تنتشر على بعض سيارات الشباب عبارة: (لا أحد يحاسبني ـ يحكم علي ـ إلا الله) وهي مترجمة عن: Only God can judge me .. وهذه العبارة من جهة صحيحة ومن جهات خاطئة. أما وجه الصحة فيعود إلى ما له علاقة باليوم الآخر، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)[الغاشية:26]. فلن يحاسب الخلق يومئذ إلا الله، ولا يعرف حقيقة الأعمال في قيمتها ونواياها ودوافعها وسائر شؤونها إلا الله سبحانه.
وأما خطأ العبارة فيعود إلى أمور، من بينها:
1ـ أن الإنسان يعيش في مجتمع، وهناك قوانين تنتظم من خلالها أمور هذا المجتمع وتضبط إيقاع حركته وتحفظ لكل فرد فيه حقه، وإذا حصل تعدٍّ ما من قبل أحد أفراد المجتمع، فلابد من محاسبته من قبل الجهات المختصة، ولربما تترتب على هذه المحاسبة عقوبة ما، ومن المعروف أنه (مَن أمِن العقوبة، أساء الأدب). 2ـ أن على الإنسان التزامات شرعية تجاه خالقه، ومن خلالها يكون تقياً متديناً ملتزماً، أو فاسقاً منحرفاً، فإذا جاهر الفرد بالمعاصي، فإن من حق سائر الأفراد أن يقيّموه ومن ثَم يأمروه بالمعروف وينهوه عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس من حقه أن ينهاهم عن ذلك، وقد قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[التوبة:71]، كما أن من حق الحاكم الشرعي أن يحاسبه ويعاقبه. 3ـ أن العبارة يضعها كثير من هؤلاء الشباب ليسمحوا لأنفسهم بارتكاب سلوكيات معيبة تخص حرمة مستخدمي الطريق وقوانين المرور، وللتخلي عن بعض الالتزامات الشرعية.. وبالتالي فهي مجرد كلمة حق يُراد بها باطل. إن على هؤلاء الشباب أن يدركوا أن الله قد خلقهم مختارين، ولكنه في نفس الوقت جعل هذا الاختيار مسؤولية، تترتب عليها المحاسبة والإثابة والعقوبة، وهي وإن كانت محضة بيد الله في الآخرة، إلا أنه جعل من حق المجتمع أيضاً ومن مسؤولياته ـ في هذه الحياة ـ أن يقيّم سلوك المخطئين ويقوّمها ضمن ضوابط محددة.. وما لم يتقوا الله، وما لم يراعوا حقوق الآخرين، وما لم ينضبطوا بالقانون الذي ينظّم الشؤون المختلفة في المجتمع، فإن عليهم تحمّل تبعات ذلك، فالحياة شراكة.. وعلى كل شريك أن يُدرك طبيعة هذه الشراكة ومقتضياتها.