لقد أصبحت فاطمة الزهراء (عليها السلام) في عمر الشباب، ذات شرف وخُلقٍ، وأدب رفيع، فاتّجهت إليها الأنظار، وخطبها جماعة من الصحابة أمثال أبي بكر وعمر بن الخطاب وغيرهما من أكابر قريش، إلاّ أن الرسول (صلى الله عليه وآله) اعتذر عن الاستجابة وقال : «لم ينزل القضاء بعد».
وبعدهم خطبها الإمام عليّ (عليه السلام) بإشارةِ بعض الصحابة ، ووافق الرسول (صلى الله عليه وآله)، بل فرِح فرحاً شديداً وزوّجها على مهر متواضع قدره «500» درهماً، وكوّن لها جهازاً بالغاً اقصى حدود البساطة كما ورد عن المؤرّخين والمحدّثين. وتمّ هذا الزواج الفريد في السنة الثانية من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله).
الزهراء (عليها السلام) في بيت عليّ (عليه السلام)
وانتقلت فاطمة (عليها السلام) إلى بيت زوجها البسيط ، سعيدة راضية، وعاشت في كنفه قريرة العين، مطمئنة النفس ، لاتفارقها البساطة، ولا تبرح بيتها خشونة الحياة، فعاشت في بيتها ربّة بيت، تمارس شؤون منزلها، وتدير حاجاتها بالإعتماد على جهودها، ولم تتّخذ خدماً ولا عبيداً، فكانت تطحن بيدها وقد مجلت، وكانت تخبز وتكنس وو... ومع ذلك هي راضية محتسبة، وما أحلى الحياة الزوجيّة إذا حصل الإنسجام بين الزوجين. فكانت هذه الأُسرة التي ضمّت عليّاً (عليه السلام) وفاطمة (عليهما السلام) الاُسرة المثالية، والقدوة في المجتمع الإسلامي، وأين هذا من الترف الفاحش الذي نشاهده اليوم لدى القادة والزعماء؟ بل لدى طبقات مختلفة من المجتمع الإسلامي؟.
قال الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السلام): «إنّ فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمَّ البيت، وضمن لها عليّ (عليه السلام) ما كان خلف الباب: نقل الحطب، وأن يجيء بالطعام.
فقال لها يوماً: يافاطمة هل عندك شيء قالت: والذي عظّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاث إلاّ شيء آثرتك به. قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً ، فقال: لا تسألي ابن عمّك شيئاً إن جاءك بشيء عفواً وإلاّ فلا تسأليه.
قال: فخرج (عليه السلام) فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ، ثم أقبل به وقد أمسى، فلقي المقداد بن الأسود، فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟
قال: الجوع والذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين!
قال: فهو أخرجني، وقد استقرضت ديناراً وساُؤثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً وفاطمة (عليها السلام) تصلّي وبينهما شيء مغطى ، فلمّا فرغت أحضرت ذلك الشيء، فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة! أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إلاّ اُحدثّك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى.
قال : مثل زكريّا ، إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقاً ، قال: )يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (آل عمران: 37،...» الحديث [1].
ونقل الأوزاعي عن الزهري، قال: لقد طحنت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مجلت يداها، وطبّ الرحى في يدها [2].