجّالةُ لَتنكشِفُ من عن يمينه انكشافَ المِعزى إذا شَدَّ فيها الذئب.
قال: فواللهِ إنّه لكذلك إذ خرجت زينبُ ابنةُ فاطمة أختُه... وهي تقول: لَيتَ السماء تَطابقتْ على الأرض! ثمّ خاطبت عمر بن سعد وقد دنا من الحسين، فقالت: يا عمر بن سعد! أيُقتَلُ أبو عبدالله وأنت تَنظر إليه ؟!
فصرف عمر بن سعد وجهَه عنها(5).
وروى المجلسي أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا طُعن في خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن، خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه واسيّداه وا أهلَ بيتاه! لَيت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل(6).
وروي أنّ جيش عمر بن سعد أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخَرجنَ حَواسِرَ حافياتٍ باكياتٍ، وقُلنَ: بحقِّ الله إلاّ ما مَررتُم بنا على مصرع الحسين.
قال الراوي: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنت عليّ عليه السّلام وهي تندبُ الحسينَ وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
وا محمّداه! صلّى عليك مَليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقَطَّعُ الأعضاء، وبَناتُك سبايا، إلى الله المُشتكى... وا محمّداه هذا حُسين بالعراء، يَسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، يا حُزناه يا كَرباه! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحابَ محمّداه، هؤلاء ذريّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوقَ السبايا!(7)
ج. مع الإمام زين العابدين عليه السّلام:
تولّت عقيلة بني هاشم عليها السّلام تمريضَ الإمام زين العابدين عليه السّلام ورعايتَه والمحافظةَ عليه في كربلاء والكوفة والشام. وكان من المواقف التي خلّدها لها التاريخ في دفاعِها عن إمام زمانها: الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد شهادة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، فقد خاطبها ابن زياد فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم! فقالت: إنّما يُفتَضَحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ، وهو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيكِ وأهل بيتكِ ؟
فقالت: ما رأيتُ إلاّ جميلاً. هؤلاءِ قومٌ كَتَب اللهُ عليهم القتلَ فبَرزوا إلى مَضاجِعهم، وسيجمعُ اللهُ بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصَم، فانظُرْ لِمَن الفَلج يومئذٍ ثَكَلَتْكَ أمُّك يا ابنَ مَرجانة!
ثم التفتَ ابنُ زياد إلى عليّ بن الحسين فقال: مَن هذا ؟
فقيل: عليّ بن الحسين.
فقال: أليس قد قَتلَ اللهُ عليَّ بن الحسين ؟!
فقال عليّ: قد كان لي أخ يُسمّى عليّ بن الحسين قَتَله الناس.
فقال ابن زياد: بل اللهُ قَتَله!
فقال عليّ عليه السّلام: اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَم تَمُت في مَنامِها.
فقال ابنُ زياد: ولكَ جرأةٌ على جوابي ؟! اذهَبوا به فاضربوا عُنُقَه!
فسَمِعَت عمّتُه زينبُ ذلك فقالت: يا ابنَ زياد، إنّك لَم تُبقِ منّا أحداً، فإن عَزَمتَ على قتلهِ فاقتُلني معه(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الإرشاد للشيخ المفيد 247:1؛ وقد أشار عليه السّلام في كلامه هذا إلى الأخبار الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سيُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وبأنّه عليه السّلام سيقاتل الفئة الباغية، وبأنّ طلحة والزبير سيقاتلان عليّاً عليه السّلام وهما ظالمان له، وأنّ عائشة ستخرج في حربه فتنبحها كلابُ الحوأب؛ والحوأب منطقة قرب البصرة.
2ـ زينب الكبرى 25.
3ـ تاريخ أبي مخنف 457:1.
4ـ بحار الأنوار 43:45 و 44.
5ـ تاريخ أبي مخنف 490:1.
6ـ بحار الأنوار للمجلسيّ 54:45.
7ـ بحار الأنوار 59:45.
8ـ بحار الأنوار 116:45 ـ 117.