عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

كيف نقضي شهر رمضان

كيف نقضي شهر رمضان


تمهيد :

قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )البقرة /185 .
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - في آخر جمعة من شهر شعبان - : ( أيها الناس !
إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ...
هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب .
فسلوا الله ربكم بنيات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه ، وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر ... ) .
إن شهر رمضان شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله عز وجل ، وجدير بالضيف أن يتحلى بآداب الضيافة ، ولا تكون الآداب صحيحة إلا إذا جاءت بقدر المضيف ونحن نعلم أي مضيف عظيم حللنا بضيافته .
فلننظر ما هي آداب الضيافة في هذا الشهر الكريم ، ماذا يجب علينا أن نعمل فيه لنكون في المستوى اللائق ، ولكي نُسجل في قائمة الضيوف الذين أحسنوا الآداب ؟
لكي نكون كذلك لابد من معرفة حقيقة هذا الشهر ، وما هي المميزات التي يتفرد بها عن سائر الشهور .
ليلة القدر شرف لشهر رمضان :
يكفي قيمة لهذا الشهر الفضيل ، أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وهي التي يقدر فيها ما سوف يجري على البشرية جمعاء ، إلى الشهر الكريم الذي بعده .
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )  
مميزات شهر رمضان :

مع أن لشهر رمضان المبارك مميزات كثيرة على سائر الشهور ، إلا أن هنالك أربع مميزات يمكن وضعها في إطار رسالة هذا الشهر الفضيل ، ذلك لأن لهذا الشهر الفضيل رسالة كما أن شخصيته خاصة إذا عرفناها عرفنا واجبنا فيه ، ومسؤوليتنا تجاهه ومنهجنا في لياليه وأيامه ، وهي على النحو التالي :
أولاً : السمو الروحي :

فهو يعطي تمايزاً للروح على الجسد ، وللقيم على المادة ، ولذلك يجوع الإنسان فيه ويعطش ، بينما روحه تحلّق في آفاق واسعة من الاتصال بالله ، والتغذية بالمضامين الحضارية لرسالاته لأهل الأرض .
ألا ترى ... أن انشداداً خاصاً – تجاه الله – يعتريك حينما يهاجم الجوع والعطش معدتك ؟! فكيف إذا كان الجوع والعطش من أجله ؟
إنك – حينها – مهيأ للذوبان في رسالته .. هذا تمايز لابد من معرفته والتفاعل معه . يقول الإمام علي عليه السلام كما في نهج البلاغة : ( ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات ، تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذليلاً لنفوسهم ، وتخفيضاً لقلوبهم .. )
ثانياً : الانعتاق من الدنيا :

فالمسلم على مدار السنة ملاحق من الدنيا ، تلاحقه في بطنه وحاجياته المادية وغيرها ، أما في هذا الشهر الكريم ، فإن الدنيا تركن جانباً – هذا التعامل الصحيح معها – ويفسح المجال للآخرة لتأخذ دورها في توجيه الإنسان الوجهة السليمة ، فالعطش والجوع ، والشدة والبلاء فيه ، إنما تذكر بشدة أكبر ، وجوع وعطش أظمأ ، إنه عطش وجوع وشدة يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته – في آخر جمعة من شهر شعبان - :
( فاذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه ) .

ثالثاً : تلخيص عام في ليلة :

فإذا كان الله سبحانه ، يقدر للإنسان في ليلة القدر ، مالذي سيجري عليه في عام كامل ، فجدير بالإنسان أن يجمّع كل قواه لهذه الليلة ، ليطلب من الله تعالى مالذي يريد أن يكون عليه ، من سلامة وعافية ، وحمل رسالة الله لخلقه ، وتصحيح نيته ، وسلامة قلبه وطهارة عمله ، وكسب الحلال فيه .. والانطلاق في الحياة بما يرضي الله في الدنيا والآخرة .
 رابعاً : تحسس آلام الآخرين :
لا يريد الإسلام المسلم فرداً ، إنما يريده أمة ، واختلاف الإنسان الفرد عن الإنسان الأمة إنما هو في أن الأول لا يعرف إلا نفسه ، ولا يسعى إلا وراء رزقه وراحته ، بينما الثاني يرى أن سعادته جزءاً لا يتجزأ من سعادة الآخرين ، ورزقه لا يكون مساغاً إلا إذا أمن رزق الآخرين عن النهب والسرقة من قبل أصحاب القوة والسلطة ، ولذلك لا يستكبر دفع نفسه في لهوات الحرب دفاعاً عن نقمة المحرومين ، وحرية المستضعفين .
وهذا الشهر الكريم محطة يتحسس المسلم فيها آلام الآخرين ، فهو بجوعه خلال هذا الشهر يتذكر الذين يجوعون في أيام السنة ، من الفقراء والمحرومين الذين يجوعون دائماً ويعطشون ، فقد سئل الإمام الحسين عليه السلام : لم افترض الله عز وجل على عبده الصوم ؟ فقال عليه السلام : ( ليجد الغني مس الجوع ، فيعود بالفضل على المسكين ) .
كانت تلك أربع مميزات رئيسية لهذا الشهر الفضيل ، وجدير بكل مسلم أن يستوعب عملية الصيام من خلالها ، وأن ينظر للجوع والعطش والامتناع عن اللذات المؤقتة من منظارها ، حتى لا يكون ممن عناهم الحديث الشريف : ( كم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب ، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ) .
وهنا لابد من التطرق إلى البرنامج الرسالي للفرد المسلم ، وكيف ينبغي أن يكون في شهر رمضان ؟
 برنامج الفرد :
والآن ... لنرى ما هي نقاط برنامج الإنسان المسلم كفرد ، والذي يستطيع به أن يتفاعل مع هذا الشهر الكريم ، وأن يحلق به في سماء الرحمة الإلهية .
أولاً : قبل كل شيء لابد من برمجة الوقت من جديد ، وبرمجة الحياة في هذا الشهر معه من جديد ؛ حتى لا يسمح المسلم فيه لأية لحظة من حياته أن تذهب أدراج الفراغ دونما شغل أو عمل . وللأسف إن كثيراً منا ، تنصرم أوقاته في مجالس البطالين ، وفي الأعمال والكلام غير المهدوف أو غير المسؤول ، أو وراء الملهيات التي أعدها أعداء الإسلام لأبنائنا لينشغلوا بها عن أهدافهم المقدسة .
والمثل المعروف يقول : ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) .
ويقول الشاعر الشيخ حسن الدمستاني رحمة الله عليه :
أنفاس عمرك أثمان الجنان فلا تشري بها لهباً في الحشر يشتعل
فأنت لكي تجعل حياتك مزمومة بالعمل ، تحتاج إلى تقسيم وقتك على أعمال تقوم بها ، وانجازات تحققها - فمثلاً - لتعين لنفسك وقتاً للقراءة ، وآخر تمضيه في زيارة اجتماعية ، وآخر لمتابعة الأخبار المحلية والعالمية .. وأعمال أخرى تتقدم من خلالها خطوات في الفهم والوعي والادراك .
وهذا هو شهر رمضان المبارك ، لا تجعل أيامه تقطعك ، بل اقطعها بالبرامج الرسالية ، حدد لنفسك كتاباً إسلامياً تقرأه وعملاً إسلامياً هاماً تقوم به ، ورسالة تؤديها .. وهكذا .
ثانياً : لنلتصق بالقرآن الكريم ، ولنغير علاقتنا به .. لنتقدم خطوة إليه لكي يتقدم إلينا خطوات .
ولذا لابد من الالتزام بتلاوة القرآن الكريم كل يوم ، وختمه ولو مرة واحدة في هذا الشهر الكريم ، فإنه إذا كان لكل شيء ربيع ، فإن ربيع القرآن الكريم هو هذا الشهر الكريم .
يقول الإمام الباقر عليه السلام : ( لكل شيء ربيع وربيع القرآن هو شهر رمضان ) .
وإذا كان هذا الشهر ربيع القرآن ، فلابد أن ينمو – القرآن- في داخلنا بعدد لحظات الشهر ، وعدد آي القرآن ، فإن ثواب قراءة آية واحدة فيه تعادل ثواب قراءة قرآن في سواه ، وهذا قد يعني أن بكل آية تتلى في هذا الشهر الفضيل ينمو بداخلنا مقدار ما يعادل نموه كله بداخلنا في سواه من الشهور .
إذاً .. لنعطي القرآن أهمية خاصة في هذا الشهر الفضيل ، ولا نقتصر فيه على التلاوة فحسب ، بل لابد من التدبر فيه ، وقراءة تفسيره وحفظ بعض سوره .
ثالثاً : تغيير العادات السيئة ، خاصة الخُلُقية منها . جاء في الحديث الشريف : ( إذا صمت ، فليلصم سمعك وبصرك ، ويدك ) .
فلا يكفي أن يصوم الإنسان عن الطعام والشراب فقط ، بل لابد أن يصوم كله ، لسانه وعيناه ، وأذناه ويداه ، ورجلاه ، وكل شعرة في جسده ، بل وحتى دقات قلبه ، وخلجات ضميره ، ورجرجة نبضه .
وهذا يعني أن يلبس لباس الصالحين ، وأن يتجلبب بجلباب الصائمين ، وأن لا يسمح لرجليه أن تسوقانه إلى أماكن غير جيدة ، ولا للسانه بتلفظ الكلمات البذيئة ولا لأذنية بالاستماع إلى اللغو والغيبة ، ولا لعينيه أن تنظر إلى ما حرم الله عليها .
يقول الإمام علي عليه السلام : ( صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام ) .
ويقول عليه السلام : ( صوم القلب خير من صيام اللسان ، وصيام اللسان خير من صيام البطن ) .
ولذا لابد أن نغير عاداتنا وتقاليدنا خاصة فيما يرتبط بالأخلاق في هذا الشهر ، فإذا كان الواحد منا مثلاً يستعمل بعض الكلمات البذيئة ، أو كان قد تعود على الكذب والنميمة ، فليحاول أن يغير ذلك في نفسه ، وإذا كان قد تعود على قطع الرحم فليصل رحمه في هذا الشهر الكريم ، وإذا كان قد تعود على النميمة والتفرقة بين الناس فليغير هذه العادة .
رابعاً : الحضور في مجالس تلاوة القرآن الكريم والنشاطات الدينية :
من الجيد أن يتلو الإنسان القرآن في بيته ، ولكن الأفضل أن يتلوه مع الآخرين ، لأن هذا عمل جماعي ( ويد الله مع الجماعة ) كما يقول الحديث الشريف ، بل ويفضل أن تكون قراءة القرآن في هذا الشهر جماعة في المسجد مثلاً.  وإذا كنت تؤدي عملاً خيراً واحداً أو تشارك في مشروع خيري كل يوم ، فليكن لك عملان تؤديهما خلال أيام شهر رمضان ، وهكذا

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اصدارات دار التراث تخطف الأنظار في مؤتمر نهج ...
ابن السكيت الدورقي العالم النحوي
إصدار عدد 24 من مجلة "البراعم الصغار" باللغة ...
أسماك القرش ودورها في النظام البيئي
غشاء البکارة
شذوذ النساء الجنسی
وسواس الزوجين بين التدين واللاتدين
العقل في نهج البلاغة
العلاقة الزوجية بين الرومانسية والجنس
الاخلاق فی البیت

 
user comment