حكومة العلويين في طبرستان .
تـعـرضـت الـمناطق الشمالية في ايران للهجوم منذ اواخر عهد عثمان و تصالح اهالي مازندران مع الـمـسـلمين على دفع الجزية طيلة القرن الاول والثاني اما اهالي جيلان والديلم فقد صمدوا امامهم ردحـا مـن الـزمـن و مـا استسلموا الا بقبول الاسلام الزيدي فحسب و ظلوا على عدائهم الشديد لـلـمـسلمين حتى العصر الذي حكم فيه العلويون مناطقهم و كانوا يقومون بهجماتهم المستمرة ضد الـمـنـاطـق الجنوبية , لا سيما قزوين التي كانت حصنا حصينا للمسلمين , والحد الفاصل بين الكفار والمسلمين يومئذ و راينا قبل ذلك ان يحيى بن عبداللّه ثار فيها, ثم استسلم بعد حين .
و تـكشف لنا هذه الحركة نقطتين : الاولى : وجود عدد من العلويين في طبرستان والاخرى : العناية الخاصة التي كان يوليها اهل الديلم بهم و من المحتمل ان احدالبواعث الرئيسة على هذه الوحدة (مع ان الاسلام لم يتغلغل في تلك المنطقة بعد) هووجود العدو المشترك المتمثل بالعباسيين و كان لجؤ العلويين الى هذه المنطقة بسبب عجز الجيوش العباسية من التسرب فيها يضاف الى ذلك , وجود العدا بـيـن اهـلـهـا و بـيـن حـكـامهم و كانت منطقة طبرستان خاضعة لنفوذ الطاهريين و عندما ظفر مـحمدبن عبداللّه بن طاهر بيحيى بن عمر الطالبي , اقطعه المستعين شالوس و كلار و وجه محمد الـيـهـمـانـائبـه جـابـر بـن هـارون النصراني و حينما كان سليمان بن عبداللّه بن طاهر حاكما عـلـى طـبـرسـتـان , فـان عـامـله فيها هو محمد بن اوس البلخي الذي كان مستحوذا عليه ففرق اولاده الاحـداث في مدن طبرستان المختلفة , فاساؤوا الى اهلها مما ادى الى تشويه سمعة آل طاهر و لم تقف اعتداات محمد بن اوس عند طبرستان فحسب , بل هاجم الديلم ايضا وآذى اهلها بالضرب والشتم و سبى منهم جماعة ((700)) .
و تـوجه عدد من الناس الى احد العلويين في طبرستان و يدعى : محمد بن ابراهيم ,و طلبوا منه ان يقودهم بيد ا نه ارشدهم الى الحسن بن زيد الذي لقب بالداعي الكبير فيمابعد.
و يـمـكن ان تكون هناك بواعث عديدة ورا التوجه الى العلويين و اولها ان العلويين كانوا معروفين بـالـنـزاهـة والعفة و في ضؤ ما نقله ابن اسفنديار فان الناس عندما كانوا يرون السادة المقيمين في مـنـاطـقهم , يعتقدون بزهدهم و علمهم و ورعهم و كانوا يقولون : السادة هم الذين يمثلون السيرة الاسـلامـية ((701)) ثانيا: كان العلويون يعارضون العباسيين ,والطاهريين على نحو خاص و قبل ذلـك , كان محمد بن عبداللّه بن طاهر الحاكم الحقيقي لطبرستان , و ينظر اليه على ا نه قاتل يحيى بـن عـمـر العلوي الذي خرج في الكوفة و من هذا المنطلق , كان الطالبية يشناون اولاد طاهر بن الحسين دائما ((702)) و طبيعيا ان هؤلايستطيعون ان يخلصوا اهالي طبرستان من شرهم بالنظر الى هذا الشنن .
و كان الحسن بن زيد يعيش في الري التي تمثل مركزا آخر من مراكز العلويين و قد تحسنت كثيرا آنـذاك , و نـفـضـت عـنـهـا غـبـار الـنـصب (نصب العدا لاهل البيت ـعليهم السلام ) و مالت الى العلويين ((703)) .
و رحـل الـحسن بن زيد الى طبرستان بعد دعوة اهلها اياه فاتخذت طابعا جديدابدخوله فيها و في ضؤ ما قاله ابن اسفنديار, فان اهل طبرستان بجملتهم قبلوابيعته ((704)) .
و افلح في السيطرة على هذه المنطقة بعد اشتباكات و اصطدامات متكررة مع حكامهاالطاهريين .
و كـانـت آمل , و ساري , و حتى جرجان , و جيلان , والديلم من المناطق التي حكمهاالعلويون طيلة عـشرين سنة , و قد تخللتها اصطدامات متفرقة مع الطاهريين حينا, و مع يعقوب بن الليث الصفاري حـيـنـا آخـر, فـانـهزموا و تراجعوا بعد مدة بيد ان هذه المنطقة الوعرة ـ التي لم يتمكن احد من السيطرة عليها الا الديالمة ـ ظلت بيد العلويين الذين كانوايتحببون الى الناس ((705)) .
و تـعـتـبر حكومة العلويين في طبرستان اول حكومة تاسست في الشرق الاسلامي بعيدة عن دعم العباسيين لذلك لم ترقهم , فحرضوا يعقوب بن الليث الصفاري على الاطاحة بها ((706)) .
و كـان اضـطـراب الاوضـاع في العراق و جنوب ايران بسبب ثورة الزنج سنة 255 ه ,و كذلك تـخلخل الوضع في خراسان نتيجة الاصطدامات القائمة بين الصفاريين و الطاهريين , كل ذلك ساعد طـبـرسـتـان عـلى ان تعيش الهدؤ و الاستقرار و على حد تعبيرالمرعشي ((فان الداعي استقل بالحكومة في طبرستان خلال تلك الفترة ((707)) )).
و اسـتطاع الداعي طيلة حكومته التي امتدت من سنة 250 حتى سنة 270 هـ ان يتغلب على مناطق الري , و زنجان , و قزوين عدة مرات ((708)) و بعث في تلك السنة احدالعلويين , و هو محمد بن جـعفر, الى المناطق المذكورة بيد ا نه وقع في فخ الطاهريين بعدحين ((709)) و نهض الحسين بن احمد العلوي في قزوين سنة 251 ه , و طرد ولاة الطاهريين منها ((710)) كما ان الحسين بن زيد, و هو اخو الحسن بن زيد, بويع في لاريجان , و قصران (شمال طهران الحالية ) و ذلك عندما استولى اخوه على ساري آنذاك ((711)) .
هـذه الانتفاضات قامت ـ في الحقيقة ـ مع تحرك العلويين في شمال ايران و فجرالعلويون عشرات الانتفاضات في مصر, والعراق , والحجاز, و ايران خلال تلك الفترة و ذكرها الطبري , و ابن الاثير في كتابيهما.
و كان الحكام العباسيون يرون في طبرستان قاعدة لجميع هذه التحركات بخاصة ان حكومة العلويين لم تعترف بالحكومة العباسية في بغداد و يمكن ان يشكل هذا التوجه انذارا بظهور حكومات مستقلة اخـرى لا سيما ا نهم كانوا يشتبكون مع انصار الحكم العباسي بكل عنف كما نقل ابن اسفنديار ((ان الـحـسن بن زيد كان يقتل كل متعاطف مع المسودة (العباسيين ), و ينحي باللائمة على كل واحد من هؤلا حتى وجفت قلوب الناس , فلم يفكروا الا بطاعته و استرضائه ((712)) )).
مـن هـذا الـمـنـطلق كان العباسيون يرغبون كثيرا في قمع هذا التحرك و على الرغم من ا نهم لم يعتبروا يعقوب بن الليث عنصرا صالحا, بيد ا نهم شجعوه و دعموه في تحركه نحو طبرستان لكنه هـزم و رجـع خـائبا بعد ان قصدها في سنة 260 ه و قد سبق ان بعثواموسى بن بغا, و مفلحا قبله لـلـقـضـا على الحكومة العلوية , و نجحا نوعا ما لولا موت المعتز الذي سبب رجوعهما الى بغداد, فاستولى الحسن بن زيد مرة اخرى على طبرستان .
و يـرى الـبـعض ان الحسن بن زيد كان زيدي الاتجاه بينما يرى آخرون ا نه من سادات الشيعة و علمائهم , و احد ولاة الامامية ((713)) .
طـبـيعيا, اذا كان الحسن زيديا, فان فقهه فقه حنفي و بغض النظر عن تشابه الفقه الحنفي والزيدي فـان لـلفقه الزيدي قواسم مشتركة مع الفقه الاثني عشري ايضا, لا تمت بصلة الى الفقه السني حتى عـصـر زيد بن علي , بل هي مختصة بالشيعة و ظلت هذه القواسم وحدهاللزيدية من الفقه الشيعي , ولم يزيدوا عليها شيئا, و تمسكوا بالفقه الحنفي لاسباب مختلفة .
و نـقـل عـن عمر بن ابراهيم بن محمد ابي البركات الحسيني الزيدي الكوفي الذي كان احد علما الـزيدية الكبار في القرن الخامس والسادس (م 539) ا نه قال : ((انا زيدي لكني افتي على مذهب ابي حنيفة ((714)) )).
و نـلـحـظ هـذه الـقواسم في التعليمات الدينية للحسن بن زيد فقد ذكر ولاته كافة بعددمن النقاط لـيـعـمـلـوا فـي ضوئها منها: العمل بكتاب اللّه و سنة رسوله ـ صلى اللّه عليه وآله ـ وما نقل عن امـيـرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ في الاصول والفروع بطريق صحيح , و تفضيل علي ـعليه السلام ـ على جميع الامة الا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله , و نهي الناس عن القول بالجبر و التشبيه , و مـخـالـفة الموحدين الذين يعتقدون بالعدل والتوحيد, و كذلك نهيهم عن نقل الحديث في تفضيل اعدا اللّه ((715)) و اعدا علي ـ عليه السلام و تكليفهم باجهار البسملة في الصلاة , و الاتيان بالقنوت في الـصـلوات الخمس كلها (على عكس اهل السنة ((716))), والتكبير خمسا في صلاة الميت (عند الـسـنة اربع تكبيرات ), و نهي الناس عن المسح على الجورب , و الزامهم باضافة ((حي على خير الـعـمـل )) فـي الاذان والاقـامة , وتثنية الاذكار في الاقامة و اعلن في ختام تعليماته ان من خالف امرهم , فهو ليس منهم ((717)) .
تـتـفق هذه الاحكام ـ كما مر بنا ـ مع فقه الشيعة الامامية لكنها لا تدل على تشيع امامي ,لان الزيدية يعتقدون بهذه الاحكام نفسها في نطاق محدود و قال المرحوم الامين في الحسن بن زيد: اظهر مذهب اهـل الـبـيت في الاصول والفروع , و دعا الى الرضا من آل محمد ((718)) و عندما نقوم بدراسة دقـيـقـة لاحـدى رسائله المسماة بالحسبة , و كذلك لكتاب الابانة , فاننا نفهم منهما ا نه مؤلف الكتب المهمة للزيدية ((719)) و بغض النظر عن نشاطاته الشيعية , فقد نقل ابن حوقل ا نه كان واسطة لاسـلام جـمـاعة من الديالمة , في وقت كان الناس ما زالوا على كفرهم حتى تلك الفترة ((720)) يضاف الى ذلك , ا نه جاهد الكفار,و قتل منهم الفين , و وقعت غنائم كثيرة في يده قسمها على الديالمة و بـذل جـهـوده لـرفـع الظلم عن طبرستان و محاربة الفساد فيها و عندما سمع ان بعض الديالمة سـرقـوا, نـصـحـهـم فـي بـادئ الامـر و لما لم يقبلوا نصيحته , قطع ايدي و ارجل الف شخص مـنـهـم ((721)) وفـي الـيـوم الاول الـذي بويع فيه , جعل اساس بيعته العمل بكتاب اللّه و سنة رسوله ـصلى اللّه عليه و آله ـ والامر بالمعروف , والنهي عن المنكر ((722)) .
و قال ابن الاثير : ((الحسن بن زيد كان متواضعا للّه ((723)) )).
ان حـكـومـة العلويين في طبرستان شجعت كثيرا من السادة على التجمع فيها, و من ثم ارسا دعائم التشيع هناك يقول المرعشي : ((لما كان الداعي رؤوفا بالسادة عطوفا عليهم ,التف حوله كثير منهم فكان اذا ركب , ركب معه ثلاثمائة سيد مقاتل و هم يحملون سيوفهم ((724)) )).
و يـقول ابن اسفنديار ايضا : (( والتحق به يومئذ السادة العلويون و بنو هاشم من الحجازو اطراف الشام والعراق , و عددهم عدد اوراق الاشجار, فبرهم و اكرمهم جميعا و كان كلما ركب , احاط به ثلاثمائة علوي شاهرين سيوفهم ((725)) )).
و اسـتحكم الاساس العلمي للفقه و العقائد الشيعية في طبرستان من خلال كتب الحسن بن زيد نفسه و نـسـب الـيـه ابـن النديم عددا من الكتب , منها: الجامع في الفقه , و كتاب البيان , و كتاب الحجة في الامامة ((726)) .
و يـسـتشف من كتابه الاخير, بخاصة , نوعا من التشيع الذي يرى ان الامامة من اللّه و هذا التشيع لا يـمـكـن ان يـكـون تـشيعا زيديا, اذ ان الزيدية لا يقرون بهذه الرؤية الصريحة في الامامة و لعل الـمـقصود هو التشيع الاثنا عشري و يستخلص من رواية اخرى ا نه كان يناهض العقائد المضادة للشيعة في طبرستان بكل قوة ((727)) .
و يـبـدو ان الـشيعة ذوي العقائد الامامية كانوا موجودين في بعض المدن و منها جرجان ,قبل قيام حكومة العلويين في تلك الارجا ((728)) .
و كـان نـائب الـحـسن بن زيد اخاه محمد بن زيد الذي نصبه اخوه واليا على جرجان و اخذ الداعي الكبير البيعة لاخيه عند دنو اجله بيد ان صهره ابا الحسين خرج بعد وفاته , و بايعه جماعة و لكنه هرب الى شالوس بعد قدوم محمد من جرجان .
و كـانـت المناطق الشمالية في ايران يومذاك تعيش صراعا بين ثلاث قوى , يمثلها كل من عمرو بن الـلـيث الصفاري , و رافع بن هرثمة , و محمد بن زيد و كانت بغداد من جانب آخر تحاول ان تستغل الـخـلافـات الناشبة بين هؤلا الثلاثة لمصلحتها فتنصب احدهم والياعلى احدى المدن , و تحرض الاخـر ضده ليخرج المدينة من قبضته علما ا نهم كانواانفسهم يتطلعون الى خراسان , والري ايضا لذلك كانت الحروب قائمة بينهم باستمرارللسيطرة على المنطقتين المشار اليهما.
و اخـيرا, فر رافع بن هرثمة في احدى الحروب , ثم قتل و اما عمرو بن الليث فقد وقع في قبضة السامانيين بخراسان و هكذا خلت طبرستان لمحمد بن زيد.
يقول المرعشي في هذا المجال : (( وصل في سنة 282 ه خبر مفاده ان اسماعيل بن احمد الساماني قبض على عمرو بن الليث و قتله فتفرغ السيد من كل الجهات تماما, و ذاع صيته في الافاق ا نه ذو هـمـة و مـرؤة و رغـب الـعرب , والعجم , والروم , والهنود, و الملوك ,و العلما في استرضائه و مؤاخاته , فاشتهر بسمعته الطيبة ((729)) )).
و نـستنتج من هذا التعبير ا نه كان متواضعا مع الناس و ان حكومته كانت من الحكومات التي جسدت العدل العلوي في ايران .
و نـقـل ابـن الاثـيـر روايـة تشعر ا نه كان يدعم العلويين الرازحين تحت نير الظلم في العراق , والحجاز, عبر ارساله المساعدات المالية اليهم ((730)) .
و عـنـدمـا احـكـم الـسـامانيون قبضتهم على منطقة ماوراالنهر, و تغلبوا على عمرو بن الليث في خـراسـان , تـطـلعوا الى حكومة طبرستان فوجه اسماعيل بن احمد الساماني جيشا اليها, و حدثت مـواجـهـة خطيرة بين الطرفين استشهد الداعي فيها من فوره و هكذااستولى السامانيون على هذه المنطقة ايضا و سنتحدث عن استمرار الحكومة العلوية في القرن الرابع بعد.