عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

وسواس الزوجين بين التدين واللاتدين

* د. رضا نجاد
الكثير من النساء يذهبن إلى بيت الزوجية بطابع ديني، مع تأكيدات متكررة من قبل الأسرة إلى أسرة الزوج بوجوب التمسك بالقيم الدينية. ولكن قد تظهر لاحقاً عدة حالات من جملتها: أن تكون المرأة متعبدة وتستند إلى قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وتلخص معاني الطهر والطهارة في الوسواس والماء والغسل. والغريب في الأمر هو أن أمثال تلكنَّ النسوة يجعلن الطهارة باسم الدين وبشكل مغلوط بدلاً من النظافة. ولهذا السبب تجد كل شيء في البيت قذراً ابتداءً بالأثاث وانتهاء بالستائر. ومثل هذه التصرفات لا تعتبر في الحقيقة إلا بدعة. وإذا كان الرجل متديناً حقاً فإنه يجد نفسه مكتوف اليدين ويحترق بنار الأذى، ويدعو الله بالفرج والخلاص.
وإذا كان الرجل يعيش حالاً وسطاً بين التدين واللاتدين، مع ميل إلى حالة اللاتدين، تستحوذ حالة الاختلاف والتنازع على حياة الأسرة، وكثيراً ما تؤدي إلى الافتراق. ولكن إذا كان الرجل مصاباً بالوسواس أيضاً، ثم تأثرت به زوجته وأخذت تعمل على شاكلته، يبدو لكل مَن يدخل مثل هذه الدار وكأنه داخل إلى دار أسرة صابئية، على اعتبار أن صبَّ الماء يعتبر أصلاً أساسياً في دينهم، ويهتمون بالماء في كل ممارساتهم الدينية.
مثل هذا الرجل والمرأة المصابين بالوسواس لا يجدان عملاً أكثر أهمية لديهما من التطهير بالماء. ونظراً لكثرة استخدامهما للماء لا يلبثان أن يصابا بأمراض جلدية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأسرة تستفيد من أقل ما يمكن من اللوازم، وغالباً ما تضحي بالنظافة في سبيل الوسواس.
المصابون بالوسواس على نوعين: الأول يكفي أن يقع ظل الشيء النجس، أو الشيء الذي يُحتمل أن يكون قد تنجس على مر الزمان، على يده حتى يسارع إلى دخول الحمام ليقضي فيه ساعات طويلة من أجل إزالة ظل النجاسة التي وقعت على يده. والنوع الثاني هو الذي تلامس يده شيئاً نجساً أو محتمل النجاسة، فيبادر إلى الغسل والتطهير. وهذان النوعان يواجهان كلاهما صعوبات بالغة في ما يخص نجاسة حياتهما الجنسية.
السبب الذي يجعل الممارسة الجنسية ذات تأثير سلبي على الشخص المصاب بالوسواس يشبه إلى حد بعيد حالة الشخص المصاب بالبواسير. فبما أن الشخص المصاب بالبواسير يعاني من آلام شديدة في المخرج عند التخلي، لذلك فهو مضطر إلى تقليل عدد مرات التخلي. هكذا الحال أيضاً بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالوسواس، فهم قد يضطرون إلى تقليل عدد مرات الجماع لأسباب مختلفة من جملتها عدم توفر الحمام لديهم أو بسبب إصابتهم بمرض يمنعهم من استخدام الماء، أو لمللهم من كثرة استخدام الماء، ومن الطبيعي أن تقليل عدد مرات الجماع يؤدي إلى إيجاد ضغط نفسي شديد لدى المرأة بسبب عدم إشباع غريزتها الجنسية، وهو ما يؤدي تلقائياً إلى توتر علاقاتها ببقية أعضاء الأسرة، فلا يعود المطبخ يعمل كما في السابق، ولا تعود الثياب تُغسل وتُكوى، ولا الأولاد يحصلون على درجات عالية في دروسهم. ومن هنا نفهم أن وجود الوسواس في أي بيت من البيوت يؤدي إلى حصول خلل واضطراب في المعادلات والأساليب التي تسير عليها الأسرة.
ويتضح لنا في ضوء ما مرّ ذكره أن البيت الذي يدخله الوسواس إما أن تحتل الطهارة فيه مكان النظافة، وهي بطبيعة الحال طهارة زائفة إذ تجد كل شيء فيه قذراً وفي غير موضعه المناسب، وإما أن تضطرب فيه المعايير ومعادلات العلاقات العائلية نتيجة لاختلال العلاقات الجنسية. وهو كثيراً ما يؤدي إلى حصول النزاعات والخلافات.
ومن المثير للدهشة أن استلهام الآية الشريفة: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين). يبيح لنا القول بأن الطهارة الزائفة في بيت الشخص المصاب بالوسواس ترافقها على الدوام نظافة كاذبة، بل والأسوأ من ذلك أن الوسواس يفضي إلى إسقاط الطهارة والنظافة كلتيهما، لأن طهارة الظاهر في مثل هذه الحالات تنتهي إلى بث الاضطراب في الباطن وهو ما يؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة، بدلاً من إيجاد نقاء الباطن الذي يستجلب الرحمة الإلهية.
على المرأة المصابة بالوسواس إذا قرأت مقالتي هذه أن تعود إلى رشدها وتؤوب إلى الوضع الذي يجب أن تكون عليه، أي أن لا تكون أكثر تمسكاً بالمسيحية من البابا، وإذا كان محمد (ص) وعلي (ع) يسكبان الماء مرتين يجب أن لا تسكب هي أكثر من ذلك، وإذا قيل: إن الذهاب إلى الحج يستلزم السفر إلى مكة يجب أن لا تيمم هي وجهها صوب سيبيريا. وإذا كان زوجها مصاباً بالوسواس يمكنها أن تطلع أحد ذويها على الموضوع بشكل لا يثير حفيظة زوجها، لكي يبين له حكم التطهير في الإسلام أثناء لقائه به في مجلس أو في شارع.
هناك فارق جوهري واحد بين الرجل المصاب بالوسواس والمرأة المصابة به، وهو أن الأطفال في الأسرة المصاب كلا أبويها بالوسواس، يعانون من الأم أكثر من معاناتهم من الأب، وسبب ذلك يعود إلى أن الأب قليلاً ما يُعنى بشأن غسل وتنظيف وتطهير الأطفال، وأكثر ما تقع هذه المهمة على عاتق الأم. ومن هنا يجب على الأم أن تعلم بأن سحب الأطفال في ليالي الشتاء الباردة، وفي أيام الصيف الحارة، وإيذائهم تحت طائلة التطهير والنظافة وتسمية هذا العمل باسم الدين، يجعل هؤلاء الأطفال يشمئزون من اسم الدين، وبمجرد تحررهم من قيود الأسرة لا يراعون الإرشادات الدينية الواردة في هذا المجال، بل وكثيراً ما يدعوهم ذلك إلى الارتداد عن الدين إلا إذا ثبت لهم أن تلك الممارسات المسماة بالوسواس الذي كان يسيطر على حياة الأسرة باسم الدين، لم يكن من الدين في شيء.
أعرف رجلاً لديه اهتمام فائق بالتمسك بأوامر الإسلام ونواهيه، إلا أنه يختلق على الدوام أعذاراً واهية لكي يتيمم بدلاً من الوضوء. ولو رجعنا إلى ماضي هذا الشخص نجد أن أخته الكبيرة التي تربى في حجرها، وكانت له بمثابة الأم كانت مصابة بالوسواس، وكانت ترغم الأطفال على تطهير أيديهم حتى المرافق، وغمس رؤوسهم ووجوههم في الماء بعد تناول الطعام وبعد إمساك القلم أو الدراجة الهوائية وبعد الكثير من الأعمال الأخرى. ولا يسعنا هنا غلا أن نتوجه بالثناء على الإسلام الذي أمرنا بالقول عند استعمال الماء: الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً. ومن الواضح أن تكرار المعنى بالقول: ولم يجعله نجساً، موجه إلى المصابين بالوسواس.
ويبدو أن عمل هذا الشخص الذي يتيمم في بعض الحالات بدلاً من الوضوء يُعزى إلى أسلوب القهر الذي كانت تمارسه أخته وترغمه على الإكثار من الغسل والتطهر والتنظيف. ويبدو أن أطفال هذه الأسر يشبون على النفور من الطهارة ومن الدين، وليس هذا فحسب، بل حتى الأم والأب أنفسهما قد يكبرون على هذه الشاكلة.
وأعرف امرأة كانت مصابة بالوسواس، وكان يتسبب الكثير من الحرج للناس المحيطين بها إلى درجة أن كبير علماء المدينة كتب إليه بخط يده .. أيتها السيدة اعتبري كل شيء طاهر بالنسبة لك حتى الدم والبول. وعلى كل الأحوال يجب على المرأة المصابة بالوسواس التي ليس لديها همّ سوى الماء والطهارة، ولا تحظى أعمالها بقبول من الإسلام، ولا مما أقره الإسلام كالطب والصحة، أن تفيق ولا تضيف إلى أحكام الإسلام شيئاً من عندها، وإنما يجب التمسك بما جاء به الرسول (ص) من عند الله، ويجب عليها اعتبار الشيء طاهراً ما لم يكن بمقدورها القسم على نجاسته، وإذا أرادت تطهير شيء يجب الاكتفاء بما أمر به الإسلام في ما يخص الطهارة. وإلا فإن عملها هذا يحرمها الكثير من حلاوة الدين والدنيا.
يمكن للمرأة أن تقوم بعمل جميل تستجلب به نظر زوجها وهو: الاعتناء بنظافة الأطفال عندما يريدون الذهاب إلى دار جدتهم أو جدهم لأبيهم أو إلى أي قريب من أقارب أبيهم، كعنايتها بنظافتهم عند ذهابهم إلى المدرسة. فهذا العمل يسر الزوج أيضاً، ويرى فيه نوعاً من الاحترام لأقاربه. وقد أكد الإسلام كثيراً على النظافة واستعمال العطر في الأفراح وفي المآتم، وحثّ على رش ماء الورد على الحاضرين وهذه الأعمال يمكن اعتبارها كلها دليلاً على الاحترام للآخرين لكي لا تصل الروائح الكريهة إلى أنوفهم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وسواس الزوجين بين التدين واللاتدين
العقل في نهج البلاغة
العلاقة الزوجية بين الرومانسية والجنس
الاخلاق فی البیت
الطب قبل الاسلام
التقیة والإکراه
صفات الشيعة
السكر الابيض او كما يقولون السم الابيض واضراره ...
هواية التفكير الإيجابي-2
الشيخ حسين آل عصفور

 
user comment