بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك بعض السنن الالاهية في الكون كسنة الاستدراج والاملاء والتيسير وهنا معلومة ميسرة
سهلة عنها والتركيز على الاستدراج في القرآن الكريم والروايات الاسلامية
فائدة ومتعة جميلة أرجوها لكم ولاتنسوني من الدعاء .
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَـتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ(182)وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(18)سورة الأعراف
مقدمة الموضوع
سُنّة الاستدراج وسنّة الابتلاء سنتان متقابلتان .
سنة الاستدراج بنعمة بعدها سقوط ومحق وعذاب، وهذه النعمة ظاهرها رحمة وباطنها النقمة يستدرج فيها اللّه تعالى المسرفين والظالمين بالنعمة فتلهيهم النعمة، وتبطرهم، فينخر بنيانهم من الداخل، فينهار، وذلك هو المحق والسقوط في حياة هذه الامم.
وهذا السقوط يتم عادة، بغتة، وبصورة مفاجئة كما حدث ذلك في عصرنا للاتحاد السوفيتي.
يقول تعالى :(فلمّا نسوا ما ذكّروا به. فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما اُوتوا أحذناهم بغتة. فاذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا. والحمد للّه رب العالمين).
وإنّما يفتح اللّه أبواب النعمة عليهم ليفرحوا، ويتمادوا في غيّهم وطغيانهم، فيأخذهم اللّه بغتة، أخذ عزيز مقتدر، وهذه السنّة هي نفسها سُنّة الاملاء في القرآن، وإنما يسميها القرآن بالاستدراج لأن اللّه تعالى يستدرج بها المسرفين الى السقوط، ويسميها القرآن بـ "الاملاء" لأن اللّه يُملي فيها للمسرفين، والإملاء هو الإمداد، كما يقول الراغب في المفردات (فأمليت للذين كفروا. ثم أخذتهم فكيف كان عقاب)
هذا عن سنة الاستدراج والاملاء وسنّة الابتلاء بعكس سنة الاملاء: يبتلي اللّه تعالى فيها عباده بالشدّة والعسر والضيق حتى يذكروا اللّه ويتضرعوا ويقبلوا على اللّه.
(ولقد أخذناهم بالعذابِ فما استكانوا لربهم وما يتضرّعو).
يقول تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات. وبشر الصابرين)
وهذه هي سنّة الابتلاء، وهي سنة عامة، شاملة. والمعاناة، والعذاب، والضيق، والشدّة في هذه السنة ظاهرها عذاب، وباطنها الرحمة. بعكس سنّة الاستدراج.
سنة التيسير...
ويعقب الابتلاء التيسير والفرج.
وكما أنّ سُنة الابتلاء عامّة، كذلك الفرج بعد الشدة سنّة إلهية حتمية، في دورة التاريخ. فلن يبتلي اللّه تعالى عباده بابتلاء في دنياهم وعافيتهم إلا ويعقب هذا الابتلاء فرج ورخاء. بشروط نذكرها.
يقول تعالى: (من أعطى وأتّقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى)(15)، (ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً)(16)، (ومن يتق اللّه نجعل له من أمره يُسراً)(17)، (سيجعل اللّه بعد عسر يسراً)(18)، (ونيسّرك لليسرى)(19).
وتأكيدات القرآن وإشاراته الى ذلك كثيرة، وهذه الآيات بمجموعها ترسم حدود هذه السنة الالهية .(الاستاذ الشيخ محمد مهدي الآصفي)
الاستدراج جاء في موطنين من القرآن: أحدهما في الآيتين محل البحث، والآخر في الآية (44) من سورة القلم، وكلا الموطنين يتعلقان بمكذّبي آيات الله ومنكر بها
وكما يقول أهل اللغة، فإنّ للإِستدراج معنيين:
أحدهما: أخذ الشيء تدريجاً، لأنّ أصل الإِستدراج مشتق من (الدرجة) فكما أنّ الإِنسان ينزل من أعلى العمارة إلى أسفلها بالسلالم درجةً درجة، أو يصعد من الأسفل إلى الأعلى درجةً درجة ومرحلة مرحلة، فقد سمي هذا الأمر استدراجاً.
والمعنى الثّاني للإِستدراج هو، اللّف والطّي، كطي السّجل أو «الطومار» ولفّه. وهذان المعنيان أوردهما الراغب في مفرداته، إلاّ أنّ التأمل بدقّة في المعنيين يكشف أنّهما يرجعان إلى مفهوم كلي جامع واحد: وهو العمل التدريجي.
يقول سبحانه في الآية الأُولى: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون).
أي سنعذبهم بالإِستدراج شيئاً فشيئاً، ونطوي حياتهم.
والآية الثّانية تؤكّد الموضوع ذاته، وتشير بأنّ الله لا يتعجل بالعذاب عليهم، بل يمهلهم لعلهم يحذرون ويتعظون، فإذا لم ينتبهوا من نومتهم ابتلوا بعذاب الله; فتقول الآية (واُملي لهم).
لأنّ الإِستعجال يتذرع به من يخاف الفوت، والله قوي ولا يفلت من قبضته أحد (إنّ كيدي متين).
و «المتين» معناه القوي المحكم الشديد، وأصله مأخوذ من المتن، وهو العضلة المحكمة التي تقع في جانب الكتف (في الظهر).
و«الكيد» والمكر متساويان في المعنى، وكما ذكرنا في ذيل الآية (54) من سورة آل عمران، أنّ المكر يعني في أصل اللغة الإِحتيال ومنع الآخر من الوصول إلى قصده.
ويستفاد من الآية ـ آنفة الذكر وآيات أُخرى وبعض الأحاديث الشريفة الواردة ـ في شأن الإِستدراج، أو العذاب الإِستدراجي، أنّ الله لا يتعجل بالعذاب على الطغاة والعاصين المتجرئين وفقاً لسنته في عباده، بل يفتح عليهم أبواب النعم. فكلّما ازدادوا طغياناً زادهم نعماً
وهذا الأمر لا يخلو من إحدى حالتين، فإمّا أن تكون هذه النعم مدعاة للتنبيه والإيقاظ فتكون الهداية الإِلهية في هذه الحال عملية.
أو أنّ هذه النعم تزيدهم غروراً وجهلا، فعندئذ يكون عقاب الله لهم في آخر مرحلة أوجع، لأنّهم حين يغرقون في نعم الله وملذاتهم ويبطرون، فإنّ الله سبحانه يسلب عندئذ هذه النعم منهم، ويطوي سجل حياتهم، فيكون هذا العقاب صارماً وشديداً جدّاً...
وهذا المعنى بجميع خصوصياته لا يحمله لفظ الإستدراج وحده، بل يستفاد هذا المعنى يفيدِ (من حيث لا يعلمون) أيضاً.
وعلى كل حال، فهذه الآية تنذر جميع المجرمين والمذنبين بأنّ تأخير الجزاء من قبل الله لا يعني صحة أعمالهم أو طهارتهم، ولا عجزاً وضعفاً من الله، وأن لا يحسبوا أنّ النعم التي غرقوا فيها هي دليل على قربهم من الله، فما أقرب من أن تكون هذه النعم والإنتصارات مقدمة لعقاب الإستدراج. فالله سبحانه يغشيّهم بالنعم ويمهلهم ويرفعهم عالياً، إلاّ أنّه يكبسهم على الأرض فجأة حتى لا يبقى منهم أثر، ويطوي بذلك وجودهم وتأريخ حياتهم كله يقول الإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة أنّه «من وسّع عليه في ذات يده فلم يَرَ ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً»( ـ تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 106.
كما جاء عنه(عليه السلام) في روضة الكافي أنّه قال: «ثمّ إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى أن قال ـ يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالساً حتى يخرج من الدين، ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون»تفسسير نور الثقلين
ويقول الإمام الصادق(عليه السلام): «كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه، وكم من مستدرج يستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه». تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 106.
وجاء عنه(عليه السلام) في تفسير الآية المشار إليها آنفاً أنّه قال: «هو العبد يذنب الذنب فتجدد له النعمة معه، تلهيه تلك النعمة عن الإستغفار عن ذلك الذنب»
وورد عنه(عليه السلام) في كتاب الكافي أيضاً: «إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمة ويذكره الإِستغفار، وإذا أراد بعبد شرّاً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة لينسيه الإِستغفار، ويتمادى بها، وهو قوله عزّوجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)بالنعم عند المعاصي» تفسير البرهان، ج 2، ص 53
عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلي بن ابراهيم عن ابيه جميعا
عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن بعض اصحابه قال : سئل ابوعبدالله عليه السلام عن الاستدراج ؟
فقال : هو العبد يذنب الذنب فيملي له ويجدد له عنده النعم فيلهيه عن الاستغفار من
الذنوب ، فهو مستدرج من حيث لا يعلم (تفسير نور الثقلين)
ومن دعاء الامام الحسين عليه السلام يوم عرفة(اللهم لاتمكر بي ولاتستدرجني ولاتخدعني)
وأيضا له سلام الله عليه (اللهم لا تستدرجني بالاحسان ، ولا تؤدبني بالبلاء)كشف الغمة2/243
ومن دعاء الامام السجاد يوم عرفة
ولاتستدرجني باملائك لي إستدراج من منعني خير ما عنده ولم يشركك في حلول نعمة بي ونبهني من رقدة الغافلين وسنة المسرفين ونعسة المخذولين وخذ بقلبي إلى ما استعملت به القانتين واستعبدت به المتعبدين واستنقذت به المتهاونين وأعذني مما يباعدني عنك ويحول بيني وبين حظي منك ويصدني عما احاول لديك وسهل لي مسلك الخيرات إليك والمسابقة إليها من حيث أمرت والمشاحة فيها على ما أردت ولا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين بما أوعدت ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك ولا تتبرني فيمن تتبر من المنحرفين عن سبلك ونجيني من غمرات الفتنة وخلصني من لهوات البلوى وأجرني من أخذ الاملاء وحل بيني وبين عدوٍ يضلني وهوى يوبقني ومنقصةٍ ترهقني ولا تعرض عني إعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك.