في مناهج المقاربة بين ذوي الأفكار المختلفة فيه من الدعم المعنوي لدى أولئك المختلفين في الأفكار والآراء لو كانت أي مقاربة يقرها منهج فكري تنطلق من مواقع الخير للإنسان.
فبدون التوجه الخير فإن سيادة الإنسان على ذاته لا يمكن أن تسمى سيادة وسيادة الإنسان على نفسه كما هو معلوم معناها ثباته على مبادئ إنسانية تجتاح ضميره بحيث تجعله صلباً ولا يتنازل عنها مهما كانت الظروف التي قد تفرض بأساليب التهديد ومن منطلق التفهم الأفضل للنموذج المقابل ممكن تنطيق حقيقته وإلا فما معنى أن تثار قضية اجتماعية أساسها فكري وهي لا ترغب إلا أن تكون ضمن أزمة مفتعلة مع الغير بحجة أن الغير غير مؤهل فكرياً.
ولعل الحقيقة المثلى التي ينبغي أن تتجلى في كل طرح أن تكون هناك حالة من الاستعداد لتقبل الخلاف مع المقابل على كونه أمراً طبيعياً ويحتاج إلى فتح صفحة من الحوار مع الاستعداد لدفع ثمن الوقت وعدم الراحة إذ يتوجب أن تكون المقاربة بين الأفكار على قدر ما هي مؤهلة في جانبها الإيجابي وليس السلبي فمثلاً أن خلاف الفكر الديني مع الفكر الإلحادي مسألة لا تحتاج إلى شرح لكن بالامكان إذا لمس عند أي من هؤلاء الذين يحملون الفكر الإلحادي أن تبذل معهم الجهود مهما كانت مضيئة حتى يفيقوا إلى الحقيقة الساطعة لوجود الله سبحانه وتعالى وهناك إمكانية واسعة لو تم التأكد أن هؤلاء الملحدين لديهم شيء من الاتصاف بالسلوك السوي فيما يتعلق بتطبيقات العدالة الاجتماعية أن تستغل هذه الصفة في العدل عندهم وتفتح معهم الحوارات الدائمة بأسلوب ديمقراطي لا يجرح مشاعرهم.
ولعل في المواجهات الودية مع المختلف معهم فكرياً تقربهم إلى مواقع الآخرين على أن لا يكون هناك أي تنازل على حساب الدين ومبادئه ومفاهيمه السمحة كالدين الإسلامي الذي يعتبر أهم فكر وأعظم أيديولوجية ممكن أن تفيد حياة البشرية أكثر من غيرها لو تم توظيف مبادئه في العدل والسلم وحفظ الحقوق بشكل خلاق عبر ظروف متاحة ينبغي العمل للوصول لها.
إن رقعة الحياة واسعة وهذا يتطلب استحضاراً لكل ما هو خير يمكن توظيفه لصالح المقاربة بين الأفكار المنوعة في نقاطها الإيجابية وإن كان فيها قليل أو كثير من نقاط الالتقاء وبذاك فإن الرؤية ستكون بسلامة عن أي انحراف أو عداء ولعل في المدخل المتسلح بالمنظور الإسلامي مع الآخر سيجلب إلى الإسلام أعداداً من المثقفين الذين يبحثون عن الحقيقة.
والتفكر بمشاعر الآخر مسألة لا يغفل أن تكون سبباً للضيف فعلى الأقل أن تحييد الحالة بين الأفكار ومدارسها على أساس سلمي فيه من الفوائد بما لا يمكن إحصاؤها لصالح حركة الفكر والثقافة.
والتواصي في فهم الآخر هي حكمة قد طبقها الأنبياء والأوصياء والقديسيين (ع) وتوجد في هذا الصدد قصص من المآثر الإنسانية التي تدل على الخلق الرفيع، وفي زمننا الراهن فإن البشرية تحمل آمالاً وطموحات عظيمة ينبغي التأكيد عليها باستمرار فالحرية التي يطالب بها الجميع إذا كانت ضمن إطار المسؤولية فيعني ذلك أن الحرية هي في حالة يطمأن منها وبدون ذلك فإن الإساءة للحرية ستحدث لو لم يتم توفير شرط المسؤولية فيها.
هناك أمور مؤثرة على حركة المقاربة والابتعاد بين الأفكار ويعزو الكثيرون أن ذلك مرده إلى حالات التشنج والعداء الجاهل أحياناً لفترات سابقة عاشتها البشرية في بقاع ما من العالم لم تكن الظروف السياسية تسمح للأفكار المغايرة أن تنمو في مجتمع يعتنق فكراً آخراً أو أفكاراً أخرى وكان ذلك ضمن بودقة التمهيد لدخول عالم الاستفراد بالمجتمعات وفقاً لنظريات محددة وبذلك تشوهت سمعة (العديد من الأفكار الاجتماعية) أو بالاحرى تشوهت جوانب الخير في بعضها في حين كان الحال ضمن مقتضيات نجاحه هو تفعيل تلك الجوانب وتضييق نقاط الخلاف على اقل مساحة في الرأي، وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى الشخصية المتحاورة الناجحة التي يتطلب الموضوعي ظهورها في كل تجمع مهما كان اعتناقه الفكري فعلى الرأي إذا ما واجهوا علماء الرأي الآخر ممكن أن يتوصلوا إلى حلول أفضل أما القطيعة على أساس تعميم الهاجس المتخوف من الآخر فلا يرصد منه سوى التشتت بين المجتمعات.
إن تحسناً قد تسجله هذه الحقبة الزمنية لصالح الوصول إلى الحقيقة ولعل حالة الأداء الفكري مهما كان هويته فلا يشبه حالة البورصة التي يفوز بها رقم على بقية الأرقام مرة واحدة فبقايا الأفكار في جوانبها السلبية ممكن أن تزال أيضاً أوتوماتيكياً لو وجد الآخرون إن البديل الفكري الأفضل متوفر دون أي مزايدة.