إن مقام الزهراء (عليها السلام) ومنـزلتها عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) عظيمة جداً حيث وردت الآيات والروايات بإبراز فضلها ومنـزلتها، وهنا نستعرض، الشيء الوجيز من الآيات والروايات.
أمّا الآيات:
1. قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) (1).
قال الحافظ: ثبت في تفسير قوله تعالى (أنّما يريد الله...) قالت أم سلمه: لما نزلت دعا النبي فاطمة وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام)، فجلَّلّهُمْ بكساء فقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) أخرجه الترمذي وغيره) (2).
وقال الآلوسي:أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أُم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب...) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) فجللهم رسول الله بكساء عليه ثم قال: ((اللهّم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) وقال ابن تيمية: قد ثبت في الصحيح أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أدار كساء على علي وفاطمة الزهراء وحسن وحسين ثم قال ((اللهم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) (3).
فمن خلال هذا العرض نقطع أن الزهراء (عليها السلام) هي واحدة من الذين شملتهم آية التطهير.
2. قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراًًً إلاّ المودّة في القربى) (4).
روى السيوطي في تفسير هذه الآية بالإسناد إلى ابن عباس قال: لمّا نزلت هذه الآية (قل لا اسألكم...) قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وولداهما)) (5).
وذكر نفس هذا المعنى البيضاوي في تفسيره حيث أنه قال: روي أنها لمّا نزلت الآية (قل لا أسألكم ...) قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال (صلى الله عليه وآله): ((علي وفاطمة وابناهما)) (6).
3. قوله تعالى (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(7).
لم يختلف المسلمون أن هذه الآية من مختصات أهل البيت (عليهم السلام) فهي نزلت يوم مباهلة نصارى نجران وقد أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) ان يأخذ (فاطمة وعلي والحسن والحسين) فنلاحظ أنّ فاطمة (عليها السلام) هي التي مثلت نساء الأمه وما هذا إلاّ لعظم مقام الزهراء (عليها السلام).
وأما الأحاديث الواردة في فضلها وعظمتها فكثيرة منها:
1. ((فاطمة سيدّة نساء أهل الجنة)) أو ((سيدّة نساء هذه الأمة)) أو ((سيدّة نساء المؤمنين)) أو ((سيّدة نساء العالمين)).
هذا الحديث بألفاظه المختلفة مروي في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء وفي الخصائص للنسائي (8).
2. في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي (صلى الله عليه وآله)
((فاطمة بضعه مني من أغضبها أغضبني)).
هذا الحديث بهذا اللفظ ورد في صحيح البخاري، (9).
و ((فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)) (10).
3. ((إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)).
هذا الحديث مروي في المستدرك على الصحيحين، وفي الإصابة، ويرويه صاحب كنـز العمال) (11).
ومن خلال هذه الروايات الواردة نقطع بفضل وعصمة الزهراء (عليها السلام)، لأن التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها لا يعقل فيها الخطأ والاشتباه، لكن تعال لنرى مظلومية الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله).
أولاً: المطالبة بفدك: لقد كانت فدك ملك للزهراء (عليها السلام) في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أعطاها فدك فكانت فدك عطية من رسول الله( صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) وهذا الأمر موجود في كتب القوم.
فقد ذكروا أنه لمّا نزلت الآية (وآتِ ذا القربى حقه) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فأعطاها فدك، وهو مروي عن ابن عباس في كتاب الدر المنثور(12).
ويقول ابن حجر المالكي في الصواعق: (إن أبا بكر أنتزع من فاطمة فدك) (13).
فإذا كانت فدك للزهراء (عليها السلام): فبأي حق انتزعها أبو بكر؟
وبأي وجه؟ لنفرض أن أبا بكر كان جاهلاً بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أعطاها وملّكها ووهبها فدك أما كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها؟
وبعد المطالبة بحقها طلب الشهود منها (عليها السلام).
نسأل هل يصح مطالبة الزهراء (عليها السلام) بشهود؟
إنما تطلب الشهود لدفع عدم الاطمئنان بصحة قول المدعي، فإذا كان المدعي يشهد له القرآن الكريم بأنه لا يكذب فهل يصح طلب البينة، قال تعالى (أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) وكما قلنا إنما نزلت في أصحاب الكساء ومنهم فاطمة (عليها السلام).
والرجس في الآية يشمل الكذب، فهو منفي عنها بصريح الآية الكريمة.
فلا يعقل مطالبه الزهراء (عليها السلام) بالشهود.
ثم إن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: ((فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني)) ولو كان يجوز عليها الكذب لما قال النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، لأن الكذاّب يستحق الايذاء.
فإذاً لا يستطيع أحد من المسلمين أن يقول: إن الزهراء(عليها السلام) كاذبة.
ثم إن هناك قاعدة عند الفقهاء مفادها (إن اليد أمارة على الملكية) إلاّ أن يثبت العكس، فالذي يطالب بالشهود هو أبو بكر لا الزهراء عليها السلام؛ لأن كون فدك تحت يدها ست سنوات أمارة على ملكيتها لها.
علاوة على أن المدعي هو أبو بكر لا الزهراء (عليها السلام) والمنكر هي الزهراء (عليها السلام) ومقتضى القاعدة الفقهية ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) أن يأتي هو بالشهود.
ولإقامة الحجة جاءت الزهراء (عليها السلام) بالشهود، وهم الإمام علي (عليه السلام) وأم أيمن وأسماء بنت عميس وقد تقررفي الفقه الإسلامي إذا كان في الشهود مجال للتهمة فلا تقبل شهادتهم، وقالوا إن الزوج ليس من موارد التهمة، لكن رد الشهود بزعم أن علياً يجر لنفسه نفعاً، وأمّ أيمن أمرأة أعجمية لا تفصح شيئاً، وأسماء كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهي تميل إلى بني هاشم.
علي (عليه السلام) لا تقبل شهادته يالهوان الدنيا!!
قد هزلت حتى بدا من هزالها *** كلاها وحتى استامها كل مفلس
فالخليفة لم ينصت إلى الزهراء (عليها السلام) ولم يقبل قولها في أدعاءها حقها.
لكن نسأل الخليفة لمإذا صدّق جابر بن عبد الله الأنصاري في مدعاه ولم يطلب منه الشهود حينما أدعى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد وعده بإعطائه من مال البحرين؟ فهل جابر مع جلالة قدره وعلو منزلته أوثق من الزهراء (عليها السلام) أم أن أموراً أخرى دعت الخليفة إلى رد قول بنت الرسول وريحانته التي يشم منها رائحة الجنة؟
أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله الأنصاري: انه لمّا جاء أبا بكر مالُ البحرين وعنده جابر، قال جابر لأبي بكر: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لي: ((لو أتاني مال البحرين لقد حثوت لك كذا وكذا)) ، فقال أبو بكر لجابر: تقدم فخذها.
فعلى أقل التقادير يا خليفة المسلمين اجعل الزهراء (عليها السلام) من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى تقبل قولها.
يقول الكرماني في الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو أشهر شرّاح البخاري يقول: وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه فلقوله (صلى الله عليه وآله) ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار)) فهو وعيد ولا يظن بأن مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا) (14).
فإذا كان لا يظن بجابر أن يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهلاّ ظننتم هذا الظن في حق السيدة الزهراء (عليها السلام)؟
يقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: (وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو جرّ ذلك نفعاً لنفسه)(15).
فالحديث يدل على قبول خبره؛ لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء (عليها السلام) حينما أخبرت بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنحلها فدك؟
ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: قلت: (إنما لم يلتمس شاهداً منه ـ أي من جابر ـ (لانه عدل بالكتاب والسنة) أمّا الكتاب فقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) فمثل جابر إن لم يكن من خير أمة فمن يكن؟
وأمّا السنة فلقوله (صلى الله عليه وآله): ((من كذب عليّ متعمداً....)) إلى أن يقول: (ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحأبي أن يكذب على رسول الله متعمداً) (16).
أقول: ما الفرق بين قضية جابر وقضية الزهراء (عليها السلام)؟
بل إن قضية الزهراء (عليها السلام) أولى بالتصديق من قضية جابر؛ لأنّ المال الذي إدعاه جابر لم يكن في حيازته وملكه بل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) قد جيء به.
وأمّا الزهراء (عليها السلام) فكانت أرض فدك تحت تصرفها قرابة ست سنوات، وقد جاءت بشهود.
فمن باب الأولوية القطعية أن تصدّق الزهراء (عليها السلام) في قولها.
ثانياً: المطالبة بميراثها من النبي (صلى الله عليه وآله)
جاءت في اليوم الثاني إلى الخليفة وقالت ((أنا فاطمة بنت محمد أطلب ميراث أبي وحقي)).
قال سمعت أباك يقول (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) في الوقت الذي يقول القرآن الكريم فيه (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) و(ورث سليمان داود) قالت: هذه آيات عامة تشمل كل إنسان، فهل يوجد عندك مخصص غير روايتك؟
قال لا: فالخليفة انفرد في هذه الرواية ولم يكن معه أحد.
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر:( إن رسول الله قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) إنما يأكل آل محمد في هذا المال وأني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته، فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي (عليه السلام) ليلاً ولم يؤذن بها أبو بكر، وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة)(17).
وفي الحقيقة ليست القضية قضية فدك ولا ذي القربى ولا الميراث بل المسألة أبعد من ذلك فإنّ الخليفة في اعتقاده انه لو صدق الزهراء في قولها في اليوم الاول والثاني تأتي في اليوم الثالث وتقول له: هذا المنصب ـ الخلافة ـ إن كان ميراثاً فنحن نرثه وإن كن بحسب الأولويه فالإمام علي (عليه السلام) أولى ويتحلى بكل صفات الخلافة.
فلذلك أغلق أبو بكر الباب من أصله وأساسه، وأنكر حقوق السيدة الزهراء (عليها السلام).
ثالثاً: أحراق بيتها عليها (عليها السلام).
ففي تاريخ الطبري يقول: أتى عمر بن الخطاب منـزل علي، وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرّقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه) (18).
وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه يقول: امّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقته فاطمة فقالت: ((يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟))
قال: نعم، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة (19).
رابعاً: إسقاط جنينها (عليها السلام).
ثم انهم دخلوا على بيت الزهراء (عليها السلام) وأسقطوا جنينها، بركلة ركلها عمر للباب.
قال في مقّدمة كفاية الطالب للكنجي: كانوا يعتبرون الإمام علي (عليه السلام) المساهم الأول في هدم دعائم الوثنية لذلك وجدوا الفرصة سانحة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فبذلوا إمكانياتهم لإبعاده عن سدة الخلافة. فكانت السقيفة وكانت فدك وكان حرق دار فاطمة الزهراء وكان أسقاط جنينها المحسن) (20).
خامساً: وصيتها بألاّ يشهد أحد منهم على جنازتها بعد وفاتها.
فلم يؤذن لأبي بكر ولا عمر أن يشهدا تشييع الجنازة ولا الصلاة عليها وما هذا إلاّ دليل على أن الزهراء (عليها السلام) ماتت وهي غاضبة على الخليفتين، ومن يغضب فاطمة يغضب رسول الله، ومن يغضب رسول الله فقد استحق العذاب العظيم.
قال تعالى (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب عظيم) (21).
ـــــــــــــــ
(5)ـ الدر المنثور/ السيوطي/ 6/7.
(9)ـ صحيح البخاري/ كتاب بدء الخلق/ باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة (عليها السلام).
(11)ـ المستدرك على الصحيحين 3/153+ كنـز العمال 13/67.
(12)ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4/177.
(14)ـ الكواكب الدراري في شرح البخاري 10/125.
(15)ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري 4/357.
(16)ـ عمدة القاري في شرح البخاري 12/121.
(17)ـ صحيح البخاري باب غزوة خبير .